حكم انحصار ماء الوضوء أو الغسل في إحدى الآنيتين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6326


ــ[302]ــ

   [ 411 ] مسألة 14 : إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في إحدى الآنيتين (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الصيني والمشقاب أو تفريغ الماء من السماور في الفنجان كما لا يجوز شرب الماء من آنية الذهب من دون واسطة ، وذلك لأنه بنفسه مصداق لاستعمال الآنيتين في الأكل أو الشرب عرفاً ، ولا فرق في ذلك بين قصده التخلص من الحرام بتفريغه وعدمه ، لوضوح أن القصد لا يغيّر الواقع عما هو عليه فبما أن تفريغه أو شربه مصداق لاستعمال الآنيتين حقيقة فقصده التخلّص لا يمنع عن صدق الاستعمال عليهما ولا يخرجهما عن كونهما استعمالاً لهما في الأكل أو الشرب .

   وأما لو أكل من آنيتهما بتوسط أمر اخترعه بنفسه على خلاف المتعارف في مثلهما ـ  لأن الأكل منهما لم يكن محتاجاً إلى واسطة أصلاً أو لو احتاج فالى واسطة معينة لا إلى تلك الواسطة المخترعة  ـ كما إذا فرغ الطعام من القدر الذهبي إلى قدر آخر من الصفر مثلاً أو من السماور كذلك إلى سماور آخر أو من كأس إلى كأس غير ذهب وهكذا فلا يعد تفريغه مصداقاً لاستعمالهما لدى العرف ، لأنه في الحقيقة إعراض عن الاناء الأوّل بداعي التخلّص عن الحرام ، ولا فرق في ذلك بين القول بحرمة استعمالهما في خصوص الأكل أو الشرب وبين القول بحرمة استعمالهما مطلقاً ، لما عرفت من أن التفريغ حينئذ ليس بمصداق لاستعمالهما عرفاً وإذا لم يكن التفريغ مصداقاً له لم يكن وجه لحرمته .

   وهذا هو مراد الماتن (قدس سره) في المقام دون الصورة المتقدِّمة فلا وجه للنقض عليه بما إذا فرّغ ماء السماور في القوري أو الفنجان ونحوهما ، وذلك لأنه من قبيل الصورة المتقدِّمة وهو استعمال عرفي للسماور في الشرب منه وقد مرّ أن مراده (قدس  سره) ما إذا لم يكن التفريغ مصداقاً للاستعمال الحرام .

   (1) ظهر حكم هذه المسألة ممّا قدّمناه (1) في التوضؤ من الاناء المغصوب وتفصيل الكلام فيها ـ بناء على عدم جواز استعمال الآنيتين مطلقاً ـ أن الماء قد ينحصر في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 265 .

ــ[303]ــ

إحداهما ولا يتمكن المكلف من تفريغه في ظرف آخر على وجه لا يعد استعمالاً للآنيتين ، وقد لا ينحصر أو يتمكن من تفريغه في ظرف آخر من دون أن يعد استعمالاً للآنيتين وهاتان صورتان :

   أمّا الصورة الاُولى : فلا شبهة في أن وظيفة المكلف هو التيمم وقتئذ ولا يجب في حقِّه تحصيل الطهارة المائية لحرمة مقدمتها ، وإنما الكلام في أنه لو عصى النهي عن تلك المقدّمة وأخذ الماء من الآنيتين فتوضأ أو اغتسل فهل يمكن الحكم بصحتهما أو لا يمكن ؟

   قد يكون الغسل أو الوضوء محرمين في نفسيهما كما إذا توضأ أو اغتسل فيهما بالارتماس ولا شبهة في بطلانهما حينئذ لعدم امكان التقرب بما هو مصداق للحرام . وقد يكون المحرم مقدمتهما دون نفسهما كما إذا اغتسل أو توضأ منهما بالاغتراف بأن بنينا على أن الاستعمال المحرم إنما هو تناول الماء منهما فحسب دون الاستعمالات المترتبة عليه ، وصحة الغسل أو الوضوء في هذه الصورة مبتنية على القول بالترتب ولا نرى أيّ مانع من الالتزام به في المقام ، لأن المعتبر في الواجبات المركبة إنما هي القدرة التدريجية ولا تعتبر القدرة الفعلية على جميع أجزائها من الابتداء كما أوضحناه في التكلم على الوضوء من الاناء المغصوب ، وحيث إن القدرة التدريجية متحققة في المقام بالعصيان فلا مانع من الالتزام به ، وذلك لأن الترتب على طبق القاعدة ولا يحتاج الالتزام به إلى دليل بالخصوص ، ولا مانع من الأمر بالأهم والمهم كليهما سوى لزوم الأمر بالجمع بين الضدين المحال إلاّ أن ذلك يرتفع بالتقييد في إطلاق أحـدهما فان الأمر بالغسل أو الوضوء مقيد بالوجدان والأمر بالتيمم وبالاجتناب عن استعمال الآنيتين مطلق في المقام ، ونتيجة ذلك أن الأمر بالغسل أو الوضوء مشروط بعصيان الأمر بالاجتناب والتيمم ، وذلك لأنه لو عصى وتناول الماء من الآنيتين بالاغتراف تحققت القدرة على غسل الوجه في الوضوء ، وحيث إن المكلف عالم بعصيانه مرة ثانية فثالثة فهو متمكن من غسل يديه متدرجاً والقدرة التدريجية كافية في الواجب المركب على الفرض ، فلا مانع من الحكم بصحة الغسل والوضوء بالترتب فان حالهما حال الصلاة المزاحمة بالازالة على ما بيّناه سابقاً فلا نعيد .

ــ[304]ــ

فان أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب وإلاّ سقط وجوب الوضوء أو الغسل ووجب التيمم ، وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أو صب على محل الوضوء بهما أو ارتمس فيهما ، وإن كان له ماء آخر ، أو أمكن التفريغ في ظرف آخر ومع ذلك توضّأ أو اغتسل منهما فالأقـوى أيضاً  ((1))

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا ما عن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أن الترتّب مشروط باحراز الملاك في كلا الواجبين فقد تقدّم الجواب عنه في الكلام على التوضّؤ من الاناء المغصـوب فراجع (2) هذا .

   ولا يخفى أن تصحيح الوضوء والغسل بالترتب يبتني على القول بعدم حرمة الاستعمالات المتفرعة على تناول الماء من الاناء ، وإلاّ فالوضوء بنفسه مصداق للحرام ويستحيل أن يتصف معه بالوجوب وكذلك الحال في الغسل . نعم لا ملزم للالتزام به لأن الأخبار الناهية عن الأكل والشرب في آنيتهما تختص بالأكل والشرب منهما ولا تشمل غيرهما من استعمالاتهما فضلاً عن الاستعمالات المترتبة على تناول الماء منهما .

   وأما ما ورد بلسان النهي عنهما أو كراهتهما فهي أيضاً كذلك ، لأن المقدر فيهما إما الأكل والشرب فحسب وإما مطلق استعمالاتهما ، واستعمال الاناء لا يصدق إلاّ على تناول الماء منهما وأما صبه بعد ذلك أو إطعامه للحيوان أو غسل الثوب به خارج الاناء فلا يصدق على شيء من ذلك استعمال الآنية بوجه ، ومن هنا نسب إلى عامة الفقهاء صحة التوضؤ منهما في صورة عدم الانحصار مع ذهابهم إلى حرمة استعمالات الآنيتين مطلقاً ، فلو كان الوضوء محرماً في نفسه لم يكن وجه للقول بصحته ، هذا كله في صورة الانحصار .

   وأمّا الصورة الثانية : فهي التي أشار إليها الماتن بقوله : وإن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ في ظرف آخر ... فالأقوى أيضاً البطلان .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى الصحة في غير صورة الارتماس ، ولا يبعد الحكم بالصحة مع الانحصار أيضاً .

(2) ص 269 .

ــ[305]ــ

البطلان (1) لأنه وإن لم يكن مأموراً بالتيمم إلاّ أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعدّ استعمالاً لهما عرفاً فيكون منهياً عنه((1)). بل الأمر كذلك((2)) لو جعلهما محلاًّ لغسالة الوضوء (2) لما ذكر من أن توضّؤه حينئذ يحسب في العرف استعمالاً لهما .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بل لا ينبغي التأمل في صحة الغسل والوضوء حينئذ ، وذلك لأن الأمر بالطهارة المائية فعلي في حقه لتمكنه من الماء فاذا عصى وتناول الماء منهما بالاغتراف صح وضوءه وغسله قلنا بالترتب أم لم نقل ، لأن الماء الموجود في يده حاله حال المياه المباحة واختيار المقدمة المحرمة لا يضر بصحتهما بعد كونه متمكناً من الماء .

   (2) يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين :

   إحداهما : ما إذا قصد المتوضئ ادّخار ماء الوضوء وجمعه في الآنيتين لأنه قد يتعلق به الغرض من التبرك أو استعماله بعد ذلك في مورد آخر .

   وثانيتهما : ما إذا لم يقصد المتوضئ ذلك وإنما اجتمع ماء الوضوء فيهما بطبعه .

   أمّا الصورة الاُولى : فالظاهر أنه لا إشكال في حرمته لأنه استعمال للآنيتين وقد فرضنا حرمته ، والوجه في ذلك أن استعمال أي شيء إنما هو باعماله فيما اُعد له والآنية معدة لأن يجمع فيها الماء والطعام ، وهل حرمة ذلك تستتبع الحكم ببطلان الوضوء وحرمته ؟

   والصحيح أنها غير مستتبعة لذلك ، وسره أن الوضوء أو الغسل شيء واستعمال الاناء بجمع الماء فيه شيء آخر ولا يصدق استعمال الاناء على الوضوء ، ومع عدم كونه استعمالاً لآنيتهما لا موجب لحرمته وبطلانه .

   وقد يقال بالحرمة والبطلان نظراً إلى أن الغسل أو الوضوء علتان للمعصية وهي جمع الماء في الآنيتين وإذا حرم المعلول حرمت علته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

(2) استعمالهما في ذلك وإن فرض أنه كان حراماً إلاّ أن الأظهر عدم بطلان الوضوء به .

ــ[306]ــ

   نعم لو لم يقصد جعلهما مصباً للغسالة ، لكن استلزم توضؤه ذلك أمكن أن يقال : إنّه لا يعد الوضوء استعمالاً لهما (1) بل لا يبعد أن يقال : إن هذا الصب أيضاً لا يعد استعمالاً فضلاً عن كون الوضوء كذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وفيه : أن دعوى ذلك كدعوى أن الوضوء استعمال للآنيتين أمر لا يمكن المساعدة عليه وذلك لعدم تماميتها صغرى وكبرى .

   أما بحسب الصغرى فلأمرين : أحدهما : أن الوضوء هو إيصال الماء إلى البشرة على وجه يجري من محل إلى محل ، ومن الظاهر أنه غير مستلزم لصبّ الماء على الاناء ولا لجمعه فيه ، فان إجراء الماء على أعضاء الوضوء إذا كان على وجه التدهين باليد لم يستلزم صبّ الماء على الاناء . وأما وقوع بعض القطرات فيه أثناء الوضوء فهو وإن كان كذلك إلاّ أنه لا يعد استعمالاً للاناء . مضافاً إلى امكان المنع عن انفصال القطرات عن المحال ، فبذلك يظهر أن انصباب الماء على الاناء واجتماعه فيه عند الوضوء أمر قد يتحقق وقد لا يتحقّق وليس هذا معلولاً للوضوء حتى لا ينفك عنه .

   وثانيهما : هب أن الوضوء يستلزم الصب وأنه علة لاجتماع الماء في الاناء ، إلاّ أنه لا شك في أن اجتماع الماء في الاناء غير مستند إلى التوضؤ بوحدته وإنما هو معلول لأمرين : أحدهما الوضوء وثانيهما إبقاء الاناء في موضعه ، إذ لو نقل منه إلى محل آخر لم يقع عليه ماء الوضوء والابقاء أمر اختياري للمتوضئ ، ومعه فالوضوء مقدّمة من مقدّمتي الحرام وليس علة تامة للمعصية وقد بيّنا في محلِّه أن مقدّمة الحرام ليست بحرام .

   وأما بحسب الكبرى فلأن العلة ومعلولها موجودان متغايران ولا يكون البغض في أحد المتغايرين سارياً إلى الآخر بوجه حيث لا تلازم بينهما ، فلا أساس لما هو المشتهر من أن علة الحرام حرام . والمتلخص أن الوضوء والغسل صحيحان في محل الكلام ولا يعدّان استعمالاً للاناء ، هذا كلّه في الصورة الاُولى .

   أمّا الصورة الثانية : فهي التي أشار إليها الماتن بقوله : نعم لو لم يقصد ....

   (1) بل هذا هو الصحيح ، لما مر من أن استعمال أي شيء إنما هو إعماله فيما اُعد له

ــ[307]ــ

   [ 412 ] مسألة 15 : لا فرق في الذّهب والفضّة بين الجيد منهما والرديء والمعدني والمصنوعي والمغشوش والخالص (1) إذا لم يكن الغش إلى حد يخرجهما عن صدق الاسم وإن لم يصدق الخلوص . وما ذكره بعض العلماء من أنه يعتبر الخلوص وأن المغشوش ليس محرماً وإن لم يناف صدق الاسم ، كما في الحرير المحرّم على الرجال حيث يتوقف حرمته على كونه خالصاً لا وجه له ، والفرق بين الحرير والمقام أن الحرمة هناك معلقة في الأخبار على الحرير المحض ، بخلاف المقام فانّها معلقة على صدق الاسم .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد فرضنا أن الاناء لم يعمل لجمع الماء فيه لأن المتوضئ لا يريد ذلك ولا يقصده وحيث لا إعمال فلا استعمال للاناء . ودعوى : أن صدق الاستعمال عليه أوضح من صدق الاستعمال على الوضوء من ماء الاناء ، عهدتها على مدعيها . فما أفاده الماتن من أن هذا الصب لا يعد استعمالاً فضلاً عن كون الوضوء كذلك متين لا غبار عليه .

   (1) لاطلاق الدليل وهو يشمل المعدني والمصنوعي والقسم الجيد والرديء ، وكذلك الخالص والمغشوش إذا كان الخليط قليلاً كما هو الحال في الليرات وغيرها من النقود ، وذلك لأن الحكم يدور مدار عنوان الذهب والفضة وهو يصدق على المغشوش وسائر الأقسام المتقدِّمة . بل قدمنا أن الغالب في صياغة الذهب هو المزج حتى يتقوى بذلك ـ  كما قيل  ـ ولم يرد اعتبار الخلوص في حرمة أواني الذهب والفضة حتى نلتزم بالجواز في الممتزج بغيرهما ولو قليلاً وإنما الدليل دلّ على حرمة آنيتهما فحسب فمتى صدق هذا العنوان حكم بحرمتهما .

   وأما اعتباره في حرمة الحرير على الرجال فهو مستند إلى الأخبار الدالّة على جواز لبس الحرير إذا كان مخلوطاً بغيره ولو قليلاً (1) نعم إذا كثر المزيج بحيث لم يصدق على الاناء عنوان الذهب أو الفضة جاز استعماله لعدم شمول الدليل له وإن كان مشتملاً على شيء منهما . وكذا ما ليس بذهب حقيقة فانّه لا بأس باستعماله وإن سمي ذهباً لدى العرف كما هو الحال في الذهب المعروف بالفرنكي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 373 / أبواب لباس المصلي ب 13 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net