استحباب الوضوء نفساً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7874


ــ[467]ــ

أو شرط في تحقق أمر كالوضوء للكون على الطهارة (1) أو ليس له غاية كالوضوء الواجب بالنذر ، والوضوء المستحب نفساً ـ  إن قلنا به  ـ كما لا يبعد (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل الطعام يبدأ صاحب البيت ...» (1) ورواية مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال : «صاحب الرحل يتوضأ أول القوم قبل الطعام وآخر القوم بعد الطعام» (2) وذلك لعدم دلالة دليل على استحباب أن يكون رب البيت أوّل مَنْ يتوضّأ ـ  بالمعنى المصطلح عليه  ـ  قبل الطعام وآخر من يتوضّأ بعده ، وعليه فالمراد بالتوضّؤ في تلك الروايات هو التنظيف والتغسيل كما هو معناه اللغوي ، وبذلك صرح في رواية الموسوي قال قال هشام : «قال لي الصادق (عليه السلام) : والوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام وبعده» (3) .

   (1) يتضح الكلام في ذلك مما نبينه في التعليقة الآتية .

   (2) قد مثّل للوضوء الذي لا غاية له بأمرين :

   أحدهما : الوضوء الواجب بالنذر ، لأنه لا يعتبر في الاتيان به قصد الغاية . وفيه : أن نذر الوضوء يتوقف صحته على أن يكون الوضوء مستحباً في نفسه ، لوضوح أن النذر لا يشرع به ما ليس بمشروع في نفسه ، فلا مناص من أن يكون متعلقه راجحاً ومشروعاً مع قطع النظر عن النذر المتعلق به ، وما لم يثبت رجحانه كذلك لم يصح نذره . إذن لا معنى لعدّ ذلك قسماً آخر في مقابل الوضوء المستحب نفساً .

   وثانيهما : الوضوء المستحب نفساً ـ على القول به ـ كما لم يستبعده الماتن (قدس سره) وعن جماعة إنكار الاستحباب النفسي للوضوء وأنه إنما يتصف بالاستحباب فيما إذا أتى به لغاية من الغايات المستحبة ، وأما الاتيان به بما هو مشتمل على الغسلتين والمسحتين في قبال ما يؤتي به لغاية من الغايات فلم تثبت مشروعيته .

   والصحيح أن الوضوء مستحب في نفسه وفاقاً للماتن (قدس سره) وهذا لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 24 : 339 / أبواب آداب المائدة ب 50 ح 1 ، 7 .

(3) الوسائل 24 : 338 / أبواب آداب المائدة ب 49 ح 16 .

ــ[468]ــ

للحديث القدسي المروي في إرشاد الديلمي قال : «قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : يقول الله سبحانه : من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني ، ومن أحدث وتوضأ ولم يصلّ ركعتين فقد جفاني ، ومن أحدث وتوضأ وصلّى ركعتين ودعاني ولم اُجبه فيما سألني من أمر دينه ودنياه فقد جفوته ، ولست برب جاف» (1) ولا للمرسلة المرويّة عن الفقيه : «الوضوء على الوضوء نور على نور» (2) ولا لرواية محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهّروا» (3) وذلك لعدم قابليتها للاستدلال بها لضعفها .

   بل لقوله عزّ من قائل : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُـتَطَهِّرِينَ ) (4) بضميمة الأخبار الواردة في أن الوضوء طهور (5) وذلك لأن الآية المباركة دلتنا على أن الطهارة محبوبة لله سبحانه ، ولا معنى لحبه إلاّ أمره وبعثه ، فيستفاد منها أن الطهارة مأمور بها شرعاً . والمراد بالطهارة في الآية المباركة ما يعم النظافة العرفية ، وذلك لما ورد فيما رواه جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في قول الله عزّ وجلّ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُـتَطَهِّرِينَ ) من أن الناس كانوا يستنجون بالكرسف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 382 / أبواب الوضوء ب 11 ح 2 .

(2) الوسائل 1 : 377 / أبواب الوضوء ب 8 ح 8 .

(3) الوسائل 1 : 377 / أبواب الوضوء ب 8 ح 10 ، 246 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 6.

(4) البقرة 2 : 222 .

(5) يستفاد ذلك من مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، ولا صلاة إلاّ بطهور» الوسائل 2 : 203 / أبواب الجنابة ب 14 ح 2 ، 1 : 372 / أبواب الوضوء ب 4 ح 1 ، 365 / أبواب الوضوء ب 1 ح 1 . وصحيحته الاُخرى «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ...» الوسائل 1 : 371 / أبواب الوضوء ب 3 ح 8 . وحسنة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود» الوسائل 6 : 310 / أبواب الركوع ب 9 ح 1 ، 6 : 389 / أبواب السجود ب 28 ح 2 . وما رواه الصدوق في العيون والعلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال : «إنما اُمر بالوضوء وبدئ به لأن يكون العبد طاهراً» الوسائل 1 : 367 / أبواب الوضوء ب 1 ح  9 ، إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يسع المجال استقصاءها .

ــ[469]ــ

والأحجار ثم اُحدث الوضوء وهو خلق كريم ، فأمر به رسول الله وصنعه ، فأنزل الله في كتابه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُـتَطَهِّرِينَ ) (1) وفي بعض الأخبار إن الناس كانوا يستنجون بالأحجار ، فأكل رجل من الأنصار طعاماً فلان بطنه فاستنجى بالماء ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُـتَطَهِّرِينَ ) ويقال إن هذا الرجل كان البراء بن معرور الأنصاري (2) فان الاستنجاء بكل من الماء والأحجار وإن كان نظافة شرعية ، إلاّ أن الاستنجاء بالماء يزيد في التنظيف لأنه يذهب العين والأثر ، والأحجار لا تزيل إلاّ العين فحسب . فالآية المباركة دلّت على أن الله يحب التطهير بالماء ، وحيث إن ورود الآية في مورد لا يوجب اختصاصها بذلك المورد ، فيتعدى عنه إلى مطلق النظافات العرفية والشرعية . وعلى الجملة استفدنا من الآية المباركة أن النظافة باطلاقها محبوبة لله وأنها مأمور بها في الشريعة المقدّسة . ويؤيده ما ورد من أن النظافة من الايمان (3) هذا كله في كبرى محبوبية الطهارة شرعاً .

   وأمّا تطبيقها على الوضوء ، فلأنّ الطهارة اسم لنفس الوضوء أعني المسحتين والغسلتين ، لا أنها أثر مترتب على الوضوء كترتب الطهارة على الغسل في تطهير المتنجِّسات ، فإذا قلنا الصلاة يشترط فيها الطهارة فلا نعني به أن الصلاة مشروطة بأمرين ، وإنما المراد أنها مشروطة بشيء واحد وهو الغسلتان والمسحتان المعبّر عنهما بالطهارة ، وعلى هذا جرت استعمالاتهم فيقولون : الطهارات الثلاث ويريدون بها الوضوء والتيمم والغسل .

   لا يقال : الطهارة أمر مستمر ولها دوام وبقاء بالاعتبار ، وليس الأمر كذلك في الوضوء لأنه يوجد وينصرم ، فكيف تنطبق الطهارة على الوضوء .

   لأنه يقال : الوضوء كالطهارة أمر اعتبر له الدوام والبقاء ، ويستفاد هذا من جملة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 355 / أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 4 ، 3 .

(3) نهج الفصاحة : 636 / 3161 .

ــ[470]ــ

من الروايات :

   منها : ما في صحيحة زرارة : «الرجل ينام وهو على وضوء» (1) وذلك لأنه لو لم يكن للوضوء استمرار ودوام كما إذا فسّرناه بالمسحتين والغسلتين بالمعنى المصـدري فما معنى أن الرجل ينام وهو على وضوء ، إذ الأفعال توجد وتنصرم وكون الرجل على وضوء فرع أن يكون الوضوء أمراً مستمراً بالاعتبار . وبعبارة اُخرى : أن ظاهر قوله «وهو على وضوء» أن الرجل بالفعل على وضوء ، نظير ما إذا قيل زيد على سفر فانّه إنمّا يصح إذا كان بالفعل على سفر ومنه قوله تعالى (وَإِن كُنتُمْ عَلى سَفَر )(2) وقوله (وَإِن كُنتُم مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر )(3) أي كنتم كذلك بالفعل ، وهذا لا يستقيم إلاّ إذا كان المرتكز في ذهن السائل أن الوضوء له بقاء ودوام في الاعتبار . ونظيرها رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : من طلب حاجة وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (4) ومرسلة الصدوق عن الصادق (عليه السلام) «إني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو على وضوء كيف لا  تقضى حاجته ...» (5) وغيرهما من الأخبار .

   ومنها : الأخبار الواردة في اشتراط الوضوء في الطواف ، كصحيحتي محمّد بن مسلم وعلي بن جعفر المتقدِّمتين(6) وغيرهما ، حيث دلّتنا تلك الروايات على أن الانسان قد يكون على وضوء وقد يكون على غير وضوء ، ولا معنى لذلك إلاّ أن يكون للوضوء كالحدث والطهارة دوام عند الشارع .

   ومنها : ما هو أصرح من السابقتين ، وهو الأخبار الواردة في أن الرعاف والقيء والقلس والمذي والوذي والودي وأمثال ذلك مما ورد في الأخبار غير ناقض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 .

(2) البقرة 2 : 283 .

(3) النساء 4 : 43 .

(4) ، (5) الوسائل 1 : 374 / أبواب الوضوء ب 6 ح 1 ، 2 .

(6) في ص 464 .

ــ[471]ــ

أما الغايات للوضوء الواجب فيجب للصلاة الواجبة أداء أو قضاء عن النفس أو عن الغير (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للوضوء (1) وأن البول والغائط والنوم والمني ناقض له (2) والوجه في صراحتها في المدعى : أن النقض إنما يتصوّر في الأمر الباقي والمستمر ، وأما ما لا وجود له بحسب البقـاء فلا معنى لنقضه وعدم نقضـه ، فمن هذا كلّه يظهر أن الغسـلتين والمسـحتين ـ  لا  بالمعنى المصدري الايجادي  ـ أمران مستمران ، وهما المأمور به فيما يشترط فيه الطهارة ، وهما المعبّر عنهما بالطهارة في عبارات الأصحاب كما تقدم ، فالوضوء بنفسه مصداق للطهارة والنظافة تعبداً ، فتشملها الكبرى المستفادة من الآية المباركة وهي محبوبية النظافة في الشريعة المقدسة وكونها مأموراً بها من قبله . فمن مجموع الآية والأخبار نستفيد أن الوضوء بنفسه من غير أن يقصد به شيء من غاياته أمر محبوب ومأمور به لدى الشرع ، كما أنه كذلك عند قصد شيء من غاياته ، فلا مانع من أن يتعلق به النذر وأن يؤتى به لذاته من غير نذر ولا قصد شيء من الغايات المترتبة عليه .

   وبما ذكرناه ظهر أن قصد الكون على الطهارة هو بعينه قصد الكون على الوضوء لا  أنه قصد أمر آخر مترتب على الوضوء ، لما عرفت من أن الوضوء هو بنفسه طهارة لا أن الطهارة أمر يترتب على الوضوء ، فمن قصد الوضوء فقد قصد الكون عليه فلا  وجه لعد الكون على الطهارة من الغايات المترتبة على الوضوء .

   (1) للأخبار الكثيرة ، وقد أسلفنا شطراً منها (3) فلاحظ ، ولقوله عزّ من قائل : (إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... ) (4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 260 / أبواب نواقض الوضوء ب 6 ، 7 ، 12 .

(2) الوسائل 1 : 248 / أبواب نواقض الوضوء ب 2 ، 3 .

(3) في ص 464 .

(4) المائدة 5 : 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net