الوضوء بماء المطر - الشك في كون الشيء من الظاهر حتى يجب غسله 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10365


ــ[104]ــ

   [ 512 ] مسألة 22 : يجوز الوضوء بماء المطر كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلى فالأعلى، وكذلك بالنسبة إلى يديه ، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه ، ولو لم ينو من الأوّل لكن بعد جريانه على جميع محالّ الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله ، وكذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضاً ، وكذا لو ارتمس في الماء ثم خرج وفعل ما ذكر (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الوضوء بماء المطر :

   (1) ظهر الحال في هذه المسألة مما سردناه في التعليقة المتقدمة وتوضيحه : أنه لا  إشكال ولا كلام في صحة التوضؤ بماء المطر كما إذا قام تحت السماء حين نزول المطر ونوى من الابتداء أو بجريانه على وجهه أو يديه غسل الوجه أو اليدين المأمور  بهما في الوضوء مراعياً للأعلى فالأعلى .

   وإنما الكلام فيما إذا لم يقصد الغسل المأمور  به من الابتداء ، بل إنما قصد تنظيف وجهه أو تطهير يده مثلاً ، أو لم يكن له قصد أصلاً لغفلته ، إلاّ أنه بعدما جرى المطر على مواضع وضوئه قد مسح على وجهه أو غيره من مواضع الوضوء بيده قاصداً به غسل الوجه أو اليدين المعتبر في الوضوء ، والاشكال المتقدم في التعليقة السابقة يأتي في ذلك بعينه ، لأنّ المأمور  به إنما الغسل الحادث بعد ما لم يكن ، والقطرات الموجودة على وجهه مثلاً من ماء المطر أو ماء الحوض بعد الخروج عنه إنما هي من توابع الغسل الحادث ، لوقوعه تحت المطر أو بدخوله تحت الماء ، وليس غسلاً جديداً ، وإمرار اليد على البدن أو محال الوضوء وإيصال الرطوبة إلى جميع جوانب البدن في الغسل أو الوجه واليدين في الوضوء لا يعدّ غسلاً بوجه ، لأنه مفهوم عرفي يعرفه كل عارف باللسان ، لبداهة عدم إطلاق الغسل عرفاً على إمرار اليد على البدن ونقل الرطوبات المائية إلى أطراف البدن أو الوجه أو غيرهما .

   والعجب عن بعض من قارب عصرنا حيث ذهب إلى كفاية مجرد قصد الغسل بعد الخروج عن الماء في حصول الغسل المأمور به ، من دون حاجة إلى شيء آخر حتى

ــ[105]ــ

   [ 513 ] مسألة 23 : إذا شكّ في شيء أنه من الظاهر حتى يجب غسله أو الباطن فلا ، فالأحوط غسله ((1)) ، إلاّ إذا كان سابقاً من الباطن وشكّ في أنه صار ظاهراً أم لا ، كما أنه يتعيّن غسله لو كان سابقاً من الظاهر ثمّ شكّ في أنه صار باطناً أم لا (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إمرار اليد ، مدعياً أن الرطوبات المائية الموجودة على بدنه من ماء الحوض أو المطر كافية في تحقّق الغسل ، ولا يجب استعمال الزائد منها في تحصيله وتحققه ، إذن مجرد قصد الغسل وهي على بدنه كاف في حصول الغسل المأمور  به .

   وفيه : أن الغسل لدى العرف لا يطلق على القصد مع إمرار اليد على البدن أو مواضع الوضوء ، فكيف بالقصد الساذج ، لأن الرطوبات الموجودة على بدنه إنما هي من توابع الغسل الحادث بالدخول تحت الماء أو بوقوعه تحت المطر ، ولا يعد إيصالها إلى جوانب البدن أو محال الوضوء غسلاً حادثاً لدى العرف ، فما ظنك بكفاية مجرد القصد .

   وعلى الجملة : أن الاخراج والتحريك أو إمرار اليد ونحوها لا يعد غسلاً عندهم ولا أقل من الشك في صدق الغسل عليه ، ومعه لا يمكن الاكتفاء به في مقام الامتثال . ثم إن الوجه في ذلك كما تقدم هو ما أشرنا إليه من أن ظاهر الأوامر إنما هو إحداث المتعلق وإيجاده بعدما لم يكن ، لا أن الوجه هو اعتبار اليبوسة في أعضاء الوضوء أو الغسل ، لصحتهما مع رطوبة المحل . نعم يعتبر أن تكون الرطوبة السابقة أقل من الماء المستعمل في المحل حتى لا تكون غالبة عليه ، كما إذا فرضنا الماء الموجود على المحل خمس قطرات وكان الماء المستعمل فيه قطرتان أو ثلاثاً ، فاذا كانت الرطوبة السابقة أقل منه فهي غير مانعة من صحة الوضوء ، فالمناقشة في صحتهما مستندة إلى عدم كون الاخراج أو التحريك غسلاً حادثاً بعدما لم يكن .

    الشك في كون الشيء من الظاهر :

   (1) قد تكون الشبهة مفهومية ولا كلام حينئذ في وجوب الاحتياط ، لما قدّمناه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأقوى عدم وجوبه إلاّ إذا كان سابقاً من الظاهر .

ــ[106]ــ

من أن مقتضى الاطلاقات والعمومات وجوب الغسل في كل شيء قابل له بين الحدين أعني القصاص والذقن ، أو المرفق وأطراف الأصابع ، وقد خرجنا عن ذلك فيما صدق عليه عنوان الجوف أو ما لم يظهر ، لأنه غير واجب الغسل بمقتضى الأخبار ، إذ قد ذكرنا سابقاً أن الباطن وإن لم يكن موضوعاً للحكم إلاّ أن مرادفه أعني الجوف أو ما لم يظهر قد اُخذ موضوعاً للحكم بعدم وجوب الغسل في بعض الروايات الواردة في المضمضة والاستنشاق(1) وغيرها فليلاحظ ، فاذا علمنا أن موضعاً من الجوف أو مرادفه فهو ، وإن شككنا في ذلك وجب الرجوع إلى مقتضى العموم والاطلاق وهو وجوب الغسل كما مرّ . ولكن الماتن لم يرد بذلك الشبهة المفهومية ، وإنما أراد الشبهة المصداقية والموضوعية ، وللشبهة المذكورة صور وأقسام .

    صور الشبهة الموضوعية :

   الاُولى : أن يكون للمشكوك فيه حالة سابقة ، بأن كان من الظاهر الذي يجب غسله في الوضوء ، ولا إشكال حينئذ في استصحاب بقائه على الحالة السابقة ووجوب غسله بمقتضاه .

   الثانية : أن يكون له حالة سابقة على خلاف الصورة المتقدمة ، كما إذا كان المشكوك فيه من الجوف وما لم يظهر ـ وهو الذي لا يجب غسله في الوضوء ـ فهل يجري استصحاب كونه من الجوف أو غير الظاهر حينئذ أو لا ؟ فيه كلام ، والظاهر جريان الاستصحاب في هذه الصورة أيضاً كما في الصورة المتقدمة ، وبه يحكم على عدم وجوب غسله ، هذا .

   وقد يقال بعدم الجريان ، نظراً إلى أنه من الاُصول المثبتة ، بدعوى أن المأمور  به هو الطهـارة وإثباتها باستصحاب كونه من الجوف والباطن يبتني على القول بالأصل المثبت .

   ويردّه : أن الطهارة إما أن تكون عنواناً واسماً للوضوء ، أعني نفس الغسلتين والمسحتين كما أشرنا إليه سابقاً وقلنا إنه ليس ببعيد ، وعليه لا مانع من جريان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 431 / أبواب الوضوء  ب 29 ح 6 ، 9 ، 12 .

ــ[107]ــ

استصحاب كونه من الجوف ، لأنّ المأمور  به حينئذ نفس الغسلتين والمسحتين ، ومن الظاهر أن نفي وجوب الغسل عن بعض المواضع لا يكون من المثبت في شيء ، ولعله ظاهر ، وإما أن تكون الطهارة أمراً بسيطاً وحكماً اعتبارياً شرعياً غير المسحتين والغسلتين ، ولكنه يترتب عليهما ترتب الحكم على موضوعه ، وعليه أيضاً لا يكون الاستصحاب المذكور مثبتاً ، لأنه أصل يجري في موضوع الحكم الشرعي حينئذ ، وبه ينقح الموضوع للحكم بالطهارة ، وأن الموضوع هو غسل غير الموضع المشكوك فيه وتنقيح الموضوع بالأصل غير كون الأصل مثبتاً .

   نعم ، إذا قلنا إن الطهارة أمر تكويني واقعي ومترتبة على تلك الأفعال ترتباً واقعياً قد كشف عنها الشارع ، حيث لا سبيل لنا إلى إدراكها ، كان للمناقشة المذكورة مجال لأن استصحاب الجوف والباطن لأجل إثبات لازمه التكويني وهو الطهارة من الاُصول المثبتة لا محالة ، إلاّ أن القول بأن الطهارة أمر واقعي ضعيف غايته ولا يمكن التفوه به ، بل الطهارة عنوان لنفس الغسلتين والمسحتين أو أنها حكم شرعي مترتب عليهما ، ومعه لا يكون الاستصحاب مثبتاً كما عرفت .

   الثالثة : أن لا يكون للمشكوك فيه حالة سابقة أصلاً ، كما إذا كان مشكوكاً فيه من الابتداء ، وفي هذه الصورة يبتني الحكم بعدم وجوب غسل الموضع المشكوك فيه على القول بجريان الأصل في الأعدام الأزلية ، فان مقتضى استصحاب العدم الأزلي عدم كون المحل المشكوك فيه من الظاهر الذي يجب غسله ، لأنه قبل أن يوجد لم يكن متصفاً بكونه ظاهراً لا محالة ، فاذا وجد وشككنا في أنه هل تحقق ووجد معه الاتصاف به أيضاً أم لم يتحقق فالأصل عدم تحقق الاتصاف به حتى بعد وجوده . وهذا نظير الاستصحاب الجاري في الصورة الثانية ، غير أن العدم فيها نعتي وفي الصورة الثالثة أزلي ، بمعنى أن المحل في الصورة الثانية كان موجوداً سابقاً وكان متصفاً بعدم كونه من الظاهر ، فالمستصحب هو اتصافه بالعدم المعبّر عنه بالعدم النعتي في الاصطلاح ، وأما في الصورة الثالثة فلم يحرز اتصافه بالعدم بعد وجود المحل ، وإنما نستصحب عدم تحقق الاتصاف المعلوم قبل وجوده ، وهو الذي يعبّر عنه بالعدم الأزلي فلاحظ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net