كفاية المسمى عرضاً ولو بعرض إصبع أو أقل ونقل الخلاف فيه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7312


ــ[152]ــ

ويكفي المسمّى عرضاً ولو بعرض إصبع أو أقلّ (1) ، والأفضـل أن يكون بمقدار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا الاستدلال على وجوب مسح الكعبين بمرسلة يونس المتضمنة على أن أبا الحسن (عليه السلام) بمنى مسح ظهر قدميه من الكعب إلى أعلى القدم(1) نظراً إلى أن ظاهرها أنه (عليه السلام) قد مسح رجليه من نفس الكعبين ، فيدفعه : ما قدّمناه آنفاً من أن مسح شيء من الكعبين من باب المقدّمة العلمية مما لا مناص من الالتزام به ، سواء قلنا بدخول الغاية في المغيى أم لم نقل ، بعد عدم احتمال مسحه (عليه السلام) الكعبين بتمامهما ، لوضوح عدم وجوب الاستيعاب في مسح الرجلين ، ولأجل هذا ذكرنا أن بحثنا هذا مجرد بحث علمي لا يترتب عليه أية ثمرة عملية ، هذا .

   والانصاف أن الحق ـ في هذا البحث العلمي ـ مع القائلين بعدم وجوب مسح الكعبين ، وذلك لصحيحة الأخوين حيث ورد فيها : «فاذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه» (2) لصراحة ذلك في أن المقدار الذي يجب مسحه إنما هو المقدار الواقع بين الكعبين وأطراف الأصابع ، دون الكعبين بعينهما ، وهذا واضح .

   وفي طهارة المحقق الهمداني : فاذا مسحت بشيء مما بين كعبيك إلى آخر أطراف أصابعك(3) وهو اشتباه فليلاحظ ، هذا كله في مسح الرجلين بحسب الطول ، وأما عرضاً فقد أشار إليه الماتن (قدس سره) بقوله : ويكفي المسمى عرضاً .

    كفاية المسمّى عرضاً :

   (1) هذا هو المعروف بين أصحابنا (قدس الله أسرارهم) وعن الصدوق في الفقيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول الأمر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلاً ومن شاء مسح مدبراً . فانه من الأمر الموسع إن شاء الله . المروية في الوسائل 1 : 407 / أبواب الوضوء ب  20 ح 3 .

(2) الوسائل 1 : 388 / أبواب الوضوء ب 15 ح 3 .

(3) مصباح الفقيه (الطهارة) : 161 السطر 28 .

ــ[153]ــ

عرض ثلاث أصابع ، وأفضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم ((1)) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجوب المسح على جميع الأصابع بمقدار الكف (2) ، وإليه مال المحقق الأردبيلي (قدس سره) فيما حكي عنه(3) وعن المفاتيح أنه لولا الاجماع لجزمنا به (4) ، ونسب إلى ظاهر النهاية (5) والمقنعة (6) وجوب المسح بمقدار عرض إصبع واحدة . وعن الاشارة (7) والغنية (8) أن الأقل إصبعان . وعن بعضهم لزوم كون المسح بمقدار ثلاث أصابع ، هذه هي أقوال المسألة .

   أمّا القول بوجوب المسح بالاصبع الواحدة في الرجلين ، فلم يدلنا عليه أي دليل نعم ورد في بعض الأخبار مسح الرأس بالاصبع الواحدة ، ولكنّا قدّمنا هناك أن المسح بها من باب أنه أقل ما يمكـن به المسـح المأمور  به ، لا من جهة أنه المأمور  به بالخصوص .

   على أ نّا ذكرنا أن باطن الاصبع شبيه بالدائرة ، فالمسح به أقل من عرض الاصبع الواحدة ، ولعل القائل بذلك أراد كفاية المسمى في المسح المأمور به .

   وأمّا القول باعتبار كون المسح بالاصبعين فهو أيضاً مما لم نعثر عليه بدليل ولو كان رواية ضعيفة .

   وأمّا اعتبار كون المسح بثلاثة أصابع فيأتي أن مدركه هو ما رواه معمر بن عمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بتمام الكفّ .

(2) الفقيه 1 : 28 .

(3) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 106 .

(4) مفاتيح الشرائع 1 : 44 .

(5) النهاية : 14 .

(6) المقنعة : 48 .

(7) الاشارة : 71 .

(8) الغنية : 56 .

ــ[154]ــ

وكذلك الرجل» (1) وسيأتي أنها رواية ضعيفة غير قابلّة للاستدلال بها على شيء . على ان القائل بذلك غير معلوم . إذن العمدة في المقام هو ما نسب إلى الصدوق (قدس سره) من وجوب مسح الجميع بالكف (2) .

   وقد يستدل عليه بصحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : «سألته عن المسح على القدمين كيف هو ؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعـبين إلى ظاهر القـدم ، فقلت : جعلت فداك لو أن رجلاً قال باصبعين من أصابعه هكذا ، فقال : لا ، إلاّ بكفيه (بكفه) كلّها» (3) وقد دلت على أن المسح لا بدّ أن يكون بالكف على الأصابع .

   ويؤيد ذلك برواية عبدالأعلى مولى آل سام قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال الله تعالى (ما جعل عليكم في الدّين من حرج ) إمسح عليه» (4) .

   والوجه في التأييد واضح ، لأن المسح على جميع الأصابع إذا لم يكن مأموراً به في الوضوء لم يكن وجه لسؤال الراوي بعدما عثر وانقطع ظفره وجعل عليه مرارة بقوله : كيف أصنع ، لوضوح أنه وقتئذ يمسح على بقية أصابعه فما الموجب لتحيره وسؤاله . فمن ذلك ومن جوابه (عليه السلام) «إمسح عليه» يظهر بوضوح أن مسح الأصابع بأجمعها أمر معتبر في المأمور به وأنّ وجوبه من الاُمور المرتكزة في أذهانهم ، ومن هنا أوجب (عليه السلام) المسح على المرارة بدلاً من الاصبع من دون أن يردع السائل عما كان مرتكزاً في ذهنه .

   واحتمال أن سؤاله : كيف أصنع ، سؤال عن المسح المستحب ، كاحتمال وجود المانع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 417 / أبواب الوضوء ب 24 ح 5 .

(2) الفقيه 1 : 28 .

(3) الوسائل 1 : 417 / أبواب الوضوء ب 24 ح 4 .

(4) الوسائل 1 : 464 / أبواب الوضوء ب 39 ح 5 .

ــ[155]ــ

في بقية أصابعه بعيد غايته ، ومقتضى الصحيحة المتقدمة المؤيدة بتلك الرواية هو ما ذهب إليه الصدوق (قدس سره) من وجوب كون المسح بالكف على جميع الأصابع .

   وقد يقال : إن الصحيحة معارضة بعدة روايات دلتنا على كفاية المسمى في مسح الرجلين بحسب العرض .

   منها : صحيحة الأخوين «وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما  بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» (1) أو «إذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه» كما في صحيحتهما الاُخرى (2) بدعوى أن ظاهرهما كفاية المسمى من المسح في القدمين .

   ويدفعه : أن ذلك يبتني على أن يكون قوله (عليه السلام) «ما بين ...» بياناً للقدمين ، ليكون حاصله أنه إذا مسح بشيء مما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه ، فيدلنا على كفاية المسح عرضاً ، بل وعلى كفايته بحسب الطول أيضاً ، وأما إذا كان بياناً للشيء  ـ كما لعلّه الظاهر منه ، لأنه يقتضي أن يكون قوله (عليه السلام) «ما  بين ...» توضيحاً للشيء ، وحاصله أنه إذا مسح بما بين كعبيه إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه ـ فلا دلالة للروايتين على كفاية المسمّى بوجه ، بل مقتضاها لزوم المسح في تمام ما بين الكعبين إلى الأصابع .

   ومنها : صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ـ إلى أن قال ـ فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما ...» (3) وهي صريحة الدلالة على كفاية المسمّى في مسح الرجلين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 414 / أبواب الوضوء ب 23 ح 4 .

(2) الوسائل 1 : 388 / أبواب الوضوء ب 15 ح 3 .

(3) الوسائل 1 : 412 / أبواب الوضوء ب 23 ح 1 .

ــ[156]ــ

   ويرده : أن الظاهر من الصحيحة إنما هي بصدد الردع عما التزم به المخالفون ، من وجوب كون المسح على باطن الرجل وظاهرها ، كما ورد الأمر بذلك في بعض رواياتنا أيضاً (1) .

   وقد دلتنا على أن مسح كل من باطن الرجل وظاهرها غير واجب في المأمور به بل يكفي المسح ببعضهما أعني ظاهرهما ، وذلك لأن ظاهر الرجل ـ بتمامه ـ بالاضافة إلى المجموع من ظاهرها وباطنها مما يصدق عليه بعض الرجل ، فاطلاق البعض في الصحيحة يحتمل أن يكون في قبال الظاهر والباطن ، ومن الواضح أن تمام ظاهر الرجل ـ في مقابل الباطن والظاهر ـ بعض الرجل . إذن لا دلالة للصحيحة على كفاية مسمّى المسح أعني مسح بعض الظاهر من الرجل ، ومعه كيف يصح أن تكون معارضة لصحيحة البزنطي المتقدمة .

   ومنها : رواية معمر بن عمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع ، وكذلك الرجل» (2) وهي أيضاً صريحة الدلالة على كفاية المسح موضع ثلاث أصابع في الرجل ، وعدم وجوب المسح في تمامها ، وعلى هذه الرواية اعتمد القائلون بوجوب كون المسح بمقدار ثلاث أصابع .

   ولكن يردها : أن الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على المدعى ، وأن مسح جميع الأصابع بالكف غير معتبر في الوضوء ، إلاّ أنها ضعيفة السند ، لأن معمر بن عمر مجهول لم يوثقه أهل الرجال . وفي طهارة المحقق الهمداني (قدس سره) معمر بن خلاد بدل معمر بن عمر(3) وهو من الثقات إلاّ أنه مبني على الاشتباه ، لأن الراوي لها في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كرواية سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما» والمرفوعة إلى أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في مسح القدمين ومسح الرأس ، فقال : مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس ومؤخره ، ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما» المرويتين في الوسائل 1 : 415 / أبواب الوضوء ب 23 ح 6 ، 7 .

(2) الوسائل 1 : 417 / أبواب الوضوء ب 24 ح 5 .

(3) مصباح الفقيه (الطهارة) : 157 السطر 35 .

ــ[157]ــ

كتب الحديث معمر بن عمر دون غيره .

   ومنها : ما رواه جعفر بن سليمان عمه (1) أو عن عمه (2) قال «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) قلت : جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقاً فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أيجزئه ذلك ؟ قال : نعم» (3) ودلالتها على المدعى أعني كفاية مسمّى المسح ، وعدم وجوب مسح الأصابع كلها بالكف كدلالة الرواية المتقدمة عليها ظاهرة ، لأن الخرق بحسب العادة المتعارفة أي مقدار فرضنا له من السعة لا  تبلغ حداً يدخل فيه الكف بتمامه ليمسح به الأصابع وظهر القدم ، بل إنما يكون مقداراً يدخل فيه الاصبع الواحدة ويمسح بها مقداراً من ظهره .

   إلاّ أنها أيضاً كسابقتها ضعيفة السند وغير قابلّة للاستدلال بها على شيء ، لعدم توثيق جعفر بن سليمان وجهالة حاله ، هذا على تقدير أن تكون النسخة جعفر بن سليمان عمّه أي عم الراوي المتقدم عليه في السند ، وهو القاسم بن محمد ، وأما بناء على أن النسخة جعفر بن سليمان عن عمه فالأمر أشكل لأن عم الرجل مجهول . وفي سند الرواية علي بن إسماعيل ، وقد وقع الكلام في أن المراد به أي شخص ، فنقل الكشي عن نصر بن الصباح أنه علي بن إسماعيل السندي وحكم بوثاقته (4) ، وهذه الدعوى منه غير ثابتة إذ لم نرَ رواية يقع في سندها علي بن إسماعيل السندي ، وشهادة نصر بن الصباح على أنه هو السندي لا اعتداد بها كما لا يخفى .

   واستظهر سيدنا الاُستاذ (مدّ ظله) أن علي بن إسماعيل المذكور في سند روايات كثيرة من هذه الطبقة منصرف إلى علي بن إسماعيل بن عيسى الثقة ، وقال : سيجيء الكلام في اتحاده مع علي بن السندي وعدمه . وذكر في ترجمة علي بن السندي أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في التهذيب [ 1 : 65 / 185 ] عن الكافي .

(2) نُسب ذلك إلى الكافي في هامش الحدائق 2 : 292 ولكن ليس في الكافي 3 : 31 / 10 كلمة (عن) .

(3) الوسائل 1 : 414 / أبواب الوضوء ب 23 ح 2 .

(4) رجال الكشي :  598 / 1119 .

ــ[158]ــ

الاتحاد لم يثبت ، لاحتمال تعددهما واشتراكهما في بعض الرواة والمروي عنهم لوحدة الطبقة ، فعلى هذا لا بدّ من الحكم بوثاقة السند من هذه الجهة وإن كان ضعيفاً من جهة جعفر بن سليمان .

   نعم ، ذكر (مدّ ظله) عند التعرض لترجمة علي بن السندي أنه قد تقدم في ترجمة علي بن إسماعيل بن شعيب أن علي بن إسماعيل في هذه الطبقة ينصرف إلى علي بن إسماعيل بن شعيب ، وهذا ينافي ما قدّمنا نقله فراجع تمام كلامه وتأمّل في جهاته وأطرافه (1) .

   وإلى هنا تحصل أن صحيحة البزنطي المؤيدة برواية عبدالأعلى مما لا معارض لها ومن هنا مال المحقق الأردبيلي (قدس سره) إلى وجوب مسح الأصابع كلها بالكف (2) ، وذكر صاحب المفاتيح أنه لولا الاجماع على خلافه لكان القول به متيقناً (3) ، هذا .

   ومع ذلك كله الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور في المسألة ، من كفاية المسمّى في مسح ظاهر الرجلين بحسب العرض ، وذلك لعدم امكان الاعتماد على صحيحة البزنطي من وجوه :

   الأوّل : أن الصحيحة على ما في الوسائل المطبوعة جديداً مشتملة على لفظة «بكفيه» (4) كما أن نسخة التهذيب أشبه أن تكون كذلك (5) وقد نقلت الرواية في الوافي مشتملة على لفظة «بكفه» (6) ، فعلى تقدير أن تكون الرواية مشتملة على لفظة «بكفيه» يتعيّن حملها على التقيّة ، لأن الظاهر المتفاهم لدى العرف من مسح الرجل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معجم رجال الحديث 13 : 50 ـ 52 .

(2) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 106 .

(3) مفاتيح الشرائع 1 : 44 .

(4) الوسائل 1 : 417 / أبواب الوضوء ب 24 ح 4 .

(5) لاحظ التهذيب 1 : 64 / 179 ، 91 / 243 .

(6) الوافي 6 : 284 .

ــ[159]ــ

بكفين إنما هو مسح ظاهر الرجل باحداهما ومسح باطنها بالاُخرى ، وهذا موافق لمذهب المخالفين ومخالف للمذهب الحق عندنا ، فلا مناص من حمل الرواية على التقيّة وقتئذ ، وهذا بخلاف ما إذا كانت الرواية مشتملة على لفظة «بكفه» إذ لا موجب للحمل على التقيّة معه ، وهذا ظاهر . إذن فلا مناص من الفحص التام عن النسخ الصحيحة حتى يظهر أن الرواية مشتملة على أيتهما ، فان ظهرت إحداهما فهو ، وإلاّ أصبحت الرواية مجملة وسقطت عن الاعتبار ، لجهالة أنها مشتملة على أية لفظة .

   الثاني : أن مقتضى قانون الاطلاق والتقييد تقييد صحيحة البزنطي بمثل صحيحة زرارة وغيرها مما دلّ على أن الواجب إنما هو مسح بعض الرجلين لاتمامهما ، وحمل المسح في المجموع على الندب والاستحباب ، وذلك لأ نّا قد أثبتنا بمقتضى الأخبار الواردة في المقام أن المراد بالكعب هو قبّة ظاهر القدم دون العظمين الناتئين عن يمين الساق وشماله . وقد أسلفنا أن المسح في الرجل لا بدّ أن ينتهي إلى الكعبين بحسب الطول ، ولا يكفي مسمّى المسح طولاً ، وعليه لا بدّ من أن يكون المراد بالأرجل في الآية المباركة خصوص ظاهر الرجلين ، لأن الظاهر هو المشتمل على الكعب دون الباطن بالخصوص ، ولا ما هو أعم من الظاهر والباطن ، حيث ليس في باطن الرجل كعب ينتهي إليه المسح المأمور  به .

   اللّهمّ إلاّ أن يراد بالكعب في الباطن المحل المحـاذي لقبة القدم في ظاهر الرجل ولكنه إضمار وتقدير ، ولا قرينة على ارتكابه بوجه ، فاذا اُريد بالرجل ظاهرها ودخلت عليه كلمة الباء فلا محالة تدلنا على إرادة بعض ظاهر الرجل ، فقوله (عليه السلام) «فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما» أي على بعض ظاهر الرجلين ، ومعه تصبح الصحيحة كالصريحة في كفاية المسمى في مسح الرجلين بحسب العرض ، لعدم إمكان إرادة البعض بحسب الطول بمقتضى الأخبار المتقدمة الدالة على لزوم انتهاء المسح إلى الكعبين طولاً .

   وبعبارة اُخرى : تارة تكون كلمة الباء داخلة على الرجلين من دون تقييدهما بشيء ، وتدل حينئذ على إرادة البعض منهما ، ومعه يمكن أن يقال إن ظاهرهما إرادة

ــ[160]ــ

بعض من الرجلين فلا دلالة لمثله على كفاية مسح بعض ظاهرهما . واُخرى تدخل الباء على الرجلين المقيدتين بالكعبين ، وحينئذ تدلنا على إرادة بعض ظاهرهما فقط لأنه لا  وجود للكعب في باطنهما ، فذكره يكون قرينة على إرادة الظاهر فحسـب ، وكلمة الباء تقتضي حينئذ إرادة بعض ذلك الظاهر ، وبذلك نقيد صحيحة البزنطي لا  محالة .

   الثالث : أن عدة من الروايات دلتنا على أن من نسي مسح رأسه حتى دخل في الصلاة لم تجب عليه إعادة الوضوء من أوله ، بل إذا كانت في لحيته أو حاجبيه أو أشفار عينيه بلّة بقدر ما يمسح به رأسه ورجليه أخذ البلل من لحيته أو أشفار عينيه أو غيرهما ثم يصلي ، ومن جملتها موثقة مالك بن أعين (1) عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه ، فان كان في لحيته بلل ، فليأخذ منه وليمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء» (2) .

   ومقتضى هذه الروايات كفاية المسمى في مسح الرجلين ، لقضاء العادة على أن البلل المتخلف في الحاجبين أو الأشفار أو اللحية لا يكون بمقدار يفي لمسح جميع ظاهر الرجلين ، فبهذا أيضاً نقيد إطلاق الصحيحة المتقدمة فلاحظ .

   نعم ، قد يحتمل أن تكون هذه الروايات مختصة بمن نسي مسح رأسه فليكن المسمّى كافياً في حقه في مسح الرجلين ، ولا دلالة لها على كفاية المسمى في غير ناسي المسح . ويندفع بأن الأخبار المتقدمة وإن كانت واردة في خصوص ناسي المسح ، غير أن المستفاد منها أنه لا خصوصية للناسي في الحكم المذكور ، بل إنما هو يمسح بالمقدار الذي يعتبر في المسح لولا النسيان ، وذلك لقوله (عليه السلام) في بعضها : «إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه ، فليفعل ذلك وليصل» (3) فالمقدار الذي يعتبر مسحه في الوضوء مقدار واحد في كل من الناسي وغيره ، إلاّ أن الناسي له أن يأخذ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) موثقة بعثمان بن عيسى الواقفي .

(2) الوسائل 1 : 409 / أبواب الوضوء ب 21 ح 7 .

(3) الوسائل 1 : 408 / أبواب الوضوء ب 21 ح 3 ، ضعيفة بالقاسم بن عروة .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net