الكلام في جواز المسح على الحائل في الرجلين لغير التقيّة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6104


 

ــ[201]ــ

   [ 523 ] مسألة 33 : يجوز المسح على الحائل ((1)) ـ  كالقناع والخف والجورب ونحوها  ـ  في حال الضرورة من تقيّة أو برد يخاف منه على رجله ، أو لا يمكن معه نزع الخف مثلاً ، وكذا لو خاف من سـبع أو عدوّ أو نحـو ذلك ممّا يصدق عليه الاضطرار(1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الاطلاق في صدرها .

   وأمّا ثانيهما ففيه : أن الصحيحة ظاهرة في تعيّن كون المسح من الأصابع إلى الكعبين ، وحيث قد دلّت الروايات على جواز النكس في مسح الرجلين ، فقد علم من ذلك أن ظاهر الصحيحة أعني الوجوب التعييني في كون المسح من طرف الأصابع إلى الكعبين غير مراد ، لأن له بدلاً وهو المسح نكساً فبذلك يحمل الوجوب على التخيير فتدل الصحيحة على وجوب كل من المسح إلى الكعبين وعكسه على نحو الواجب التخييري ، فلا موجب لرفع اليد عن ظهورها في الوجوب أبداً .

   وبما بيّناه يظهر أن الاكتفاء في المسح بالمسح دفعة واحدة لا يخلو عن إشكال ، لأنه على خلاف ظاهر الصحيحة ، كما أن الاكتفاء في المسح بالمسح إلى نصف الرجل مقبلاً وإلى نصفها الآخر مدبراً أو بغيره من أنحاء المسح كذلك ، لظهور الصحيحة في تعيّن المسح بالمسح من الأصابع إلى الكعبين وبالعكس ، على ما دلت عليه غير واحد من الأخبار فالاجتزاء بغيره في مقام الامتثال مشكل جداً .

    المسح على الحائل :

   (1) أما المسح على الحائل تقيّة فسيأتي الكلام عليه مفصّلاً  (2) ، وأما المسح على الحائل من جهة الضرورة لبرد أو لعدم إمكان نزع الخف أو لخوف سبع ونحو ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في كفايته مع التقيّة فضلاً عن غيرها إشكال ، نعم إذا اقتضت التقيّة ذلك مسح على الحائل ولكنه لا يجتزئ به في مقام الامتثال ، وبذلك يظهر الحال في الفروع الآتية .

(2) في ص 215 .

ــ[202]ــ

فالمشهور بين المتقدِّمين والمتأخِّرين جوازه ، بل لا خلاف في المسألة إلاّ من جملة من متأخِّري المتأخِّرين ، واستدلّ عليه باُمور :

   منها : دعوى الاجماع على كفاية المسح على الحائل للضرورة ، لما عرفت من إطباق القدماء والمتأخِّرين على الجواز ، ولم يخالفهم في ذلك إلاّ جمع من متأخِّري المتأخِّرين ، وهو غير قادح في الاجماع كما هو ظاهر .

   ويرد هذا الوجه : أ نّا نحتمل استناد المجمعين في المسألة إلى أحد الوجوه الآتية ومعها لا يمكن الاعتماد على إجماعهم ، لعدم كونه تعبدياً كاشفاً عن رأي الامام (عليه السلام) .

   ومنها : رواية أبي الورد قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن أبا ظبيان حدّثني أنه رأى عليّاً (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفّين ، فقال : كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي (عليه السلام) فيكم سبق الكتاب الخفين . فقلت : فهل فيهما رخصة ؟ فقال : لا ، إلاّ من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك» (1) وهي ظاهرة الدلالة على جواز المسح على الخفّين عند خوف الثلج ونحوه ، هذا .

   وقد أورد صاحب المدارك على هذا الوجه بأن الرواية ضعيفة السند بأبي الورد لعدم توثيقه في الرجال فلا يجوز الاعتماد على روايته (2) .

   واُجيب عن ذلك بوجوه :

   الأوّل : أن الرجل وإن كان لم يوثق في الرجال إلاّ أن الرواية قد تلقاها الأصحاب بالقبول ، ومنه يستكشف أن الرواية كانت مقترنة بقرينة دلتهم على صحتها .

   وهذا الجواب مبني على تمامية القاعدة المعروفة من أن الرواية الضعيفة ينجبر ضعفها بعمل المشهور على طبقها ، فان صحت وتمت فهو وإلاّ فللمناقشة فيه مجال واسع ، لأن عملهم على طبق رواية لا يكشف عن عثورهم على قرينة دلّتهم على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 458 / أبواب الوضوء ب 38 ح 5 .

(2) المدارك 1 : 224 .

ــ[203]ــ

صحّتها كما ذكرنا تفصيله في محلِّه (1) .

   الثاني : أن في سند الرواية حماد بن عثمان وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما  يصح عنه ، لأنهم لا يروون إلاّ عن ثقة .

   ويردّه : أ نّا قد عثرنا في غير مورد على روايتهم عن غير الثقة ، ومعه ينحصر الوجه في تصحيح رواية الرجل على الاجماع المدعى على قبول رواية حماد بن عثمان فان ثبت إجماع تعبدي على ذلك فهو وإلاّ فلا مستند لذلك أبداً . والاجماع المحصل غير حاصل والاجماع المنقول مما لا اعتبار به .

   الثالث : أن الرجل ممن مدحه المجلسي في الوجيزة (2) وذكر صاحب الحدائق (قدس سره) أن شيخنا أبا الحسن روى مدحه في بلغته (3) ، وعليه فالرجل ممدوح والرواية من الحسان فلا بدّ من الحكم باعتبارها .

   والظاهر أن هذا الوجه أيضاً غير تام ، لأن مدح المجلسي للرجل مستند إلى ما  رواه الكليني من أن رجلاً يقال له أبو الورد قد دخل على أبي عبدالله (عليه السلام) عند مراجعته من الحج ، فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) يا أبا الورد أما أنتم فترجعون عن الحج مغفوراً لكم ، وأما غيركم فيحفظون في أهاليهم وأموالهم (4) بدعوى أن الرواية ظاهرة في مدح الرجل ، لقوله (عليه السلام) إنكم مغفورون ، وإلاّ فالمجلسي لم يعاصر الرجل بوجه ، وبين عصريهما قرون ، والرواية لا يمكن الاعتماد عليها من وجهين :

   أحدهما : أن قوله (عليه السلام) «إنكم مغفورون» لا يدلنا على أزيد من أن الرجل شيعي ، فان شيعة علي (عليه السلام) إذا حجوا غفرت ذنوبهم المتقدمة فليستقبلوا أعمالهم(5) وأما غيرهم فعمله غير مقبول ، ومن هنا قال : «إنكم مغفورون» ولم يقل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 201 .

(2) ص 371 .

(3) الحدائق 2 : 310 .

(4) الكافي 4 : 263 / 46 ، الوافي 12 : 235 .

(5) هذا مضمون جملة من الأخبار الواردة في فضل الحج والعمرة ، بضميمة ما ورد من أن الله    لا  يتقبّل إلاّ من المؤمنين ، وفي بعضها إنهم على أصناف ثلاثة : فأفضلهم نصيباً رجل غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر ووقاه الله عزّ وجلّ عذاب القبر ، وأما الذي يليه فرجل غفر له ذنبه ما تقدم منه ويستأنف العمل مما بقي من عمره ، وأما الذي يليه فرجل حفظ في أهله وماله [ الوافي 5 : 815 ] . وروى في الفقيه: أنه الذي لا يقبل منه الحج. الفقيه 2 : 146 / 92 .

ــ[204]ــ

إنك مغفور حتى يتوهم منه توثيق الرجل .

   ويؤيده أيضاً مقابلة ذلك بقوله «وغيركم» لأن ظهوره في إرادة غير الشيعة غير قابل للانكار ، ومن الظاهر أن كون الرجل شيعياً إمامياً غير كاف في اعتبار روايته .

   وثانيهما : أ نّا لو سلمنا أن الرواية صريحة الدلالة على توثيق الرجل ، وأنه ثقة ومن الأتقياء وأنه معهم (عليهم السلام) في الجنة مثلاً ، إلاّ أ نّا من أين نعرف أن الرجل المذكور في الرواية هو أبو الورد الراوي للرواية التي بأيدينا ، لعدم انحصار المكنى بأبي الورد براوي هذه الرواية ، ومن الجائز أن يكون هناك رجل آخر مكنى بأبي الورد قد ورد على الامام (عليه السلام) وسأله وأجاب (عليه السلام) بما تقدّم ، وليس في الرواية غير أنه كان يقال له أبو الورد ، وأما أنه الراوي لهذه الرواية فلا قرينة عليه بوجه .

   بل القرينة موجودة على خلافه ، لأن أبا الورد الراوي لهذا الخبر ممن عدّوه من أصحاب الباقر (عليه السلام) وهو يروي عنه (عليه السلام) كما أن ما بأيدينا من الرواية أيضاً رواها عنه (عليه السلام) ولم يكن معاصراً لأبي عبدالله (عليه السلام) وإلاّ لعدّوه من أصحاب الصادق والباقر (عليهما السلام) كليهما ، وأبو الورد في رواية الكافي من معاصري أبي عبدالله (عليه السلام) حيث إنه ورد عليه وسأله كما في الخبر ، وهذا يوجب الظن بل الاطمئنان بأنهما متغايران وأحدهما غير الآخر ، ومعه كيف يمكن إثبات وثاقة الرجل بتلك الرواية .

   وما صنعه الميرزا (قدس سره) من إيراد الرواية المتقدمة الواردة في الحج في ترجمة أبي الورد راوي هذه الرواية ، فمبني على نظره واجتهاده ولا يمكننا الاعتماد عليه في مقام الاستدلال ، إذن لا دلالة في الرواية على المدعى .

ــ[205]ــ

   ولعلّ صاحب الحدائق (قدس سره) (1) التفت إلى ما ذكرناه ومن هنا قال : قد روي في الكافي ما يشعر بمدحه (2) فما استشكله صاحب المدارك (قدس سره) من أن الرجل لم يثبت وثاقته والرواية ضعيفة هو الصحيح ، وعليه لا بدّ من الحكم بوجوب التيمم لعدم تمكنه من الوضوء المأمور  به ، ولا بأس بالاحتياط بالجمع بين التيمم والمسح على الحائل .

   ومنها : أي مما يستدل به على جواز المسح على الحائل فيما إذا كان لضرورة من برد أو خوف سبع ونحوهما ، رواية عبد الأعلى مولى آل سام الواردة في من عثر فانقطع ظفره فجعل على إصبعه مرارة فكيف يصنع في الوضوء ؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ قال الله تعالى : (ما جعل عليكم في الدّين من حرج ) امسح عليه(3) لأنها وإن وردت في انقطاع الظفر وجعل المرارة على الاصبع ، إلاّ أن المستفاد من قوله (عليه السلام) «يعرف هذا وأشباهه ...» أنه حكم كبروي يستفاد من الكتاب، وأن من لم يتمكّن من المسح على بشرته فوظيفته المسح على الحائل، بلا  فرق في ذلك بين الاصبع والمرارة وغيرهما .

   ويرد على هذا الاستدلال أمران :

   أحدهما : أن الرواية ضعيفة السند ، لأن عبد الأعلى مولى آل سام لم يوثق في الرجال .

   وثانيهما : أنها ضعيفة الدلالة ، وذلك لأن ما يعرف من كتاب الله ليس هو جواز

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 2 : 310 .

(2) ولا يخفى أن الرجل وإن لم يوثق في الرجال إلاّ أنه ممن وقع في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم القمي، فبناء على ما عليه سيدنا الاُستاذ (مدّ ظله) من وثاقة كل من وقع في سلسلة أسانيد ذلك الكـتاب أعني تفسير القمي ، لا بدّ من الحكم باعتبـار الرواية ، ومعه لا حاجة إلى الاستدلال على وثاقة الرجل برواية الكليني (قدس سره) المتقدمة ، فان الرواية ضعيفة السند بسلمة بن محرز ، لعدم ثبوت وثاقته ولا يمكن إثبات وثاقة الرجل بالرواية الضعيفة بوجه .

(3) الوسائل 1 : 464 / أبواب الوضوء ب 39 ح 5 .

ــ[206]ــ

المسح على الحائل عند عدم التمكن من المسح على البشرة حتى يقال إن ذلك حكم كبروي ولا اختصاص له بمن انقطع ظفره وجعل على إصبعه مرارة ، بل الذي يستفاد من الكتاب إنما هو عدم وجوب المسح على البشرة لأنه عسر ، وأما وجوب المسح على المرارة والحائل فلا يستفاد من الكتاب ، وكيف يمكن أن يستفاد منه أن المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة مع أنهما متغايران .

   نعم ، يستفاد ذلك من قوله (عليه السلام) «فامسح على المرارة» وعليه فهي كسائر الأخبار الواردة في الجبائر كما يأتي في محلِّها ، وعليه فهو حكم يختص بالجبائر أعني من انقطع ظفره مثلاً وجعل على إصبعه مرارة ، فلا يمكننا التعدي عن موردها إلى المقام أعني ما إذا لم يتمكن المتوضئ من المسح على بشرته لضرورة من الخوف ونحوه .

   فالصحيح أنه إذا اضطر إلى عدم مسح البشرة وجب عليه التيمم لعدم تمكنه من الوضوء المأمور  به ، ومن عجز عن الطهارة المائية انتقلت وظيفته إلى الطهارة الترابية لا محالة . نعم الأحوط الجمع بينه وبين المسح على الخفين ، هذا .

   ثم إنّا إذا قلنا باعتبار رواية أبي الورد ، إمّا من جهة انجبارها بعمل الأصحاب ، وإمّا من جهة وقوع حماد بن عثمان في سندها ، وإمّا من جهة كون الرجل ممدوحاً أو لغير ذلك من الوجوه ، لا بدّ من أن يعمم الحكم أعني جواز المسح على الخفين إلى ما إذا ترتب الضرر من المسح على البشرة على ما هو أعظم وأهم من الرجلين ، كالبدن إذا استلزم مسحهما طروء الحمى على بدنه ، أو كانت القافلة على شرف الحركة والنفر فاستلزم المسح على رجليه بقاءه منفرداً ومنفصلاً عن القافلة في قفر من القفار ، أو غير ذلك مما هو أعظم من إصابة البرد أو الثلج على رجليه ، بل نتعدى إلى ما إذا ترتب على المسح ما هو مساو لاصابة البرد والثلج ، كما إذا خاف من إصابة الحر على رجليه ، وذلك لأن ظاهر الرواية أن إصابة الثلج مما لا خصوصية له في الحكم ، وإنما ذكره (عليه السلام) من باب أنه أقل أفراد الضرر المترتب على مسح الرجلين .

   وعلى الجملة أن مقتضى المناسبة بين الحكم وموضوعه عدم اختصاص الحكم




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net