الشك في صحّة التقليد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7943


ــ[285]ــ

   [ 41 ] مسألة 41 : إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد ، لكن لا يعلم أنها كانت عن تقليد صحيح أم لا بنى على الصحة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علم المجتهد إجمالاً بمخالفة عمل العامّي للواقع لا يترتب عليه أيّ أثر ، لأنه إنما يفتي بلحاظ وظيفة المقلّد وما يقتضيه وظيفته في نفسه ، وحيث إنه شاك لا علم له بالمخالفة فله أن يتمسك بالبراءة عن التكليف المشكوك فيه .

   بل لو علم المجتهد علماً تفصيلياً بوقوع المقلّد في مخالفة الواقع بتجويز المجتهد للرجوع إلى البراءة عند الشك في الموضوعات الخارجية ، أيضاً لم يترتب أثر عليه كما إذا علم أن زيداً مستطيع أو أنه مديون أو يده متنجّسة ، غير أن المقلّد لم يكن عالماً بذلك فإن له أن يتمسك بالبراءة أو قاعدة الطهارة حتى لو سألنا المفتى عن وظيفة العامّي حينئذ لأجاب بأنه يتمكن من الرجوع إلى الاُصول العملية ، والسرّ فيه ما  بيّناه من أن المدار في جواز الرجوع إلى الأصل إنما هو شك المكلّف في نفسه .

   ثانياً : أ نّا لو سلمنا أن المقام من موارد الاشتغال دون البراءة لم يكن للاكتفاء بالظن وجه صحيح . ودعوى أن وجوب الاحتياط بالمقدار الموجب لليقين بالفراغ عسر حرجي، مندفعة : بما مرّ غير مرة من أن المدار في تلك القاعدة إنما هو الحرج الشخصي دون النوعي . والاحتياط أعني الاتيان بالأكثر قد لا يكون حرجياً على المقلّد بوجه ، كما إذا دار أمر الفائت بين صلاتين أو ثلاث ، فإنه لا حرج على المكلّف في الاتيان بالمحتمل الأكثر ، ومع أنه لا حرج شخصي على المكلّف لا وجه للتنزل من الواجب أعني الامتثال اليقيني إلى الامتثال الظني أبداً . وإذا فرضنا أن الاحتياط حرجي على المكلّف وجب أن يحتاط ويأتي بالأكثر إلى أن يكون الزائد حرجياً في حقه لا أنه يتنزل إلى الامتثال الظني كما اُفيد .

   فالصحيح ما ذكرناه من جواز الاقتصار في تلك الموارد بالمقدار الأقل وإجراء البراءة عن الأكثر .

    الشك في أن العمل هل صدر عن تقليد صحيح ؟

   (1) كما إذا علم أنه قد استند في أعماله الّتي أتى بها سابقاً إلى تقليد مجتهد يقيناً، غير

ــ[286]ــ

أنه يشك في أن تقليده ذلك صحيح وأنه موافق للموازين المقررة في الشريعة المقدسة أو غير مطابق لها ؟ والشك في صحة التقليد السابق وفساده قد يتصوّر بالإضافة إلى التقليد نفسه ، وأنه مطابق للموازين أو غير مطابق لها ، وقد يتصوّر بالإضافة إلى أعماله الّتي أتى بها عن التقليد المشكوك صحته وفساده ولأجله يشك في وجوب إعادتها أو قضائها وعدمه فالكلام يقع من جهتين :

   الجهة الاُولى : ما إذا شكّ المكلّف في أن تقليده السابق هل كان مطابقاً للموازين الشرعية أو لم يكن ؟ إن التقليد السابق بما أنه عمل قد صدر وتصرّم فلا أثر يترتب على صحته وفساده في نفسه سوى مشروعية العدول إلى المجتهد الآخر وعدمها ـ  على تقدير حياة المجتهد السابق  ـ أو مشروعية البقاء على تقليده وعدمها على تقدير موته .

   والتحقيق أن الشك من هذه الجهة مما لا أثر له ، وذلك لأن المجتهد في مفروض المقام قد يكون مستجمعاً للشرائط المعتبرة في المرجعية لدى الشك إلاّ أنه يشك في أن استناده إلى فتاواه هل كان موافقاً للقواعد الشرعية أو أنه استند في ذلك إلى هوى نفسه أو غيره من الدواعي غير المسوّغة للاستناد ، وقد لا يكون بل يشك في استجماعه لها وعدمه .

   أما الصورة الاُولى : فالشك فيها في أن الاستناد إلى فتوى ذلك المجتهد هل كان موافقاً للموازين أم لم يكن ، أمر لا أثر له وذلك لأن المدار في الحكم بصحة التقليد وجواز العمل على طبقه إنما هو بكون المجتهد ممن يجوز تقليده في نفسه، بأن يكون الرجوع إليه موافقاً للموازين الشرعية واقعاً ، وأما أن الاستناد أيضاً إلى فتوى ذلك المجتهد لا بدّ أن يكون مطابقاً للموازين الشرعية فلم يقم عليه أيّ دليل . فلو فرضنا أن المكلّف استند إلى فتوى مجتهد جامع للشرائط لا لمدرك شرعي يسوقه إليه بل لاتباع هوى نفسه ورغبته ، التزمنا بصحة عمله وتقليده مع العلم بأن استناده إلى فتوى المجتهد لم يكن مطابقاً للموازين ، وذلك لأنه من التقليد المطابق للقواعد واقعاً فلو قلنا بحرمة العدول عن تقليد المجتهد الجامع للشرائط ، أو قلنا بجواز البقاء على تقليده ـ إذا مات ـ مشروطاً بتعلّم فتاواه أو بالعمل بها حال حياته لم يجز في المثال

ــ[287]ــ

العدول عن تقليد ذلك المجتهد كما جاز للمكلّف البقاء على تقليده ، لأن الأدلة المستدل بها على عدم جواز العدول عن تقليد المجتهد ، أو على جواز البقاء على تقليده غير قاصرة الشمول للمقام ، لأنه تقليد صحيح واقعاً وإن لم يكن استناده إلى فتاواه مطابقاً للموازين . فالشك في هذه الصورة في أن الاستناد مطابق للقواعد أو غير مطابق لها لا  يترتب عليه شيء من الأثرين المتقدّمين ، أعني جواز العدول وعدم جواز البقاء على تقليده ، لما عرفت من حرمة العدول وجواز البقاء ولو مع العلم بعدم كون الاستناد مطابقاً للموازين فضلاً عمّا إذا شكّ في ذلك ، ففي هذه الصورة لا أثر للشك في كيفية الاستناد وكونه غير مطابق للموازين ككونه مطابقاً لها .

   وأما الصورة الثانية : أعني ما إذا شكّ في صحة تقليده وفساده مع الشك في أن المجتهد الّذي قلّده مستجمع للشرائط أو غير مستجمع لها لأجل الشك في اجتهاده أو ورعه وعدالته أو غيرهما من الشرائط فلا مناص فيها من الفحص عن استجماعه للشرائط ولا يجوز فيها البقاء على تقليده حتى فيما إذا قلّده على طبق الموازين الشرعية ، كما إذا قطع باجتهاده أو شهد عليه عدلان ، إلاّ أنه بعد ذلك شك شكاً سارياً في اجتهاده واحتمل أن يكون علمه السابق جهلاً مركباً ، أو ظهر له فسق الشاهدين واقعاً .

   والوجه في وجوب الفحص على المكلّف وعدم جواز البقاء له على تقليده هو أنه يشك في حجية نظره وفتواه ، ولا مسوّغ معه للبقاء على تقليده كما لا مسوّغ لتقليده بحسب الحدوث ، لعدم الفرق في ذلك بين الحدوث والبقاء . ففي هذه الصورة أيضاً لا أثر للشك في صحة التقليد وفساده بالإضافة إلى الأثرين المتقدّمين أعني حرمة العدول وجواز البقاء لما قد عرفت من أنه لو كان عالماً من صحة تقليده لاستناده إلى علمه الوجداني أو التعبدي لم يجز له البقاء على تقليده ، كما لا يجوز تقليده حدوثاً فضلاً عمّا إذا شكّ فيها ، كما يجب عليه العدول عن تقليده ، فبالإضافة إلى التقليد في نفسه ، وجواز العدول والبقاء لا أثر للشك بوجه .

   الجهة الثانية : ما إذا شكّ في صحة تقليده وفساده بالإضافة إلى أعماله الّتي أتى بها على طبقه فيشك في وجوب إعادتها أو قضائها ، وقد مرّ غير مرة أن المدار في صحة

ــ[288]ــ

العمل وفساده إنما هو بكونه مطابقاً للواقع أو مخالفاً له ، فإذا أحرز المكلّف أن أعماله الّتي أتى بها مطابقة للواقع لأنه عمل فيها بالاحتياط ، أو أتى بالسورة أو التسبيحات الأربع ثلاثاً من باب الرجاء بحيث لم يكن أيّ نقص في عمله لم تجب عليه إعادته أو قضاؤه ، كما أنه إذا علم بمخالفتها للواقع فيما يرجع إلى الأركان من الطهور والركوع أو غيرهما مما ورد في حديث لا تعاد وجبت إعادتها أو قضاؤها ، لعدم اتيانه بما هو المأمور به على الفرض ، ومقتضى حديث لا تعاد وجوب الاعادة إذا أخل بالأركان في صلاته . وأما لو علم بمخالفتها للواقع في غير الأركان من الأجزاء والشرائط المعتبرة في المأمور به ، كما إذا أخلّ بالسورة أو اكتفى بالتسبيحات الأربع مرة واحدة ، فإن كان جهله قصورياً عذرياً كما إذا اعتمد على علمه الوجداني أو التعبدي كالبينة ثمّ شك شكاً سارياً في مطابقته للواقع أو ظهر له فسق البينة ، فمقتضى حديث لا تعاد عدم وجوب الاعادة لشموله للجاهل القاصر على ما بيّناه عند التكلّم على حكم الجاهل القاصر والمقصّر . وأما إذا كان جاهلاً مقصّراً ، كما لو قلّد باشتهاء من نفسه أو لغير ذلك من الدواعي غير المسوّغة للتقليد فلا يشمله حديث لا تعاد ، وحيث إن أعماله غير مطابقة للواقع فلا مناص من إعادتها أو قضائها ، ولعلّ هذا مما لا كلام فيه .

   وإنما الكلام فيما إذا كانت المخالفة في غير الأركان ، إلاّ أنه شكّ في أنه جاهل قاصر أو مقصّر للشك في أن استناده إلى فتوى ذلك المجتهد هل كان استناداً صحيحاً شرعياً فهو جاهل قاصر ويشمله الحديث ومقتضاه عدم وجوب الاعادة في حقه ، أو أنه استناد غير شرعي فهو مقصّر والحديث لا يشمله فلا بدّ من الحكم بوجوب الاعادة أو القضاء ، فهل تجب الاعادة أو القضاء في مفروض الصورة أو لا تجب ؟

   الصحيح أن يفصّل في هذه الصورة بما فصّلنا به في الجهة الاُولى المتقدمة بأن يقال : إن منشأ الشك في المقام إن كان هو الشك في أن استناده كان مطابقاً للموازين الشرعية أم لم يكن ، مع العلم بأن من قلّده مستجمع للشرائط المعتبرة في المرجعية بحيث يجوز للمكلّف أن يقلّد ذلك المجتهد بالفعل ، حكم بصحة عمله ولم تجب عليه الاعادة ولا القضاء لفرض أنه مطابق لفتوى من يجوز تقليده واقعاً ، ولو مع العلم بأن استناده إلى فتاواه لم يكن مطابقاً للموازين الشرعية . وأما إذا نشأ الشك في صحة تقليده وفساده

ــ[289]ــ

من الشك في أن من قلّده سابقاً مستجمع للشرائط أو غير مستجمع لها ، فلا مناص من الالتزام بوجوب الاعادة أو القضاء في حقه لما مرّ من أن حديث لا تعاد غير شامل للجاهل المقصر، هذا .

   ويمكن أن يقال : إن حديث لا تعاد وإن كان لا يشمل المقصّر في نفسه إلاّ أن ذلك مستند إلى القرينة الخارجية ، أعني استلزام شموله له حمل الأخبار الواردة في الأجزاء والشرائط بلسان الأمر بالاعادة ـ عند الاخلال بها ـ على المورد النادر وهو العالم المتعمد في تركهما ، وحيث لا يمكن الالتزام به خصصنا الحديث بالجاهل المقصّر ، وبما أن المخصص وهو المقصّر عنوان وجودي فمع الشك في تحققه وإن كانت الشبهة مصداقية ، ولا يجوز التمسك فيها بالعموم . إلاّ أ نّا ذكرنا في محلّه(1) أن المخصص المنفصل أو المتصل إذا كان من العناوين الوجودية وشككنا في حصوله وتحققه أمكننا إحراز عدمه بالاستصحاب ، وحيث إن الباقي تحت العموم هو من لم يتصف بذلك العنوان الوجودي كالمقصّر والقرشية ونحوهما ، فنحرز باستصحاب عدم حدوث الاتصاف بالمقصرية والقرشية أن المشكوك فيه من الأفراد الباقية تحت العموم وأنه مشمول له ومع ثبوت أن الجاهل غير مقصّر بالاستصحاب ، يشمله حديث لا تعاد وبه نحكم بعدم وجوب الاعادة أو القضاء في مفروض الكلام .

   بقيت صورة واحدة وهي ما إذا كان هناك مجتهدان أحدهما المعيّن مستجمع للشرائط المعتبرة في المرجعية دون الآخر ، والمكلّف بعدما أتى بأعماله شكّ في أن تقليده كان مطابقاً للموازين الشرعية أم لم يكن ، أي إنه قلّد من هو مستجمع للشرائط وقابل للتقليد منه ، أو أنه قلّد الآخر غير المستجمع للشرائط من جهة تقصيره في ذلك واتباعه هوى نفسه ؟

   وفي هذه الصورة أيضاً يحكم بصحة أعماله ولا تجب عليه الاعادة والقضاء لحديث لا تعاد ، لما تقدم من أن الخارج عن الحديث إنما هو عنوان المقصر وهو عنوان وجودي ، ومع الشك في تحققه لا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدمه ، فإن به يحرز أن المورد مندرج تحت العموم ومقتضاه عدم وجوب الاعادة أو القضاء ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في الاُصول 5 : 207 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net