(السادس): ذهاب الثلثين في العصير العنبي 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌5   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6052

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌5، ص: 337

[ (السادس): ذهاب الثلثين في العصير العنبي]

(السادس): ذهاب الثلثين في العصير العنبي، على القول بنجاسته بالغليان، لكن قد عرفت أن المختار عدم نجاسته، و ان كان الأحوط الاجتناب عنه، فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة، و أما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الإشكال. و لا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء [1] كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة- على القول بها- بين المذكورات، كما ان في الحرمة بالغليان التي لا إشكال فيها، و الحلية بعد الذهاب كذلك، اى لا فرق بين المذكورات (1).

______________________________
(1) يقع الكلام في مطهرية ذهاب الثلثين في العصير في جهات تقدم البحث عنها
«2» في نجاسة الخمر، و قد أشار المصنف «قده» إليها هنا أيضا، و نقتفى أثره على وجه الإجمال و الإشارة الى ما سبق.

(الأولى): في أن مطهّرية ذهاب ثلثي العصير مبنيّة على القول بنجاسته بالغليان، و لكن قد تقدم منه «قده» و منّا: أنّ الأقوى عدم نجاسته بذلك، و لا يؤثّر إلا الحرمة.

(الثانية): في أن الغليان مطلقا يوجب الحرمة أو هي مع النجاسة- على القول بها- سواء أ كان بنفسه أو بالنار أو بالشمس أو غيرهما و أنه لا وجه للتفصيل بين الغليان بنفسه فينجس و بالنار فيحرم فقط كما عن ابن حمزة في الوسيلة «3» و أما الحرمة بمجرد النشيش و ان لم يصل الى حد الغليان فقد تقدم «4» منعها و ان كان أحوط.

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «و لا فرق بين أن يكون»: (قد مر الإشكال في ذهاب الثلثين بغير النار) و يعنى ما مرّ منه (دام ظله) في تعليقته (دام ظله) على المسألة الأولى من مسائل نجاسة الخمر المختصة بأحكام العصير، لاحظ ج 3 من كتابنا ص 190.

______________________________
(2) في المسألة الأولى من مبحث نجاسة الخمر ج 3 من هذا الكتاب ص 147 و ما بعدها.

(3) تقدم الكلام في ذلك في ج 3 ص 182 في ذيل المسألة الأولى من مسائل نجاسة الخمر.

(4) في ج 3 من كتابنا ص 192- 194.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 338‌

و تقدير الثلث و الثلثين إما بالوزن [1] أو بالكيل، أو بالمساحة (1).

______________________________
(الثالثة): في أن المحلّل أو المطهّر يختص بذهاب الثلثين بالنار فقط، و لا يعمّان التثليث بغيرها، كالشمس و الهواء، أو بنفسه، خلافا للمصنّف «قده» حيث عمّمهما لمطلق التثليث، و لو كان بغير النار [2].

تقدير الثلث

(1) هذه «جهة رابعة» تعرض لها المصنف «قده» في مطهريّة تثليث العصير، و هي في كيفيّة الحصول على ذلك، و قال «قده» إنه يقدّر بأحد أمور ثلاثة، إما الوزن، أو الكيل، أو المساحة، و كأنه تبع في ذلك ما في الجواهر «3» حيث قال «و المعتبر صدق ذهاب الثلثين من غير فرق بين الوزن و الكيل و المساحة و إن كان الأحوط الأوّلين، بل قيل الأوّل» فالعبرة بالصدق بالجميع- كما أشار إليه «قده».

و لكن يرد عليه أنه لا بد في صحة التخيير بين أمرين، أو أمور من كون النسبة بينها العموم من وجه كي يمكن تحقق أحدها دون الآخر، و أما إذا كانت النسبة بينها التساوي أو العموم و الخصوص المطلق فلا معنى للتخيير، أما في صورة التساوي فواضح، لعدم انفكاك أحدهما عن الآخر، فكلما تحقق هذا تحقق ذاك فلا معنى للتخيير، الا من حيث التعبير و اللفظ، و أما في صورة العموم المطلق فلكفاية تحقق العام و ان لم يتحقق الخاص، فلو تقدم زمان حصول العام على الخاص كفى في حصول الغرض، و لم يكن حاجة الى حصول الخاص حينئذ، و كان لغوا في حصول الغرض، لأنه من تحصيل‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «إما بالوزن»: (لا عبرة به، و انما العبرة بالكيل و المساحة و يرجع أحدهما إلى الآخر).

[2] و من هنا جاء في تعليقته على قول المصنف «قده» «و لا فرق بين أن يكون»: (قد مرّ الإشكال في ذهاب الثلثين بغير النار).

______________________________
(3) ج 6 ص 292.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 339‌

..........

______________________________
الحاصل و الأمور الثلاثة المذكورة في المتن- لتقدير «الثلث» في الغليان- يكون من هذا القبيل.

توضيحه: أن النسبة بين المساحة و الكيل هي التساوي، لعدم انفكاك أحدهما عن الآخر، فكلما تحقق هذا تحقق ذاك، كما لا يخفى على من جرّب ذلك [1] فيكون مرجعهما إلى شي‌ء واحد و هو التقدير ب‍ «الكم» فلا معنى للتخيير بينهما، لرجوع أحدهما إلى الآخر.

فإذا يبقى التخيير بين أمرين «الوزن و الكم» و حيث ان النسبة بين هذين العموم المطلق، فلا يعقل التخيير بينهما أيضا، لتحقق التقدير ب‍ «الكم» قبل التقدير ب‍ «الوزن» دائما بمعنى ان ذهاب الثلثين بحسب «الكم» يتقدم زمانا على ذهابهما بحسب «الوزن» فلا حاجة إلى الثاني بعد حصول الأول، و يكون من تحصيل الحاصل، فلا يعقل التخيير بينهما، بل لا بد من تعيين أحدهما في التقدير.

و أما السبب في تقدم التقدير الكمي على التقدير الوزني فهو ان الأجسام كلّما تزداد ثقلا تقل مساحة بالإضافة إلى الجسم الأخف لو اتحدا وزنا، فمثلا ال‍ «كيلو من الحديد» تقل مساحته عن ال‍ «كيلو من الخشب» كما هو المشاهد، كما أنّه لو اتحدت مساحتها كان الأثقل أكثر وزنا من الأخف، فان مترا مكعبا من الحديد- يكون أكثر وزنا بكثير من متر مكعب من الخشب، و هكذا سائر الأجسام تجري على هذا المنهج.

و منها العصير، فان العصير الغالي يقل مساحته عن العصير غير الغالي لو اتحدا في الوزن، لثخنه و غلظته، لذهاب الأجزاء المائية اللطيفة بالنار أو غيرها، و عليه يكون ذهاب الثلثين بحسب الكم متقدما دائما على ذهابهما بحسب الثقل، لان الثلث الباقي بحسب الكم يتقدم على الثلث الباقي بحسب‌

______________________________
[1] مثلا لو كان عندنا قدر كبير و كان كل من أبعاده الثلاثة «3 أشبار» يبلغ مجموع مساحته «27 شبرا» و كان عندنا أيضا مكيال كان كل من أبعاده الثلاثة «شبرا واحدا» كان مجموع مساحة القدر مساويا مع «27 مكيال» بالكيل المذكور و بالعكس كما أن ثلث القدر المذكور يكون «9 أشبار» فإن ثلث «27 مكيال بالشبر» يكون «9 مكاييل شبرا».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 340‌

..........

______________________________
الوزن زمانا، لأنه أخف لامتزاجه بالاجزاء المائية فيشغل مكانا أوسع، فعند الغليان يصل العصير الى الثلث الكمي قبل أن يصل الى حد الثلث الوزني، فلا مجال للحد الثاني بعد حصول الحدّ الأول.

فتحصل: أنه لا معنى للتخيير بين «الكم و الوزن» لتقدم الأول على الثاني دائما، فلا بد من اعتبار أحدهما بالخصوص، و لا بد من تحقيق الحال في ذلك.

يقع الكلام في ذلك تارة بحسب الدليل الاجتهادي، و أخرى بحسب الأصل العملي- لو لم يتم الدليل الاجتهادي- فلا بد من التكلم في مقامين.

أما المقام الأول ففيما يستفاد من الرّوايات من أن العبرة في تثليث العصير هل هو الوزن أو الكم.

قد يقال إن مقتضى الدليل الاجتهادي هو أن العبرة بالوزن و يقرّب ذلك بوجهين.

(الوجه الأول) هو ان ذلك مقتضى الجمع بين الروايات المطلقة الدالة على نجاسة العصير بالغليان و الروايات الدالة على طهارته و حليّته بالتثليث، لأنها مجملة و القدر المتيقن منها هو التثليث بالوزن لأنه أخص من التثليث بالكم، لحصوله به، دون العكس كما تقدم، فان المخصّص إذا كان مجملا، و دار أمره بين الأقل و الأكثر في التخصيص لا بد من الأخذ بالمتيقن، و هو التخصيص بالأقل، و في المقام يكون القدر المتيقن في الخارج عن عموم نجاسة العصير و حرمته هو ما ذهب ثلثاه بالوزن، و لا يكفى الكم.

و إليك نص بعض تلك المطلقات.

(منها) رواية حماد عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن شرب العصير؟ قال: تشرب ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه» «1».

(و منها) حسنته عنه (عليه السلام) قال: «لا يحرم العصير حتى يغلى» «2».

(و منها) موثقة ذريح قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول:

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 229 في الباب 3 من الأشربة المحرمة، ح 3 و ح 1.

(2) الوسائل ج 17 ص 229 في الباب 3 من الأشربة المحرمة، ح 3 و ح 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 341‌

..........

______________________________
إذا نش العصير أو غلى حرم»
«1».

و أما المخصصات المجملة التي تقدم الإشارة إليها فهي ما دل من الروايات على حصول الحل و الطهارة بذهاب الثلثين من دون تعيين و تقدير بشي‌ء من الكم و الوزن.

كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام): «كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه» «2».

و ما عن أبى بصير عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) «و سئل عن الطلاء فقال: ان طبخ حتى يذهب اثنان و يبقى واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير» [1].

و نحوها غيرها، و في بعضها وقوع النزاع بين آدم (عليه السلام) و الشيطان في «الكرم» و تقسيم جبرئيل بينهما ذلك على الثلث «4».

و على الجملة حاصل الوجه الأول هو أن مقتضى الجمع بين تلك المطلقات، و هذه المخصصات المجملة هو حمل الثلث على المتيقن، و هو «الوزن» لأنه أخص من «الكم» فيقتصر عليه في التقييد.

و الجواب عنه: انه لا ينبغي التأمل في شمول الروايات الدّالة على لزوم التثليث في العصير للتقدير ب‍ «الكم» لأنه المتعارف في الشرابت المطبوخة في البيوت عند غالب الناس، و يتعسر عليهم الاختبار بالوزن غالبا، لعدم وجود ميزان في البيوت يزنون به الأشياء المصنوعة في البيت، بل يختبرون مقادير «كم» الشرابت إما بالكيل، أو بعود، و نحوه مما يجعلونه في القدر، فإذا قيل لأحد اشرب ثلث هذا الإناء فلا يتبادر إلى ذهنه الا الثلث بحسب المساحة، دون الوزن، لا أقول إنه يختص تقادير المائعات و منها‌

______________________________
[1] في الباب المتقدم ح 6 «و الطلاء: العصير إذا لم يطبخ و ترك حتى تخمر.» تعليقة الوسائل ج 17 ص 227.

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 229 في الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 4.

(2) الوسائل ج 17 ص 223، في الباب 2 من الأشربة المحرمة، ح 1.

(4) الوسائل ج 17 ص 223 في الباب 2 من الأشربة المحرمة، كالحديث 2 و 3، و غيرهما في نفس الباب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 342‌

..........

______________________________
المشروبات بالمساحة فقط، بل أقول إن تقديرها بالمساحة هو الغالب، لا سيما في ما هو محل الكلام من العصير العنبي المصنوع في بيوت لا ميزان فيها لتوزين الأشياء.

و على الجملة لا بد- في كل ما يقدر عند الناس- ما هو المتعارف في تقديره، ففي بعضها تكون العبرة بالعدد كما في الحيوان و الإنسان، و في بعضها تكون بالوزن، كالحنطة و الأرز و سائر الحبوبات، و في بعضها بالمساحة، كالأرض و نحوه، و العصير و نحوه مما يصنع غالبا في البيوت تقدر بالمساحة، و الطريق إليها «الكيل» أو الاختبار بعود يدخل في القدر و نحوه، و النتيجة:

أنه لا يمكن دعوى الإجمال في روايات التثليث بعد الجزم بشمولها للتقدير ب‍ «الكم» فلا عبرة بالوزن، لحصوله قبله كما عرفت، و إلا لزم بيانه، لعدم تعارفه في مثله، و لا سيما في مثل القرى مما لا يتيسر فيها وسائل التوزين لغالب الساكنين.

و مما يؤيّد ذلك وقوع التصريح بالكيل في روايتي عمار «1» الواردتين في كيفية نقيع الزبيب المتقدمتين في مبحث نجاسة العصير لقوله (عليه السلام) فيها «ثم تكيله كله، فتنظركم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الإناء.» و لكن قد عرفت هناك «2» قصورهما عن إفادة كون القيود المذكورة فيهما و منها التثليث لزوال التحريم، فلا يمكن الاستدلال بهما على المدّعى، فراجع ما هناك.

(الوجه الثاني) الأخبار الخاصة الدالة على اعتبار «الوزن» في تحليل العصير بالتثليث.

(منها) رواية ابن أبى يعفور عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «إذا زاد الطلاء على الثلث أوقية فهو حرام» [1] فإنها صريحة في اعتبار الوزن‌

______________________________
[1] وسائل الشيعة ج 17 ص 227 باب 2 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 9.

الطلاء: ما يطبخ من العصير حتى يثخن فيصير كشي‌ء يطلى به، اى تلطخ به و يسميه العجم ب‍ «ميبختج» يعنى «مى پخته» أى الخمر المطبوخ لما فيه من مادة الإسكار، و يعبر عنه

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 230 في الباب 5 من الأشربة المحرمة، ح 1 و 2.

(2) ج 3 من كتابنا ص 205.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 343‌

..........

______________________________
لتحديد الزائد على الثلث ب‍ «الأوقية» و هي من أسماء الأوزان، فلا بد أن تكون العبرة في المزيد عليه، و هو «الثلث» بالوزن أيضا.

و هذه و ان كانت واضحة الدلالة، الا أنها مرسلة لا يعتمد عليها، لأن الكليني رواها عن بعض أصحابنا من دون تعيين لاسمه.

نعم روى أخرى «1» مسندة، و صحيحة السند، الا انه ليس فيها لفظ «الأوقية».

(و منها) رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال:

العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق و نصف، ثم يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه» «2».

و توجيه الدلالة على اعتبار التقدير ب‍ «الوزن» هو ان يقال ان «الدانق» معرب «دانگ» و هو سدس الشي‌ء، فإذا ذهب منه ثلاثة دوانق و نصف بالطبخ و ترك حتى يبرد يذهب نصفه دانق آخر بعد رفعه من على النار لا محالة، فيكون مجموع الذاهب أربعة دوانيق، و هي ثلثا ستة دوانيق، فيكون الباقي دانقان، و هو الثلث.

و فيه: ان الدانق و ان كان عبارة عن سدس الشي‌ء الا انه أعم من سدس الوزن و المساحة، فكما يطلق على سدس الموزون يطلق على سدس الممسوح أيضا، فيقال «دانق من الأرض» أو «الدار»- مثلا- و الأعم لا يدل على الأخص.

على أن في سندها ضعف ب‍ «منصور بن العباس» الواقع في طريقها، و لم يوثق «3» و فيها من الضعاف أيضا.

(و منها) رواية عقبة بن خالد عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا، ثم طبخهما حتى‌

______________________________
ب‍ «بختج» أيضا، فالطلا و البختج و العصير كلها شي‌ء واحد و هو عصير العنب إذا طبخ، و قد يطبخ على الثلث فهو حلال، و الا فيكون حراما.

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 227 في الباب المتقدم، ح 8.

(2) الوسائل ج 17 ص 232 في الباب 5 من الأشربة المحرمة، ح 7.

(3) الا انه من رجال كامل الزيارات ص 272 ب 89 ح 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 344‌

..........

______________________________
ذهب منه عشرون رطلا و بقي عشرة أرطال أ يصلح شرب تلك العشرة أم لا؟

فقال: «ما طبخ على الثلث فهو حلال» «1».

فإنها صريحة في التقدير بالوزن و لكن للمناقشة فيها مجال أما أولا:

فبضعفها سندا ب‍ «عقبة بن خالد» «2» لأنه لم يوثق و ب‍ «محمد بن عبد اللّٰه» ان كان «محمد بن عبد اللّٰه بن هلال» [1] كما هو الظاهر.

و ثانيا: فبضعفها دلالة لأن التقدير بالوزن مذكور في كلام السائل- و قد فرضه هكذا- لا الإمام (عليه السلام) و لا عبرة بالقيود المأخوذة في كلام غير المعصوم (عليه السلام) بل يمكن الأخذ بإطلاق جواب الإمام (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام): «ما طبخ على الثلث فهو حلال» فإنه أعم من التثليث ب‍ «الوزن» أو «الكم».

فتحصل: أن الروايات التي قد يستدل بها على اعتبار «الوزن» فهي إما ضعيفة السند، أو هي مع ضعف الدلالة، فلا يمكن الاعتماد على الوجه الثاني كما انه لم يمكن الاعتماد على الوجه الأول- كما عرفت.

فإذا تصل النوبة الى الأصل العملي، لعدم تمامية الدليل الاجتهادي.

فنقول: قد يتوهم «4» ان مقتضى الاستصحاب هو الحكم ببقاء الحرمة و النجاسة إلى أن يحصل التثليث ب‍ «الوزن» لما عرفت من أنه أخص من التثليث ب‍ «الكم».

و يندفع: بان المقام من موارد الشبهات المفهوميّة التي لا يجرى فيها الاستصحاب الموضوعي، و لا الحكمي- كما مر غير مرّة- لأن منشأ الشك في البقاء انما هو الشك في المراد من ذهاب الثلثين، و أن المراد به هل هو التقدير ب‍ «الكم» أو «الوزن»، و هو من الدوران بين الأقل و الأكثر في المفهوم، و لا يجرى فيه شي‌ء من الاستصحابين.

______________________________
[1] و لكنه من رجال كامل الزيارات ص 23 ب 5 ح 2، و الظاهر أنه لا بأس بالسند.

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 17 ص 236 في الباب 8 من الأشربة المحرمة، ح 1.

(2) الا انه من رجال كامل الزيارات ص 26 ب 6 ح 5.

(4) المستمسك ج 2 ص 107.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 345‌

و يثبت بالعلم، و بالبيّنة، و لا يكفى الظن (1) و في خبر العدل الواحد إشكال (2) إلا أن يكون في يده و يخبر بطهارته و حليّته، و حينئذ يقبل

______________________________
أما الموضوعي فلعدم الشك في الأمور الخارجيّة لليقين بزوال ثلثي العصير «كما» و عدم زوالهما «وزنا».

و أما الحكمي- أعني الحرمة و النجاسة- فلأجل الشك في موضوعه لتردده بين ما هو زائل يقينا و ما هو غير زائل يقينا- كما ذكرنا- هذا مضافا إلى أنه من الاستصحاب في الشبهة الحكميّة الذي لا نقول به- كما مرّ غير مرّة- و عليه لا مانع من الرجوع إلى قاعدة الحلّ و الطّهارة، و مقتضاهما هو الاكتفاء بذهاب الثلثين «كمّا» (الكيل و المساحة) و لا حاجة إلى التقدير ب‍ «الوزن» المتأخر زمانا عن التقدير ب‍ «الكم».

(1) تقدم الكلام «1» في اعتبار العلم عقلا و البيّنة شرعا و عدم اعتبار مطلق الظن، لعدم دليل على اعتباره في البحث عما يثبت به النجاسة و لا حاجة الى الإعادة بعد ما أوضحنا الكلام في ذلك عند البحث عن طرق ثبوت مطلق النجاسات «2».

خبر العدل الواحد في العصير

(2) قد مرّ غير مرة: أنه لا ينبغي الإشكال في حجيّة خبر العدل الواحد في الموضوعات كما هو حجة في الأحكام، لإطلاق أدلة اعتباره، إلا أن يرد دليل خاص على اعتبار التعدد في مورد خاص، كما في الزنا و الخصومات، بل لا يشترط عدالة المخبر، و يكتفى بوثاقته لقيام السيرة عليه، و ان لم يكن العصير في يده [1].

______________________________
[1] و من هنا جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «الا ان يكون في يده»: (لا يبعد قبول خبر العدل الواحد و ان لم يكن العصير في يده، بل لا يبعد قبول قول الثقة، و ان لم يكن عدلا).

______________________________
(1) ج 3 ص 267.

(2) ج 3 ص 267.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 346‌

قوله (1) و ان لم يكن عدلا،

______________________________
اخبار ذي اليد بطهارة العصير

(1) قد ذكرنا: أنه يجوز الاكتفاء بخبر الثقة و إن لم يكن العصير في يده، و بقي الكلام في اعتبار قول ذي اليد بطهارة العصير أو حليّته، و أنه هل يختص بما إذا كان مسلما عارفا- كما جاء في بعض الروايات- أو مسلما ورعا مؤمنا- كما في بعضها الآخر، أو لا يقيد بشي‌ء- كما هو الصحيح- إلا أن يكون في موضع الاتهام بما إذا كان ممن يستحله قبل ذهاب الثلثين- كما في المتن- أو لم يكن ممن يشربه كذلك، و إن لم يستحله، كما هو الصحيح المنصوص، فإذا لا بد من ملاحظة الروايات الواردة حول ذلك فان بعضها يدل على اعتبار الإسلام و الإيمان و الورع.

موثقة عمار في حديث عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يأتي بالشراب، فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال (عليه السلام):

إن كان مسلما ورعا مؤمنا (مأمونا خ ل) فلا بأس أن يشرب» «1».

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلى إلى القبلة لا يوثق به، أتى بشراب يزعم أنه على الثلث فيحلّ شربه؟ قال: لا يصدّق إلّا أن يكون مسلما عارفا» «2».

و لكن يعارضهما ما هو صريح في قبول قول ذي اليد، و إن لم يكن من أهل المعرفة، و كان مجهول الحال، و مقتضى الجمع هو حمل القيود المذكورة في تلك على الرجحان.

كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث- قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث، و لا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث، قد ذهب ثلثاه، و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم» «3».

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 235 في الباب 7 من الأشربة المحرمة ح 6، ح 7.

(2) الوسائل ج 17 ص 235 في الباب 7 من الأشربة المحرمة ح 6، ح 7.

(3) الوسائل ج 17 ص 234 في الباب 7 من الأشربة المحرمة ح 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 347‌

إذا لم يكن ممن يستحله (1) قبل ذهاب الثلثين.

[ (مسألة 1): بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان]

(مسألة 1): بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه، أو بذهاب ثلثيه بناء على ما ذكرنا من عدم الفرق بين أن يكون بالنار أو بالهواء، و على هذا فالآلات المستعملة في طبخه تطهر بالجفاف و إن لم يذهب الثلثان مما في القدر، و لا يحتاج إلى إجراء حكم التبعيّة، و لكن لا يخلو عن إشكال من حيث أن المحل إذا تنجس به أولا لا ينفعه جفاف تلك القطرة، أو

______________________________
فإن فرض السائل بقوله «ممن لا نعرفه.» يدل على ان المراد أنه لا يعرفه من حيث العدالة و الوثاقة، فهو مجهول الحال، و مع ذلك أجابه (عليه السلام) بجواز قبول قوله بان ما في يده من العصير مطبوخ على الثلث، فلا يشترط الإيمان، و لا العدالة، و الوثاقة.

نعم جاء في الصحيح المذكور قيد آخر، و هو أن لا يكون ممن يشربه على النصف [1] و إن أخبر أنه طبخ على الثلث، لمعرضيّة خبره حينئذ للكذب.

قال في صدر الحديث: «انه سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتينى بالبختج، و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعرف أنه يشربه على النصف، أ فأشربه بقوله، و هو يشربه على النصف؟ فقال لا تشربه.» «2».

فالنتيجة: أنه لا بد في حجية قول ذي اليد في طهارة العصير و حليّته من عدم كونه ممن يشربه على النصف. و ان لم يكن مستحلا له، سواء أ كان عدلا أو ثقة أم لا.

(1) و لم يكن ممن يشربه، و إن لم يستحله كما جاء في صحيح معاوية بن عمار، على ما تقدم آنفا.

______________________________
[1] و جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «إذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلثين»: (و لم يكن ممن يشربه و ان لم يستحله).

______________________________
(2) الوسائل ج 17 ص 234 ح 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 348‌

ذهاب ثلثيها، و القدر المتيقن من الطهر بالتبعيّة المحل المعد للطبخ، مثل القدر، و الآلات، لأكل محل، كالثوب و البدن و نحوهما (1).

______________________________
حكم قطرات العصير على الثوب

(1) لو بنينا على أمرين «الأول» نجاسة العصير بالغليان «الثاني» طهارته بذهاب ثلثيه مطلقا و لو بغير النار ينفتح المجال للبحث عن طهارة الثوب أو البدن إذا قطرت عليهما قطرة من العصير بعد الغليان، ثم جفت، أو ذهب ثلثيها من حيث أنه هل يحكم بطهارتهما تبعا لطهارة تلك القطرة الجافة أو الذاهب ثلثاها من دون حاجة الى التبعيّة لما في القدر أو لا؟

و أما بناء على عدم طهارة العصير الغالي إلا بذهاب ثلثيه بالنار فلا مجال للبحث عن طهارة تلك القطرات الجافة، أو الذاهب ثلثاها بغير النار، و لا عن طهارة الثوب أو البدن المتنجس بها تبعا لطهارتها- كما هو واضح- إلا أن المصنف «قده»- حيث أنه يقول بكفاية ذهاب الثلثين و لو بغير النار- إختار أولا طهارة الثوب و البدن تبعا لطهارة تلك القطرات بالجفاف، أو ذهاب ثلثيها، و لكنّه استشكل ثانيا في ذلك، نظرا إلى أن المحل لو تنجس بها أولا لا ينفعه جفاف تلك القطرة، أو ذهاب ثلثيها، لعدم قيام الدليل على الطهارة التبعيّة في مطلق المحل، و إنما يختص بالمحل المعدّ للطبخ، مثل القدر و الآلات، دون الثوب و البدن، و الأمر كما أفاد.

توضيح ذلك: إن الحكم بالطهارة التبعيّة لشي‌ء لا يتم إلا بقيام دليل عليها، و ما يمكن أن يستدل به على ذلك أمور ثلاثة لا يجري شي‌ء منها في إثبات الطهارة في الثوب و البدن تبعا لطهارة القطرة الغالية بالجفاف و ان أمكن إجراء بعضها لإثباتها فيهما تبعا لطهارة ما في القدر من العصير [1]

______________________________
[1] و من هنا جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «يطهر بجفافه أو بذهاب»: فيه منع، نعم: القول بطهارته بالتبع لا يخلو عن وجه قوى، و يسهل الخطب أنه لا ينجس بالغليان، كما مر).

يقصد بذلك التبعيّة لطهارة ما في القدر بذهاب ثلثيه، و هذا كما في ثوب الطباخ و بدنه، لأنه مما

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 349‌

..........

______________________________
بذهاب ثلثيه، كما يأتي.

(أحدها): الإجماع أو سيرة المسلمين على عدم الاجتناب عن التابع، كالمتبوع، كما في مثل القدر و آلات طبخ العصير.

و هذا لا يتم فيما نحن بصدده، لأن السيرة و الإجماع من الأدلة اللبيّة، و القدر المتيقن منهما هو ثبوت الطهارة التبعيّة في خصوص اللوازم العادية لطبخ العصير، كالقدر و آلات الطبخ و نحوها، دون مثل الثوب و البدن بتبع طهارة القطرات الناضحة عليهما بجفافها أو ذهاب ثلثيها.

(ثانيها): الإطلاق المقامى، و هو السكوت عما يغفل عنه في مقام البيان، فيستدل بإطلاق الروايات الدالة على طهارة العصير بذهاب ثلثيه على طهارة محله تبعا، إذ لو كان باقيا على النجاسة لزم بيانه، لتنجس العصير بملاقاته، فلا بد من الحكم بطهارة محلّ القطرات الجافّة على الثوب أو البدن، و إلا لزم بيان نجاسته المغفول عنها لو لا البيان عليها.

و هذا أيضا لا يتم فيما نحن بصدده- من الحكم بطهارة الثوب و البدن تبعا لطهارة القطرات الواقعة عليها- لاختصاص الروايات ببيان حكم نفس العصير الغالي، و أنه يطهر بذهاب ثلثيه من دون نظر لها إلى القطرات الناضحة منه على الثوب و البدن، و مثلها لا تشمل إلا اللوازم العادية في مزاولة العصير للطبخ، كالقدر و نحوه، و لا إطلاق لها بالنسبة إلى غيرها كالثوب و البدن، إلا إذا كانا من لوازمها، كثوب الطباخ و يده، فإنه يباشرهما حال الطبخ عادة فيدخلان في محل الابتلاء، و يجب بيان حكمهما فيشملهما الإطلاق المقامى حينئذ، دون غيرهما.

(ثالثها): استلزام اللغوية لو لا الطهارة التبعيّة، و هذا كما في الحكم بطهارة العصير الغالي في القدر بعد ذهاب ثلثيه، فإنه لو لا الحكم بطهارة القدر تبعا لزم لغوية الحكم بطهارة نفس العصير لتنجسه به ثانيا.

______________________________
تجري العادة بتقاطر العصير من القدر على ثوبه و بدنه لمزاولته له في الطبخ، فيكون حكمه حكم القدر و آلات الطبخ، فلا يجرى الحكم في غير الطبّاخ، كالمار في الطريق- مثلا- لو أصاب ثوبه قطرة العصير.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 350‌

..........

______________________________
و هذا الوجه أيضا لا يجري في القطرات، و ذلك لما ذكرناه آنفا من ورود الروايات لبيان حكم نفس العصير الغالي، دون القطرات الناضحة على الثوب و البدن، و لا يشملها إلا بإطلاق لصدق العصير عليها أيضا إلا أن شمولها لها تحتاج إلى مؤنة زائدة، و هي الحكم بطهارة محلّها، و لا دليل على ذلك إلا الإطلاق المذكور، و هو لا يكفي في إثبات حكم اللّازم، لاحتياجه إلى القرينة، على تبعيّة المحل و هي مفقودة في المقام، و قرينة اللغوية تتدارك بغيرها، و هذا بخلاف نفس العصير الغالي في القدر و نحوه، فإنه مورد للروايات و لا مناص من دلالتها على طهارة مثل القدر و آلات الطبخ، و الا لزم لغوية الحكم بطهارة العصير.

و هذه قاعدة كلية تجري في جميع الإطلاقات التي تحتاج في شمولها لبعض الأفراد إلى مؤنة زائدة، و قرينة خارجيّة، و مع عدمها لزم خروجها عن المطلق.

و من هنا لا نقول بحجيّة الأصول المثبتة- كما ذكرنا في الأصول- فإن شمول أدلة الأصول للأفراد التي يحتاج في ثبوت الحكم لها إلى مؤنة زائدة ممنوع فمثل دليل الاستصحاب- كقوله عليه السلام- «لا تنقض اليقين بالشك» لا يشمل الا ما كان المستصحب أثرا شرعيّا أو ذا أثر شرعي دون ما إذا كان الأثر مع واسطة غير شرعيّة، لاحتياج الحكم بثبوت الواسطة المذكورة إلى قرينة زائدة، لأنها ليست بنفسها موردا للاستصحاب و إنما يراد إثباتها من باب لغوية الحكم في ملزومها لو لا إثبات لازمها، و لكنه ممنوع لمنع شمول الإطلاق له، فيختص بما إذا كان مجرى الأصل بنفسه حكما شرعيا أو ذا أثر شرعي.

فتحصّل: أنه لا بد من التفكيك «1» بين أفراد العصير من ناحية الدلالة على الطهارة التبعيّة [1] في بعضها دون بعض، بان نلتزم بها في الأفراد التي هي مورد الروايات كعصير القدر و نحوه، فنقول بطهارة ظرفه تبعا، إذ‌

______________________________
[1] اى تبعيّة المحل للعصير الذي فيه.

______________________________
(1) تعريض على المستمسك ج 2 ص 110.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 351‌

[ (مسألة 2): إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر]

(مسألة 2): إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر و استهلك لا ينجس، و لا يحرم بالغليان (1) أما إذا وقعت تلك الحبّة

______________________________
لو لاها كان الحكم بطهارة عصير القدر لغوا، و هذا المقدار يكفي في رفع اللغوية عن الحكم الوارد في النصوص، و لا نلتزم بالطهارة التبعيّة في بعضها الآخر، كعصير الثوب و نحوه، لأنها ليست موردا للروايات، و لا يشملها إلا الإطلاق مع الحاجة إلى تكلف زائد، و هو الالتزام بطهارة محله من الثوب و البدن تبعا لطهارة العصير الواقع عليهما، و هذا مما يحتاج إلى القرينة، و قرينة اللغوية لا تأتى فيه، لاندفاعها بغيره من أفراد العصير التي هي مورد النصوص، كعصير القدر، فتدبر.

نعم هناك طريق آخر للحكم بطهارة الثوب و البدن، و هو تبعيّتهما لطهارة عصير القدر [1] دون القطرات الواقعة عليهما، فإذا ذهب ثلثا ما في القدر يطهر و يطهر بتبعه كل ما جرت العادة بإصابة قطرات من القدر له، كثوب الطبّاخ أو يده، و يكون حاله حال آلات الطبخ، كالملعقة، و الإناء التي توضع فيها، و نحو ذلك، دون لباس عابر السبيل و نحو ذلك من الأشياء الخارجة عن مزاولة العصير.

إلا أن الذي يسهّل الخطب هو أنه أنا لا نقول بنجاسة العصير بالغليان، بل غايته حرمة شربه، فلو قلنا بها لا يطهر الا بالغليان بالنار، فلا تنفع جفاف القطرات الواقعة على الثوب و البدن لا في طهارتها و لا في طهارة الثوب و البدن، و لا طريق للحكم بطهارتها، إلا بتبعيّة نفس العصير الذي تقاطرت منه هذه القطرات فيها، و في محالها المتعارفة، فلاحظ.

استهلاك العنب في الحصرم

(1) لانعدام موضوع النجاسة و الحرمة بالاستهلاك، و هو عصير العنب، و لا أثر لغليان عصير الحصرم، و هذا ظاهر، إلا أن الحكم لا يختص بذلك، بل‌

______________________________
[1] كما أشار (دام ظله العالي) في تعليقته كما تقدم في أول البحث.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 352‌

في القدر من المرق أو غيره، فغلى يصير حراما و نجسا (1) على القول بالنجاسة

[ (مسألة 3): إذا صب العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه]

(مسألة 3): إذا صب العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه يشكل طهارته (2) و إن ذهب ثلثا المجموع، نعم لو كان قبل ذهاب ثلثيه و إن كان ذهابه قريبا فلا بأس به.

______________________________
يجري في كل مورد لا يصدق عليه عصير العنب، و لو لم يصدق عليه عصير الحصرم، كما لو امتزج مقدار من كل من العصيرين بالآخر، بحيث لا يصدق على المجموع عصير العنب، لانتفاء موضوع الحرمة و النجاسة حينئذ أيضا، و هو عصير العنب، و هذا المقدار يكفي في نفى الحرمة و النجاسة.

(1) لبقاء موضوعهما صور امتزاج العصيرين

(2) أشار المصنف «قده» الى صور ثلاث [1] لامتزاج أحد العصيرين بالآخر، لأنهما إما أن يكونا نجسين بالغليان أو يكون أحدهما طاهرا و الآخر نجسا، و الطاهر إما ان يكون بعد ذهاب ثلثيه أو قبل الغليان رأسا فتكون الصور المفروضة على ترتيب المتن هكذا.

1- امتزاج عصير نجس بالغليان قبل أن يذهب ثلثاه بعصير طاهر بعد ذهابهما، ثم يذهب ثلثا المجموع.

2- امتزاج عصيرين نجسين بالغليان، قبل ذهاب ثلثيهما، ثم يذهب ثلثا المجموع.

3- امتزاج عصير طاهر لم يغل رأسا بعصير متنجس بالغليان، ثم يذهب ثلثا المجموع.

أما الصورة الأولى- و هي كما لو صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه ثم غلى المجموع حتى ذهب ثلثاه.

فقد استشكل المصنف «قده» في طهارته، بل الأقوى عدم طهارته‌

______________________________
[1] ذكرناها على ترتيب المتن.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 353‌

..........

______________________________
بناء على نجاسة العصير بالغليان [1] و ذلك لتنجس العصير الطاهر الذي ذهب ثلثاه بملاقاته للعصير النجس، و ذهاب ثلثي المجموع مرة أخرى لا يجدى في رفع هذه النجاسة الطارئة الحاصلة بملاقاة عصير نجس، لأن ذهاب الثلثين إنما يرفع النجاسة الذاتيّة الحاصلة بالغليان دون العارضة من الخارج، و المفروض تحقق التثليث في العصير الموجود في القدر قبل تنجّسه بملاقاة العصير النجس، و الحاصل: إن تنجّس العصير الطاهر بملاقاة عصير نجس يكون كتنجسه بملاقاة نجس آخر في عدم طهارته بالتثليث، و هذا ظاهر لا ينبغي التأمل فيه.

أما الصورة الثانية- و هي كما لو صبّ عصير نجس بالغليان على مثله- فلا إشكال في طهارة المجموع بذهاب ثلثيه- كما في المتن- لتنجسه بالغليان لا غير، و ذهاب الثلثين يكون مطهّرا له، و هذا ظاهر أيضا و أما الصورة الثالثة- و هي كما لو صبّ عصير طاهر لم يغل رأسا على عصير تنجس بالغليان و لم يذهب ثلثاه بعد- فهل يحكم بطهارة المجموع لو ذهب ثلثاه أولا؟

استظهر المصنف «قده» ابتداء طهارته بذلك، و نفى الإشكال عنه، و لكنه تأمل فيه بعد ذلك، و استشكل في الفرق بينها و بين الصورة الأولى، و كأنه مال إلى الحكم بنجاستها، كتلك، و لا يخفى: أن الفرق الموضوعي بينهما إنّما هو أن العصير الطاهر في الصورة الأولى مفروضة بعد التثليث، و في الثالثة مفروضة قبل الغليان رأسا، و إن اشتركا في الطهارة قبل الملاقاة للعصير النجس المنصب عليه.

و منشأ الإشكال في الحكم بطهارة هذه الصورة هو عدم شمول أخبار التثليث لها، لما ذكرناه من اختصاصها بما إذا كانت نجاسة العصير ذاتية حاصلة بالغليان، دون ما إذا كانت عرضيّة حاصلة بملاقاته لنجس آخر، و من هنا لا يحكم بطهارة العصير المتنجس بنجاسة خارجيّة كالبول و الدم و غيرهما و إن ذهب ثلثاه جزما، فالعصير المتنجس بملاقاة عصير نجس يكون‌

______________________________
[1] كما جاء في تعليقته دام ظله على المتن.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 354‌

..........

______________________________
حكمه كذلك أيضا، كما ذكرنا في الصورة الأولى.

و دعوى: صيرورة النجاسة العرضيّة- الحاصلة بملاقاة النجس- نجاسة ذاتيّة حاصلة بالغليان، لاندكاكها فيها- كما أشار في المتن.

غير مجديّة، لأن الاندكاك و إن كانت حاصلة، لعدم وجود نجاستين في محل واحد، إلا أن الكلام في شمول أدلة مطهّرية التثليث بالغليان لمثل هذه النجاسة في العصير الغالي،- اى المجتمعة من نجاستين ذاتية و عرضيّة- لما ذكرناه آنفا من ظهور اختصاصها بالنجاسة الذاتية الحاصلة بالغليان فقط، دون ما إذا اجتمع فيه سببان للنجاسة أحدهما الغليان و الآخر ملاقاته لنجس آخر، كالبول و نحوه، و إن صار المجموع نجاسة واحدة بالاندكاك.

و لا يقاس [1] مطهّرية تثليث العصير الغالي بمطهّرية انقلابه خلا إذا تنجس قبل الانقلاب- كما ذكرنا هناك [2] للفرق بينهما بعدم وجود إطلاق في أخبار التثليث يشمل هذه الصورة، و وجودها في أخبار الانقلاب، لما ذكرنا هناك من أنه لا بد من الالتزام بشمولها للخل المأخوذ من يد الكافر و نحوه ممن يتنجس بمباشرته العصير قبل صيرورته خمرا، لغلبة ذلك في عصر صدور الروايات.

هذا، و لكن الصحيح طهارة العصير في هذه الصورة لشمول روايات التثليث لها، دون الأولى، و إن كان ذلك لا يخلو عن دقة، بيان ذلك: إن الغاب هو حصول هذه الحالة- اعنى تنجس بعض العصير المغلي بملاقاة بعضه الآخر في التطهير بذهاب الثلثين، بل يستحيل خلافه عادة، أو غير واقع في الخارج، و ذلك لان المتعارف في القدور المغليّة عصيرا كان أو غيره هو حصول الغليان في جزء منها ثم يحصل الغليان في الباقي تدريجا، لأن النار تقرب لأسفل الإناء فيغلي الجزء الذي في الأسفل ثم تتدرج الحرارة إلى الأجزاء التي في وسط القدر أو أعلاه، ففي أول آنات الغليان يتنجس بعض القدر بالغليان، و بعضه الآخر بملاقاة الغالي، فيتنجس‌

______________________________
[1] تعريض على ما في المستمسك ج 3، ص 111.

[2] في المسألة السادسة من مطهريّة الانقلاب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 355‌

و الفرق أن في الصورة الأولى ورد العصير النجس على ما صار طاهرا فيكون منجسا له (1) بخلاف الثانية، فإنه لم يصر بعد طاهرا فورد نجس على مثله، هذا

______________________________
المجموع هكذا، خصوصا في القدور الكبيرة، فإن الغالي ابتداء انما هو الجزء الذي في أسفل القدر، ثم يحصل الغليان في السطوح الفوقانية تدريجا، فإذا كان هذا مشمولا للروايات جزما، لأنه الغالب المتعارف، بل غيره يكون من النادر كانت الصورة المبحوث عنها أيضا مشمولا لها، لعدم الفرق- في نظر العرف- بين حصول الملاقاة بين الغالي و غير الغالي قبل الغليان أو بعده، فإنهم يرون أن نجاسة المجموع تكون مسبّبة عن الغليان، فتطهر بذهاب الثلثين، فان العصير الطاهر إذا صب في العصير الغالي النجس كان حاله حال الأجزاء الفوقانية في القدر الغالي أسفله في أن العرف يرى استناد نجاسة المجموع إلى الغليان، فيشمله الرّوايات الدالة على حصول الطهارة بالتثليث.

و مما ذكرنا ظهر الفرق بين هذه الصورة و الصورة الأولى، فإن تنجس العصير الطاهر في الصورة الأولى إنما يكون بعد ذهاب ثلثيه، فلا يشملها الرّوايات بخلاف الصورة الثالثة، فإنه يتنجس قبل الغليان رأسا، فيكون كالأجزاء المتصلة من الأول، فيشملها الرّوايات- كما ذكرنا- فلا وجه لتأمل المصنف «قده» في وجود الفرق بينهما، لوضوح الفرق بين الصورتين.

ثم لا يخفى إن البحث في هذه الفروض مبنيّة على القول بنجاسة العصير بالغليان، و أما إذا لم نقل إلا بالحرمة- كما هو الأقوى- فلا ينبغي التأمل في حصول الحليّة بذهاب الثلثين في جميع هذه الفروض، لصيرورة الحرام حلالا بذهاب ثلثيه بأي وجه اتفق سواء أ كان بالاستقلال، أو في ضمن عصير آخر، فلا تقاس الحرمة بالنجاسة.

(1) و ذهاب الثلثين لا يرفع النجاسة العرضيّة الحاصلة بالملاقاة لاختصاص رافعيّته بالنجاسة الذاتيّة الحاصلة بالغليان فقط، و اندكاك العرضيّة في الذاتيّة لا يجدى في رفع النجاسة المضاعفة- كما ذكرنا-

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 356‌

و لو صبّ العصير الذي لم يغل على الذي غلى فالظاهر عدم الإشكال فيه، و لعلّ السرّ فيه أن النجاسة العرضيّة صارت ذاتيّة (1) و إن كان الفرق بين و بين الأولى لا يخلو عن إشكال و محتاج إلى التأمل (2).

[ (مسألة 4): إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلى بعد ذلك]

(مسألة 4): إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلى بعد ذلك. (3) [1]

______________________________
(1) مراده من النجاسة العرضيّة هي النجاسة العارضة للعصير الطاهر الذي لم يغل بملاقاة العصير النجس الغالي، و بالذاتيّة ما يحصل لها بالغليان و لكن قد عرفت: أن مجرد ذلك لا يجدى في حصول الطهارة بذهاب الثلثين، لعدم شمول الروايات للنجاسة المضاعفة التي تحصل بملاقاة العصير للنجاسات الخارجيّة.

(2) قد عرفت: أن مقتضى التأمل هو الحكم بطهارة هذه الصورة دون الأولى، لشمول روايات التثليث لها دونها، لاستناد النجاستين- العرضيّة و الذاتيّة- في هذه الصورة إلى الغليان عرفا- كما هو المتعارف في القدور المغليّة تدريجا- بخلاف الأولى لاستنادهما إلى سببين مستقلّين أحدهما الملاقاة مع العصير النجس، و الآخر غليان العصير الملاقي- بالفتح- فراجع ما تقدم.

الغليان بعد ذهاب ثلثي العصير

(3) لا يتم ذلك على إطلاقه، بل لا بد من التفصيل بين ما إذا صدق عليه عنوان العصير بعد ذهاب ثلثيه بنفسه، و ما إذا لم يصدق عليه ذلك، فإنه على الأول لا بد من الحكم بنجاسته أو حرمته بالغليان، لشمول أدلة الغليان له، لصدق عنوان العصير عليه، و إن ذهب ثلثاه قبل ذلك، إذ مجرد ذهابهما قبله لا يمنع عن شمول الرّوايات له، لأن المفروض صدق العصير عليه بعد.

نعم يتم ذلك على الفرض الثاني و هو فرض عدم صدق العصير عليه‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «لا ينجس إذا غلى بعد ذلك»: (إذا صدق عليه العصير ترتب عليه ما يترتب على غليانه من الحرمة، أو هي مع النجاسة على القول بها، و لا أثر لذهاب ثلثيه قبل الغليان).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 357‌

[ (مسألة 5): العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم و لا ينجس بالغليان]

(مسألة 5): العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم و لا ينجس (1) بالغليان على الأقوى، بل مناط الحرمة و النجاسة فيهما هو الإسكار

[ (مسألة 6): إذا شك في الغليان يبنى على عدمه]

(مسألة 6): إذا شك في الغليان يبنى على عدمه (2) كما أنه لو شك في ذهاب الثلثين يبنى على عدمه (3)

[ (مسألة 7): إذا شك في أنه حصرم]

(مسألة 7): إذا شك في أنه حصرم أو عنب يبنى على أنه حصرم (4)

[ (مسألة 8): لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار، أو نحو ذلك]

(مسألة 8): لا بأس بجعل (5) [1] الباذنجان أو الخيار، أو نحو ذلك

______________________________
بعد ذلك للثخن الحاصل فيه، كما إذا صار دبسا، لأن غليان الدّبس- على تقديره- لا يوجب الحرمة أو النجاسة، هذا و لكن الظاهر عدم إرادة المصنف «قده» هذه الصورة، لتحفّظه على صدق عنوان العصير على الغالي بعد ذهاب ثلثيه بنفسه.

عصير التمر و الزبيب

(1) تقدم الكلام فيهما في بحث النجاسات «2» كما يأتي الإشارة إلى حكم عصير التمر في (المسألة 10) تبعا للمصنف (قده) و نذكر أنه لا بأس به إلا إذا كان مسكرا‌

(2) لاستصحاب عدم الغليان‌

(3) لاستصحاب عدم ذهاب الثلثين‌

(4) لاستصحاب أنه حصرم‌

جعل الباذنجان و الخيار في حب عصير العنب

(5) لو قلنا بعدم تنجس العصير العنبي بالغليان- كما هو المختار- صح ما ذكره‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «لا بأس بجعل الباذنجان»: (هذا فيما إذا لم نقل بنجاسة العصير بالغليان و إلا ففيه بأس).

______________________________
(2) ج 3 ص 195- 215.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 358‌

في الحبّ مع ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلّا، أو بعد ذلك قبل أن يصير خلّا و إن كان بعد غليانه أو قبله و علم بحصوله بعد ذلك.

[ (مسألة 9): إذا زالت حموضة الخل العنبي و صار مثل الماء لا بأس به]

(مسألة 9): إذا زالت حموضة الخل العنبي (1) و صار مثل الماء لا بأس به إلا إذا غلى (2) [1] فإنه لا بد حينئذ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلّا ثانيا

______________________________
في المتن من عدم البأس بجعل الباذنجان و الخيار، و نحوهما في حبّ عصير العنب، أو التمر، لأن غاية ما يوجبه الغليان هي الحرمة، دون النجاسة، و ملاقي الحرام لا يصير حراما، فإذا انقلب خلا، أو ذهب ثلثاه جاز أكل الجميع في جميع الصور المذكورة في المتن.

و أما لو قلنا بنجاسة العصير العنبي بالغليان يشكل الحكم بالطهارة في أمثال ذلك مما لم تجر العادة بوجوده في تخليل العنب، أو التمر و إن كانت تجعل في الحبّ في بعض البلدان، لعدم الدليل على الطهارة التبعيّة في أمثال ذلك، فتبقى على نجاستها، و يتنجّس بها الخل بعد الانقلاب أو التثليث ثانيا، نعم لا بأس بالالتزام بالطهارة التبعيّة فيما تجري العادة بوجوده عند التخليل كنواة التمر و العنب و قشورهما و نحو ذلك مما لا ينفك التخليل عنها غالبا، فلا محذور في الالتزام بالتفكيك بين الموردين [2] أعنى المتعارف و غيره.

حكم الخل الفاسد

(1) التقييد بالعنبي إنما هو احتراز عن الزبيبي و التمري، لعدم حرمتهما بالغليان‌

(2) إذا فسد الخل و صار كالماء المضاف، فهل يحرم أو يتنجّس بالغليان حتى يحتاج في حليّته أو طهارته إلى التثليث أو الانقلاب خلا، أولا‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف (قده) «إذا غلى» (بل و إن غلى إذ لا أثر لغليان الخلّ الفاسد).

[2] و قد مال في الجواهر ج 6 ص 291 الى عدم التفكيك بين مطلق الأجسام المطروحة في الخمر المنقلب خلا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 359‌

..........

______________________________
الصحيح عدم تأثيره في شي‌ء منهما، بل يبقى على الحلّ و الطهارة و لا حاجة إلى شي‌ء من المطهرين (التثليث أو الانقلاب) حتى لو فرض صدق عنوان العصير العنبي عليه بعد الفساد، و لا بد من التكلم في مسألتين توضيحا للحال (الأولى) في أن الخل الفاسد هل يحرم أو يتنجس بالغليان أولا ح (الثانية) في أن العصير العنبي- لو غلى- هل يطهر بالانقلاب خلّا- كالخمر- أو ينحصر مطهّره في التثليث و هذه المسألة و إن كانت أجنبيّة عما نحن فيه من مطهريّة ذهاب الثلثين، إلا أنه لا بد من التعرض لها تبعا للمتن، حيث أنه التزم به حيث إنه جعل المطهّر للخلّ الفاسد الغالي أحد الأمرين إما التثليث أو الانقلاب خلا، و هذا مبنى على زعم عود عنوان العصير العنبي على الخلّ الفاسد.

غليان الخل الفاسد فنقول: أما المسألة الأولى- و هي في حكم الخلّ الفاسد إذا غلى- فالصحيح أنه لا أثر للغليان المذكور في شي‌ء من حرمته أو نجاسته، كي يحتاج إلى التثليث أو الانقلاب إلى الخل ثانيا- خلافا للمصنف (قده)- و ذلك لأن الموجب للحرمة أو هي مع النجاسة إنّما هو حدوث الغليان- على نحو صرف الوجود الصادق على أول الوجودات- في عصير العنب فإذا طهر العصير بعد الغليان إما بالتثليث، أو بالانقلاب خلا، فلا أثر للغليان الثاني فيه أصلا، لعدم الدليل على تأثير الغليان بعد الغليان الأول، هذا في نفس العصير و اما الخل فلا أثر لغليانه أيضا لحصول الغليان فيه قبل صيرورة خلا، و قد زال أثره من الحرمة و النجاسة بالانقلاب خلا، فلا أثر للغليان الثاني على أنه لا يصدق عليه عنوان العصير و الغليان الموجب للحرمة و النجاسة تختص بالعصير العنبي فلا يعم الخل العنبي.

و أما الخل الفاسد الذي هو محل الكلام في هذه المسألة فلا أثر للغليان فيه أيضا، لعدم صدق العصير عليه و لو زالت حموضته، فإنه خلّ فاسد،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 360‌

..........

______________________________
أو ماء مضاف، و لا أثر لغليانه، و عود عنوان العصير العنبي عليه مجرد فرض لا واقع له، على أنه غليان ثانوي بعد تحقق رافع الحرمة، و النجاسة الحاصلة بالغليان الأول.

انقلاب العصير الغالي خلّا و أما المسألة الثانية- و هي في مطهريّة انقلاب العصير العنبي خلّا بعد الغليان، كي يكون كالخمر إذا انقلب خلا في زوال حرمته و نجاسته- فيستدل عليها بوجوه لا تخلو عن المناقشة (الأول): الإجماع بقسميه عليه «1» فيكون العصير كالخمر في طهارته بالخليّة- بناء على نجاسته بالغليان- و يزداد عليه بطهارته بذهاب ثلثيه (و فيه): إن الإجماع المنقول ليس بحجة و المحصّل غير حاصل لنا، لا سيّما مع وجود وجوه أخر ذكرت في المقام يحتمل أو يظن استناد المجمعين إليها، و سبيل الإجماع في هذه يكون كسبيله في أكثر المسائل الفقهيّة في عدم حصول القطع بالإجماع التعبّدي.

(الوجه الثاني): الأولوية القطعيّة، بدعوى: إن الخمر يكون أشد نجاسة من العصير الغالي، فلو كان الانقلاب إلى الخليّة مطهرا للخمر كان العصير أولى بذلك لو انقلب خلّا (و فيه): ما لا يخفى أما أولا فلأنه قياس لا نقول به و لا قطع بالأولوية.

و ثانيا: إنه مع الفارق لما ذكرناه من الفرق بين استحالة النجاسات و المتنجسات من أن موضوع النجاسات العينيّة إنما هو العنوان الخاص- كالبول و الدم و العذرة- و نحو ذلك، فإذا زال العنوان يزول الحكم لا محالة، فإذا استحال العذرة ترابا- مثلا- فقد زال العنوان النجس و حدث عنوان آخر، و هو التراب، و هو طاهر في نفسه، و من هنا قلنا: إن مطهّرية الاستحالة لا تحتاج إلى دليل خاص، و إنما هي حكم على القاعدة الأولية، و إنما مسّت‌

______________________________
(1) كما في الجواهر ج 6 ص 291.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 361‌

..........

______________________________
الحاجة في انقلاب الخمر خلّا بالنسبة إلى الطهارة التبعيّة للإناء و إلا لتنجس الخلّ بها ثانيا.

و الحاصل: إن طهارة الخمر بالانقلاب خلّا إنما هو من باب زوال عنوان النجس العين، و حدوث عنوان طاهر، و هو الخلّ.

و لا يمكن قياس العصير الغالي لو انقلب خلّا عليه، لأن موضوع النجاسة في العصير إنما هو الجسم المتنجس بالغليان، و هو باق حتى بعد زوال وصف العصيريّة، و صيرورته خلّا، فان ذات الجسم باق في كلتا الحالتين، و ليس عنوان العصير الغالي من عناوين النجاسات العينيّة، كي يزول حكمه بزواله، بل يجرى عليه حكم المتنجسات.

فتلخّص: إن قياس العصير الغالي المنقلب خلا على الخمر المنقلب إليه قياس مع الفارق، و هو فارق الأعيان النجسة عن المتنجسات، فلاحظ.

(الوجه الثالث): صحيحة معاوية بن عمار لقوله (عليه السلام) فيها «خمر لا تشربه» بناء على رواية التهذيب «1» يعنى «العصير الغالي خمر لا تشربه».

بدعوى عموم التنزيل في جميع الآثار التي منها طهارة الخمر بالانقلاب خلّا، فالعصير الغالي أيضا كالخمر في هذا الأثر.

(و فيه): أولا إن لفظة «خمر» لم تكن في رواية الكافي «2» كما تقدم «3».

و ثانيا: إنه لو سلم وجود لفظ «خمر» في الرواية فلا تدل على عموم التنزيل أما أولا: فلظهور قوله: «خمر لا تشربه» في التنزيل من حيث الحرمة فقط، دون سائر الآثار، إذ فرق بين قولنا «خمر لا تشربه» و قولنا «خمر فلا تشربه» فإن الثاني حيث أنه مشتمل على «فاء» التفريع يمكن دعوى دلالته على عموم التنزيل بخلاف الأول، لظهوره في اختصاص التشبيه بالحرمة.

______________________________
(1) التهذيب ج 9 ص 122 ح 261.

(2) الكافي ج 6 ص 421 ح 7.

و كذا في الوسائل ج 17 ص 234 ح 4 عنه

(3) ج 3 ص 177 من كتابنا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 362‌

[ (مسألة 10): السّيلان- و هو عصير التمر، أو ما يخرج منه بلا عصر]

(مسألة 10): السّيلان- و هو عصير التمر، أو ما يخرج منه بلا عصر- لا مانع من جعله في الأمراق، و لا يلزم ذهاب ثلثيه،

______________________________
و أما ثانيا فلانصراف إطلاق التنزيل إلى أظهر الخواص و هو في الخمر، الحرمة و النجاسة، فلا يعم الطهارة بالانقلاب إلى الخلّ.

و الصحيح في الاستدلال على طهارة العصير الغالي بالانقلاب خلا هو التمسك بإطلاق الرّوايات «1» الدّالة على طهارة الخلّ، و الترغيب في جعله في البيوت ليتخذ إداما، و ينتفع بخواصه و آثاره، و هي روايات كثيرة تدل على حلّ الخلّ و طهارته، فإنها بإطلاقها تشمل ما كان غاليا قبل صيرورته خلّا، بل لا يوجد خلّ إلا و أن يكون فيه نشيش و غليان قبل صيرورته خلّا، في جميع أقسام الخلّ، سواء كان من عصير العنب أو التمر أو غيرهما، و مقتضى الإطلاق المذكور ثبوت الحلّ و الطهارة للخلّ، بعد النشيش فضلا عن الغليان بأسباب خارجيّة، كالنار، إذ الحرمة أو النجاسة أولى بالنشيش الذاتي من الغليان الحاصل بسبب خارجي فتحصل من جميع ما ذكرناه:

1- إن الخلّ الفاسد لا يحرم و لا يتنجس بالغليان، خلافا للمصنف (قده) 2- لو فرض حرمته أو نجاسته بذلك فيحل و يطهر بالتثليث أو الانقلاب خلا ثانيا و يكفينا في الحكم الثاني إطلاق روايات حلية مطلق الخلّ- كما عرفت-

______________________________
(1) و هي مروية في الوسائل ج 17 كتاب الأطعمة و الأشربة ص 63 ب 43 (باب أكل الخل و الزيت) و ص 65 ب 44 (باب استحباب أكل الخل و عدم خلو البيت منه) و ص 45 ب 45 (باب أكل خل الخمر) و ص 296 ب 31 (باب عدم تحريم الخل و ان الخمر إذا انقلب خلا حلت)

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 363‌

كنفس التمر (1)

______________________________
حكم السيلان

(1) و ذلك لاختصاص أدلة الحرمة، أو هي مع النجاسة بالعصير العنبي الغالي، و أما العصير التمري «1» فخارج عن تلك الأدلة، فلا دليل على حرمته أو نجاسته بالغليان، بل قد عرفت «2» في بحث النجاسات: أن العصير الزبيبي أيضا لا تشمله أدلة العصير العنبي، إلا أن نلتزم بالاحتياط فيه- كما تقدم «3» نعم العصير التمري يحرم و يتنجّس لو صار مسكرا بالغليان، كما دل عليه جملة من الرّوايات «4» و في بعضها عن النبي الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله) حيث أنه سئله وفد اليمن عن حكم العصير التمري، و قد أكثر السائل في الكلام، فقال (ص):

«يا هذا قد أكثرت علىّ، أ فيسكر؟ قال: «نعم، فقال: كل مسكر حرام» «5»

______________________________
(1) كما تقدم في ج 3 ص 210.

(2) ج 3 ص 196.

(3) ج 3 ص 196.

(4) الوسائل ج 18 ص 282 باب 24 من أبواب الأشربة المحرمة.

(5) في الباب المتقدم ج 6.





 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net