7 ـ اشتراط عدم المانع من استعمال الماء للوضوء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6322


   السابع : أن لا يكون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف أو عطش أو نحو ذلك ، وإلاّ فهو مأمور بالتيمم ، ولو توضّأ والحال هذه بطل ((1)) (1) ولو كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخبث ولو مع الحكم بطهارته ، كما في ماء الاستنجاء أو الغسالة المتعقبة بطهارة المحل أو مطلقاً بناء على طهارة الغسالة على نحو الاطلاق .

   وأيضاً اشترطوا أن لا يكون الماء المستعمل فيه مستعملاً في رفع الحدث الأكبر وأما المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا مانع من أن يستعمل في رفع الحدث الأصغر ثانياً وثالثاً وهكذا ، وتفصيل الكلام في هذه المسألة وجميع فروعها قد أسلفناه عند التكلّم على مطهرية المياه فليراجع (2) .

    اشتراط أن لا يكون هناك مانع من استعمال الماء :

   (1) قد يستند الحكم بجواز التيمم إلى النص الشرعي كما في موارد الخوف على النفس من العطش أو المرض أو اشتداده ونحوها ، حيث ورد الأمر بالتيمم وقتئذ في صحيحة الحلبي(3) وغيرها مما يأتي في مبحث التيمم إن شاء الله(4) ويكون ذلك النص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد الصحّة في صورة خوف العطش .

(2) شرح العروة 2 : 278 .

(3) الوسائل 3 : 388 / أبواب التيمّم ب 25 ح 2 .

(4) بعد المسألة [ 1058 ] فصل في التيمّم .

ــ[353]ــ

جاهلاً بالضرر صحّ ((1)) ، وإن كان متحقِّقاً في الواقع ، والأحوط الاعادة أو التيمّم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تخصيصاً شرعياً فيما دلّ على وجوب التوضؤ على واجد الماء ، لأن المفروض أن المكلف متمكن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً ، فأمره بالتيمم ـ والحال هذه ـ تخصيص في تلك الأدلة لا محالة ، ومعه إذا أقدم المكلف على الوضوء وترك التيمم فمقتضى القاعدة هو الحكم ببطلان وضوئه لعدم الأمر به ، بل قد عرفت أن مقتضى إطلاق دليل التخصيص تعيّن التيمم في حقه وكونه واجباً تعينياً لا تخييرياً ، وكفاية الطهارة المائية عن الطهارة الترابية يحتاج إلى دليل وهو مفقود على الفرض . بلا فرق في ذلك بين موارد حرمة استعمال الماء في الوضوء ، كما إذا فرضنا أن استعمال الماء موجب لاشتداد المرض ، وموارد عدم حرمته كما إذا خاف من العطش بعد ذلك ، فان استعمال الماء وقتئذ وإن كان مفوتاً للواجب إلاّ أن الاستعمال غير محرم شرعاً ، ومع ذلك لو توضأ حينئذ حكمنا ببطلانه للنص الدال على تعيّن التيمم في حقه .

   وقد يستند الحكم بجواز التيمم إلى حكم العقل به ، كما في موارد المزاحمة بين وجوب الوضوء وواجب آخر أهم كانقاذ الغريق ونحوه ، كما إذا كان عنده مقدار من الماء يكفي لوضوئه فحسب ووجبت عليه إزالة النجاسة عن المسجد ، وحيث إن الازالة مما لا بدل له والوضوء مما له البدل ، يتعيّن عليه صرف الماء في الازالة والتيمم للصلاة ، وهذا لا من جهة دلالة الدليل الشرعي عليه ، بل من جهة استقلال العقل بقبح التكليف لما لا يطاق ، لعدم تمكن المكلف من امتثال كلا التكليفين وعدم امكان الأمر بالضدين في زمان واحد .

   ففي هذه الموارد إذا عصى المكلف الأمر بالتيمم وصرف الماء في الازالة الواجبة مثلاً فصرفه في الوضوء أمكننا الحكم بصحة وضوئه بالترتب ، وحيث إن المخصص للأمر بالوضوء عقلي وليس دليلاً شرعياً كي يتمسك باطلاقه حتى في صورة عصيان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا فيما إذا لم يكن الضرر مبغوضاً في الواقع .

ــ[354]ــ

الأمر بالأهم فلا مناص من الاكتفاء فيه بمقدار الضرورة ، كما هو الحال في موارد التخصيصات العقلية وهو صورة امتثال المكلف للأمر بالأهم ، فانه وقتئذ غير مكلف بالوضوء جزماً ، لاستلزامه التكليف بما لا يطاق ، ولأجل الفرار من هذا المحذور رفعنا اليد عن إطلاق الأمر بالمهم ـ عند امتثال المكلف للأمر بالأهم ـ فان بهذا المقدار من تقييد دليل المهم يرتفع المحذور العقلي من البين ، ومعه لا موجب لرفع اليد عن أصله وأساسه ، فاذا فرضنا أن المكلف عصى للأمر بالأهم والمفروض بقاء الأمر بالمهم بحاله فلا مانع من التمسك باطلاقه والحكم بوجوب الوضوء عليه في محل الكلام ، لتمكنه منه بحسب العقل والشرع ، فاذا أتى به وقع صحيحاً ومأموراً به لا محالة .

   نعم ، قد استشكل شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في جريان الترتب في الطهارات الشرعية ، مدعياً أن القدرة قد اُخذت في موضوعها لقوله عزّ من قائل (ولم تجدوا ماء ... ) لأن التفصيل قاطع للشركة ، فيدلنا ذلك على أن الوضوء وظيفة واجد الماء كما أن التيمم وظيفة الفاقد والعاجز عنه ، وحيث إن المكلف في مفروض الكلام غير متمكن شرعاً على صرف الماء في الوضوء لمكان مزاحمته مع الواجب الأهم فلا  يكون الوضوء مشروعاً في حقه لاختصاصه بالواجد والمتمكن منه كما عرفت ، وعصيان الأمر بالأهم لا يجعل العاصي متمكناً من الماء شرعاً ، لوجوب صرف الماء في الازالة مثلاً ، ولا قدرة له في استعماله في الوضوء ، سواء امتثل التكليف بالأهم أم لم يمتثل (1) .

   ونحن أيضاً قد بنينا على ذلك برهة من الزمان وقد عدلنا عنه أخيراً ، نظراً إلى أن القدرة المأخوذة في هذه الموارد أعني الوضوء والحج وغيرهما إنما هي القدرة بالمعنى اللغوي ، أعني المفهوم العرفي العام وهو التمكن من الشيء تكويناً وعدم الممنوعية عنه شرعاً ، وليس لها معنى شرعي آخر ، وحيث إن المكلف عند عصيانه الأمر بالأهم يتمكّن من الاتيان بالمهم تكويناً كما لا ممنوعية له عنه شرعاً ، فيتحقق الموضوع للأمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فوائد الاُصول 2 : 367 .

ــ[355]ــ

بالمهم في حقه ويشمله دليله . أما تمكنه من الوضوء في مفروض المسألة عقلاً وبحسب التكوين فلأنه أمر ظاهر جلي ، إذ لا يتصوّر أي مانع عقلي أو تكويني من استعماله الماء في الوضوء . وأما تمكنه منه شرعاً فلأجل عدم تعلق أي نهى باستعمال الماء في الوضوء ، وإنما تعلق الأمر باستعماله في الازالة فحسب ، والأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه . نعم إذا كان استعماله الماء في الوضوء ممنوعاً عنه بحسب الشرع كما في التوضؤ من الماء المغصوب انتقل فرضه إلى التيمم ومنع عن الوضوء لا محالة ، لعدم قدرته على التوضؤ شرعاً .

   وثالثة يستند جواز التيمم إلى الأدلة العامة كقاعدتي نفي الحرج والضرر من دون أن يستند إلى دليل يخصه بحسب الشرع أو العقل كما كان كذلك في الصورتين الاُوليين ، وهذا كما في موارد كون الوضوء مستلزماً للتضرر غير المنصوص عليه في الأخبار ، فهل يحكم بصحة الوضوء وقتئذ فيما إذا أقدم عليه عالماً بكونه ضررياً في حقه أو حرجياً أو لا يحكم عليه بالصحة ؟

   قد فصّل الماتن (قدس سره) (1) في مبحث التيمم في هذه المسألة بين الحرج والضرر ، مدعياً أن هاتين القاعدتين إنما تتكفلان نفي الالزام والوجوب ولا تتكفلان نفي المشروعية والجواز ، فمن هنا يصح وضوءه في موارد الحرج .

   وأما في موارد الضرر فحيث إن الاضرار محرم وهو ينطبق على الوضوء فلا محالة يتصف الوضوء بالحرمة فيبطل من هذه الناحية .

   ولنا في ذلك كلام يأتي في مبحث التيمم إن شاء الله فلا نتعرّض إلى ذلك في المقام تبعاً للماتن حيث لم يتعرض له هنا ، بل نتعرض لما تعرض له (قدس سره) وهو ما إذا كان المكلف جاهلاً بأن الوضوء يترتب عليه الضرر فأقدم عليه وترتب عليه الضرر واقعاً ، أعني الضرر غير المنصوص عليه في الأخبار كترتب ذهاب مال له عليه ، كما إذا اشتغل بالوضوء فسرق اللصوص أمواله فهل يحكم بصحة وضوئه ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المسألة [ 1076 ] .

ــ[356]ــ

   حكم بصحته في المتن واحتاط باعادته إذا لم يترتب عليه الضرر ، كما احتاط بالتيمم فيما إذا استلزم الضرر ، وقد تعرض الماتن (قدس سره) لهذه المسألة بعينها في مبحث التيمم وجزم بالصحة هناك من غير أن يحتاط بشيء .

   والصحيح في المسألة التفصيل : وذلك لأن الضرر المترتب على الوضوء قد لا يكون أمراً مبغوضاً لدى الشرع ، وقد يكون مبغوضاً شرعياً على نحو لا يرضى الشارع بتحققه في الخارج بوجه .

   أمّا إذا لم يكن الضرر مبغوضاً عند الشارع كما إذا ترتب على وضوئه سرقة مال له ، فلا مناص من الحكم بصحة الوضوء حينئذ ، وذلك لأنه أمر مباح في الواقع على الفرض ، ولا يشمله حديث نفي الضرر ، لأنه قاعدة امتنانية ولا امتنان في الحكم ببطلان الوضوء الصادر عن الجاهل بترتب الضرر غير المحرم عليه . إذن فلا مانع من أن ينطبق المأمور  به على الوضوء المأتي به في الخارج ، لأنه مصداقه ومحققه فيحكم بصحّته .

   بل يمكن أن يقال : إن في نفس الأخبار الواردة في التيمم إشعاراً بصحة الوضوء عند الجهل بضرره ، فان الظاهر من تلك الروايات أن موضوع وجوب التيمم إنما هو خوف الضرر ولكن لا على وجه الموضوعية بل على وجه الطريقية إلى الضرر الواقعي أعني به الضرر الواصل للمكلف ، ومع الجهل به وعدم خوفه منه لا يكون الضرر واصلاً للمكلف فلا ينتقل فرضه إلى التيمم ، فلا بدّ من الحكم بصحة وضوئه .

   وإذا كان الضرر المترتّب على الوضوء محرماً ومما لا يرضى الشارع بوجوده في الخارج ، كما إذا ترتّب على الوضوء قتل النفس المحترمة أو ما يشاكل ذلك مما لا يرضى به الشارع ، فلابدّ من الحكم بالبطلان ، لأن الوضوء وقتئذ محرم وكيف يعقل أن يكون المحرم مصداقاً للواجب ، والجهل بحرمته لا يقلب الحرام إلى الجائز أو الوجوب .

   وعلى الجملة : إن المسألة من صغريات الكبرى المتقدمة (1) في التوضؤ بالماء المغصوب جاهلاً بمغصوبيته ، وقد مر أن الصحيح وقتئذ هو الحكم بالبطلان .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 318 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net