جواز الاستعانة بالغير في المقدمات البعيدة - كراهة الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9555


ــ[367]ــ

وهذه لا مانع من تصدّى الغير لها  (1) .

   الثاني : المقدمات القريبة مثل صبّ الماء في كفّه وفي هذه يكره مباشرة الغير (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   على أن المسألة مما لا خلاف فيه إلاّ من ابن الجنيد ، حيث ذهب إلى كراهة التولية في الوضوء (1) إلاّ أنه مما لا يعبأ به لشذوذه وندرته فانه على خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب (قدس الله أسرارهم) .

   (1) ويدل عليه مضافاً إلى الأخبار الواردة في الوضوءات البيانية ، لاشتمالها على أنه (صلّى الله عليه وآله) دعى بقعب أو قدح أو طست أو تور أو غيره من أواني الماء (2) وهي قد وردت في مقام البيان ، فيستفاد منها أن الاعانة في أمثال ذلك من المقدّمات البعيدة للوضوء أمر سائغ لا منع عنه ، أن التوضؤ من دون إعانة الغير في المقدمات أمر لا يتحقق إلاّ نادراً ، لتوقفه على أن يصنع لنفسه ظرفاً من إبريق ونحوه حتى يخرج به الماء من البئر أو البحر أو المخزن ونحوها ، وإلاّ فصانع الابريق أو من أتى به الماء مثلاً معين للمتوضئ في وضوئه فلا يتحقق الوضوء من دون إعانة الغير إلاّ بالذهاب إلى بحر أو نهر ليتوضأ منه بلا إعانة الغير ، وهو قليل التحقّق لا محالة .

   هذا على أن عبادية الوضوء ليست بأرقى من عبادية بقية العبادات كالحج والصلاة ، ولا إشكال في جواز الاستعانة من الغير في مقدماتهما ، فهل يكون هذا تشريكاً في الحج والصلاة ، أو أنه لا مانع من الشركة فيهما بخلاف الوضوء ، وهذا مما يدلّنا على عدم المنع من الاستعانة بالغير في مقدمات الوضوء .

    مورد كراهة مباشرة الغير :

   (2) بل الظاهر عدم المنع عن ذلك لا كراهة ولا تحريماً ، ولا يمكن المساعدة على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختلف 1 : 135 المسألة [ 83 ] .

(2) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 ح 2 ، 3 ، 6 ، 10 ، 11 .

ــ[368]ــ

ما  ذكره الماتن من الحكم بالكراهة ، وذلك لعدم قيام دليل على الكراهة بوجه ، وما استدلّ به عليها من الروايات الآتي نقلها إما ضعيف السند والدلالة معاً أو من إحدى الجهتين .

   مضافاً إلى دلالة الرواية الصحيحة على الجواز وعدم الكراهة أو الحرمة وهي صحيحة الحذاء قال : «وضأت أبا جعفر (عليه السلام) بجمع (عرفات) وقد بال ، فناولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفاً فغسل به وجهه وكفاً غسل به ذراعه الأيمن وكفاً غسل به ذراعه الأيسر ، ثم مسح بفضلة الندى رأسه ورجليه» (1) وهي صريحة الدلالة على جواز تصدي الغير بالمقدمات القريبة في الوضوء .

   نعم ، رواها الشيخ (قدس سره) في موضع آخر من التهذيب مشتملة على قوله «ثم أخذ كفّاً» (2) بدل ثم صببت عليه كفّاً ، كما نقله في الوسائل ، وعليه تكون الرواية أجنبية عما نحن بصدده ، إلاّ أن الصحيح هو نسخة الوسائل ولعلّه سقط عن قلم الشيخ اشتباهاً ، وذلك لاشتمال صدرها على قول الحذاء : «وضأت أبا جعفر» فلو كان (عليه السلام) أخذ الماء بنفسه فأين وضاءة الحذاء حينئذ ؟ هذا .

   وقد استدل للكراهة بعدة روايات :

   منها : رواية حسن الوشاء قال : «دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة ، فدنوت منه لأصب عليه فأبى ذلك ، فقال : مه يا حسن ، فقلت له لِمَ تنهاني أن أصب الماء على يديك تكره أن اُؤجر ؟ قال : تؤجر أنت واُوزر أنا ، فقلت : وكيف ذلك ؟ فقال : أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول : (فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً ) وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد» (3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 391 / أبواب الوضوء ب 15 ح 8 .

(2) التهذيب 1 : 79 / 53 وأخرجها في ص 58 / 162 مطابقة لما في الوسائل .

(3) الوسائل 1 : 476 / أبواب الوضوء ب 47 ح 1 .

ــ[369]ــ

   ولكنّها ضعيفة السند بابراهيم بن إسحاق الأحمر ، لأنه ممن ضعّفه الشيخ (1) والنجاشي(2) (قدس سرهما) كما أنها ضعيفة الدلالة على المدعى ، حيث إن ظاهرها الحرمة ، لأن معنى قوله تعالى : (فمن يرجو ... ) أنه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن الظاهر أن ارتكاب أمر مكروه عند الله سبحانه لا يستلزم انتفاء الايمان بالله سبحانه واليوم الآخر ، فلا يتحقق هذا إلاّ في ارتكاب المحرمات .

   أضف إلى ذلك قوله (عليه السلام) «اُوزر أنا» فان الوزر بمعنى العقاب وهو مختص بالحرام .

   وفي الرواية مناقشة اُخرى ، وهي أن ظاهر الآية المباركة التي استشهد بها الامام (عليه السلام) عدم جواز الاشراك في العبودية ، وأن من آمن بالله واليوم الآخر لا يسوغ له أن يعبد غير الله سبحانه ، بل لا مناص من حصر المعبودية به جلّت عظمته كما اشتمل عليه غيره من الآيات أيضاً كقـوله عزّ من قائل (وما اُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين )(3) وقوله : (إيّاك نعبد )(4) ولا يستفاد منها عدم جواز الاتيان بعبادة الله تعالى ـ من دون إشراك ـ مع الاستعانة بالغير في مقدّمات العمل .

   وعلى الجملة : إن ظاهر الآية عدم جواز الاشراك في المعبود دون الاشراك في العمل .

   إذن لا مناص من طرح الرواية أو حملها على إرادة التشريك في نفس العمل ، كما إذا وضّأه غيره كما كان هو المرسوم عند السلاطين والجبابرة العظماء حيث كانوا يوضئوهم الخدم والعبيد ولم يكونوا يتصدّون لتلك الاُمور بالمباشرة ، وقد اُشير إلى ذلك في بعض الروايات الآتية (5) أيضاً فلاحظ .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الطوسي : 414 / 5994 .

(2) رجال النجاشي : 19 / 21 .

(3) البيّنة 98 : 5 .

(4) الفاتحة 1 : 5 .

(5) وهي مرسلة المفيد الآتية المرويّة في الوسائل 1 : 478 / أبواب الوضوء  ب 47 ح 4 .

ــ[370]ــ

   الثالث : مثل صبّ الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لاجرائه وغسل أعضائه ، وفي هذه الصورة وإن كان لا يخلو تصدّي الغير عن إشكال ، إلاّ أنّ الظاهر صحّته ، فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله أو أعانه على المباشرة بأن يكون الإجراء والغسل منهما معاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولا ينبغي الاشكال في أن ذلك يوجب البطلان لمنافاته اشتراط المباشرة في أعمال المكلف .

   ومنها : مرسلة الصدوق (قدس سره) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا توضأ لم يدع أحداً يصب عليه الماء ، فقيل له يا أمير المؤمنين لِمَ لا تدعهم يصـبّون عليك الماء ؟ فقال : لا اُحب أن اُشرك في صلاتي أحداً ، وقال الله تبارك وتعالى : (فمن كان يرجوا لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً ) » (1) .

   ويتوجه على الاستدلال بها :

   أوّلاً : أنها ضعيفة السند بالارسال .

   وثانياً : أنها قاصرة الدلالة على المدعى ، لما مرّ من أن ظاهر الآية المباركة حرمة الاشراك في عبادة الله سبحانه وهل يكون الاشراك مكروهاً ، وإلاّ لم يختص تركه بمن آمن بالله ويوم المعاد ، هذا .

   على أن ظاهر الرواية أن عدم حبّه (عليه السلام) أن يصب عليه الماء مستند إلى كون الوضوء مقدمة للصلاة ، وأن الاشراك فيه إشراك في الصلاة ، ولازم هذا كراهة الاستعانة في جميع مقدّمات الصلاة حتى تهيئة المكان والمسجد وغيرهما ، لأنه إشراك في الصلاة ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به .

   هذا  كلّه فيما رواه الصدوق (قدس سره) في المقنع(2) والفقيه(3) على وجه الارسال .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 477 / أبواب الوضوء ب 47 ح 2 ، الفقيه 1 : 27 / 85 .

(2) المقنع : 11 .

(3) الفقيه 1 : 27 / 85 .

ــ[371]ــ

   وقد نقله (قدس سره) في العلل بالاسناد عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن عبدالله بن حماد عن إبراهيم بن عبدالحميد عن شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) وهذا الطريق أيضاً ضعيف بابراهيم بن إسحاق الأحمر ، لأن الشيخ (2) والنجاشي (3) (قدس سرهما) قد ضعّفاه . ونقله الشيخ (قدس سره) في تهذيبه باسناده عن إبراهيم ابن هاشم عن عبدالرحمن بن حماد عن إبراهيم بن عبدالحميد (4) . وهذا أيضاً ضعيف لأن عبدالرّحمن بن حماد إمامي مجهول .

   ومنها : مرسلة المفيد (قدس سره) قال : «دخل الرضا (عليه السلام) يوماً والمأمون يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء ، فقال : لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحداً ، فصرف المأمون الغلام وتولّى تمام وضوئه بنفسه» (5) وقد استدلّ بها على كراهة الاستعانة بالغير في المقدمات ، نظراً  إلى أن الامام (عليه السلام) لم يأمر المأمون بالاستئناف وإعادة وضوئه ، بل قد أتم وضوءه بالمباشرة وأمضاه الامام (عليه السلام) فلو كانت الاستعانة بالغير محرماً لأمره بالاستئناف والاعادة .

   ولكنها أيضاً ضعيفة بإرسالها ، كما أنها قاصرة الدلالة لعين ما قدّمناه في سابقتها لأن ظاهرها أن الاستعانة بالغير في مقدمات الوضوء إشراك في العبادة وهي الصلاة ولازمه كراهة الاستعانة بالغير في مطلق مقدمات الصلاة ، لأنها إشراك في العبادة والصلاة كما عرفت أن الآية المباركة منطبقة على الاشراك في العمل ، لأنها إنما دلت على حرمة الاشراك ولا حرمة إلاّ في الاشراك في المعبود لا في العمل .

   ومنها : ما رواه هو (قدس سره) في الخصال باسناده عن أبيه عن علي بن إبراهيم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) علل الشرائع : 278 / 1 .

(2) رجال الطوسي : 414 / 5994 .

(3) رجال النجاشي : 19 / 21 .

(4) التهذيب 1 : 354 / 1057 .

(5) الوسائل 1 : 478 / أبواب الوضوء ب 47 ح 4 ، الارشاد : 315 .

ــ[372]ــ

عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «خصلتان لا اُحب أن يشاركني فيهما أحد : وضوئي فانه من صلاتي ، وصدقتي فانها من يدي إلى يد السائل فانها تقع في يد الرحمن» (1) وهي وإن كانت من حيث السند معتبرة حيث بنينا أخيراً على اعتبار روايتي النوفلي والسكوني اعتماداً على ما يحكى عن الشيخ (قدس سره) من دعوى اجماعهم على العمل بروايات السكوني في غير واحد من مواضع كلامه (2) ، وهذا الاجماع توثيق منهم للسكوني ، وهو وان اختلفوا في مذهبه وقد قيل إنه عامي إلاّ أن مذهبه غير قادح في وثاقته في الرواية .

   ثم إن هذا الاجماع كما ذكره الوحيد البهبهاني (قدس سره) (3) يلازم الاجماع على قبول روايات النوفلي أيضاً ، لأن طريق السكوني في كتابه إنما هو النوفلي الذي يروي عنه إبراهيم بن هاشم ، فاذا أجمعوا على اعتبار روايات السكوني كان ذلك اجماعاً بالملازمة على اعتبار روايات النوفلي أيضاً فلاحظ ، هذا .

   ويمكن المناقشة في ذلك بأن ما سردناه وذكره البهبهاني (قدس سره) إنما يتم فيما إذا كانت روايات السكوني منحصرة بما في كتابه عن النوفلي ، وليس الأمر كذلك ، لأن له روايات اُخرى بطريق آخر غير كتابه حسبما نقله الأردبيلي (قدس سره) في جامع الرواة (4) ومعه لا يكون الاجماع على اعتبار روايات السكوني إجماعاً بالملازمة على اعتبار روايات النوفلي أيضاً . إذن لا بدّ من ملاحظة حال النوفلي رأساً وهو وإن لم يضعّف في الرجال إلاّ أنه لم يوثق أيضاً ولم يذكروا له مدحاً ولا توثيقاً ، وبذلك يكون النوفلي مجهول الحال فيكون السند في الرواية ضعيفاً لا محالة (5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 478 / أبواب الوضوء ب 47 ح 3 ، الخصال : 33 / 2 .

(2) عدة الاُصول 1 : 56 السطر 12 .

(3) تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال : 57 .

(4) جامع الرواة 1 : 91 .

(5) ولا يخفى أن النوفلي ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات وقد بنى (دام ظله) أخيراً على اعتبار    كل من وقع في سلسلة أسانيد ذلك الكتاب ولم يضعف بتضعيف معتبر ، إذن على هذا المسلك يكون النوفلي ممن وثقه ابن قولويه ، وحيث لم يضعف بتضعيف معتبر فلا بدّ أن يحكم بوثاقة الرواية في المقام .

ــ[373]ــ

   ولكنّها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأن ظاهرها هو الاستعانة بالغير في نفس العمل والوضوء دون مقدّماته ، لأن المشاركة لا تطلق على مجرّد الاعانة في المقدّمات فلا يصح أن يقال لمن هيأ الدواة والقرطاس أنه شارك الكاتب فيما كتبه ، ولا يقال للخياط أنه شارك اللابس في لبسه الثياب . فالمشاركة إنما يصح إطلاقها فيما إذا أعان الفاعل في نفس العمل بأن صدر الفعل من إثنين معاً ، ولا إشكال في بطلان الوضوء بذلك ، لأنه خلاف الأدلّة المتقدِّمة الدالّة على اعتبار المباشرة في الواجبات .

   ويؤيد ذلك الفقرة الأخيرة من الرواية ، حيث إن مشاركة الغير في الصدقة إنما تتصوّر باعطاء الفلوس مثلاً لذلك الغير حتى هو يوصله إلى يد السائل وهو الشركة في نفس العمل والاستنابة فيه .

   وهذا قرينة على أن المراد من الفقرة الاُولى أيضاً هو ذلك ، ولا إشكال في أن الشركة في نفس الوضوء والاستنابة فيه موجبان للبطلان .

   فالمتحصل إلى هنا أن الحكم بكراهة الاستعانة بالغير في المقدّمات مشكل جدّاً ولم يدلنا على كراهيتها دليل . مضافاً إلى القطع بأنه لا خصوصية للوضوء من بين العبادات ، فلو كانت الاستعانة في مقدماته مكروهة لكرهت الاستعانة في مقدّمات مثل الحج والصلاة والصوم والجهاد أيضاً ، وهذا مما لا يلتزم به القائل بكراهة الاستعانة في مقدّمات الوضوء ، وتخصيص الوضوء بذلك من بين العبادات مما لا مخصّص له .

   ثم إنه قد ظهر مما بيّناه في المقام أن الأخبار المستدل بها على الكراهة في الاستعانة بالغير في مقدمات الوضوء غير قابلة للاعتماد عليها عند الاستدلال ، لضعفها من جهتي السند والدلالة معاً ، وأنه ليست المناقشة فيها منحصرة بضعف السند فحسب

ــ[374]ــ

كما عن بعضهم حتى يجاب عنها ـ كما في الجواهر ـ بأن ضعفها منجبر بعمل المشهور على طبقها . على أن ضعف السند غير مضر في الحكم بالكراهة من جهة قاعدة التسامح في أدلة السنن . وقد مرّ أن الأخبار المتقدمة زائدة على ضعف السند قاصرة الدلالة أيضاً على المدعى .

   وما أجاب به في الجواهر (1) على تقدير تماميته إنما يتكفل لتصحيح السند ولا يدفع المناقشة عنها في دلالتها . على أنه غير دافع للمناقشة السندية أيضاً ، وذلك لأ نّا لو سلمنا أن اعتماد الأصحاب (قدس الله أسرارهم) على رواية ضعيفة جابر لضعفها لكشفه عن أنهم قد أصابوا بقرينة دلتهم على اعتبارها ، فهو إنما يتم فيما إذا أحرزنا صغرى تلك القاعدة وعلمنا أنهم قد اعتمدوا في حكمهم هذا على تلك الرواية الضعيفة ، ومن أين نحرز ذلك في المقام ، حيث إن الحكم من الأحكام غير الالزامية فيحتمل أنهم اعتمدوا في الحكم بكراهة الاستعانة في المقدمات على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ومعه كيف يمكن الحكم بانجبار ضعف الروايات بدعوى انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور على طبقها .

   وأما التمسك في المقام بقاعدة التسامح في أدلة السنن ، فيتوجّه عليه مضافاً إلى أنها مما لا أساس له حسبما قدّمناه في محلِّه (2) أنها لو تمت في نفسها فانما تتم في المستحبّات لأن ظاهر قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «من بلغه ثواب من الله على عمل ...» (3) هو الفعل والعمل فلا يعم الترك والكراهة .

   فالصحيح ما قدّمناه من أن الكراهة مما لا أساس له في المقام ، فما ذهب إليه صاحب المدارك (4) واختاره في الحدائق (5) من عدم كراهة الاستعانة في المقدّمات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 2 : 343 .

(2) مصباح الاُصول 2 : 319 .

(3) الوسائل 1 : 82 / أبواب مقدمة العبادات ب 18 ح 7 .

(4) المدارك 1 : 252 .

(5) الحدائق 2 : 364 .

ــ[375]ــ

   [ 561 ] مسألة 22 : إذا كان الماء جارياً من ميزاب أو نحوه ، فجعل وجهه أو يده تحته بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صحّ (1) ولا ينافي وجوب المباشرة بل يمكن أن يقال (2) : إذا كان شخص يصبّ الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضّأ به ((1)) أحد (3) وجعل هو يده أو وجهه تحته صحّ أيضاً ولا يعدّ هذا من إعانة الغير أيضاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القريبة فضلاً عن البعيدة ، هو الصحيح .

   (1) وذلك لصحة استناد الوضوء حينئذ إلى المتوضئ حقيقة لدى العرف ، لأنه الذي جعل يده تحت الميزاب وغسل وجهه ويده دون غيره كما هو ظاهر .

   (2) لعين ما قدّمناه في الوضوء من الماء الجاري من الميزاب ، لأن غسل الوجه واليدين بالامرار أو بأخذ اليد تحت الماء إنما يسـتند إلى المتوضئ حقيقة ، وأما صبّ الماء من غير أن يقصد توضؤ الغير به ، فانما هو إعداد لا إعانة في الوضوء .

   (3) بل ولو بقصد أن يتوضأ به أحد ، لأن القصد وعدمه مما لا مدخلية له في استناد الوضوء إلى المتوضئ وعدمه ، فلو كانت له مدخلية فانما هي في صدق الاعانة على صبّه لا في صدق الاستعانة وعدم استناد الوضوء إلى فاعله ، بناء على أن مفهوم الاعانة يتقوّم بالقصد كما ذكره شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) فانه إذا لم يقصد بصبه أن يتوضأ به غيره لم يصدق على صبّه عنوان الاعانة ، كما أنها تصدق مع قصده ذلك .

   وأمّا في صدق الاستعانة فلا ، والسر في ذلك هو أن الجزء الأخير الذي به يتحقق الفعل المأمور به إنما يصدر من المتوضئ بإرادته واختياره ، وهو جعل يده ووضعها تحت الماء الذي به يتحقق الوضوء من غسل يده ووجهه ، فبه صحّ أن يُقال إنه توضأ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل مع هذا القصد أيضاً إذا جعل المتوضئ وجهه أو يده تحت عمود الماء باختياره بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء .

(2) لاحظ كتاب الطهارة : 149 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net