هل المدار في الموالاة على الجفاف الفعلي أو التقديري - فروع في الموالاة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6048


ــ[400]ــ

    بقي هناك أمران ينبغي التنبيه عليهما :

   أحدهما : أن المدار في جفاف الأعضاء السابقة هل على الجفاف الفعلي أو أن المعتبر هو الجفاف التقديري نظير التغير التقديري في الماء ؟

   وجّه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) الاحتمال الثاني ، بل قواه واختاره على ما ينسـب إليه ، نظراً إلى أن قوله (عليه السلام) «حتى يبس وضوءك» أو «فيجف وضوئي» في الموثقة والصحيحة المتقدِّمتين (2) منصرفان إلى اليبس المتعارف العادي وأفاد أنه على ذلك يعتبر في الجفاف المبطل للوضوء أن يكون على نحو لو كان التوضؤ في الهواء المعتدل لجف ، وأما الجفاف في الهواء غير المعتدل وعدمه فهما خارجان عن مورد الروايتين ، فلو فرضنا أنه جفت أعضاؤه في الهواء الحار الشديد أو بقيت على رطوبتها من جهة برودة الهواء ورطوبته كما في أيام الربيع مثلاً ، فهو خارج عن مورد الصحيحة والموثقة .

   وفيه : مضافاً إلى أن حمل الجفاف على التقديري خلاف ظاهر الروايتين ، أن غاية ما يلزم على ذلك أن يكون عدم الجفاف في الهواء غير المعتدل خارجاً عن مورد الروايتين ، لأنهما إنما دلتا على صحة الوضوء فيما إذا لم تجف الأعضاء المتقدِّمة من جهة التأخير والابطاء أي لم يفصل زمان تجف فيه الأعضاء على تقدير حرارة الهواء ، وأما إذا فرضنا تخلل زمان تجف فيه الأعضاء على تقدير اعتدال الهواء غير أنها لم تجف لعدم اعتدال الهواء فهو خارج عن مورد الروايتين ، وأما أن الوضوء يبطل حينئذ فهو يحتاج إلى دليل ، فهب أنه خارج عن موردهما ، إلاّ أن مقتضى الاطلاق كما قدّمناه عدم اعتبار الموالاة في الوضوء ، وأن حاله حال الغسل بعينه ، وإنما خرجنا عنها فيما إذا جفّت الأعضاء لأجل التأخير فحسب ، وبقي غيره مشمولاً للاطلاقات ، هذا .

   على أنّ الأخبار الواردة في من نسي المسح في وضوئه وأنه يأخذ البلّة من لحيته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في كتاب الطهارة :  135  السطر 25 .

(2) في ص 388 .

 
 

ــ[401]ــ

على تقدير كونها مبتلة ويمسح بها ، تدفع اعتبار الجفاف التقديري باطلاقها ، لأنها واردة في حق عامّة المكلّفين على اختلاف أمزجتهم وأمكنتهم ، واختلاف أماكن وضوئهم وأزمنته ، فقد دلّتنا على أن اللحية إذا لم تجف وكانت مبتلة وأمكن أخذ البلّة

منها حكم بصحة الوضوء ، وإن كانت بقاء الرطوبة فيها من جهة برودة الهواء وعدم اعتداله ، بحيث لو كان الهواء معتدلاً لجفّت .

   الأمر الثاني : قد أسلفنا أن جفاف الأعضاء المتقدمة إذا استند إلى التأخير والابطاء فالوضوء محكوم وقتئذ بالبطلان بمقتضى الصحيحة والموثقة ، وأما إذا جفت من دون استناد الجفاف إلى التأخير كما إذا استند إلى حرارة البدن أو الهواء ، فقد ذكرنا أن مقتضى الاطلاقات صحته ، فاذا جفت أعضاؤه لا لأجل التأخير وحكمنا بصحّة وضوئه كما عرفت ، فهل يجب أن يأتي بالبقية من دون فصل أو له أن يتأخّر بعد ذلك ساعة أو ساعتين أو أكثر ثم يأتي ببقية أفعال الوضوء ؟

   الصحيح وجوب الاتيان بالبقية من دون إبطاء على نحو يصدق التبعيض لدى العرف ، لأن المستفاد من التعليل الوارد في ذيل الموثقة «فانّ الوضوء لا يبعّض» أن الوضوء عمل وحداني غير قابل للتبعيض ، وهذه الكبرى وإن كانت قد طبقت على مورد الرواية وهو ما إذا حصلت اليبوسة للتأخير ولم تطبق على غيره كما إذا حصلت اليبوسة لحرارة الهواء مثلاً ، إلاّ أن كل مورد صدق عليه عنوان التبعيض لدى العُرف يشمله تعليل الرواية لا محالة ، وعليه فيعتبر في صحة الوضوء أحد أمرين :

   أحدهما : أن لا تجف الأعضاء المتقدمة من جهة التأخير والابطاء .

   وثانيهما : أن لا يتخلّل الفصل بين أجزائه وأفعاله بمقدار يتحقق به التبعيض لدى العرف ، فاذا جفت أعضاء المتوضئ لحرارة الهواء فليس له أن يتأخر بمقدار يتحقق به التبعيض في الوضوء ، وهذا هو المراد بقولنا في أوائل المسألة أن الوضوء يعتبر فيه أحد أمرين كما عرفت ، هذا .

   ثم إنه ورد في صحيحة حريز : «في الوضوء يجف ، قال قلت : فان جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ، قال : جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي ، قلت : وكذلك غسل الجنابة

ــ[402]ــ

قال هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثم افض على سائر جسدك ، قلت : وإن كان بعض يوم قال : نعم» (1) .

   وهي تعارض الموثقة والصحيحة المتقدمتين ، لدلالتها على عدم بطلان الوضوء بجفاف الأعضاء المتقدمة ، ومن هنا جمع بينها وبين الروايتين الشيخ (قدس سره) (2) جمعاً دلالياً بحمل مطلقهما على مقيدهما ، بدعوى أن صحيحة حريز مطلقة ، لدلالتها على عدم بطلان الوضوء بجفاف الأعضاء المتقدمة مطلقاً سواء استند إلى التأخير أم إلى شيء آخر من حرارة الهواء أو الريح الشديد ، والموثقة والصحيحة دلتا على بطلان الوضوء من جهة خصوص الجفاف المستند إلى التأخير ، فهما أخص من صحيحة حريز ، ومقتضى قانون الاطلاق والتقييد تقديم الدليل المقيد والأخص وتقييد المطلق به ، ونتيجة ذلك في المقام هو الحكم ببطلان الوضوء بجفاف الأعضاء المتقدمة عند استناده إلى التأخير ، بخلاف الجفاف غير المستند إليه .

   وقد جمع (قدس سره) بينهما مرة اُخرى بحمل الصحيحة على التقيّة ، لأن مذهب كثير من علماء العامّة عدم اعتبار الموالاة في الوضوء وعدم بطلانه بجفاف الأعضاء المتقدِّمة (3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 447 / أبواب الوضوء ب 33 ح 4 .

(2) لاحظ التهذيب 1 : 88 ، الاستبصار 1 : 72 .

(3) في الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 62 ، 65 : أن الشافعية والحنفية قالوا إن الموالاة سنة فيكره التفريق بين الأعضاء إذا كان يغير عذر ، أما للعذر فلا يكره كما إذا كان ناسياً أو فرغ الماء المعد لوضوئه فذهب ليأتي بغيره ليكمل وضوءه . ومحل كونه سنة عند الشافعية ما لم يكن صاحب ضرورة كصاحب السلس فانه يجب عليه التتابع كما سبق . والمالكية قالوا إن شرط وجوب الموالاة أن يكون المتوضئ ذاكراً قادراً فلو كان ناسياً أو عاجزاً غير مفرط ، وغير المفرط هو كمن أعد من الماء ما يكفي للطهارة يقيناً ثم ظهر عدم كفايته واُريق منه شيء فانه يبني على ما فعل ولو طال الزمن ....

         وفي كتاب الرّحمة بهامش الميزان للشعراني ص 20 : والموالاة في الوضوء سنّة عند أبي حنيفة ، وقال مالك الموالاة واجبة . وللشافعي فيه قولان أصحهما أنها سنّة ، والمشهور عن أحمد أنها واجبة .

ــ[403]ــ

الذي يريد أن يشرع فيه الأحوط الاستئناف ((1)) ، وإن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق ، واعتبار عدم الجفاف إنما هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الأعضاء أو طول الزمان ، وأما إذا تابع في الأفعال وحصل الجفاف من جهة حرارة بدنه أو حرارة الهواء أو غير ذلك فلا بطلان فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين من التتابع العرفي وعدم الجفاف . وذهب بعض العلماء إلى وجوب الموالاة بمعنى التتابع وإن كان لا يبطل الوضوء بتركه إذا حصلت الموالاة بمعنى عدم الجفاف . ثم إنه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق ، بل يكفي بقاؤها في الجملة ولو في بعض أجزاء ذلك العضو .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والصحيح هو ما أفاده أخيراً ، وذلك لما قدّمناه غير مرّة من أن الأمر بالاعادة إرشاد إلى البطلان ، وعليه فالموثقة والصحيحة دلّتا على بطلان الوضوء عند جفاف الأعضاء المتقدِّمة بالتأخير ، وهذه الصحيحة دلّت على عدم البطلان بذلك فهما متعارضتان ولا بدّ من الرجوع إلى مرجحات المتعارضين ، وحيث إن الصحيحة موافقة للعامّة وهما مخالفتان معهم فلا مناص من طرح الموافق والأخذ بما خالفهم .

   وأمّا ما صنعه أوّلاً من حمل مطلقهما على مقيدهما ، ففيه : أن الصحيحة إنما دلت على عدم بطلان الوضوء بجفاف الأعضاء المتقدمة عند استناده إلى التأخير ، ولم تدلنا على عدم بطلان الوضوء بمطلق الجفاف .

   وهذا يظهر بملاحظة قوله (عليه السلام) «هو ـ أي الغسل ـ بتلك المنزلة» أي بمنزلة الوضوء ، حيث يدلنا على أنهما متحدان بحسب الحكم ، وبما أنه (عليه السلام) صرح بعد ذلك بعدم بطلان الغسل وإن أخر بعض أجزائه بعض يوم ، فيعلم من ذلك أن الوضوء أيضاً كذلك ، وأن مراده بالجفاف في الوضوء هو الجفاف المستند إلى التأخير وأنه غير قادح في صحته ، وعليه فالصحيحة والروايتان متعارضتان وليستا من المطلق والمقيد في شيء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا بأس بتركه .

ــ[404]ــ

   [ 563 ] مسألة 24 : إذا توضّأ وشرع في الصلاة ثم تذكّر أ نّه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته (1) ووضوءه أيضاً إذا لم يبق الرطوبة في أعضائه (2) ، وإلاّ أخذها ((1)) ومسح بها واستأنف الصلاة .

   [ 564 ] مسألة 25 : إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثم أتى بالمسحات لا  بأس (3) وكذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقي ، ويجوز التوضؤ ماشياً .

   [ 565 ] مسألة 26 : إذا ترك الموالاة نسياناً بطل وضوءه (4) مع فرض عدم التتابع العرفي أيضاً ، وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثم تبيّن الخلاف (5) .

   [ 566 ] مسألة 27 : إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية أو الأطراف الخارجة عن الحدّ ففي كفايتها إشكال (6) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لفقدانها الطهارة المعتبرة فيها .

   (2) من دون فرق في ذلك بين أن يكون جفاف أعضائه مستنداً إلى التأخير واستناده إلى شيء آخر من حرارة البدن أو الهواء أو غيرهما من الاُمور ، وذلك لأن المسح يعتبر أن يكون ببلة الوضوء الباقية في اليد ومع عدمها وعدم ما يقوم مقامها من بلة سائر الأعضاء يقع باطلاً لا محالة .

   (3) والدليل على هذا وما بعده ، أعني ما إذا مشى قبل تمام الغسلات وغسل الأعضاء الباقية في مكان آخر، وما إذا توضأ ماشياً إنما هو الاطلاق، لأن أدلّة الوضوء غير متقيدة بأن يكون مسحه وغسله في مكان واحد ، أو تكون الغسـلات فيه كذلك أو أن يقع الوضوء بجميع أجزائه في محل واحد ، إذن له أن يتوضأ ماشياً كما عرفت .

   (4) لأن الوضوء أمر وحداني لا يقبل التبعيض كما مرّ .

   (5) لعين ما مرّ وعرفت .

   (6) والأمر كما اُفيد ، بل يمكن الحكم ببطلان الوضوء حينئذ من جهة أن ظاهر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم أنّ الأظهر هو الاقتصار على الأخذ من اللحية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net