نيّة الواجب في موضع المندوب وبالعكس - عدم اعتبار نيّة الرفع والإباحة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6088


ــ[423]ــ

بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى(1) إن لم يكن على وجه التشريع(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دخله في الواجب أو الغرض لقاعدة الاشتغال والاحتياط ، إلاّ أ نّا مع ذلك لا نلتزم بذلك في المقام ، بل ندفع احتمال مدخلية تلك الاُمور في الواجب بالاطلاق المقامي ، أعني سكوتهم (عليهم السلام) عن البيان والتنبيه مع كونهم في مقام البيان ، لأن تلك الاُمور مما يغفل عنها عامّة المكلّفين ، لأن أكثرهم لا يميز الأجزاء الواجبة في العمل عن مندوبها ، ومثل ذلك لو كانت دخيلة في الواجب أو الغرض لوجب على المولى التنبيه والبيان ، ومع سكوته عن ذلك في مقام البيان نستكشف عدم دخلها في شيء ممّا يهم المكلف في مقام العمل ، إذن المورد ليس من موارد الاشتغال والاحتياط .

    نيّة الواجب في موضع المندوب وبالعكس :

   (1) والوجه في صحّته أن الوضوء إنما يعتبر فيه أن يؤتى بذات العمل مضافة بها إلى المولى نحو اضافة ، والمفروض أن المكلف أتى به كذلك ، وأما قصد وجوبه أو استحبابه فهو غير معتبر في الوضوء فوجود ذلك وعدمه سيان ، وقد استثنى عن ذلك موردين : أحدهما : ما أشار إليه بقوله : إن لم يكن على وجه التشريع ، وثانيهما : ما أشار إليه بقوله : أو التقييد .

    نيّة أحدهما في موضع الآخر على وجه التشريع :

   (2) بأن كان عالماً بوجوب العمل غير أنه نوى استحبابه متعمداً ، كما في صوم شهر رمضان أو الوضوء بعد دخول وقت الصلاة ، وإنما يصح فيما إذا لم يكن متعمداً في ذلك كما إذا اعتقد استحباب الوضوء بعد دخول وقت الصلاة أو اعتقد وجوبه قبل دخول الوقت .

   وليس الوجه في بطلان الوضوء عند التشريع هو أن ما قصده المكلف لا واقعية له وما له واقع لم يقصده ، بل الوجه في بطلانه هو أن حرمة التشريع تسري إلى العمل

ــ[424]ــ

أو التقييد ((1)) فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفاً أو غاية ثم تبيّن عدم دخوله صحّ إذا لم يكن على وجه التقييد وإلاّ بطل كأن يقول : أتوضّأ لوجوبه وإلاّ فلا أتوضّأ  (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتوجب حرمته ومبغوضيته ، ومع حرمة الشيء ومبغوضيته كيف يمكن أن يقع مصداقاً للواجب أو المستحب .

    نيّة أحدهما على وجه التقييد :

   (1) وقد فسر التقييد بكون المكلف على نحو لو كان الوضوء واجباً لم يتوضأ ، وإنما يتوضأ على تقدير استحبابه كما فسره به في بعض الموارد المتقدمة .

   وهذا مما لا يمكن المساعدة عليه ، لما أشرنا إليه غير مرة من أن الوضوء إنما يعتبر في صحّته الاتيان بذاته مضافة بها إلى المولى نحو إضافة والمفروض أنه حاصل والمكلف أتى به كذلك ، والأمر الشخصي الخارجي غير قابل للتقييد ليقيد بالوجوب تارة وبالاستحباب اُخرى كما أن متعلقه كذلك .

   وأما قصد المكلف أن لا يأتي به على تقدير الوجوب فهو من قبيل تخلف الداعي والخطأ في التطبيق ، وهو لا يضر بصحة العمل بعد الاتيان به بجميع أجزائه وشرائطه ، وقد عرفت أنه لا يعتبر في صحة الوضوء غير الاتيان به مضافاً إلى الله سبحانه وهو حاصل على الفرض ، فكونه على نحو لا يأتي به على تقدير الوجوب مما لا يمنع عن صحته بعد الاتيان به ، وقد أشرنا أن هذه الموارد ليست من موارد التقييد في شيء ، بل هي من موارد الخطأ في التطبيق أو تخلف الداعي ، كان بناؤه أن لا يأتي به على تقدير استحبابه أم كان بناؤه أن يأتي به وإن كان مستحباً ، إذن لا مناص من الحكم بصحة الوضوء سواء قيده بالندب أو الوجوب أم لم يقيده بشيء منهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا أثر للتقييد في أمثال المقام إذا تحقق منه قصد امتثال الأمر الفعلي .

ــ[425]ــ

   [ 567 ] مسألة 28 : لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    عدم اعتبار نيّة الرفع أو الإباحة :

   (1) أشار بقوله : على الأقوى ، إلى الخلاف في المسألة ، حيث نسب إلى الشيخ (قدس سره) اعتبار قصد رفع الحدث معيناً (1) . وعن السيد المرتضى (قدس سره) لزوم نيّة الاستباحة فقط(2) . وعن الحلبي(3) والقاضي(4) اعتبار كلا الأمرين أعني نيّة الرفع وقصد الاسـتباحة . وعن المبسوط(5) والمعتبر(6) والوسيلة(7) والعلاّمة(8) والشهيد(9) والسرائر(10) لزوم نيّة أحدهما مخيّراً ، وهذه أقوال أربعة .

   وهناك قول خامس وهو عدم اعتبار شيء من الأمرين لا معيّناً ولا على سبيل التخيير ولا هما معاً ، وهو الذي اختاره الماتن وجماعة من المحققين وهو القول الصحيح ، والوجه فيه هو إطلاقات الأدلة الآمرة بالوضوء وبغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين من الكتاب والسنة ، حيث لم يقيد الوضوء في شيء منهما بقصد رفع الحدث ولا بنيّة الاستباحة ، ومقتضاها عدم اعتبار شيء من الأمرين في صحّة الوضوء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عمل اليوم والليلة (ضمن الرسائل العشر) : 142 .

(2) حكى عنه العلاّمة في المختلف 1 : 107 المسألة 65 .

(3) الكافي في الفقه : 132 .

(4) المهذب  1 : 43 .

(5) المبسوط 1 : 19 .

(6) المعتبر 1 : 139 .

(7) الوسيلة : 49 .

(8) المختلف 1 : 107 المسألة 65 .

(9) البيان : 43 .

(10) السرائر 1 : 105 .

ــ[426]ــ

   واحتمال أن يكون ذلك معتبراً في مقام الامتثال وإن لم يعتبر في المأمور  به ، مندفع بأن احتمال مدخلية أحد الأمرين في الامتثال عقلاً مما لا وجه له ، لأنه لا حكم للعقل باعتبار ذلك في مقام الامتثال بعدما عرفت من عدم تقييد المأمور  به بذلك في شيء من أدلّته ، كما أن احتمال مدخليته في الامتثال شرعاً مندفع باطلاقات الأدلة . إذن الصحيح عدم اعتبار شيء من ذلك في صحته ، هذا .

   على أن ما استدلّ به على لزوم قصد الرفع أو الاستباحة ضعيف غايته ، لأن العمدة فيما استدلوا به على ذلك قوله (عليه السلام) «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (1) بدعوى أن متعلق الوجوب إنما هو عنوان الطهور ، فلا بدّ في مقام امتثاله من قصد ما تعلق به بعنوانه الذي تعلق به الأمر بذلك العنوان وهو عنوان الطهور كما هو الحال في غير المقام ، كما إذا أمر السيد عبده باكرام زيد مثلاً فقام العبد إكراماً له فلا بدّ من أن يقصد في قيامه ذلك عنوان الاكرام لزيد ، فلو قام لا بقصد إكرامه لم يقع فعله ذلك امتثالاً لأمر السيد بوجه ، لأنه لم يؤمر بالقيام وإنما تعلق الأمر بعنوان الإكرام فلا مناص من قصده .

   وفي المقام لم يتعلق الوجوب بالوضوء ليقال إنه عبارة عن الغسلتين والمسـحتين فلا موجب لاعتبار قصد عنوان آخر غير الغسلتين والمسحتين ، بل إنما تعلق الأمر بالطهور فلا بدّ من قصد عنوان الطهور في مقام الامتثال ، والطهور إما بمعنى ما يرفع الحدث أو بمعنى المبيح للدخول في الصلاة ، فلا مناص من أن يقصد أحد الأمرين عند الإمتثال ، هذا .

   ولا يخفى ضعفه ، لأن الطهور إن اُريد به معناه بحسب الاشتقاق ـ  أي ما يتطهّر به  ـ وهو الماء والتراب ، فمعنى الرواية أنه إذا دخل الوقت فقد وجبت الصلاة والماء والتراب بتقدير كلمة الاستعمال ، أي وجب استعمالهما كما يقال : يحرم الخمر أي يحرم استعمال الخمر وشربها ، ولا مانع من إسناد الوجوب إلى الماء والتراب بتقدير كلمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 372 / أبواب الوضوء ب 4 ح 1 .

ــ[427]ــ

الاستعمال ، كيف وقد اُسند الوجوب إلى الماء في بعض الأخبار ، حيث روي عن علي (عليه السلام) أنه قال : «أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من الماء»(1) أي استعماله ، بل يأتي إن شاء الله أن هذا المعنى هو المحتمل في قوله (عليه السلام) «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) دون الوضوء والغسل والتيمم ، ويأتي ثمرة ذلك عند التكلم على الجبائر إن شاء الله تعالى .

   وعلى هذا الاحتمال لا تبقى للرواية أية دلالة على وجوب قصد عنوان الطهور أصلاً ، لأن المفروض أنه اُريد منه جامع الماء والتراب فاللازم قصد المعنون دون العنوان .

   وإن اُريد بالطهور معناه المصدري أعني الطهارة ، أي إذا دخل الوقت فقد وجبت الصلاة والطهارة ، سواء كانت الطهارة مسببة عن الغسلتين والمسحتين أم كانت عنواناً لهما ، فحينئذ وإن كان الوجوب متعلقاً بعنوان الطهارة إلاّ أن الرواية لا دلالة لها على اعتبار قصد الرفع أو الاباحة في صحة الوضوء ، وذلك لأن الطهارة ـ  التي بمعنى الاباحة أو الرفع  ـ إما حكم وأثر مترتب على الوضوء الصحيح أعني ما اُتي به بداع قربي إلهي ، أو أنها عنوان اعتبره الشارع على الوضوء الواقع صحيحاً ، بمعنى أن الوضوء الذي هو أمر عبادي إذا تحقق بماله من القيود والشروط التي منها قصد القربة فأثره هو الطهارة أو أنها عنوانه ، وعلى أي حال فالطهارة ورفع الحدث في مرتبة متأخرة عن الوضوء التام الصحيح ، ومعه كيف يعقل أخذ قصدهما قيداً في صحة الوضوء ، وإلاّ لزم أن تكون الطهارة ورفع الحدث أو الاباحة في مرتبة سابقة عن الوضوء الصحيح ، ولازم ذلك أن يكون الوضوء في نفسه وإن لم يؤت به بداع قربي محصلاً للطهارة وموجباً لارتفاع الحدث أو سبباً للاباحة وهو خلاف فرض الوضوء عبادة لا يترتب عليه أثره إلاّ إذا اُتي به بداع إلهي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 184 / أبواب الجنابة ب 6 ح 5 .

(2) الوسائل 1 : 372 / أبواب الوضوء ب 4 ح 1 .

ــ[428]ــ

   نعم ، لا مانع من التزام ذلك واعتباره في الطهارة الخبثية ، حيث إنها مترتبة على طبيعي الغسل قصد به القربة أم لم يقصد ، وحينئذ يصح أن يقال يعتبر في تطهير الثياب غسلها بقصد الطهارة ، وهذا بخلاف الغسلتين والمسحتين في الوضوء ، لأن الأثر إنما يترتّب عليهما إذا تحققتا بداع قربي إلهي ولا أثر يترتب على طبيعيهما ، ومعنى ذلك أن الطهارة مترتبة على الوضوء الصحيح وفي المرتبة المتأخرة عنه ، ولا يمكن معه أخذ قصدها قيداً في الوضوء كما عرفت .

   وببيان آخر : لا إشكال في أن الوجوب في قوله (عليه السلام) «فقد وجبت» ليس هو الوجوب المولوي النفسي حتى يتوهم أنه قد تعلق على عنوان الطهارة فيجب قصد عنوانها في مقام الامتثال ، بل إنما هو وجوب غيري شرعي إن قلنا إن مقدّمة الواجب واجبة ، أو أنه وجوب إرشادي إلى تقيد الصلاة بالطهارة إذا أنكرنا وجوب المقدمة شرعاً ، وعلى أي حال ليست عبادية الوضوء مستندة إلى وجوبه الغيري أو الارشادي ، بل العبادية مستفادة من الأمر النفسي المتعلق بذاته ، وعليه كيف يمكن أن يقال إن ترتب الوجوب الغيري أو الارشادي على الوضوء بعنوان الطهارة كاشف عن أن متعلق ذلك الأمر النفسي المولد للعبادية مقيد بما إذا قصد بالوضوء عنوان الطهارة أي قصد رفع الحدث أو الاباحة .

   نعم ، يستفاد منه أن الصلاة لا تتحقق إلاّ بالطهارة ، وأمّا أنها قيد في متعلق الأمر النفسي فلا .

   بل لو قلنا بدلالة هذا الوجوب الغيري أو الارشادي أيضاً على عبادية الوضوء مثلاً ، لم يمكننا اعتبار قصد عنوان الطهارة في الوضوء ، فان غاية ما يستفاد منه وقتئذ أن علة جعل الوضوء شرطاً ومقدمة للصلاة إنما هي كونه طهارة ، وأما أن قصد الطهارة معتبر في تحقق ما هو المقدمة والشرط للصلاة فلا ، وهو نظير قوله عزّ من قائل بعد أمره المكلفين بالتيمم (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهِّركم وليتمّ نعمته عليكم لعلّكم تشكرون )(1) فانه يستفاد منه أن العلّة في أمره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net