الوجوه المحتملة في مراد الآخوند من اعتبار احراز اتصال زمان الشّك باليقين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6187


ــ[75]ــ

   ثمّ إن المنع عن جريان الاستصحاب فيما جهل تأريخه في أمثال المقام معللاً بعدم اتصال الشك باليقين إنما هو من الشيخ راضي وهو اُستاد الماتن (قدس الله أسرارهم) ويقال إنه أوّل من تنبه إلى هذه المناقشة في أمثال هذه الموارد وادعى أنا استفدنا من روايات الاستصحاب أن الشك لا بدّ وأن يكون متصلاً باليقين ، وذلك لقوله (عليه السلام) : «لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت» (1) ، فلا بدّ من إتصال أحدهما بالآخر . وقد يعبر عنه باعتبار إحراز الاتصال كما في كلام صاحب الكفاية (قدس سره) (2) وعليه فلا بدّ من التكلم فيما اُريد من اتصال الشك باليقين . وقد قيل في بيان المراد منه وجوه أحسنها ما أفاده صاحب الكفاية (قدس سره) كما سيتضح :

   الأوّل : أن المراد بذلك أن لا يتخلل يقين آخر بين اليقين والشك في البقاء والأمر ليس كذلك فيما جهل تأريخه ، لأن الساعة الاُولى من الزوال إذا فرضناها ظرفاً لليقين بالطهارة وشككنا في بقاء الحدث في الساعة الثالثة من الزوال ، فإن كان ظرف الحدث المتيقن هو الساعة الثانية من الزوال بعد الطّهارة فاليقين بالحدث متصل بالشك به وأما إذا كان ظرفه ما قبل الساعة الاُولى من الزوال فقد تخلل بين اليقين بالحدث والشك فيه يقين آخر وهو اليقين بالطّهارة ، وحيث إنا لم نحرز أن ظرف الحدث ما قبل زمان اليقين بالطّهارة أو ما بعده فلا محالة يكون المقام شبهة مصداقية للاستصحاب فلا يمكن التمسّك به حينئذ هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الواقعة في صحيحة زرارة ، الوسائل 3 : 477 / أبواب النجاسات ب 41 ح 1 ، وفيه : « ... قلت : لم ذلك ؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً... » نعم ورد في رواية محمّد بن مسلم في حديث الأربعمائة المذكورة في الخصال : 619 «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقـين» . والرواية موثقة فان القاسم بن يحيى الواقع في سندها موجود في أسناد كامل الزيارات . هذه الرواية رواها في الخصال : باب حديث الأربعمائة ، ونقلها في جامع الأحاديث 2 : 464 / 2563 وصاحب الوسائل نقل قطعات الحديث المناسبة للوضوء وذكر فيها : من كان على يقين ثمّ شك فليمض على يقينه إلخ . الوسائل 1 : 246 / أبواب نواقض الوضوء  ب 1 ح 6 .

(2) كفاية الاُصول : 420 .

ــ[76]ــ

   ولا يخفى أن هذا الوجه مقطوع الفساد ، وذلك لما بيناه في بحث الاستصحاب من أن المدار في جريانه إنما هو على اجتماع اليقين والشك الفعليين في زمان واحد (1) ، بأن يكون للمكلف يقين بالفعل من حدوث الشيء ويكون له شك فعلي في بقائه ، فهما لا بدّ أن يكونا متّحدا الزمان ، نعم قد يتحقق اليقين قبل تحقق الشك أو بعده إلاّ أن المناط والاعتبار في جريان الاستصحاب إنما هو باجتماعهما في زمان واحد كما عرفت فلا اعتبار باليقين السابق على زمان الشك في البقاء ، كان على وفق اليقين المتحد مع الشك بحسب الزمان أم على خلافه .

   فإذا كان الاعتبار في جريانه باجتماع اليقين والشك في البقاء في زمان فلا معنى لاعتبار اتصال أحدهما بالآخر ، لأن الاتصال إنما يتعقل بين المتغايرين وقد عرفت أن اليقين والشك في الاستصحاب متحدان بحسب الزمان ، وإذا راجعنا وجداننا في المقام نجد أنا على يقين من الحدث كما أنا على شك في بقائه في الساعة الثالثة من الـزوال وقد مرّ أنه لا اعتبار باليقين السابق مخالفاً كان أم موافقاً وإنما الناقض لليقين في الاستصحاب هو اليقين البديل للشك في البقاء أعني اليقين بالارتفاع المجتمع مع اليقين بالحدوث في الزمان هذا .

   والذي يدلنا على ما ذكرناه أنا لو قلنا باعتبار الاتصال بهذا المعنى في الاستصحاب للزم المنع عن استصحاب الحدث على وجه الإطلاق في جميع الموارد حتى مع العلم بتأريخه ، وكذا كل أمر يعتبر العلم وعدم الغفلة في الإتيان بمنافيه ، وذلك لأنا إذا علمنا بالحدث في أوّل ساعة من الزوال ثمّ شككنا في بقائه وارتفاعه باحتمال أنا توضأنا أو اغتسلنا ، فقد احتملنا طروء اليقين بالطّهارة وتخلله بين اليقين بالحدث والشك في بقائه ، حيث لا بدّ من العلم والالتفات بالوضوء والغسل في صحّتهما فهو حالهما كان متيقناً من طهارته لا محالة ، ومع احتمال تخلل يقين آخر بين اليقين والشك لا يجري الاستصحاب لأنه شبهة مصداقية له حينئذ ، وهذا مما لا يلتزم به السيِّد ولا غيره من الأعلام (قدس الله أسرارهم) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 91 ـ 245 .

ــ[77]ــ

   ودعوى أ نّا كما نستصحب بقاء الحدث نستصحب عدم اليقين بالطّهارة وعدم الوضوء والغسل ، مندفعة بأنه لا يثبت الاتصال المعتبر في جريانه على الفرض ، فلو قلنا بهذه المقالة فلا مناص من سدّ باب الاستصحاب في أمثال الحدث في جميع الموارد مع أنهم يتمسكون به في تلك المقامات من غير خلاف ، وسرّه ما عرفت من أن الاستصحاب يتقوم باليقين والشك الفعليين المتحققين في زمان واحد ولا اعتبار باليقين السابق ، وهما موجودان في المقام وغيره ، ولا معنى لاشتراط الاتصال في المتحدين فلا يكون المقام شبهة مصداقية للاستصحاب باحتمال تخلل يقين آخر بينهما وإنما تكون الشبهة مصداقية فيما إذا شك في أنه متيقن من الأمر الفلاني أو ليس له يقين ، إلاّ أنا أسلفنا في محلِّه أنه لا يعقل الشك والتردّد في مثل اليقين والشك ونحوهما من الأوصاف النفسانية ، لدوران أمرها بين العلم بوجودها والعلم بعدمها (1) .

   الثاني : أن الاعتبار في الاستصحاب وإن كان باجتماع اليقين الفعلي مع الشك الفعلي في زمان واحد إلاّ أنه يعتبر في الاستصحاب أن لا يكون ذلك اليقين يقيناً بأمر مرتفع ولو على نحو الاحتمال ، وأما إذا احتملنا أن يكون ذلك اليقين الفعلي الموجود بعينه يقيناً بالارتفاع وبما هو مرتفع في نفسه ، فلا محالة يكون المورد شبهة مصداقية فلا يمكن التمسّك فيه بالاستصحاب ، والأمر في المقام كذلك ، لأن المفروض أن لنا يقيناً بالطّهارة في أوّل ساعة من الزوال ، فيقيننا بالحدث إن كان متعلقاً بالحدث قبل الساعة الاُولى من الزوال فهو عين اليقين بارتفاع الحدث أي يقين بأمر مرتفع للعلم بالطّهارة بعده ، نعم إذا كان متعلقاً بالحدث بعد الساعة الاُولى فهو ليس يقيناً بالارتفاع فيجري الاستصحاب في بقائه ، وحيث إنا نحتمل أن يكون اليقين بالحدث بعينه يقيناً بالارتفاع فلا يمكن التمسّك بالاستصحاب في مثله هذا .

   ولا يخفى أن هذا الوجه أيضاً كسابقه مقطوع الفساد ، وذلك لأنا لا نحتمل اليقين بالحدث المقيّد بكونه قبل الساعة الاُولى من الزوال ، لما بيناه في بحث العلم الإجمالي من أن العلم الإجمالي إنما يتعلّق بالجامع بين الطرفين أو الأطراف ، غاية الأمر الجامع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 185 .

ــ[78]ــ

المتخصص بإحدى الخصوصيتين ولا يتعلّق بشيء من خصوصيات الأطراف ولا يحتمل تعلّقه بها أصلاً ، فإذا علمنا بنجاسة أحد المائعين الأحمر أو الأصفر فقد علمنا بنجاسة الجامع المتخصص دون شيء من المائعين ، ولا نحتمل أن يكون لنا يقين بنجاسة خصوص الأحمر أو الأصفر بوجه .

   وعليه ففي المقام إنما علمنا بحدوث بول أو حدث مردّد بين كونه ما قبل الزوال وبين كونه في الساعة الثانية من الزوال ، فالعلم قد تعلّق بالجامع بينهما ولا نحتمل أن يكون لنا يقين بالحدث الواقع فيما قبل الزوال ، وحيث إنا نشك في بقائه فنستصحبه لا محالة ، واليقين بالطّهارة في أوّل الزوال لا يمكن أن يكون ناقضاً لليقين بالحدث ، لأن اليقين بالفرد لا يكون ناقضاً لليقين بالكلي بالبداهة ، فإذا علمنا بوجود كلي الإنسان في الحياة وعلمنا بموت زيد مثلاً ، فلا يتوهم أن يكون اليقين بانعدام فرد ناقضاً لليقين بوجود الكلي بوجه كما ذكرناه في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب الكلي .

   الثالث : ما قد يقال إنه ظاهر كلام صاحب الكفاية (قدس سره) وحاصله : أنه يعتبر في الاستصحاب اليقين والشك الفعليان ، ويتعلق اليقين بشيء معيّن ويتعلق الشك بوجوده في الأزمنة التفصيلية المتأخرة ، بحيث لو رجعنا قهقرى لوجدنا الشك في كل من الأزمنة التفصيلية المتقدّمة إلى أن ننتهي إلى زمان هو زمان المتيقن لا محالة ، لأنه المستفاد من قوله (عليه السلام) : «لا تنقض اليقين بالشك» وقوله (عليه السلام) : «لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت» وغيرهما ، والمتحصل أن تكون أزمنة الشك منتهية إلى زمان معيّن هو زمان المتيقن على وجه التفصيل .

   وهذا التقريب لو كان بهذا المقدار فهو مقطوع الفساد ، لضرورة عدم توقف جريان الاستصحاب على أن يكون المتيقن معلوم التحقق في زمان على وجه التفصيل ، لأنه يجري في موارد العلم بتحققه على وجه الإجمال أيضاً ، كمن علم بحدثه قبل طلوع الشمس ثمّ قطع بطهارته وارتفاع حدثه فيما بين الطلوع والزوال ، وعند الزوال شك في حدثه وأنه فيما بين المبدأ والمنتهى بعدما توضأ قطعاً فهل أحدث أيضاً أم لم يحـدث

ــ[79]ــ

فإنه ممّا لا إشكال في جريان استصحاب طهارته لأنه من غير معارض ، مع أنا لو رجعنا قهقرى لرأينا أن الأزمنة بأجمعها زمان الشك ولا تنتهي إلى زمان معيّن نقطع فيه بتحقق الطّهارة في ذلك الزمان إلى أن ننتهي إلى ما قبل الطلوع وهو ظرف اليقين بالحدث ، فهذا الوجه ساقط كسابقيه .

   والرابع : وهو العمدة ، بل الظاهر أنه مراد صاحب الكفاية (قدس سره) ، وهو الذي يظهر من عبارته . وحاصله : أن الاستصحاب يعتبر فيه أن يتعلق اليقين بشيء ويتعلق الشك بوجوده في الأزمنة التفصيلية المتأخرة ، بأن يكون وجوده فيها مشكوكاً فيه حتى تنتهي إلى زمان اليقين بوجوده إما تفصيلاً وإما على وجه الإجمال كما عرفت ، وهذا غير متحقق في أمثال المقام ، وذلك لأن الحدث المستصحب غير محتمل أن يكون هو الحدث قبل الزوال للقطع بارتفاعهِ بالطّهارة في الساعة الاُولى من الزوال ، والحدث بعد الزوال إذا لاحظنا لَنرى أنه مشكوك في جميع الأزمنة المتأخرة التفصيلية ولا ننتهي إلى زمان نعلم فيه بالحدث تفصيلاً أو على نحو الإجمال ، فإذا لاحظت الساعة الثالثة من الزوال فوجدت الحدث مشكوكاً فيه في تلك الساعة وهكذا في الساعة الثانية ، والساعة الاُولى ظرف اليقين بالطّهارة فلا تقف على زمان تقطع فيه بوجود الحدث تفصيلاً ولا على نحو الإجمال ، ومع عدم اتصال أزمنة الشك إلى اليقين بهذا المعنى أي عدم الانتهاء إلى متيقن بوجه فماذا يقع مورد الاستصحاب حينئذ ؟ وهذا هو الذي يظهر من عبارته حيث قال : لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فلاحظ .

   من هنا بنى هو والماتن وغيرهما ممّن يعتبر في الاستصحاب اتصال زمان الشك باليقين على عدم جريان الاستصحاب فيما جهل تأريخه من أمثال المقام .

   وما أفادوه من الكبرى بالتقريب المتقدّم ممّا لا إشكال فيه ، كما أن تطبيـقها على أمثال المقام ممّا لايقبل المناقشة لو اُريد من الاستصحاب فيما جهل تأريخه الاستصحاب الشخصي ، حيث إن الحدث قبل الزوال مقطوع الارتفاع ، والحدث بعد الزوال ممّا لم

ــ[80]ــ

يتعلّق يقين بوجوده التفصيلي ولا على نحو الإجمال . وأمّا إذا اُريد منه الاستصحاب الكلي باجرائه في الجامع بين الحدث فيما قبل الزوال وبين الحدث فيما بعد الزوال ، فلا ينطبق عليه الكبرى المتقدّمة .

   حيث إنّ لنا يقيناً بوجود الحدث الجامع ونشك في بقائه ، لأنه إن كان متحققاً فيما قبل الزوال فهو مقطوع الارتفاع ، وإن كان متحققاً فيما بعده فهو مقطوع البقـاء ولتردده بينهما شككنا في بقاء الحدث الجامع ، والشك في بقائه في الأزمنة المتأخرة متصل إلى زمان اليقين بوجوده على نحو الإجمال . وعليه فحال المقام حال القسم الثاني من أقسام الكلي بعينه ، والفرق بينهما أن الجامع هناك إنما كان بين فردين عرضيين ، وأما في المقام فالحدث الجامع إنما هو بين فردين طوليين أعني الحدث فيما قبل الزوال والحدث فيما بعده ، فيأتي فيه جميع ما أوردوه على جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي ، من أن أحد الفردين أعني الفرد القصير كالحدث الأصغر ـ فيما إذا تردد الحدث الصادر بين أن يكون هو الأصغر أو الأكبر ـ معلوم الارتفاع والآخر أعني الفرد الطويل ـ كالحدث الأكبر ـ مشكوك الحدوث من الابتداء والأصل عدمه فأين يجري فيه الاستصحاب .

   والجواب عنه هو الجواب ، وهو أنه إنما يتمّ لو قلنا بجريانه في الشخص ، وأما إذا أجريناه في الجامع بين الباقي والزائل فلا إشكال في أنا علمنا بتحققه ونشك الآن في بقائه فيجري فيه الاستصحاب ، فإن العلم بارتفاع الفرد لا ينافي العلم بوجود الكلي وحيث إن العلم بالطّهارة علم بفرد وهو الطّهارة الواقعة في أوّل الزوال فهو لا ينافي العلم بجامع الحدث بين الفرد المرتفع والفرد الباقي ، فإذا أجرينا فيه الاستصحاب فلا محالة تقع المعارضة بينه وبين استصحاب الطّهارة فيسقطان بالمعارضة . فالإنصاف أنه لا فرق بين هذه الصورة وبين صورة الجهل بتأريخ كل من الحدث والوضوء . وأمّا بقيّة الوجوه التي ذكروها في تقريب الكبرى المتقدّمة فهي غير قابلة للتعرّض .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net