إذا توضأ وضوءين وصلّى بعد كلّ منهما نافلة ثمّ علم بالحدث بعد أحدهما 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6618


ــ[99]ــ

   [ 581 ] مسألة 42 : إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة (1) ثمّ علم حدوث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولا يخفى عدم إمكان المساعدة عليه بوجه ، لأن الرواية واردة في خصوص من فاتته فريضة ودارت بين الصلوات الثلاث ، فكيف يمكننا التعدِّي عنه إلى أمثال المقام ممّا قد لا يكون فيه قضاء أصلاً ، كما إذا حصل له العلم الإجمالي بالحدث قبل خروج وقت الصلاتين ، والذيل لا عليّة له وإنما هو بيان لذلك الحكم الخاص الوارد في مورده .

   فالصحيح في الحكم بالتخيير في المقام أن يقال : إن أدلّة اعتبار الإجهار والإخفات قاصرة الشمول في نفسها للمقام ، لأنها مختصّة بموارد العلم والتعمد ولا وجوب لشيء منهما مع الجهل والنسيان والغفلة ، وهذا لصحيحة زرارة المصرحة بأن الإجهار والإخفات إنما هما مع الالتفات والعمد لا مع الجهل والنسيان والغفلة ، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته» (1) وحيث إن المكلّف جاهل بوجوبها في المقام لأنه لا يدري أن الباطل من صلاته أيهما وأنها هي الجهرية أو الإخفاتية فلا يجب عليه شيء من الجهر والإخفات أصلاً ، لا أنهما واجبان عليه ولكنه مخيّر بينهما في أمثال المقام ، فإذا لم يجب عليه شيء منهما فلا محالة يتخيّر بين الإجهار في صلاته وبين الإخفات فيها ، وهذا هو معنى تخيّره بينهما .

    النافلة كالفريضة في محل الكلام

   (1) وتوضيح الكلام في هذه المسألة أن النافلتين إن كانتا مبتدأتين فلا تجري قاعدة الفراغ في شيء منهما ، لما مرّ وعرفت من أن القاعدة إنما تجري لرفع وجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 86 / أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 1 .

ــ[100]ــ

حدث بعد أحدهما فالحال على منوال الواجبين ، لكن هنا يستحب الإعادة إذ الفرض كونهما نافلة ، وأما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة والاُخرى نافلة فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة وعدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضاً ، لأنه لا يلزم من إجرائهما فيهما طرح تكليف منجز ، إلاّ أن الأقوى عدم جريانها للعلم الإجمالي فيجب إعادة الواجبة ويستحبّ إعادة النافلة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعادة العمل وتداركه ، ومع فرض أن العمل غير قابل للتدارك والإعادة سواء صح أم بطل ـ وإن كانت النافلة بنفسها مستحبة في كل وقت ـ لا معنى لجريان القاعدة في مثله ، فلا تجري فيهما القاعدة في نفسها ، لا أنها تجري وتتعارض ، كما لا يستحب إعادتهما . وأما إذا كانتا غير مبتدأتين كما في نافلة الليل أو الصبح ونحوهما تجري القاعدة في كل من الصلاتين وتتساقط بالمعارضة ، لأن جريانها في كلتيهما يستلزم المخالفة القطعيّة وإن لم تكن محرّمة ، وهو قبيح لأن مآله إلى التعبد على خلاف المعلوم بالوجدان ، لفرض العلم ببطلان إحداهما ومعه كيف يتعبد بصحّة كل منهما ، فلا محالة تتعارض القاعدة في كل منهما بجريانها في الاُخرى فلا بدّ من إعادتهما على وجه الاستحباب ، نعم لو تمّ ما سلكناه من جريان الاستصحاب أعني استصحاب بقاء الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الاُولى يحكم بصحّة النافلة الاُولى ويستحب إعادة خصوص الثانية .

   ومنه يظهر الحال فيما إذا كانت إحداهما فريضة والاُخرى نافلة غير مبتدأة ، لأن القاعدة تتعارض فيهما ، لأن جريانها فيهما معاً يستلزم التعبد بخلاف المعلوم بالوجدان فلا بدّ من إعادتهما معاً . وأما إذا كانت إحداهما نافلة غير مبتدأة أو فريضة والاُخرى مبتدأة فالقاعدة تجري في غير المبتدأة أو الفريضة لعدم معارضتها بجريانها في النافلة المبتدأة فلا إعادة لشيء من الصلاتين حينئذ .

 
 

ــ[101]ــ

   فتلخّص من جميع ما ذكرناه : أن العلم الإجمالي إذا تعلق ببطلان إحدى الصلاتين النافلتين ، أو الفريضة والنافلة غير المبتدأة ـ والجامع العمل الإلزامي وغير الإلزامي في مقام الامتثـال ـ لا تجري الاُصول في أطرافه بالمعارضة ، أعني قاعدة الفراغ . وجريان الاستصحاب قد مرّ الكلام فيه (1) .

   وأمّا إذا تعلّق العلم الإجمالي بجامع الحكم الإلزامي وغير الإلزامي في مرحلة الجعل والتشريع ، كما إذا علمنا بوجوب أحد الفعلين أو باستحباب الآخر ، أو بحرمة أحدهما أو بكراهة الآخر أو إباحته أو استحبابه ، والجامع هو الحكم الإلزامي وغير الإلزامي ، فهل حاله حال العلم الإجمالي المتعلق بالحكم الإلزامي وغير الإلزامي في مقام الامتثال فلا تجري الاُصول في أطرافه كالبراءة ، كما لا تجري قاعدة الفراغ في أطراف العلم الإجمالي المتعلق بالحكم في مرحلة الامتثال ، أو أنه لا مانع من جريان البراءة في أطرافه ؟

   قد يقال بالأوّل وأن العلم الإجمالي المتعلق بالحكم الإلزامي وغيره في مرحلة الجعل والتشريع حاله حال العلم الإجمالي المتعلق بهما في مرحلة الامتثال ، وأنه منجز ومانع عن جريان البراءة الشرعية في أطرافه ، كما أن البراءة العقلية لا تجري في أطرافه لأن العلم الإجمالي بيان مصحح للعقاب هذا . ولكنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، ولا يمكن قياس أحد العلمين الإجماليين بالآخر . وسره أنه لا معنى لوضع الحكم الواقعي في مرحلة الظاهر وحال الجهل والشك فيه إلاّ جعل وجوب الاحتياط وإيجاب التحفظ على الواقع ، كما أنه لا معنى لرفع الحكم الواقعي في تلك المرحلة إلاّ رفع إيجاب الاحتياط والتحفظ على الواقع ، وعليه فالبراءة تجري في ناحية الحكم الإلزامي وتوجب الترخيص في العمل برفع إيجاب الاحتياط والتحفظ حينئذ ، بلا فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والموضوعية على خلاف ـ في الشبهات الحكمية التحريمية فقط دون الوجوبية والموضوعية مطلقاً ـ بيننا وبين المحدّثين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 92 .

ــ[102]ــ

   ولا تعارضها البراءة في ناحية الحكم غير الإلزامي ، لعدم جريانها في الأحكام غير الإلزامية على ما أسلفناه في بحث حديث الرفع وقلنا إنها لا تجري في الأحكام غير الإلزامية ، وذلك لأن إجراءها لأجل رفع إيجاب الاحتياط غير ممكن لعدم كونه مورداً للحديث ، للقطع بارتفاعه بعدم وجوبه في الأحكام غير الإلزامية ولا شك في وجوبه لتجري فيه البراءة ، كما أن إجراءها لأجل رفع استحباب الاحتياط كذلك للقطع بوضعه ، إذ لا شك في حسن الاحتياط حتى يدفع بأصالة البراءة (1) . فالبراءة الشرعية في طرف الحكم الإلزامي غير معارضة بجريانها في طرف الحكم غير الإلزامي . وأما البراءة العقلية فالأمر فيها أوضح ، لأنها تجري في ناحية الحكم الإلزامي ، حيث يحتمل في تركه أو في فعله العقاب ، وحيث إنه بلا بيان فيحكم بعدم العقاب فيه ، ولا يكون العلم الإجمالي بجامع الإلزام وغير الإلزام بياناً ، لما قدمناه في محلِّه من أن العلم الاجمالي إنما يتعلق بالجامع بين الأطراف ولا يتعلق بشيء من خصوصيات الأطراف ، وإنما هي مجهولة ، والجامع بين الإلزام وغير الإلزام مما لا عقاب فيه ، ولا تعارض بجريانها في طرف الحكم غير الإلزامي لأنه لا يحتمل عقاب من ناحيته حتى يدفع بالبراءة .

   والنتيجة أن البراءة شرعية كانت أو عقلية تجري في رفع الحكم المحتمل الإلزامي من غير معارض ، ومعه لا يترتب على العلم الإجمالي أثر لما بيّناه في محلِّه من أن العلم الإجمالي إنما ينجز متعلقه فيما إذا جرت الاُصول في أطرافه وتساقطت بالمعارضة (2) ، وإلاّ فالعلم الإجمالي إنما يتعلّق بالجامع بين الأطراف كالجامع بين الإلزام وغير الإلزام ولا يتعلّق بشيء من خصوصيات الأطراف ، ومعه لا يترتب عليه تنجّز إلاّ بتساقط الاُصول في أطرافه ، وقد عرفت أن الاُصول في مثل محل الكلام غير معارضة ولا ساقطة ، وهذا بخلاف العلم الإجمالي بالإلزام وغير الإلزام في مرحلة الامتثال ، فان الاُصول كانت متعارضة في أطرافه ، ومن ثمة حكمنا بتساقط قاعدة الفراغ في كلتا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 270 .

(2) مصباح الاُصول 2 : 345 ـ 355 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net