أحكام الجبيرة المغصوبة - عدم اشتراط كون الجبيرة ممّا تصحّ الصّلاة فيه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5790


ــ[175]ــ

   [ 609 ] مسألة 15 : إذا كان ظاهر الجبيرة طاهراً لا يضرّه نجاسة باطنه (1) .

   [ 610 ] مسألة 16 : إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوباً لا يجوز المسح عليه بل يجب رفعه وتبديله ، وإن كان ظاهرها مباحاً وباطنها مغصوباً فإن لم يعد مسح الظاهر تصرفاً فيه فلا يضر وإلاّ بطل ، وإن لم يمكن نزعه أو كان مضراً ((1)) فإن عدّ تالفاً ((2)) يجوز المسح عليه وعليه العوض لمالكه (2) ، والأحوط استرضاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالطّهارة لأنه لا صلاة إلاّ بطهور ، وقد قدّمنا في أوّل الكتاب أن الطهور ما يتطهّر به وهو أعم من الماء والتراب لأنه أحد الطهورين (3) . ومقتضى هذين الإطلاقين أن الصلاة واجبة في حق المكلّف في مفروض المسألة وأنها أيضاً مشترطة بطهارة خاصة لا محالة ، وتلك الطّهارة إما هو الوضوء مع غسل القير أو مسحه وإما هو التيمم كذلك ، ومقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين أن يجمع بين التيمم والوضوء مع وجود اللاصق على مواضع التيمم .

   (1) لأن الدليل إنما دلّ على اعتبار الطّهارة في ماء الوضوء ، فإذا فرضنا نجاسة أعضاء الوضوء على نحو يوجب تنجس الماء فلا محالة يقتضي بطلانه ، وأما إذا كانت غير سارية إلى الماء فلا دليل على كونها موجبة لبطلان الوضوء ، سواء كانت الجبيرة واحدة وكان باطنها نجساً دون ظاهرها وما إذا كانت متعددة .

    إذا كانت الجبيرة مغصوبة

   (2) لا إشكال في أن المسح على الجبيرة إذا لم يعدّ تصرفاً في المغصوب ـ كما إذا كان ظاهرها مباحاً ـ  يجوز المسح عليها لعدم حرمته . كما لا كلام في أنه إذا عدّ تصرّفاً في المغصوب وأمكن نزعه ورده إلى مالكه من غير أن يتوجّه ضرر عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد وجوب النزع في بعض صور التضرر أيضا .

(2) لا يترك الاحتياط باسترضاء المالك في هذا الفرض أيضا .

(3) شرح العروة 2 : 6 .

ــ[176]ــ

المالك أيضاً أوّلاً ، وإن لم يعد تالفاً وجب استرضاء المالك ولو بمثل شراء أو إجارة ، وإن لم يمكن فالأحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه وبين التيمم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يجب نزع الجبيرة المغصوبة وردها إلى مالكها ، لحرمة التصرف في مال الغير ووجوب ردّ المال إلى مالكه ، فبعد نزعها إما أن يجبر الموضع بشيء مباح فيمسح عليه وإما أن يبقى الجرح مكشوفاً فيغسل ما حوله . وإنما الكلام في جهات :

   الجهة الاُولى : إذا كان نزع الجبيرة المغصوبة مضراً في حقه فهل يجب عليه نزعها وردّها إلى مالكها أيضاً أو لا يجب ؟ ذهب الماتن (قدس سره) إلى عدم وجوب الرد إلى مالكها فيما إذا عدّ تالفاً .

   ولكن الصحيح وجوب نزعها وردها إلى مالكها في هذه الصورة أيضاً ، وذلك لأن الضرر على نحوين ، فقد يكون الضرر على نحو لا يرضى الشارع بتحققه في الخارج كما إذا كان نزعها مؤدياً إلى هلاكه فلا يجب النزع والرد إلى مالكها حينئذ ، لأن ما دلّ على حرمة التصرف في مال الغير مزاحم بما دلّ على حرمة إهلاك النفس المحترمة ووجوب حفظها ، فحيث إنه أهم فلا محالة يتقدّم على حرمة التصرف في مال الغير . واُخرى يكون الضرر من غير ما لا يرضى الشارع بوقوعه كما إذا كان نزع الجبيرة موجباً لاشتداد مرضه أو بطء برئه أو إلى ضرر مالي أو إيلامه ، فمقتضى إطلاق ما دلّ على حرمة التصرّف في مال الغير في مثله وجوب نزعها وردها إلى مالكها ، ولا مانع عن ذلك إلاّ ما يتوهّم من شمول قاعدة نفي الضرر للمقام وهي توجب تخصيص ما دلّ على حرمة التصرّف في مال الغير . ولكنا ذكرنا في محلِّه أن القاعدة لا تشمل أمثال المقام لأنها امتنانية وإجراؤها في المقام على خلاف الامتنان (1) ، لأن معناها جواز التصرّف في مال الغير من غير إذنه ولا تثبت القاعدة ذلك بوجه . والظاهر أنهم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 545 ـ 566 .

ــ[177]ــ

لم يختلفوا في وجوب ردّ المال إلى مالكه فيما إذا كان ردّه موجباً للتضرر المالي في حقه فإذا لم تشمل القاعدة المقام فيكون حال الضرر النفسي كالمالي فلا يمنع عن وجوب ردّ المال المغصوب إلى مالكه .

   الجهة الثانية : إذا كانت الجبيرة المغصوبة معدودة من التالف كما هو الغالب ، لأن الخرقة بعد فصلها عن ثوب الغير مثلاً لا مالية لها ، فهل يجوز المسح عليها أو لا بدّ من استرضاء المالك أو نزعها إذا أمكن ؟ ذهب الماتن إلى جواز المسح عليها وقال : وعليه العوض لمالكه . وقيل : إن هذه المسألة مبتنية على أن الضمان بالتلف والإتلاف راجع إلى المعاوضة القهرية بين المال التالف والمال المضمون  به ، أو أن الضمان محض غرامة ولا رجوع له إلى المعاوضة بوجه . فعلى الأوّل يجوز المسح على الجبيرة المعدودة من التالف ، لأنها باتلاف الغاصب انتقلت إليه وقد ضمن عوضها بالمعاوضة القهرية ، فليس للمالك المطالبة بالمواد الباقية بعد إتلاف المال لانتقالها إلى ملك المتلف فيجوز له المسح على الجبيرة في المقام ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالثاني ، لأن الجبيرة حينئذ باقية على ملك مالكها الأوّل فلا يجوز التصرف فيها بالمسح إلاّ برضاه هذا .

   والصحيح عدم ابتناء المسألة على ذلك ، وذلك لأن انتقال المال التالف إلى المتلف باتلافه مما لم يلتزم به أحد فيما نعلمه من أصحابنا ، لوضوح أن الإتلاف ليس من أحد الأسباب الموجبة للانتقال ، فلم يقل أحد بأن الثوب المملوك لأحد إذا أحرقه الغاصب فهو ملك للغاصب بالمعاوضة القهرية فيضمن له قيمته ، أو القطعات المنكسرة في الكوز ملك لمن أتلفه وهكذا .

   نعم وقع الخلاف في أنه إذا أغرم المتلف وأدى عوض ما أتلفه فهل يكون ذلك معاوضة بين ما أداه وما أتلفه ، فالقطعات المنكسرة للمتلف وهكذا غيرها مما أتلفه وأذهب ماليته وبقي مادته ، أو أن ما أداه غرامة محضة والمواد باقية على ملك مالك المال . وذكرنا في محلِّه أن العقلاء يرون ذلك معاوضة بين المال التالف والغرامة حيث ليس للمالك مال ومادّة ، ولم يكن مالكاً إلاّ لشيء واحد وقد أخذ عوضه وبدله لا أنه كان مالكاً لشيئين أخذ عوض أحدهما وبقي الآخر على ملكه وهما المالية والمواد .

ــ[178]ــ

فأداء الغرامة معاوضة بالسيرة الثابتة عند العقلاء والمواد منتقلة إلى ملك المتلف بأداء الغرامة .

   ومفروض كلام الماتن إنما هو ما إذا أتلف مال الغير وجعله جبيرة وأسقطه من قبل أن يؤدي عوضه فهل يجوز له المسح عليها أو لا يجوز ، لا أن محل كلامه في جواز المسح وعدمه بعد أداء الغرامة والعوض، وذلك لقوله : (يجوز المسح عليه وعليه العوض) ولا معنى له مع أدائه فالكلام إنما هو قبل ردّ العوض ، وقد عرفت أن الإتلاف قبل ردّ العوض مما لم يلتزم أحد بكونه موجباً لانتقال المال إلى متلفه .

   فالصحيح أن المسألة مبتنية على أمر آخر وهو أن الأدلّة الدالّة على حرمة التصرف في مال الغير مختصّة بما إذا كان مورد التصرف مالاً لغير المتصرف أو أنها تعمه وما إذا كان ملكاً أو مورد حق لغيره وإن لم يكن مالاً ، فإن المال إذا خرج بالتصرف عن المالية قد يكون ملكاً لمالكه كما في القطعات المكسورة في الكوز وقد لا يكون ملكاً أيضاً كما إذا قتل حيوان أحد ، فإن الميتة ليست بملك وإنما تكون مورداً للحق أي لحق مالكه السابق ، فهل تشمل أدلّة حرمة التصرف لهاتين الصورتين أو تختص بما إذا كان مورد التصرّف مالاً فقط ؟

  ومقتضى فتوى الماتن أن الصحيح عنده الاختصاص وعدم شمول الأدلّة لما إذا  كان مورد التصرّف ملكاً أو حقاً لغيره . وهذا هو الذي تقتضيه الروايتان المستدل بهما على حرمة التصرّف في مال الغير من غير إذنه ، أعنى قوله (عليه السلام) : لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه(1) وقوله : لا يجوز التصرّف في مال الغير إلاّ باذنه(2)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي صحيحة زيد الشحام عن أبي عبدالله (عليه السلام) إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقف بمـنى ... : إلى أن قال : فانه لا يحلّ دم امرئ مسـلم ولا ماله إلاّ بطـيبة نفسه ... الوسائل 29 : 10 /  أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 3 . وروى عنه في كتاب تحف العقول [ ص 34 ] بدون لفظ دم بل فيه : مال امرئ مسلم .

(2) الوسائل 9 : 540 / أبواب الأنفال وما يختص بالإمام (عليه السلام) ب 3 ح 7 . فان فيه : فلا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، فكيف يحل ذلك في مالنا ، إلخ .

ــ[179]ــ

لاختصاصهما بالأموال فيرجع في غير المال إلى أصالة الحل ، وإنما يخرج عن تلك الأصالة في خصوص الأموال .

   ولكن لا يبعد التفصيل في غير الأموال بين ما إذا كان تصرف الغير مزاحماً لتصرف المالك السابق وما إذا لم يكن مزاحماً له ، بالحكم بعدم جواز التصرف في الصورة الاُولى لأنه ظلم وتعد عند العقلاء فلا يجوز ، والحكم بالجواز في الثانية لأصالة الحل وعدم كون التصرف ظلماً وتعديا .

   الجهة الثالثة : ما إذا لم يمكن نزع الجبيرة إما تكويناً وإما تشريعاً لأدائه إلى الهلاكة مثلاً ولم تسقط الجبيرة عن المالية أيضاً ، فماذا يصنع المكلّف ؟ فإن مقتضى أدلّة حرمة التصرف في مال الغير حرمة المسح عليها ، ومقتضى ما دلّ على اشتراط الصلاة بالطّهارة ووجوب الصلاة في حقه وعدم سقوطها أن الصلاة واجبة في حقه مع الطّهارة .

   احتاط الماتن بالجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطراف الجبيرة وبين التيمم . هذا ولكن المتعيّن هو التيمم في حقه ، وذلك لأن كفاية الوضوء الناقص أعني غسل أطراف الموضع مختصة بما إذا كان على بدن المتوضي جرح مكشوف ، وأما في غير المكشوف فلم يقم دليل على كفاية الغسل الناقص ، فإذا لم تشمل الأخبار للمقام فالأصل الأوّلي وهو التيمم الذي أسسناه في أوائل المسألة هو المحكّم في المقام ، نعم لا بأس بضمّه إلى الوضوء الناقص للاحتياط . هذا كله فيما إذا كانت الجبيرة المغصوبة على غير محال التيمم .

   وأمّا إذا  كانت في محاله كالوجه واليدين فلا وجه لاحتمال وجوب التيمم حينئذ وذلك لأ نّا إنما نقول بانتقال الأمر إلى التيمم من جهة أن المكلّف لم يتمكّن من الوضوء شرعاً لاستلزامه التصرف في المال المغصوب والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، فإذا فرضنا أن التيمم أيضاً كالوضوء مستلزم للتصرف في الجبيرة المغصوبة فلا موجب للانتقال إليه ، بل الأمر يدور بين أن تسقط عنه الصلاة رأساً لعدم تمكّنه من الطّهارة

ــ[180]ــ

   [ 611 ] مسألة 17 : لا يشترط في الجبيرة أن تكون ممّا يصحّ الصلاة فيه(1) فلو كانت حريراً أو ذهباً أو جزء حيوان غير مأكول لم يضرّ بوضوئه ، فالذي يضرّ هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبين أن تسقط عنه حرمة التصرّف في المغصوب ، فالحكمان متزاحمان ولا يتمكّن المكلّف من امتثالهما ، وحيث إن وجوب الصلاة مع الطّهارة أهم من حرمة التصرّف في المغصوب ، لأن الصلاة عمود الدين ولا تترك بحال ، كما هو الحال في غير ذلك من المقامات ، إذ الأمر إذا دار بين الصلاة والغصب فلم يتمكن من إتيانها وترك الغصب كما إذا حبس في مكان مغصوب فلا محالة يتقدّم الأمر بالصلاة لأهميّتها ، فلا مناص من تقديم الأمر بالصلاة وسقوط النهي عن التصرف في مال الغير .

   وهذا بخلاف المسألة المتقدّمة التي حكمنا فيها بوجوب التيمم ولم نقدّم الأمر بالوضوء على حرمة التصرّف ، وذلك لأن المزاحمة في تلك المسألة إنما كانت بين الأمر بالوضوء وحرمة التصرّف في مال الغير ، وحيث إنّ الوضوء له بدل دون حرمة التصرّف فمن هنا رجّحنا حرمة التصرّف على الوضوء وقلنا بوجوب التيمّم عليه . وأمّا في المقام فالمزاحمة بين أصل الصلاة وحرمة التصرّف ، ولا بدل للصلاة ، ولمكان أهميّتها قدمناها على حرمة التصرّف كما عرفت .

   وبعد ذلك كله يدور الأمر بين الاقتصار بالوضوء الناقص بغسل أطراف الجبيرة وبين التوضّؤ على نحو الجبيرة أي بالمسح عليها ، وحيث إن الوضوء الناقص لا دليل على كفايته إلاّ في الجرح المكشوف ، لأنّ مقتضى ما دلّ على غسل الأعضاء ومسحها في الوضوء وما دلّ على لزوم مسح الجبيرة وكونه بدلاً عن العضو ، جزئية الجبيرة واعتبار مسحها مطلقاً وعدم سقوطها بحال ، وعليه فيتعيّن في حقه الوضوء بطريق الجبيرة والمسح عليها ، لعدم حرمة التصرّف في الجبيرة المغصوبة حينئذ كما عرفت .

   (1) وذلك لإطلاق أدلّتها وعدم تقييدها الجبيرة بشيء دون شيء .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net