هل يجوز قضاء الصّلاة لصاحب الجبيرة عن نفسه وغيره - ارتفاع عذر صاحب الجبيرة بعد الوضوء وقبل خروج الوقت 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7330

 

ــ[201]ــ

   [ 624 ] مسألة 30 : في جواز استئجار صاحب الجبيرة إشكال ((1)) بل لا يبعد انفساخ الإجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدّة مع ضيق الوقت عن الإتمام واشتراط المباشرة ، بل إتيان قضاء الصلاة عن نفسه لا يخلو عن إشكال مع كون العذر مرجو الزوال ، وكذا يشكل كفاية تبرّعه عن الغير(1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في طريق الصدوق . فالصحيح في الاستدلال أن يقال : إن الكسير والجريح والقريح في موارد التيمم لا إشكال في أنه مأمور بالصلاة ، حيث لا نحتمل سقوط التكليف عنه بالصلاة ما دام كونه كسيراً ولو إلى آخر عمره ، ولا صلاة إلاّ بطهور ، والطهور اسم للماء والتراب أعني ما به يتطهر ، وحيث إنه عاجز عن استعمال الماء على الفرض فيتعين أن يكون طهوره التراب ، وبما أن استعمال التراب لا نحتمل أن يكون على وجه آخر غير التيمم ـ  بأن يمسح بدنه به أو نحو ذلك مثلاً  ـ  أو فبالسبر والتقسيم يظهر أن وظيفة مثله التيمم والمسح على بشرته وجبيرته والصلاة معه .

    حكم استئجار صاحب الجبيرة .

   (1) قد تقدّم أن الوضوء مع الجبائر تصح معه الصلاة الواجبة الفعلية ، وإنما الكلام في أنه هل يكفي الوضوء مع الجبائر في جواز الصلاة القضائية من قبل نفسه أو غيره مع الاُجرة أو تبرّعاً أو لا تشرع به القضاء مطلقا ؟

   إن بنينا على ما ذهب إليه بعضهم من أن الوضوء مع الجبيرة كالتيمم مبيحان للدخول في الصلاة وغير رافعين للحدث فلا يصحّ القضاء مع الوضوء جبيرة ، لعدم دلالة الدليل على إباحة الدخول معه في القضاء وإنما ثبت إباحة الفرائض الفعلية به فحسب ، فاذا لم يشرع القضاء به في نفسه فلا تجوز الإجارة عليه أيضاً ، لأنّ صحّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذا توضّأ أو اغتسل صاحب الجبيرة لصلاة نفسه فالظاهر أنه يرفع الحدث كما تقدّم ، وعليه فيجوز استئجاره ويصحّ قضاؤه الصلاة عن نفسه وعن غيره ، بل لا يبعد صحّته فيما لو توضّأ أو اغتسل لصلاة غيره ، حيث إنّ الوضوء أو الغسل مع الجبيرة مستحب في نفسه ، وقد تقدّم انّه لا فرق فيه بين كونه واجباً أو ندبا .

ــ[202]ــ

الإجارة فرع مشروعية العمل في نفسه .

   وأمّا إذا قلنا بأنهما رافعان كما بنينا عليه سابقاً (1) فإن توضأ لخصوص أن يأتي به القضاء فقط ، أيضاً يحكم ببطلانه ، وذلك لأن الوضوء مع الجبيرة وظيفة العاجز والأمر بالقضاء موسع فله أن يصبر حتى يبرأ جرحه أو كسره فيصلي مع الوضوء التام ، ومع التمكّن من التام لا يجوز له البدار والإتيان بالوضوء مع الجبيرة كما هو الحال في الأداء ، حيث إنه مع احتماله البرء إلى آخر وقت الفريضة لا يتمكن من البدار كما يأتي تفصيله(2) ، فإذا لم يشرع في حقّه الوضوء مع الجبيرة لمحض القضاء فلا تصحّ الإجارة عليه أيضاً كما عرفت ، اللّهمّ إلاّ أن يعلم بعدم ارتفاع عذره إلى الأبد فحينئذ يصح له إتيان القضاء مع الوضوء جبيرة ، إلاّ أنه خارج عن مفروض المسألة .

   وأما إذا توضأ جبيرة لأداء فريضة ـ فيما يصح له إتيانها مع الجبيرة ـ إلاّ أنه بعد ذلك أراد أن يأتي به القضاء من قبل نفسه أو غيره مع الاُجرة أو بدونها كما أتى به الأداء ، فالظاهر أنه لا إشكال في صحّته وصحّة قضائه ، حيث إن القضاء عن نفسه أو عن غيره مأمور  به في الشريعة المقدّسة ولا سيما عن الأب والاُم ، ولا صلاة إلاّ بطهور ، والمفروض أن المكلّف متطهر ومن هنا جاز له مس المصحف وغيره مما يشترط فيه الطّهارة كدخول المسجد مع الغسل جبيرة ، ومع الحكم بطهارته يصح منه القضاء كما صحّ منه الأداء . ولا يفرق فيها بين الناقصة والتامّة بعد فرض كونها طهارة مسوغة للغايات المشترطة بها ، فإذا جاز له القضاء في نفسه جازت الإجارة عليه أيضاً كما تقدّم .

    إذا طرأ العذر في الأثناء

   بقي الكلام في أنه إذا قلنا بعدم جواز الإجارة على القضاء مع الجبيرة وقد آجر نفسه للقضاء وهو سليم مأمور بالوضوء التام ولكن طرأ عليه العذر في أثناء المدّة ووجب عليه الوضوء مع الجبيرة ، فهل يحكم حينئذ بانفساخ العقد لانكشاف أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 187 .

(2) في ص 262 ـ 294 .

ــ[203]ــ

المنفعة المستأجر  عليها غير مملوكة للمؤجر وهو غير قادر على تسـليمها فتبطل الإجارة بالإضافة إلى المقدار الباقي عن العمل ، نظير ما إذا خربت الدار في أثناء مدّة الإجارة ولم يمكن تعميرها ، أو آجر نفسه للبناء فوقع في أثناء العمل وانكسر رجله ولم يتمكّن من الوفاء بالعمل ، حيث تنفسخ الإجارة بالإضافة إلى المقدار الباقي من العمل لانكشاف عدم قدرة المؤجر لتسليم المنفعة وعدم كونها ملكاً له . أو أن الإجارة لا تنفسخ ، بل يثبت للمستأجر خيار تخلف الشرط وهو المباشرة فله أن يفسخ وله أن يرضى بالعمل منه مع التسبيب ؟

   إذا فرضنا أن المدّة موسعة يتمكن المكلّف من إتيان القضاء بالوضوء التامّ بعد برئه فلا كلام في صحّة الإجارة وعدم انفساخها ، لتمكنه من تسليم المنفعة على الفرض وأمّا إذا كانت المدّة مضيقة ولا يبرأ في تلك المدّة فإن وقعت الإجارة على العمل الكلي الجامع بين المباشرة والتسبيب أيضاً تصح الإجارة ، لتمكنه من العمل بالتسبيب فيستأجر غيره ويأتي بالعمل بسببه .

   وأمّا إذا  كانت المدّة مضيقة وكانت الإجارة واقعة على القضاء بالمباشرة فالصحيح ما ذهب إليه الماتن من انفساخ الإجارة . ولا وجه لصحّتها مع خيار تخلف الشرط كما قيل . والوجه في ذلك أن الإجارة بحسب البقاء كالإجارة بحسب الحدوث ، فكما أن الإجارة لو كانت واقعة في حال عجز المكلّف من الوضوء التام من الابتداء حكمنا ببطلانها على الفرض فكذلك الحال فيما إذا طرأ العجز في الأثناء ولم يتمكن من الوضوء التام في الوسط فلا بدّ من الحكم ببطلانها .

   وأمّا عدم جريان خيار تخلف الشرط في المقام فهو لما حققناه في بحث الخيار وقلنا : إن الشرط في ضمن المعاملة قد يرجع إلى الأعيان الشخصية فيبيع كتاباً معيّناً على أن يكون طبعة كذا أو عبداً معيّناً على أن يكون كاتباً أو رومياً ونحو ذلك ، وقد يرجع إلى الكلي في الذمّة كما إذا باع مناً من الحنطة في ذمّته على أن تكون من مزرعة كذا أو استأجره للصلاة على أن تكون في مكان كذا أو للصيام على أن يكون في شهر كذا أو يبيع كتاب الجواهر الكلي على أن يكون طبعة كذا .

   أمّا الشرط في العين الشخصيّة فقد ذكرنا أنه يرجع إلى جعل الخيار على تقدير

ــ[204]ــ

   [ 625 ] مسألة 31 : إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصّلاة ((1)) (1) التي صلاّها مع وضوء الجبيرة وإن كان في الوقت بلا إشكال ، بل الأقوى جواز

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التخلّف على الأغلب ، وإن كان قد يرجع إلى أمر آخر على ما ذكرناه في بحث الخيار .

ومعناه أن التزامه بالبيع مشروط بوجود شرطه وربّما يصرح بذلك لدى العرف، فتراه يقول إني أشتري هذا وإذا ظهر كذا فلا ألتزم بالمعاملة . فالشرط في الأعيان الشخصيّة مرجعه إلى جعل الخيار ولا يرجع إلى تعليق المعاملة ليوجب البطلان . ولا أنه لتضيق دائرة المبيع ، لأنه عين شخصيّة والجزئي متضيّق في نفسه ولا معنى لتضييقه فإذا ظهر أن العبد المبيع ليس بكاتب فيثبت للمشتري خيار تخلف الشرط .

   وأمّا الشرط الراجع إلى الكلّي في الذمم فهو راجع إلى تضييق دائرة المبيع ولا يرجع إلى تعليق العقد ولا إلى جعل الخيار ، فإذا كان ما يدفعه البائع إلى المشتري حنطة مزرعة اُخرى أو صلّى المؤجر في غير المكان أو الزمان المشروط في ضمن المعاملة فليس للمشتري أن يفسخ المعاملة بالخيار ، بل له رده إلى البائع ومطالبته بالمبيع الذي هو الحصّة الخاصّة من الحنطة أو الصلاة ونحوهما .

   فبهذا يظهر أنه إذا آجر نفسه للقضاء بشرط المباشرة ثمّ عجز عن المباشرة فقد عجز عن تسليم متعلق الإجارة إلى مستحقّه ، ومع عدم القدرة على ردِّه تبطل الاجارة لا محالة لا أن له الخيار ، لأن مرجع الشرط في الكلي في الذمم إلى تضييق دائرة المبيع أو المنفعة المستأجر عليها لا إلى جعل الخيار لنفسه . نعم لو آجر نفسه على أن يأتي بوضوء تام في الخارج بشرط المباشرة ثمّ عجز عن قيد المباشرة يثبت للمستأجر الخيار على ما بيّناه آنفاً . ثمّ لا يخفى أن هذا كله مبني على القول ببطلان إجارة العاجز عن الوضوء التام وقد عرفت أن الحق صحّته .

    وضوء الجبيرة مجزئ عن الواقع

   (1) أما إذا ارتفع عذره بعد خروج وقت الفريضة فلا ينبغي الإشكال في عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ، بل الأظهر وجوب الإعادة في الوقت .

ــ[205]ــ

الصّلاة الآتية بهذا الوضوء في الموارد التي علم كونه مكلفاً بالجبيرة . وأما في الموارد المشكوكة التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمّم فلا بدّ من الوضوء للأعمال الآتية لعدم معلومية صحّة وضوئه . وإذا ارتفع العذر في أثناء الوضوء وجب الاستئناف أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها إن لم تفت الموالاة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجوب الإعادة ، إذ لولا صحّة الصلاة المأتي بها مع الوضوء جبيرة في وقتها لم يكن معنى للأمر بها مع التوضي بالوضوء جبيرة وهذا ظاهر .

   وأمّا إذا ارتفع عذره قبل خروج وقت الفريضة فقد يفرض الكلام فيما إذا توضّأ جبيرة وصلّى حتى خرج وقت الفريضة ثمّ دخل وقت فريضة اُخرى كالمغرب مثلاً فصلاها بذلك الوضوء الذي أتى به جبيرة لصلاتي الظهر والعصر وارتفع عذره قبل خروج وقت الفريضة الثانية ، فلا إشكال في صحّة صلاته في هذه الصورة لأنه صلّى المغرب وهو متطهر ، لما مرّ من أن الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث وموجب للطهارة ، بل قد ذكرنا أنه لو توضأ مع الجبيرة وصلّى ثمّ انكشف برء كسره أو جرحه وقرحه حال الوضوء صحّت صلاته فضلاً عما إذا كان كسره أو جرحه باقيين حال الوضوء . إلاّ أن ذلك خارج عن مفروض كلام الماتن .

   واُخرى يفرض الكلام فيما إذا توضأ وضوء الجبيرة معتقداً بقاء عذره إلى آخر الوقت ، أو باستصحاب بقائه كذلك ، أو أ نّا جوزنا البدار فصلّى ثمّ ارتفع عذره قبل خروج وقت الصلاة فالصحيح في هذه الصورة وجوب الإعادة ، وذلك لأن الاكتفاء بوضوء الجبيرة على خلاف القاعدة ، لأنها تقتضي وجوب التيمم في كل مورد عجز فيها المكلّف عن الوضوء ، فلا بدّ في الخروج عن مقتضى القاعدة من الاكتفاء بمورد النص وهو ما إذا لم يتمكن المكلّف من الوضوء التام في مجموع الوقت ، إذ المستفاد من أخبار الجبـيرة أن الوضوء معها وضوء عذري ، وحيث إن المأمور  به هو الطبيعي الجامع بين المبدأ والمنتهى فبارتفاع عذره في أثناء الوقت نستكشف تمكنه من الوضوء التام وعدم كونه معذوراً في الإتيان بالوضوء الناقص .

   وأمّا حكم الماتن بعدم وجوب الإعادة حينئذ فلعله مستند إلى الإجماع الذي

ــ[206]ــ

   [ 626 ] مسألة 32 : يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة أوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر في آخره ، ومع عدم اليأس الأحوط التأخير ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ادعاه بعضهم على عدم وجوب إعادة الصلاة المأتي بها مع الوضوء جبيرة . إلاّ أنه إجماع منقول لا يعتمد عليه فلا بدّ من الإعادة في الوقت احتياطاً ، نظراً إلى دعوى الإجماع على عدم الإعادة . هذا كلّه إذا كان مأموراً بالوضوء مع الجبيرة .

   وأما إذا أتى به في موارد الجمع للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء جبيرة أو التيمم فأتى بهما عملاً بعلمه الإجمالي ثمّ ارتفع عذره في أثناء الوقت فتجب عليه الإعادة يقيناً ، كما لا يجوز له أن يأتي به الصلوات الآتية بوجه لعدم علمه بطهارته ، لاحتمال أن يكون مأموراً بالتيمم وهو ينتقض بوجدان الماء والتمكّن من استعماله فلا بدّ من تحصيل الطّهارة للصلوات الآتية وفريضة الوقت .

   (1) لا وجه لهذا الاحتياط وذلك لتمكن المكلّف من البدار باستصحاب بقاء عذره إلى آخر الوقت ، فإن اعتباره غير مختص بالاُمور المتقدّمة ، بل كما يعتبر فيها يعتبر في الاُمور الاستقبالية أيضاً على ما قدمناه في محلِّه(2) ، وحيث إنه ذو عذر أوّل الزوال فيستصحب بقاءه إلى آخره فبذلك يكون كالمتيقن في نظر الشارع ببقاء عذره إلى آخر الوقت فيسوغ له البدار ، فإذا انكشف عدم بقاء عذره إلى آخر الوقت بعد ذلك تجب إعادته ، وهو مطلب آخر غير راجع إلى صحّة الوضوء مع البدار ، بل الأمر كذلك فيما إذا بادر إليه لاعتقاد بقاء عذره ويأسه عن البرء إلى آخر الوقت ، فإن مع ارتفاع عذره قبل خروج وقت الصلاة ينكشف أن اعتقاده كان مجرد خيال غير مطابق للواقع فتجب عليه الإعادة لا محالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأظهر جواز البدار لكنه يعيد الصلاة إذا زال العذر في الوقت ، بل الأظهر وجوب الإعادة مع الزوال ولو كان البدار من جهة اليأس .

(2) مصباح الاُصول 3 : 89 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net