الحالة الثّالثة : خروج الحدث أثناء الصّلاة كثيراً بحيث يلزم الحرج من تجديد الوضوء كلّ مرّة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6273


ــ[219]ــ

وأمّا الصورة الثالثة (1) ـ وهي أن يكون الحدث متصلاً بلا فترة أو فترات يسيرة بحيث لو توضأ بعد كل حدث وبنى لزم الحرج ـ يكفي أن يتوضأ لكل صلاة ((1)) ولا يجوز أن يصلِّي صلاتين بوضوء واحد نافلة كانتا أو فريضة أو مختلفة ، هذا إن أمكن إتيان بعض كل صلاة بذلك الوضوء .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من الصلوات ، فإن مانعية نجاسة البدن والثياب إنما رفعنا عنها اليد بمقدار الصلاتين بمقتضى صحيحة حريز المتقدِّمة (2) لا أزيد منه .

   ويؤيد ما ذكرناه أنه لم يرد في شيء من روايات السلس والبطن حكم ما إذا خرج عنهما البول أو الغائط في أثناء وضوئهما مع أنه أمر عادي ، ولا يقصر وقته عن الصلاة بكثير ، فلو كان حدثهما غير الاختياري مبطلاً لوضوئهما لوجب عليهما استئناف الوضوء لو حصلا في إثنائه مع أن الأخبار لم تدل على بطلان وضوئه بخروجهما في أثنائه ، نعم إنما يرتفع حدثه بما يتعارف منه الوضوء كالبول والغائط الاختياريين أو الريح والنوم العاديين وهكذا . فما ذهب إليه الشيخ في مبسوطه من أن صاحب السلس والبطن يتوضآن مرّة واحدة لجميع صلواتهما ولا يعيدان الوضوء إلاّ مما تعارف الوضوء منه بعد ذلك(3) هو الصحيح .

 القسم الثاني من الأقسام الثلاثة

   (1) أعني الصورة الثانية من الصور الثلاث الباقية ، فان بنينا في الصورة الاُولى ـ  أعني ما إذا خرج البول أو الغائط مرّة أو مرّتين أو ثلاث مرّات من غير استلزام التوضؤ بعد كل واحدة من الأحداث عسراً أو حرجاً  ـ على ما بنينا عليه من أن الوضوء في المسلوس والمبطون لا ينتقض بالبول والغائط بوجه ، وإنما يتوضآن مرّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل يكفي وضوء واحد لجميع الصلوات ما لم يصدر منه غير ما ابتلي به من الأحداث .

(2) في ص 215 .

(3) لاحظ المبسوط 1 : 130 .

ــ[220]ــ

واحدة وهو يكفي لجميع صلواتهما ولا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما وأنه يبقى إلى الأبد ما دام لم يصدر منه حدث اختياري فالحكم في هذه المسألة ظاهر ، لأنه أيضاً يتوضأ مرّة واحدة ويصلّي به أي صلاة شاءها ، ولا ينتقض إلاّ بالحدث الاختياري ، ولا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة بطريق أولى ، لأن الوظيفة كانت كذلك عند عدم لزوم العسر والحرج فكيف بما إذا كان الوضوء مستلزماً لهما .

   وأمّا إذا لم نقل بذلك وبنينا على ناقضيّة البول والغائط من المبطون والمسلوس لوضوئهما وحكمنا في الصورة الاُولى بوجوب الوضوء في أثناء الصلاة كما بنى عليه الماتن (قدس سره) فما حكم به الماتن من أنه يتوضأ لكل صلاة ولا يجوز أن يصلّي صلاتين بوضوء واحد هو الصحيح ، وذلك لأن المسلوس والمبطون في فرض المسألة وإن كان لا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما لاستلزامه العسر والحرج المنفيين في الشريعة المقدّسة إلاّ أن دليل نفي الحرج إنما ينفي التكليف والإلزام بالوضوء في الأثناء ولا يسـتفاد منه الحكم الوضعي من بطلان وضـوئهما وصـلاتهما أو صـحّتهما بوجه فلا بدّ في تعيين الوظيفة حينئذ من الرجوع إلى دليل آخر .

   فقد يقال : إنه يجب أن يتوضأ حينئذ في أثناء الصلاة إلى أن يبلغ مرتبة توجب العسر والحرج في الوضوء فإذا بلغ إلى تلك المرتبة سقط عن الوجوب . وفيه : أن دليل نفي العسر والحرج كما عرفت إنما ينفي الإلزام بايجاد الصلاة المشروطة بالطّهارة في الخارج لأنه عسر وحرجي ، وأما أصل اشتراط الصلاة بالطّهارة فهو ليس أمراً موجباً للعسر والحرج لينفى بدليل نفيهما ، فلا دليل على أن صلاتهما في مفروض المسألة بعد بلوغ الوضوء مرتبة العسر والحرج غير مشترطة بالطّهارة فتصح مع الحدث أيضاً ، فلا بدّ في تعيين الوظيفة حينئذ من الرجوع إلى روايات الباب .

   فإذا نظرنا إلى رواية محمّد بن مسلم الدالّة على أن صاحب البطن الغالب يتوضأ ثمّ يرجع في صلاته فيتم ما بقي (1) ، وقطعنا النظر عن ضعف سندها وبنينا على أنها مطلقة شاملة لكل من صورتي التمكّن من الوضوء في الأثناء وعدم التمكّن منه ، فانّها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 298 / أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4 .

 
 

ــ[221]ــ

فرضت الحدث في الأثناء ودلّت بظاهرها على وجوبه في الأثناء ثمّ الرجوع إلى صلاته فمع فرض إطلاقها لكل من صورتي التمكّن من الوضوء وعدمه لا بدّ من الحكم بسقوط الصلاة عن المكلّف في مفروض المسـألة ، وذلك لأنّ المفروض أن صلاته مشروطة بالطّهارة حتى إذا لم يتمكّن من الطّهارة ، ولازمه تعذر الصلاة في حقه لتعذّر شرطها لعجز المكلّف عن الوضوء في الأثناء واستلزامه العسر والحرج .

   وتوهم عدم إمكان الإطلاق فيها على نحو يشمل كلاً من حالتي التمكن من الوضوء وعدمه ، لأنها مشتملة على الأمر بالوضوء ، والتكليف مع عدم القدرة غير ممكن . مندفع بأن الأمر وإن كان كذلك إلاّ أنه يختص بالتكاليف المولوية ، وأما الأوامر الإرشادية إلى الاشتراط كما في المقام أو غيره فلا مانع من أن تشمل موارد عدم التمكّن أيضاً ، فتدلّ على اشتراط الصلاة بالطّهارة مطلقاً حتى مع عدم التمكّن من شرطها وهذا مما لا محذور فيه . نعم إنا نعلم علماً خارجياً أن الصلاة لا تسقط عن المبطون ونحوه طيلة حياته كأربعين أو ثلاثين سنة ، وبهذا نستكشف أنها لا إطلاق لها بحيث يشمل صورة عدم التمكّن أيضا .

   وعليه فيتمسك بموثقة ابن بكير عن محمّد بن مسلم المتقدِّمة(1) بناء على ما استظهرناه من دلالتها على وجوب الوضوء قبل الصلاة والبناء عليها المؤيدة بما رواه محمّد بن مسلم في الفقيه من أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته(2) ومقتضاهما وجوب الوضوء على المبطون مرّة واحدة لصلاته من دون أن يجب عليه في أثنائها ، وحيث إنا تحفظنا على دليل الناقضية فلا بدّ من إعادة الوضوء لكل صلاة لأنّ الأوّل ينتقض بما يخرج منه بعد ذلك لا أنه يتوضأ إلى أن يلزم الحرج فإذا لزم لم يجب عليه الوضوء ، لأنه كما مرّ مما لا دليل عليه .

   وقياس ناقضية الحدث قبل لزوم الحرج وعدم ناقضيته بعد الحرج بناقضية الحدث قبل الصلاة وعدمها بعد الدخول في الصلاة كما ذهب إليه الماتن (قدس سره)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 217 .

(2) الفقيه  1 : 237 / 1043 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net