المسائل من 47 الى 72 

الكتاب : فقه الشيعة - الاجتهاد والتقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7105

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد؛ ص: 248

[ (مسألة 47) إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات]

(مسألة 47) إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات، فالأحوط تبعيض التقليد [1] (1) و كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات- مثلا- و الآخر في البعض الآخر.

[ (مسألة 48) إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلم منه]

(مسألة 48) إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلم منه، و كذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام [2] (2).

______________________________
التبعيض في التقليد

(1) بل الأظهر ذلك مع العلم بالمخالفة، و كذا الحال فيما بعده كما كتب دام ظله في الحاشية. و قد سبق مرارا وجه ذلك.

حكم الخطاء في بيان الفتوى

(2) يقع الكلام في صورتين.

الأولى: فيما إذا أفتى بإباحة الحرام أو الواجب، أو نقل الفتوى بذلك خطأ، و لا إشكال في وجوب الإعلام فيها، و يدل عليه وجوه.

(الأول): أنه تسبيب إلى الحرام- المراد به الأعم من ترك الواجب-

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنّف «قده» «فالأحوط تبعيض التقليد» (بل الأظهر ذلك مع العلم بالمخالفة على ما مرّ، و كذا الحال فيما بعده).

[2] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنّف «قده»: «يجب عليه الإعلام» (الأظهر هو التفصيل بين ما إذا نقل فتواه بإباحة شي‌ء ثم بان أن فتواه هي الوجوب أو الحرمة، و بين ما إذا نقل فتواه بالوجوب أو الحرمة ثمّ بان أن فتواه كانت الإباحة، فعلى الأول يجب الإعلام دون الثاني، و كذا الحال بالإضافة إلى المجتهد نفسه).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 249‌

..........

______________________________
لاستناد العامي في فعله الحرام أو تركه الواجب الى فتوى المجتهد أو نقل الناقل. و حرمة التسبيب إلى الحرام ثابتة بحكم العقل و النقل.

و هذا الوجه يعم المفتي و الناقل.

و دعوى: أن الاستناد إلى الفتوى انما يقتضي حرمتها لو كانت عمدا و المفروض خلافه، و ترك الإعلام الذي هو محل الكلام غير مستند إليه العمل.

غير مسموعة لصدق التسبيب من الأول بمجرد الإفتاء على خلاف الواقع، لعدم اعتبار العلم و القصد في صدقه، غايته: ان المفتي كان معذورا في تسبيبه هذا ما دام جهله بالحال، فإذا ارتفع الجهل بظهور الخطأ يرتفع العذر بقاء، فالتسبيب و ان لم يكن محرما حدوثا إلا انه يحرم بقاء ببقاء موضوعه، لاستناد المقلد الى فتواه في الأعمال الآتية. و هذا نظير ما إذا قدم طعاما نجسا للضعيف جاهلا بنجاسته. ثم علم بالنجاسة أثناء اشتغال الضيف بالأكل، فإنه يجب عليه الإعلام بلا إشكال.

(الثاني): ما دل من الآيات «1» و الروايات «2» على وجوب تبليغ الأحكام، إذ القدر المتيقن منها وجوب تبليغ الأحكام الإلزامية- كما هو مفروض المقام- و هذا أيضا يعم المفتي و الناقل، بل غيرهما ممن يتمكن من تبليغ الحكم.

(الثالث): ما دل من الروايات [1] على ضمان المفتي و أن عليه‌

______________________________
[1] كرواية عبد الرّحمن بن الحجاج المتقدمة ص 46 و هي صحيحة.

______________________________
(1) كآية النفر- التوبة آية 123. و الآيات الدالة على حرمة الكتمان- البقرة آية 42 و 159 و 174- آل عمران آية 71 و 187.

(2) المروية في البحار ج 2 ص 64 ب 13- طبع طهران عام 1376 ه‍، و في الوافي ج 1 ص 47.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 250‌

..........

______________________________
عقوبة من عمل بفتياه، غاية الأمر أنه يعذر إذا أخطأ من دون تقصير في المقدمات، فإذا علم بالخطإ وجب عليه الإعلام دفعا للوزر عن نفسه، و هذا الوجه يختص بالمفتي.

الصورة الثانية: أن يفتي- أو يخبر عن الفتوى- بوجوب أو حرمة المباح خطأ، و الظاهر فيها عدم وجوب الإعلام لعدم الدليل عليه، عدا ما يتوهم من إطلاق أدلة وجوب تبليغ الأحكام، إلا أن الظاهر عدم شموله للمقام.

أما آية النفر فواضح، لعدم صدق الإنذار و التخويف على رفع الحكم الإلزامي، و أما آية الكتمان [1] فربما يقال بعمومها لمطلق الأحكام، إلا أن الظاهر أن المراد حرمة كتمام ما يكون هدى للناس عن الضلالة و الهلكة، كعدم إيمان اليهود بالنبي- صلّى اللّه عليه و آله- لكتمان علمائهم علامات نبوته- صلّى اللّه عليه و آله- بعد ما بينها اللّه تعالى لهم في التوراة، كما هو مورد الآية الشريفة لا مطلق ما أنزل اللّه و إن لم يكن في تركه ضلال و هلكة، كالأحكام غير الإلزامية، و أما الأخبار الدالة على وجوب تبليغ الأحكام فهي أيضا قاصرة عن‌

______________________________
و قد عقد في الوسائل ج 18 ص 9 باب تحت عنوان (باب عدم جواز القضاء و الإفتاء بغير علم بورود الحكم عن المعصومين- عليهم السّلام-).

ذكر فيها جملة من الرّوايات.

(منها) صحيحة أبى عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرّحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه» في الباب المتقدم ح 1، و نحوها غيرها.

و في بعض الروايات «ان كفارة تقليم المحرم أظفاره على من أفتى بجوازه»- الوسائل ج 9 ص 294 باب 13 من كفارات الإحرام، ح 1

[1] و هي قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ البقرة آية 159.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 251‌

..........

______________________________
الدلالة على وجوب تعليم حكم غير إلزامي. و هي عدة روايات.

(منها): رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال قرأت في كتاب علي: ان اللّه تعالى لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل. «1»

(و منها): روايته الأخرى عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه قال قال علي- عليه السّلام-: ان العالم الكاتم علمه يبعث أنتن أهل القيامة ريحا تلعنه كل دابة من دواب الأرض الصغار. «2»

و الظاهر منهما أن وجوب التعليم على العالم يكون طريقيا كوجوب التعلم على الجاهل بلحاظ رعاية المصالح و المفاسد الواقعية، و عدم وقوع الجهال في المعصية، فلا يجب التعليم على العالم إلا فيما يجب فيه التعلم على الجاهل، و من المعلوم انه لا يجب على الجاهل تعلم حكم غير إلزامي، لعدم مفسدة في تركه- كما إذا دار أمر فعل عنده بين الكراهة و الاستحباب و الإباحة- نعم إذا احتمل الوجوب أو لحرمة وجب عليه التعلم دفعا للضرر المحتمل.

و يشهد لما ذكرناه المقابلة بين أخذ العهد على الجهال بطلب العلم، و أخذ العهد على العلماء ببذله في الرواية الأولى، فإن المقابلة بينهما تقتضي أن يكون وجوب بذل العلم في مورد يجب فيه طلبه على الجاهل.

و من هنا جرت سيرة الأصحاب على عدم بيان الفتوى و الأمر بالاحتياط في كثير من الموارد.

______________________________
(1) الوافي ج 1 ص 47.

(2) الوسائل ج 11 ص 510 كتاب الأمر بالمعروف باب 40 ح 2.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 252‌

..........

______________________________
وجوب تبليغ الأحكام حيث إنجر كلامنا إلى وجوب تبليغ الأحكام فلا بأس بتحقيق الحال فيه و بيان موارده.

لما كانت الغاية من تبليغ الأحكام وصولها إلى المكلّفين إتماما للحجة عليهم، لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل، فلا بد و أن يكون الحكم مما يصل إليهم بالتبليغ، إما وجدانا- كما إذا حصل لهم العلم أو الاطمئنان بالواقع من إخبار المخبر- و إما تعبدا كما في إخبار المفتين مقلّديهم عن آرائهم، و كما في إخبار العدول و الثقات الناس بفتاوى مراجعهم في التقليد، فيجب على المراجع تبليغ مقلّديهم بالأحكام الآلهية إذا جهلوا بها أو غفلوا عنها، و لو بوضع رسالة عملية يرجع إليها العوام، و ان لم يسألوه ذلك، لدلالة آية النفر على وجوب الإنذار بعد التفقه في الدين، و هكذا يجب على الناس أن يبلغ بعضهم بعضا فيما إذا كان قول المبلغ حجة عند السامع، لعين الوجه.

بل المستفاد من آية الكتمان حرمة كتمان ما أنزله اللّه فيما إذا كان في معرض الوصول الى العباد، و لو بضميمة إبلاغ الباقين بحيث يكون من الأمور التي يظهر للناس لو لا كتمان العالمين به- كما في كتمان علماء اليهود و النصارى آيات نبوة نبينا- صلّى اللّه عليه و آله- المنزلة في التوراة و الإنجيل، فإن الكتمان هو إخفاء أمر ظاهر في طبعه بحيث لولاه لظهر، ففي مثله يجب التبليغ أيضا و ان لم يكن قول المخبر حجة في حق السامع، إذ لا ملازمة بين حرمة الكتمان و حجية إخبار المخبر في مثل ذلك- مما يمكن فيه ظهور الحق‌

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 253‌

..........

______________________________
بإخبار جماعة يوجب العلم بالواقع- و من هنا أنكرنا دلالة الآية الشريفة على حجية خبر الواحد في بحث الأصول.

و عليه فيجب على كل مسلم أن يبلغ الجاهل بالأحكام الضرورية أو ما هو بمنزلتها مما يظهر فيه الحق للسامع بإخبار جماعة، و لو كان حكما ظاهريا كفتوى مجتهده.

ثم ان المستفاد من إطلاق الآية أنه لا فرق في حرمة الكتمان بين أن يكون الجاهل قاصرا أو مقصرا، فان الجاهل المقصر و ان كان قصد قصّر في تعلمه الحكم و استحق بذلك العقوبة على مخالفة الواقع، إلا أنه مع ذلك يجب على العالم أن يبلغه، لحرمة الكتمان عليه، و ان لم يسأله الجاهل. بل مورد الآية الشريفة كتمان علماء اليهود أمر النبوة مع أن الحجة قد تمت على جهالهم من طريق ظهور آيات نبوته- صلّى اللّه عليه و آله- بين الناس، و لم تكن حاجة الى إظهار علمائهم لنبوته- صلّى اللّه عليه و آله- في إتمام الحجة عليهم، إلا أنه مع ذلك كان الكتمان محرما عليهم.

فظهر مما ذكرنا: أنه لا دليل على وجوب التبليغ فيما إذا لم يكن قول المبلغ حجة في حق الجاهل، و لم يكن الحكم من الأمور الواضحة أو ما بحكمه، فلا يجب على من لم يكن فتواه حجة عند الناس إظهار رأيه فيما بينهم و ان كانت قد تمت عنده الحجة على الواقع، لعدم ترتب الأثر المرغوب على تبليغه هذا.

و لا يقاس المقام بحرمة كتمان الشهادة، و لو مع العلم بعدم ترتب الأثر عليها، للعلم بعدم انضمام الشاهد الثاني إليه، لأن المحرم هناك كتمان الشهادة، فإذا شهد فقد أظهر شهادته، و المحرم في باب الأحكام كتمان ما أنزله اللّه، و هو إخفاء أمر ظاهر في طبعه، و لا ظهور للحكم بفتوى من لم تكن فتواه حجة عند السامع.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 254‌

[ (مسألة 49) إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها]

(مسألة 49) إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له (1) أن يبني على أحد الطرفين [1] بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة. و أنه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته، فلو فعل ذلك و كان ما فعله مطابقا للواقع لا يجب عليه الإعادة.

______________________________
فالمتحصل مما ذكرناه: أنه يعتبر في وجوب التبليغ أحد أمرين إما حجية إخبار المخبر عند السامع، و إما كون الحكم من الأحكام الظاهرة في طبعها سواء أ كان حكما واقعيا أم ظاهريا كفتوى المجتهد.

إذا اتفق في الصلاة مسألة لا يعلم حكمها

(1) إذا كان أحد الطرفين موافقا للاحتياط كما إذا فرضنا أن المأموم بعد أن دخل في الصلاة شك في وجوب القراءة عليه، لعدم سماعه قراءة الإمام مع علمه بأنها لا تضر بالصحة إذا أتى بها بقصد القربة يجب عليه أن يحتاط بناء على ما هو المعروف المدعى عليه الإجماع من حرمة قطع الصلاة اختيارا. و الظاهر أن هذه الصورة خارجة عن مفروض المتن، و أن المفروض فيه هو ما كان كل من الطرفين محتمل البطلان- كما إذا شك في وجوب الإتيان بالسجدة بعد النهوض إلى القيام، لعدم علمه بأنه مجرى قاعدة التجاوز، أو أنه شك في المحل و قبل التجاوز- و في هذه الصورة يتخير بين البناء على أحد الطرفين و السؤال عن حكمه بعد الصلاة، و بين القطع و استينافها من رأس [2]، لأن عمدة الدليل على حرمة القطع هي الإجماع‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قوله «قده»: «على أحد الطرفين» (كما يجوز له قطع الصلاة و استينافها من الأول).

و قد تقدم بعض الكلام في ذيل (مسألة 28).

[2] كما جاء في تعليقته دام ظله- كما تقدم-

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 255‌

[ (مسألة 50) يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط في أعماله]

(مسألة 50) يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط (1) في أعماله. [1]

______________________________
- لو تم- و القدر المتيقن منه هو صورة ما إذا تمكن من إتمام الصلاة صحيحة.

ثم إن الوظيفة بحكم العقل- بعد البناء على أحد الطرفين- هي عدم الاكتفاء بما بني عليه، لعدم حصول اليقين معه بالبراءة، فلا بد و أن يسأل عن حكم المسألة، فإن ظهر الخطأ يعيد الصلاة على الوجه الصحيح. فما ذكره المصنف (قده) من أنه يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل.

إنّما هو بلحاظ الوظيفة العقلية لا بلحاظ دخل ذلك في صحة الصلاة- كما هو ظاهر- إذ العبرة في الصحة بمطابقة العمل للواقع أو لفتوى من يجوز تقليده- أي بمطابقة المأتي للمأمور به الواقعي أو الظاهري.

وجوب الاحتياط في زمان الفحص

(1) هذه المسألة من فروع المسألة الأولى، و هي وجوب أحد الأمور الثلاثة من الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط، لأنه بعد تنجز الأحكام بالعلم الإجمالي بوجود أحكام إلزامية في الشريعة المقدّسة يستقل العقل بلزوم امتثالها دفعا للضرر المحتمل، ففي زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم يجب الاحتياط.

لكن دائرة الاحتياط في زمن الفحص أضيق من دائرته في غير مورد الفحص- كما في الاحتياط المقابل للاجتهاد و التقليد- إذ المعتبر في الأول الاحتياط بالعمل بأحوط الأقوال ممن يجوز تقليده، بل لو علم بأعلمية أحد الشخصين أو الأشخاص، جاز العمل بأحوط أقوالهم، لعدم خروج وظيفته عن تقليد أحد هؤلاء. و المعتبر في الثاني الاحتياط التام و إحراز الخروج عن عهدة الحكم‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «أن يحتاط في أعماله» (و يكفى فيه أن يأخذ بأحوط الأقوال في الأطراف المحتملة إذا علم بوجود من يجوز تقليده فيها).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 256‌

[ (مسألة 51) المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القصر]

(مسألة 51) المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القصر ينعزل (1) بموت المجتهد.

______________________________
الواقعي بأن يختار أحوط وجه في المسألة، فالاحتياط في المقام ليس كما توهمه عبارة الماتن (قده). [1]

انعزال المأذونين و الوكلاء بموت الفقيه

(1) أما في المأذون فظاهر، لارتفاع الإذن بالموت. و الإذن في التصرف المستمر إلى ما بعد موت المجتهد و إن كان أمرا معقولا في نفسه، إلا أنه لا دليل على ثبوت الولاية له بهذا المقدار، بل المدار في نفوذ إذنه نفوذ تصرفه المحدود بحياته.

و أما في الوكيل ففي الجواهر «2» في كتاب الوكالة: ان العمدة في بطلان وكالته بالموت الإجماع، بل ادعى ثبوته على بطلانها بالجنون و الإغماء و قال: «لا فرق عندنا بين طول زمان الإغماء و قصره و بين إطباق الجنون و أدواره و لا بين علم الوكيل بعروض المبطل و عدمه» و ظاهره دعوى الإجماع على ذلك كله.

أقول: أما في صورة الموت و الجنون الإطباقي فلا حاجة إلى التمسك بالإجماع، كي يناقش في ثبوته، و ذلك من جهة أن وجود الوكيل وجود تنزيلي للموكل، و يكون تصرفاته في المال ببيع و إجارة و نحو ذلك منسوبا إلى موكله، و من هنا يكون هو المخاطب بالوفاء بالعقد، و من المعلوم سقوطه عن أهلية التصرف بالموت أو الجنون، فلا معنى للاستنابة عنه بعد ذلك.

و أما الجنون الأدواري فيخرج عن القابلية حالة جنونه أيضا، و لذا‌

______________________________
[1] بل لا بد و أن يقيد بأحوط الأقوال كما جاء في تعليقته (دام ظله).

______________________________
(2) ج 27 ص 362 س 20- 21.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 257‌

بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متوليا للوقف، أو قيما على القصر، فإنه لا تبطل [1] (1) توليته و قيمومته على الأظهر.

______________________________
يحتاج إلى الولي في تلك الحالة، فتبطل الوكالة بذلك، و عودها بعود الإفاقة لا دليل عليه.

إغماء الفقيه و حكم وكلائه و أما الإغماء فيشكل الحكم ببطلان الوكالة به، فإنه كالنوم و الغفلة لا يوجب خروج المغمى عليه عن أهلية التصرف عرفا، و مع الشك فمقتضى الاستصحاب بقائها- على المعروف من جريانه في الشبهات الحكمية- إلا أنه لا حاجة إليه بعد إطلاق أدلة الوكالة، فإنه لم يثبت إجماع تعبدي على البطلان.

حكم المتولي و القيم بموت الفقيه

(1) و يمكن توجيه ما في المتن بان الولاية- بما أنها سلطنة مفوضة- تكون قابلة للبقاء باستعداد ذاتها ما لم يرفعها رافع، كعزل المجتهد للولي، و أما موته فلا يكون رافعا، و لا أقل من الشك فيستصحب.

و هذا بخلاف الوكالة، فإنها الاستنابة في التصرف بحيث يكون فعل الوكيل فعلا للموكل تنزيلا، فتدور مدار قابلية الموكل للتصرف وجودا و عدما، و الموت يسقطه عن أهلية التصرف- كما ذكرنا آنفا- فيكون الموت مبطلا للوكالة دون الولاية، و بهذا يفرق بينهما. و من هنا لا يتمكن الوكيل من أن يتصرف بما زاد على مقدار الوكالة بخلاف الولي، فإن تصرفه يكون منوطا‌

______________________________
[1] جاء في تعلقته «دام ظله» على قول المصنّف «قده» «فإنه لا تبطل» (فيه إشكال و الاحتياط لا يترك).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 258‌

..........

______________________________
بالغبطة و المصلحة في نظره.

و قد استوجه في الجواهر «1» في كتاب القضاء: التفصيل بين أن يكون النصب عن نفس المجتهد فتبطل بموته، أو يكون عن الامام- عليه السّلام- فلا تبطل، و ان مات الجاعل، و عليه فيصح ما في المتن في الثاني دون الأول.

بل قيل في توجيه بقاء الولاية بعد موت المجتهد: ان المرتكز في أذهان المتشرعة- و يستفاد من النصوص- أن منصب القضاء منصب نيابي فجميع الوظائف التي يؤديها القاضي من فصل الخصومة، و نصب قيم و نحو ذلك يؤديه نيابة عن الإمام، فمنصوبه منصوب الإمام، و لا يقصد به كونه نائبا عن الإمام أو عن المجتهد، و لازم ذلك البناء على عدم البطلان بالموت.

ولاية الفقيه على نصب القيم أقول: ينبغي التكلّم في مقامين و لو على وجه الإجمال توضيحا للحال الأول: في ثبوت ولاية الفقيه على النصب، و الثاني: في بطلان ولاية المنصوب بموت المجتهد.

حدود ولاية الفقيه أما المقام الأول: فلا إشكال فيه من جهة ثبوت الولاية للفقيه في الجملة إجماعا و نصا، و القدر المتيقن منهما ولايته على القضاء.

و أما إثبات سائر الولايات له كولاية الحكم في غير مورد التخاصم- كما في الهلال- و الولاية على القصّر، و الأوقاف، و على نصب القيم و المتولي‌

______________________________
(1) ج 40 ص 50- 51.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 259‌

..........

______________________________
بعنوان ولاية الحاكم ففي غاية الصعوبة و الإشكال [1] و إن ذهب إليه بعضهم.

______________________________
[1] لأن عمدة ما يستدل به لإثبات ولايته مطلقا عدة روايات لا تخلو عن المناقشة سندا أو دلالة.

(منها)- و هي عمدتها- ما في التوقيع الشريف «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا.».

و هي ضعيفة سندا بإسحاق بن يعقوب صاحب التوقيع، فإنه لم يوثق في كتب الرجال، و لم يذكر بجلالة و مدح سوى هذا التوقيع المشتمل على دعائه- عليه السّلام- المنتهى سنده اليه، و ضعيفة دلالة من وجوه: (أحدها) احتمال أن يكون اللام في الحوادث للعهد عن الحوادث التي وقعت في السؤال، و ليست عبارة السؤال بأيدينا، فلعلّها مختصة ببعض الحوادث المعينة.

(ثانيها): انه لو سلم كونه للجنس كان الظاهر من الأمر بالرجوع الى رواة الحديث في الواقعة هو الرجوع إليهم في معرفة حكم الحادثة لا إرجاع نفس الحادثة إليهم، كما يؤيده التعبير برواة الحديث و قوله- عليه السّلام- بعد ذلك فإنّهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه، فان معنى الحجة ما يحتج به و هو المناسب للرأي و الرواية، و أما تصرف المجتهد في مال فلا معنى لأن يقال انه حجة بل هو صحيح نافذ، فيختص بما اشتبه حكمه كما في الشبهات الحكمية أو موضوعه كما في موارد التنازع.

(الثالث): انه لو سلم شمولها لإرجاع نفس الحادثة كان القدر المتيقن تصدى الفقيه لأمرها مباشرة أو استنابة، و أما نصب القيم على أمرها فلا دليل عليه، فلو أرجعنا إليه أمر مال اليتيم أو الغائب- مثلا- كان له المباشرة في الحفظ أو البيع أو غيرهما أو توكيل الغير فيه. و أما جعل الولاية لغيره مستقلا فيحتاج إلى دليل مفقود.

(و منها) قوله- عليه السّلام-: «مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه و الأمناء على حلاله و حرامه.».

و هي مروية في تحف العقول مرسلا عن الحسين سيد الشهداء عليه الصلاة و السلام و يروى عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- فهي ضعيفة بالإرسال، على أنها قاصرة عن الدلالة على المطلوب، لأن الظاهر منها ان المراد من العلماء هم الأئمّة الأطهار- عليه السّلام- كما يشهد بذلك شواهد كثيرة في نفس الرواية لا تخفى على من لا حظها على طولها. و من تلك الشواهد التعبير بالماء باللّه، دون العلماء بأحكام اللّه، فإن الأول يناسب الأئمّة

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 260‌

..........

______________________________
ولاية الحسبة نعم يثبت له بعضها- كالولاية على الصغير و الوقف إذا لم يكن لهما ولي خاص- من باب ولاية الحسبة [1] و القدر المتيقن منها على خلاف الأصل هو الفقيه الجامع للشرائط مع التمكن من الوصول إليه و الاستيذان منه، و مع عدمه فهي لعدول المؤمنين، و لا بد فيها من مراعاة ما يطلب وجوده شرعا، كحفظ مال اليتيم من التلف و تحصيل الوقف و صرفه في مصالح المسلمين و الموقوف عليهم، و نحو ذلك.

و أما نصب المتولي و القيم فلا لحصول الحسبة بالمباشرة و التوكيل، و لا وجه لتفويض الأمر إلى الغير بغير دليل.

______________________________
الأطهار- عليهم السّلام- فإنّهم أعرف الخلق باللّه. و معرفة غيرهم في جنب معرفتهم بمنزلة العدم، فصح تخصيص المعرفة باللّه بهم- عليهم السّلام.

و هذا مضافا إلى إمكان الخدشة في دلالتها من وجوه أخر أعرضنا عنها خف إطالة الكلام، كما لم نطل بذكر روايات أخر هي أضعف دلالة من هذه فلا حظ.

(منها) ما روى عن النبي- صلّى اللّه عليه و آله- من أن «الفقهاء أمناء الرسل».

- المستدرك ج 3 باب 11 من أبواب صفات القاضي ج 5.

(و منها) قوله- صلّى اللّه عليه و آله- «اللّهم ارحم خلفائي ثلاثا، قيل يا رسول اللّه: و من خلفائك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي و سنتي».

- الوسائل ج 18 ص 100 في الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 7.

و قد تعرّض (دام ظله) للبحث حول الروايات في بحث المكاسب لا حظ مصباح الفقاهة ج 1.

[1] و هي بمعنى القربة و المقصود منها التقرب الى اللّه تعالى و موردها كل معروف علم إرادة وجوده في الخارج شرعا من غير موجد معين.

و الأولى عدم التعبير عنها بالولاية، لأنها عبارة عن جواز التصرف أو وجوبه تكليفا، لا المنصب الولائى وضعا، إذ لا دليل عليها لفظيا كي يؤخذ بإطلاقه، فلا بد و أن تحدد بموارد الضرورة و ما علم من الشرع ضرورة وجوده، و لم يكن له ولى خاص و هذا هو الحسبة.

و لها موردان (الأول) ما يكون الأصل الجاري فيه المنع، و هذا كما في التصرف في الأموال و الأنفس و الأعراض، إذ الأصل فيها حرمة التصرف في أموال الآخرين إلا بإذنهم، كما أن الأصل عدم

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 261‌

..........

______________________________
و أحسن ما يستدل به لثبوت سائر الولايات للفقيه. دعوى الملازمة بين ثبوت ولاية القضاء له [1] و ثبوت سائر الولايات.

(بيان الملازمة) هو أنه لما كان من شؤون قضاة العامة ثبوت جميع الولايات لهم و لو بزعمهم الفاسد حتى ولاية النصب، كما يشهد بذلك خبر ابن بزيع [2] فإنه يدل على أن نصب القيم على مال اليتيم كان شغلا‌

______________________________
نفوذ بيع مال الغير، كبيع مال القصّر و الغيّب، و هكذا الأصل عدم نفوذ تزويج الصغير أو الصغيرة، و أمثال ذلك من الموارد التي يكون الأصل فيها إما الحرمة تكليفا، أو عدم نفوذ عقد أو إيقاع وضعا.

فلا بد فيها من الاقتصار على القدر المتيقن من التصرف و المتصرف، و المتيقن من الأول هو التصرف الضروري، و من الثاني الفقيه الجامع للشرائط، دون سائر الناس و مع عدمه فالعادل من المؤمنين. و من جملة موارده التصرف في مجهول المالك أو ما بحكمه كسهم الإمام الغائب (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) فإنه مالك لا يمكن الوصول إليه، و لا يمكن حفظ ماله، و إيصاله إليه إذا حضر، لمعرضيّته للتلف في طول مدّة الغيبة فيعلم بجواز صرفه فيما نحرز رضاه (عليه السّلام) كالصرف في خدمة الدين، فيجوز التصرف فيه على خلاف أصالة الحرمة في التصرف في مال الغير، و القدر المتيقن هو مباشرة الفقيه أو المأذون من قبله أو وكيله.

(المورد الثاني) ما يكون الأصل فيه الجواز، كالصلاة على ميّت لاولى له، إذ ليست الصلاة عليه ممنوعة شرعا، بل تجب على كل مكلّف كفاية، و لا دليل على اشتراطها بإذن الفقيه. كما يشترط في وليه الخاص، و مع الشك تجري البراءة عن اشتراط إذن الفقيه.

[1] إذ لا إشكال في ثبوت ولاية القضاء للفقيه بنصب من الأئمّة- عليهم السّلام- كما دلت على ذلك الروايات.

(منها) مقبولة عمر بن حنظلة- كما تقدّم- لما فيها من قوله- عليه السّلام- «فانى قد جعلته حاكما.».

(و منها) صحيحة أبى خديجة، فإن فيها «فإني قد جعلته عليكم قاضيا».

[2] رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: مات رجل من أصحابنا و لم يوص، فرفع أمره الى قاضي الكوفة، فصير عبد الحميد القيم بماله، و كان الرجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن، إذ لم يكن الميت صير اليه وصيته، و كان قيامه فيها بأمر القاضي، لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر- عليه السّلام- و قلت له: يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصى الى أحد و يخلف

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 262‌

..........

______________________________
للقاضي- فلا بد و أن يكون القاضي المنصوب من قبل الامام- عليه السّلام- في مقابل قضاتهم واجدا لجميع شؤون القضاوة التي منها ولاية النصب قضاء للمقابلة بين قاضي الإمام- عليه السّلام- و قضاة الجور، فان الغرض من نصب الفقيه قاضيا للشيعة هو رفع احتياجهم عن قضاة العامة و لا يحصل ذلك إلا بثبوت جميع ما لهم من شؤون القضاء و التصدي للأمور العامة لقاضي الإمام- عليه السّلام- أيضا، و إلا فلا وجه لنهي الشيعة عن الرجوع إلى قضاتهم مع مسيس الحاجة إليه في أمورهم، إذ إعطاء مجرد ولاية الحكم للفقيه لا يكفي في رفع الحاجة عنهم.

و الجواب: أن المستفاد من الروايات هو أن المقابلة بين قاضي الإمام- عليه السّلام- و قضاة العامة إنّما هي في جهة القضاء و الحكومة فقط، دون غيرها من المناصب، كما يظهر ذلك من مراجعة المقبولة و روايتي أبي خديجة «1». و المقابلة بين أمرين إنّما تقتضي المساواة بينهما فيما كانت فيه المقابلة لا مطلقا، و هي في المقام جهة القضاء دون غيرها و لا أقل من الشك و هو كاف في المقصود.

و بعبارة واضحة: ليس سائر المناصب داخلة في مفهوم القضاء أو من لوازمها العقلية أو العادية، و إنها هي بجعل مستقل نحتاج في ثبوتها إلى دليل مفقود بالنسبة إلى الفقيه، و هي كانت ثابتة لقضاة العامة بجعل مستقل من خلفائهم، و قضية المقابلة قاصرة عن إثباتها للفقيه، كما ذكرنا.

و أما قضية رفع الحاجة عنهم في سائر الجهات غير القضاء، كنصب‌

______________________________
جواري فيقيم القاضي رجلا منا ليبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك؟ قال: إذا كان القيم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس (الوسائل كتاب التجارة ب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه ح 2).

______________________________
(1) راجع ص 233 و 235.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 263‌

..........

______________________________
القيم على اليتيم فيكفي فيها جواز تصدي الحاكم بنفسه أو تصدى غيره بإذنه لما كان منها حسبة، و هي تختلف باختلاف الموارد كما لا يخفى، و ليس منها نصب القيم و المتولي كما ذكرنا لحصول الحسبة بالمباشرة أو التسبيب.

فالمتحصل مما ذكرناه: انه ليس للفقيه الولاية على النصب لا من قبل نفسه و لا من قبل الإمام- عليه السّلام- فلا تصل النوبة إلى التفصيل المذكور في الجواهر. «1»

بطلان التولية و القيمومة بموت الفقيه و أما المقاني الثاني: و هو في بطلان ولاية المنصوب و قيمومته بموت المجتهد فهو مترتب على تسليم ولايته على النصب. و معه كان الأوفق بالقواعد انعزال المنصوب بموته، لأن القدر المتيقن- على خلاف الأصل- ثبوت ولايته على النصب الى زمان حياته، لا حياة المنصوب. و ليس في البين إطلاق يمكن التمسك به لإثبات بقاء ولاية المنصوب الى ما بعد موت المجتهد، إذ عمدة الدليل على ولايته- على ما عرفت- هي قضية المقابلة بين قاضي الإمام- عليه السّلام- و قاضي الجور، لو تمت في نفسها، فلا بد من ملاحظة سيرتهم في ذلك، و لم يعلم أنها كان على بقاء المنصوبين من قبل القضاة حتى بعد خروج القضاة عن الأهلية بموت، أو جنون، أو انعزال عن المنصب. بل لو ثبت ذلك فلا يمكن الالتزام به في قاضي الإمام- عليه السّلام- لعدم ثبوت المقابلة من هذه الجهة لو سلمنا المقابلة من جهة أصل الولاية على النصب.

و مع الشك لا مجال للاستصحاب، لأنه من الاستصحاب في الشبهة الحكمية.

مضافا الى احتمال عدم بقاء الموضوع لاحتمال أن ولاية المنصوب من شؤون ولاية من نصبه، فإذا زالت الولاية عن الناصب بموت و نحوه تزول عن‌

______________________________
(1) ج 40 ص 50- 51.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 264‌

[ (مسألة 52) إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلد الحي في هذه المسألة]

(مسألة 52) إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد (1).

______________________________
المنصوب أيضا.

نعم: إذا ثبت ان ولاية المنصوب ولاية من قبل الإمام- عليه السّلام- و الفقيه في نصبه القيم و المتولي واسطة في الجعل، كما هو الحال في الوكيل من قبل الفقيه، فولاية القيم و المتولي من شؤون ولاية الإمام- عليه السّلام- دون ولاية الفقيه- كانت الولاية ثابتة بعد موت الفقيه أيضا، لكن دون إثبات هذا خرط القتاد.

فظهر مما ذكرناه: فساد ما قيل من عدم انعزالهما بالموت، أما أولا فبعدم ثبوت ولاية النصب للفقيه. و أما ثانيا فبعدم ثبوت الولاية له إلا على النصب في حياته دون حياة المنصوب. [1]

البقاء على تقليد الميت بلا رجوع إلى الحي

(1) أي لا يجوز له الاجتزاء بالأعمال الماضية عقلا ما لم ينكشف صحتها بالرجوع إلى الحي في مسألة البقاء، للشك في حجية فتوى الميت، فالاستناد إليها في حكم العدم، فلو رجع إلى الحي و أفتاه بالجواز حكم بصحتها، لحجية فتوى الميت بفتوى الحي بالجواز، و المفروض أن إعماله كانت على طبق فتوى الميت.

______________________________
[1] و من هنا استشكل (دام ظله) في التعليقة في بقاء التولية و القيمومة بعد موت الفقيه.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 265‌

[ (مسألة 53) إذا قلد من يكتفي بالمرة- مثلا- في التسبيحات الأربع، و اكتفى بها]

(مسألة 53) إذا قلد من يكتفي بالمرة- مثلا- في التسبيحات الأربع، و اكتفى بها، أو قلّد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة ثم مات ذلك المجتهد، فقلّد من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه [1] (1) إعادة الأعمال السابقة.

______________________________
حكم الأعمال السابقة عند تبدل التقليد

(1) لا يخفى: ان مقتضى القاعدة الأولية في الأوامر الظاهرية عدم الإجزاء عند كشف الخلاف- بناء على ما هو الصحيح من الطريقية في باب الأمارات- كما حقق في الأصول. و عليه فيشكل الحكم بصحة الأعمال السابقة العبادات و غيرها إذا كانت فتوى الحي مخالفة للميت. و الاستدلال على الإجزاء في المقام بالإجماع أو السيرة أو نفي الحرج غير تام، لعدم ثبوت إجماع تعبدي و سيرة المتشرعة- لو تمت- لا يعتمد عليها، لاستنادها في أمثال عصرنا الى فتوى المجتهدين، و ليست مما يحرز اتصالها بزمان المعصومين- عليهم السّلام-، و دليل نفي الحرج إنما يرفع الحرج الشخصي، فلا يدل على نفي الوجوب عن جميع المكلّفين.

و ربما يستدل في المقام بوجهين آخرين. أحدهما: استصحاب الحجية‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنّف «قده»: «لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة» (الضابط في هذا المقام: أن العمل الواقع على طبق فتوى المجتهد الأول إما أن يكون النقص فيه نقصا لا يضر مع السهو أو الجهل بصحته، و إما أن يكون نقصا يضر بصحته مطلقا ففي الأول لا تجب الإعادة و أما الثاني ففيه تفصيل، فإذا قلّد من يقول بعدم وجوب السورة في الصلاة ثمّ قلّد من يقول بوجوبها فيها لم تجب عليه إعادة الصلاة التي صلاها بغير سورة في الوقت فضلا عن خارجه، و أما في الثاني- كالطهور- فان كان الاجتهاد الثاني من باب الأخذ بالمتيقن و قاعدة الاحتياط وجبت الإعادة في الوقت لا في خارجه، و إن كان من جهة التمسك بالدليل فالظاهر وجوب الإعادة مطلقا).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 266‌

..........

______________________________
لفتوى الميت بالإضافة إلى الوقائع السابقة بعد قصور الدليل عن إثبات الحجية لفتوى الحي بالإضافة إليها، لأنه إما الإجماع، و القدر المتيقن منه هو الوقائع اللّاحقة. و إما أصالة التعيين في الحجية، و هي محكومة باستصحاب حجية فتوى المجتهد الأول بالنسبة إلى الوقائع السابقة. لأنها أصل عقلي لا يجري مع جريان أصل شرعي.

و فيه: أن استصحاب الحجية لفتوى الميت، أو استصحاب الأحكام الظاهريّة الثابتة بفتواه غير صحيح، و قد أوضحنا الكلام فيه في ذيل مسألة البقاء على تقليد الميت فراجع «1» و من ذلك يظهر الحال فيما إذا عدل من الحي إلى الحي لفقد المعدول عنه بعض الشروط.

الوجه الثاني: ما ذكره بعض مشايخنا المحققين (قده) من أن حال الفتويين المتعارضتين كحال الخبرين المتعادلين اللذين أخذ المجتهد بأحدهما تارة و بالآخر أخرى في أنه لا موجب لتوهم نقض الآثار السابقة عند الأخذ بالثاني. و قد تقدم بيانه مع جوابه في ذيل المسألة السادسة عشر فراجع «2» ما ذكرناه هناك.

و الصحيح في المقام أن يقال: إنه بعد الرجوع الى الحي و العلم بمخالفة فتواه لفتوى الميت- كما هو المفروض- تسقط فتوى الميت عن الحجية بالمعارضة. فليس للمكلّف حجة على الاجتزاء بالأعمال السابقة من حيث آثارها اللّاحقة من الإعادة و القضاء- بقاء- فلا بد في معرفة حكمها من هذه الجهة من الرجوع إلى الحي، إما لكونه أعلم، أو لكون فتواه موافقا للاحتياط إذا كان مساويا مع الميت في الفضيلة.

و (الضابط) في وظيفة المجتهد المرجوع إليه في هذا المقام: هو ما حرر‌

______________________________
(1) راجع ص 55- 61.

(2) راجع ص 131- 132.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 267‌

..........

______________________________
في الحاشية على المتن، نذكره مع بيان الوجه فيه.

و هو «ان العمل الواقع على طبق فتوى المجتهد الأول إما أن يكون النقص فيه نقصا لا يضر مع السهو أو الجهل بصحته» كما في غير الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد، و هي الوقت و القبلة و الطهور و الركوع و السجود، و غير ما ورد النص فيه بوجوب الإعادة، كما إذا كبر جالسا و كانت وظيفته التكبير قائما، أو بالعكس.

«و إما أن يكون نقصا يضر بصحته مطلقا، ففي الأول لا تجب الإعادة» لشمول حديث لا تعاد للساهي و الجاهل كما ذكرناه فيما سبق «1» فإذا قلد من يقول بعدم وجوب السورة في الصلاة ثمّ قلد من يقول بوجوبها فيها لم تجب إعادة الصلاة التي صلّاها بغير سورة في الوقت فضلا عن خارجه» لشمول الحديث المزبور لمثله فان السورة و نحوها داخلة في المستثنى منه في الحديث.

«و في الثاني كالظهور ان كان الاجتهاد الثاني من باب الأخذ بالمتيقن و قاعدة الاحتياط» كما إذا استند الثاني في فتواه بوجوب التعدد في ضربات التيمم الى الاحتياط لعدم تمامية الدليل اللفظي عنده على أحد الطرفين «وجبت الإعادة في الوقت» لقاعدة الاشتغال «لا في خارجه» لأصالة البراءة عن وجوب القضاء لأنه بأمر جديد، و استصحاب عدم الإتيان لا يثبت موضوع القضاء «و ان كان من جهة التمسك بالدليل» كما إذا استند إلى رواية معتبرة في اعتبار التعدد في التيمم «فالظاهر وجوب الإعادة مطلقا» و لو في خارج الوقت، لكشف بطلان الصلوات الماضية بالدليل. و معه لا مجال لأصالة البراءة عن وجوب القضاء.

و ما ذكرناه يجري في العدول عن الحي إلى الحي. إما لتجدد أعلمية‌

______________________________
(1) ص 225- 226. و أوضحنا الكلام في ذلك في التعليقة.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 268‌

و كذا لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة، ثم مات، و قلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء [1] (1) على الصحة.

نعم: فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني.

و أما إذا قلد من يقول بطهارة شي‌ء كالغسالة، ثم مات، و قلد من يقول بنجاستها فالصلوات و الأعمال السابقة محكومة بالصحة، و إن كانت مع استعمال ذلك الشي‌ء. و أما نفس ذلك الشي‌ء إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، و كذا في الحليّة و الحرمة، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد- مثلا- فذبح حيوانا كذلك، فمات المجتهد، و قلد من يقول بحرمته، فان باعه أو أكله حكم بصحة البيع و إباحة الأكل، و أما إذا كان الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه و لا أكله، و هكذا.

______________________________
الثاني، أو لفقد الشرط في الأول، و في تبدل رأي المجتهد بالإضافة إلى أعمال نفسه و أعماله مقلديه، لسقوط الفتوى الأولى عن الحجية بقاء في جميع ذلك.

(1) لم يتضح وجه التفصيل المذكور في المتن بين العقود و الإيقاعات، و بين غيرها من موارد الأحكام الوضعية- كالطهارة و النجاسة- بالحكم بالصحة في الأول حتى مع بقاء الموضوع الى زمان تقليد المجتهد الثاني، كما لو عقد على امرأة بالفارسية و بقيت الزوجة إلى ان قلد من يقول باعتبار العربية في العقد، فان مقتضى كلامه (قده) ترتيب آثار الصحة بقاء و عدم لزوم تجديد العقد، و بالتفصيل في بقية الأحكام الوضعية، بين بقاء الموضوع و عدمه، كما في مثال الغسالة و اللّحم، فإنه حكم بترتيب آثار النجاسة‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنّف «قده»: «يجوز له البناء» (إذا كان العقد أو الإيقاع السابق مما يترتب عليه الأثر فعلا فالظاهر عدم جواز البناء على صحته في مفروض المسألة، و كذا الحال في بقيّة موارد الأحكام الوضعيّة من الطهارة و الملكية و نحوهما).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 269‌

[ (مسألة 54) الوكيل في عمل عن الغير كاجراء عقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل]

(مسألة 54) الوكيل في عمل عن الغير كاجراء عقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل (1) لا تقليد نفسه، و كذلك الوصي في مثل ما لو كان وصيا في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون وفق فتوى مجتهد الميت.

______________________________
و الحرمة بقاء في صورة بقاء الموضوع.

فإنه يشكل التفصيل المزبور بأنه لو كانت العبرة في ترتيب آثار الصحة بقاء بوقوع العمل على طبق فتوى المجتهد الأول، فلا وجه للفرق بينهما لأنه كما أوقع العقد الفارسي في ذاك الزمان على طبق فتوى مقلده، كذلك الذبح بغير الحديد و الغسل بالماء، فلا بد من الحكم بطهارة الغسالة الباقية، و اللحم الباقي، و إن كانت العبرة فيه عدم الابتلاء بالموضوع الى زمان المجتهد الثاني فلا بد من الحكم بتجديد العقد على الزوجة الباقية.

و كيف كان: فالصحيح هو ما ذكرناه من عدم الإجزاء في جميع موارد الأحكام الظاهرية العبادات و غيرها، فإذا كان العقد أو الإيقاع أو غيرهما مما هو سبب لحكم وضعي أو تكليفي مخالفا لفتوى المجتهد الثاني، و كان مما يترتب عليه أثر فعلا، فلا بد من ترتيب تلك الآثار.

الوكيل في عمل عن الغير

(1) لأن الوكالة هي الاستنابة في التصرف، فهي تسبيب للعمل على يد الوكيل.

و من هنا يصح إسناد العقود أو الإيقاعات التي يوقعها الوكيل الى الموكل و يكون هو المخاطب بالوفاء بها، لأن عمل الوكيل عمل للموكل، فلا محالة تنصرف الوكالة الى ما يراه الموكل صحيحا لعدم ترتب أثر على غيره عند الموكل سواء في ذلك المعاملات و العبادات.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 270‌

..........

______________________________
و بعبارة أخرى: الغرض من توكيل الغير في عمل هو ترتيب الأثر على فعله عند الموكل، و الاكتفاء بعمله عن المباشرة، فإن الشخص لا يوكل غيره في إعطاء الخمس أو الزكاة أو الإتيان بعبادة- مثلا- إلا لغرض إفراغ ذمته عن التكليف، كما أنه لا يوكل غيره في عقد أو إيقاع إلا لغرض ترتيب الأثر على عقده و إيقاعه، و هذه قرينة عرفية عامة على تخصيص مورد الوكالة بما يراه الموكل صحيحا. و مفرّغا لذمته اجتهادا أو تقليدا. و معها لا مجال لتوهم التمسك بمقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق. بل نحتاج فيه الى قرينة خاصة تدل على كون الغرض أعم، كما إذا و كلّه فيما يراه الوكيل صحيحا و مبرء للذمة.

فالمتحصل: انه لا بد للوكيل من مراعاة نظر موكله من حيث الصحة و البطلان.

و مما ذكرناه يعلم الحال في الوصية، لأنها الاستنابة في التصرف بعد الموت، فلا بد و أن يستأجر الوصي- للنيابة عن الميت في الصلاة أو غيرها من العبادات كالصوم و الحج- من يأتي بالعمل على طبق فتوى مجتهد الميت لا مجتهد نفسه و لا مجتهد الأجير، و ذلك من جهة انصراف الوصية عرفا الى ما يراه الموصى مفرّغا لذمته كالوكالة.

نعم: يعتبر أن تكون العبادة مما يحتمل صحتها عند الأجير، كي يتمشى منه قصد القربة و لو رجاء، فإذا حصل له القطع ببطلانها فلا تصح الإجارة، لعدم القدرة على التسليم حينئذ.

و أما القاضي عن الميت بالولاية فيجوز له الاكتفاء بما يراه صحيحا اجتهادا أو تقليدا و لو كان مخالفا لنظر الميت أو نظر مجتهده، لأن الواجب على الولي إبراء ذمة الميت، و الطريق إليها اجتهاده أو تقليده.

و منه يعلم الحال في الأجير من قبله، فإنه لا بد و أن يراعى نظر الولي دون الميت، لانصراف الإجارة بما يراه الولي مبرء.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 271‌

[ (مسألة 55) إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا]

(مسألة 55) إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة المعاطاة- مثلا- أو العقد بالفارسي، و المشتري مقلدا لمن يقول بالبطلان لا يصح البيع بالنسبة إلى البائع [1] (1) أيضا، لأنه متقوم بطرفين، فاللازم أن يكون صحيحا من الطرفين، و كذا في كل عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، و مذهب الآخر صحته.

______________________________
فظهر انه لا بد من الفرق بين أجير الوصي و أجير الولي. فإن الأول يراعي نظر الميت و الثاني يراعي نظر الولي. و أما المتبرع عن الميت فيجوز له العمل بما يراه مبرء لذمة الميت.

اختلاف المتعاقدين تقليدا أو اجتهادا

(1) ربما يوجه صحة العقد من الطرفين في مفروض المتن بما يقابل الوجه المذكور من أن العقد أمر متقوم بطرفين، و لا يتحقق مفهومه إلا بين الاثنين، فإذا صح من طرف صح من الطرف الآخر أيضا، إذ لا يمكن وقوعه صحيحة من أحد الجانبين دون الآخر.

و الصحيح عدم صحة الوجهين معا، و أنه لا بد من الحكم بالصحة من جانب و الفساد من الجانب الآخر، لأن تقوم العقد بطرفين إنّما يقتضي التلازم في الصحة أو البطلان من المتعاقدين بحسب الحكم الواقعي و نفس الأمر بحيث لا يمكن انتقال المبيع إلى المشتري واقعا، و عدم انتقال الثمن إلى البائع. و أما بلحاظ الحكم الظاهري فلا مانع من التفكيك، فكل من الطرفين يعمل بوظيفته، فالبائع في مفروض المتن يجوز له التصرف في الثمن، لأنه يراه ملكا له، كما أنه يرى المبيع خارجا عن ملكه، فلا يجوز له التصرف‌

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنّف «قده»: «بالنسبة إلى البائع» (بل يصح بالنسبة إليه، و تقوم البيع بالطرفين إنّما هو بالإضافة إلى الحكم الواقعي دون الظاهري).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 272‌

[ (مسألة 56) في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعى]

(مسألة 56) في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعى، إلا إذا كان مختار المدعى عليه أعلم. بل مع وجود الأعلم و إمكان الترافع إليه الأحوط الرجوع إليه (1) مطلقا. [1]

______________________________
فيه. و أما المشتري فلا بد و أن يمتنع من التصرف في المثمن لأنه بنظره يكون باقيا على ملك البائع و يجوز له التصرف في الثمن و التفكيك في الأحكام الظاهريّة غير عزيز فإن الغسالة- مثلا- يحكم بنجاستها عند بعض و يحكم بطهارتها عند آخرين مع أن الحكم الواقعي ليس إلا أحدهما، و هكذا.

اختيار تعيين الحاكم في المرافعات

(1) ينبغي التكلم في جهات ثلاث (الأولى): في اشتراط الأعلمية في القاضي، (الثانية): في تعيين من بيده اختيار القاضي، (الثالثة): في أنه على تقدير كون الاختيار للمدعي فهل له ذلك مطلقا أو فيما إذا لم يكن مختار المدعى عليه أعلم؟

هل يشترط الأعلمية في القاضي أما الجهة الأولى: ففيها قولان نسب القول بالاشتراط إلى الأشهر، و قواه المصنف (قده) في كتاب القضاء فيما إذا كان منشأ الاختلاف هو الاختلاف في الفتوى. بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه و ان ناقش فيه في الجواهر، و نسب القول بعدمه إلى الأشهر.

و كيف كان فالكلام تارة يقع في الشبهة الموضوعية، و أخرى في الشبهة الحكمية.

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنّف «قده» «الأحوط الرجوع إليه مطلقا» (إذ لم يكن منشأ النزاع هو الاختلاف في الفتوى فلا بأس بترك الاحتياط المزبور).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 273‌

..........

______________________________
الشبهة الموضوعية و الرجوع إلى الأعلم أما الشبهة الموضوعية فالظاهر جواز الترافع فيها إلى غير الأعلم و لو مع وجود الأعلم منه أو من الكل في بلد المخاصمة أو ما يقرب منه مما لا يتعسر الوصول إليه، لإطلاق أدلة النصب [1] و السيرة المستمرة عند المتشرعة على الرجوع و الإرجاع إلى مطلق العارف بالأحكام بلا ردع من الشارع.

و قد يناقش في الإطلاقات بوجهين.

(الأول): من جهة عدم المقتضى بدعوى عدم كونها إلا في مقام بيان عدم جواز الترافع إلى قضاة الجور، فلا إطلاق فيها، و هذه الدعوى و إن لم نستبعدها فيما سبق، و لذلك منعنا من شمولها للعامي العالم بالحكم عن طريق التقليد، إلا أن الإنصاف أن شمولها لمطلق العالم عن طريق الاجتهاد مما لا يقبل الإنكار، و ان أبيت إلا عن عدم التفكيك فيكفينا في خروج العامي عنها عدم صدق العالم عليه عرفا و لا أقل من الشك.

(الثاني): من جهة وجود المانع بتوهم تقييدها بما دل على الترجيح بالأعلمية كذيل المقبولة [2] و روايتي داود بن حصين و موسى بن أكيل. [3]

______________________________
[1] كروايتي ابى خديجة المتقدّمتين ص 233 و 235 و صدر المقبولة ص 237 و التوقيع الشريف المتقدم ص 17 و المناقشة في سند بعض هذه الروايات لا تضر بعد اعتبار بعضها الآخر كرواية أبي خديجة الأولى المذكورة ص 233.

[2] و هو قوله- عليه السّلام-: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث».

[3] روى داود بن الحصين عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف، فرضيا بالعدلين، فاختلف العدلان بينهما عن قول أيهما

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 274‌

..........

______________________________
(و يندفع): بأن مورد المقبولة صورة اختلاف الحكمين في القضاء بعد اختلاف المترافعين في الاختيار، كما أن مورد الروايتين صورة اختلافهما بعد اتفاق الخصمين على رجلين يحكمان بينهما، و أين هذا مما هو محل الكلام من الرجوع الابتدائي الى غير الأعلم، و اتفاق الخصمين على الترافع عنده.

و أما دعوى المصنف (قده) في كتاب القضاء: «إن الظاهر من أخبار الترجيح: أن المدار على الأرجح عند التعارض مطلقا كما هو الحال في الخبرين المتعارضين. بل في صورة عدم العلم بالاختلاف أيضا لوجوب الفحص عن المعارض».

فغير مسموعة، لعدم قرينة على هذا التعميم بعد اختصاص موردها بصورة التعارض التي لا يمكن فصل الخصومة فيها إلا بالترجيح، بل يمكن أن يقال بدلالتها على عكس المطلوب، فإنّها تدل على جواز اختيار أحد الخصمين غير الأعلم ابتداء، و إلا لزم الردع عنه، لا بيان حكم صورة المعارضة بوجود الترجيح. على أن المستفاد من هذه الروايات اعتبار الأعدلية و الأورعية في تقديم الأعلم، و هذا مما لم يلتزم به أحد فيما هو محل الكلام من الرجوع الابتدائي.

هذا كله مع قطع النظر عن ضعف [1] سند الروايات الدالة على‌

______________________________
يمضى الحكم؟ قال: ينظران إلى أفقههما و أعلمهما بأحاديثنا و أورعهما، فينفذ حكمه، و لا يلتفت الى الآخر (لوسائل كتاب القضاء ج 18 ب 9 من أبواب صفات القاضي ح 23).

و روى موسى بن أكيل عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- قال سئل عن رجل يكون بينه و بين أخ له منازعة في حق، فيتفقان على رجلين يكونان بينهما، فحكما فاختلفا فيما حكما؟ قال: و كيف يختلفان؟ قال: حكم كل واحد منهما للذي إختاره الخصمان. فقال: ينظر إلى أعدلهما و أفقههما في دين اللّه، فيمضي حكمه (الوسائل كتاب القضاء في الباب المذكور ح 48).

[1] أما المقبولة فلما تقدم في ص. و اما رواية داود بن حصين فضعيفة عن طريق الصدوق ب‍ (حكم بن مسكين) و هو مهمل و عن طريق الشيخ ب‍ (حسن ابن موسى الخشاب) لعدم

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 275‌

..........

______________________________
الترجيح بالأعلمية.

و أما السيرة: فقد ناقش فيها المصنف (قده) بأنها غير معلومة الحال، إذ لعل كل واحد بالنسبة إلى مكان مخصوص لا يكون أعلم منه في ذلك المكان، إلا انه.

(يندفع): بأن هذا لو تم فإنّما يتم في القضاة المنصوبين من قبل النبي الأكرم- صلّى اللّه عليه و آله- أو أمير المؤمنين- عليه السّلام- بالخصوص. و أما المنصوبين على وجه العموم باذن عام من الأئمّة الأطهار فلا إشكال في جريان السيرة على عدم اعتبار الأعلمية فيهم و لم يرد من المعصومين- عليهم السّلام- ردع عن هذه السيرة، و إلا لحكي ذلك إلينا و لظهر أمره و بان.

و أما قول أمير المؤمنين- عليه السّلام- في عهده إلى مالك الأشتر:

«اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك» فلا دلالة فيه على اعتبار الأعلمية، إذ الظاهر ان المراد من الأفضل هو المستجمع لجملة من الصفات الكمالية التي وصف الامام- عليه السّلام- بها الأفضل، كما لا يخفى على من راجعه، فهو حكم أخلاقي راجح.

و لو سلم دلالته على الوجوب و ارادة الأعلم من الأفضل كان ذلك وظيفة الوالي، و هذا لا يقتضي وجوب اختياره على المترافعين.

الشبهة الحكمية و الرجوع إلى الأعلم و أما الشبهة الحكمية: فإن كان وظيفة المترافعين تقليد الأعلم‌

______________________________
التصريح بوثاقته، إلا أنه قال النجاشي في ترجمته «انه من وجوه أصحابنا مشهور كثير العلم و الحديث.» و إثبات الوثاقة بذلك مشكل، و من هنا لم يعمل بروايته صاحب المدارك و الشهيد الثاني على ما حكى عنهما في تنقيح المقال ص 311 ج 1. و أما رواية موسى بن أكيل فضعيفة ب‍ (ذبيان بن حكيم).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 276‌

..........

______________________________
فلا تصل النوبة فيها الى الترافع. بل يجب الرجوع إلى فتوى الأعلم في معرفة حكم الواقعة، لأن النزاع في الحقيقة في الشبهة الحكمية، كما لا يجوز لهما الترافع عند غير الأعلم إذا كان فتواه مخالفا للأعلم، لقيام الحجة على بطلان دعوى من يكون دعواه مخالفا لفتوى الأعلم، فإذا حكم له القاضي يحرم عليه الأخذ بحكمه، كما هو الحال في صورة العلم الوجداني بالبطلان، كما يشير إلى ذلك بعض الروايات [1] أيضا، و ليس هذا من موارد تقدم الحكم على الفتوى، و لو قلنا بسماع الدعوى غير الجازمة، لأن مورده هو ما إذا كان دعوى الخصمين عن حجة معتبرة عند كل منهما إما اجتهادا أو تقليدا، فإذا ترافعا عند القاضي و حكم لأحدهما يقدم حكمه على فتوى الخصم أو فتوى مقلده.

مثاله: ما إذا ترافعا في ملكية شي‌ء من جهة الاختلاف في صحة المعاطاة و عدمها- مثلا- و كان دعوى كل منهما عن حجة معتبرة اجتهادا أو تقليدا، فحكم الحاكم بالبطلان- مثلا- ينفذ حكمه على من يقول بالصحة.

و عليه: فإذا كان أحد الخصمين يقلد الأعلم في عدم استحقاق الحبوة ليس له أن يدعي الاستحقاق عند من يرى استحقاقها، لقيام الحجة على بطلان دعواه، فإذا حكم له بها لا يجوز له أخذها، و ليس هذا من موارد تقدم الحكم على الفتوى- كما ذكرنا- و أما قضية سماع الدعوى غير الجازمة:

فلو صحت فإنما تصح في الشبهات الموضوعية دون الحكمية فليس له الترافع بمجرد احتمال مطابقة دعواه للواقع، مع قيام حجة معتبرة على خلافها.

هذا كله في حكم المتخاصمين إذا كان وظيفتهما تقليد الأعلم، و إلا‌

______________________________
[1] المروية في الوسائل في (باب انه لا يحل المال لمن أنكر حقا أو ادعى باطلا و ان حكم له به القاضي أو المعصوم ببينة أو يمين: و هو ب 2 من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء الوسائل ج 18 ص 169).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 277‌

..........

______________________________
بأن كانا مجتهدين أو كان أحدهما مجتهدا و الآخر مقلدا لغير الأعلم و لو بتجويز الأعلم جاز الترافع عند غير الأعلم و ان كان مخالفا للأعلم، لإطلاق أدلة النصب و عدم فصل الخصومة إلا بالحكومة.

من بيده اختيار الحاكم و أما الجهة الثانية- و هي في تعيين من بيده اختيار الحاكم- فان كان أحد الخصمين مدعيا و الآخر منكرا و كان المجتهدان متساويين في الفضيلة فالمعروف بينهم أن الاختيار بيد المدعى، بل في المستند دعوى الإجماع عليه، و استدل له مضافا الى ذلك بان المدعى هو المطالب بالحق و لا حق لغيره، و لا يخفى: أن تحصيل الإجماع التعبدي في أمثال المقام مما ذكر للحكم وجه آخر و احتمل استناد المجمعين اليه- مشكل.

و أما كون الحق للمدّعي فالظاهر أن مراده حق الدعوى لا الحق المدّعى، إلا انه مع ذلك لا يوجب تقديم مختاره، لانتفاضه بثبوت حق الجواب للمنكر بعد دعوى الخصم، على أنه يمكن أن يسبق المدعى عليه بعد الدعوى إلى حاكم و يطلب منه تخليصه من دعوى الخصم.

نعم: مقتضى بناء العقلاء هو ان طرق إثبات الدعوى بيد المدعي، و له أن يختار أي طريق شاء في إثبات دعواه، و ليس للآخرين اقتراح طريق خاص عليه، و اختيار الحاكم من طرق إثبات الدعوى فيكون بيد المدعي.

و من فروع ذلك إعجاز الأنبياء- عليهم السّلام-، فإنه يكفي في إثبات نبوّتهم أي معجزة جاؤا بها من عند اللّه تبارك و تعالى و هذا المقدار يكفي في إتمام الحجة على الناس، و ليس لهم بعد ذلك أن يقترحوا على النبي معجزة‌

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 278‌

..........

______________________________
خاصة، فإن طلبوا ذلك و فعل فهو تفضل منه و عناية زائدة.

و يرشد إلى ذلك ما ورد في بعض الروايات «1» في تفسير قوله تعالى وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. الآيات عن النبي الأكرم حين طلبوا منه- صلّى اللّه عليه و آله- جملة من المعجزات الاقتراحية من أنه لا سبيل لهم إلى ذلك بعد أن جاء إليهم بالقرآن، و سائر المعجزات التي تدل على نبوته- صلّى اللّه عليه و آله.

و بالجملة: من شؤون إثبات الدعوى اختيار الحاكم، و مقتضى بناء العقلاء انه بيد المدعي، فإذا اختار حاكما وجب على المنكر الحضور عنده إذا طلبه الحاكم، و إلا فيجري في حقه الحكم الغيابي، كما هو المعمول به في المحاكم العرفية بين الناس في أمثال عصرنا.

و مما ذكرناه يظهر الحال فيما إذا كانت الخصومة على وجه التداعي، فإن لكل منهما اختيار حاكم لإثبات دعواه عنده، فله ان يحكم له مع غياب الخصم إذا امتنع من الحضور.

لو إختار المدّعى عليه الأعلم و أما الجهة الثالثة- و هي في أنه بناء على تقديم مختار المدعى كما هو الصحيح هل يقدم مختاره مطلقا أو فيما إذا لم يكن مختار المدعى عليه أعلم؟

فلا بد فيها من التفصيل بين الشبهات الموضوعية و الحكمية، ففي الأولى: له الاختيار مطلقا، إذ لا دليل على تقديم الأعلم فيها كما عرفت في الجهة الأولى، و في الثانية: لا بد من تقديم الأعلم إلا أنه ليس من باب الحكومة،

______________________________
(1) راجع تفسير البرهان في ذيل الآية المباركة.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 279‌

[ (مسألة 57) حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه]

(مسألة 57) حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر إلا إذا تبيّن خطأه (1).

______________________________
بل من باب المرجعية في التقليد و العمل بفتواه في فصل الخصومة، و معه لا يبقى مجال للحكم.

لا يجوز نقض حكم الحاكم

(1) توضيح الحال في المقام:- بان يقال ان لحكم الحاكمين جهتين.

(الأولى): جهة فصل الخصومة و قطع النزاع به. (الثانية): جهة ترتيب آثار الواقع عليه.

حكم الحاكم و فصل الخصومة أما الجهة الأولى: فهي أثره اللازم غير المنفكة عنه إذا كان على الموازين الصحيحة لأن القضاء إنهاء الخصومة و فصلها بالحكم لأحد المترافعين، و إنّما سمي قضاء لأن القاضي يتم أمر الخصومة بالفصل، فليس لأحد بعد ذلك أن يوصله سواء في ذلك تراضى الخصمين بإعادة الدعوى و عدمه، و سواء حصل العلم لحاكم آخر أو لغيره بعدم مطابقته للواقع أو بفساد في طريقه في الشبهات الحكمية أو الموضوعية علما قطعيا أو اجتهاديا أم لم يحصل، كل ذلك لإطلاق ما دل على تشريع القضاء للمجتهد كصحيحة أبي خديجة «1» و نحوها، حيث أن المستفاد منها أن الحكم الحاكم موضوعيّة تامة لفصل الخصومة و قطع النزاع، فليس للمدّعي إعادة دعواه عند حاكم آخر، و ليس له سماعها، كما أنه ليس للمنكر حق الإنكار.

و يؤيّد ما ذكرناه من نفوذ حكمه من هذه الجهة على الإطلاق: أنه‌

______________________________
(1) تقدمتا في ص 28- 29.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 280‌

..........

______________________________
لا إشكال و لا خلاف في نفوذ حكمه في حق المتخاصمين في الشبهات الموضوعية مع أن الغالب أن كلا منهما يدعي العلم بكذب الآخر أو كذب بيّنته، و إلا لم تقع بينهما خصومة، و لو كان العلم بخطإ القاضي مجوزا لنقض حكمه فيها لعطل أمر الخصومات غالبا، و الإطلاقات كما تشمل هذا المورد تشمل سائر الموارد على نهج واحد.

العلم بخطاء الحاكم في موازين الحكم و جواز نقضه نعم: إذا ثبت خطأ الحاكم بمعنى صدور الحكم منه على خلاف الموازين الشرعية إما من جهة تقصيره في المقدمات أو من جهة قصوره و لو من جهة الغفلة و نحو ذلك- كما إذا كان قد حكم على خلاف ما هو واضح في الشريعة المقدسة قطعي عند الجميع بحيث يكشف ذلك عن قصوره في الاستنباط، أو طلب البيّنة من المنكر أو الحلف من المدعى أو أجاز شهادة النساء فيما لا تجوز شهادتهن، أو غير ذلك، و حكم على هذا الأساس و لو غفلة عن الحال- ففي مثله لا تنفصل الخصومة، لخروجه عن الإطلاقات، فيجوز الترافع ثانيا عند حاكم آخر، أو عنده بعد التفاته إلى خطأه.

و أما إذا كان على الموازين الصحيحة فحكمه نافذ و لا يجوز نقضه و إن علم بمخالفته للواقع.

و بالجملة: لا يجوز نقض حكم الحاكم من هذه الجهة إلا في موردين إما تقصيره في المقدمات، أو قصوره عن مرحلة الاستنباط و القابلية للقضاء، و السّر في جواز النقض- في هذه الحالة- هو عدم تحقق القضاء الشرعي و الحكم المشروع حينئذ، فلا حكم و لا قضاء كي ينقض، فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع، و إنّما هو حكم باطل في نفسه.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 281‌

..........

______________________________
الآثار الواقعيّة و حكم الحاكم و أما الجهة الثانية- و هي ترتيب آثار الواقع على حكم الحاكم:

فالظاهر أنها خارجة عن عهدة روايات الباب، لما ذكرنا من أنها ناظرة إلى الجهة الأولى، و يرشد إلى ذلك ما روي عن النبي- صلّى اللّه عليه و آله- في صحيح هشام بن الحكم من قوله- صلّى اللّه عليه و آله- «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له به قطعة من النار». «1»

فإنه صريح في أن القضاء مبني على الظواهر، و أما الواقع فهو على حاله لا يتغير به، فلو علم المحكوم له ببطلان دعواه كان ما يأخذه بمنزلة القطعة من النار، و هكذا الحال بالنسبة إلى غيره.

نعم: لو استندنا في نفوذ الحكم إلى المقبولة لكان لاستفادة الأماريّة وجه، و عليه كان المورد داخلا في تعارض الأمارتين و يقدم الحكم لورودها في مورد اختلاف المترافعين من جهة الاختلاف في الحجة.

و لكنها ضعيفة، على أنه يمكن المناقشة في دلالتها أيضا بأن الظاهر منها أن التقديم إنما هو لجهة فصل الخصومة لا لترتيب آثار الواقع كسائر روايات الباب، و العمدة في المقام صحيحة أبي خديجة و ليس فيها ما يدل على الأماريّة.

نعم: لا بد من الالتزام بترتيب أثر الواقع في ظرف الشك، إما‌

______________________________
(1) الوسائل ج 18 ص 169 كتاب القضاء في الباب 2 من أبواب كيفية الحكم ح 1.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 282‌

..........

______________________________
لأصالة الصحة و إما للزوم اللغوية من نفوذ الحكم مع عدم ترتيب أثر الواقع، و إما لجريان السيرة القطعية على ذلك، و شي‌ء من ذلك لا يجري مع قيام الحجة على الخلاف، و عليه فإذا كان أحد المترافعين يرى بطلان بيع المائع المتنجس فادعى بطلان البيع لاعتقاده نجاسة المبيع من جهة قيام الحجة عنده على أن عرق الجنب من الحرام نجس، و قد فرضنا انه لاقى المائع المبيع، و الآخر ادعى صحته، لأنه يرى طهارته، فإذا حكم الحاكم بالصحة لأنه أيضا يرى الطهارة لم يجز لمن يرى نجاسته أن يشربه أو يتوضأ به.

و من الغريب ما عن بعضهم من أن بقية الأفراد أيضا يحكم بطهارتها للملازمة.

نعم: بناء على الأمارية كان له وجه، فإن الأمارة القائمة على طهارة فرد تدل على طهارة بقية الأفراد أيضا، إلا أن يقال ان دليل الحجية قاصرة عن إثبات ذلك، فإنه خاص بمورد المخاصمة و لا يعم غيره.

هذا في الشبهة الحكمية.

و كذلك الحال في الشبهة الموضوعيّة، فإذا علمنا بمخالفة حكمه للواقع بالعلم الوجداني أو بأمارة معتبرة لا يجوز ترتيب أثر الواقع، و لا سيما في موارد الدماء و الأعراض سواء في ذلك المتخاصمان و غيرهما، فإذا حكم الحاكم بمال على المدعى عليه فهو و إن كان يلزم بالدفع تنفيذا للحكم إلا أنه مع ذلك له سرقة عين ماله، بل له التقاص من مال المدعى فيما إذا علم أن المدعى عالم ببطلان دعواه، و بدونه يشكل التقاص، بل الظاهر عدم جوازه لاختصاص أدلة جوازه بما إذا كان المقتص منه ظالما.

و ربما يقال: بالفرق بين اليمين و البيّنة، فإذا كان فصل الخصومة باليمين فلا يجوز له السرقة أو التقاص بخلاف ما إذا كان بالبيّنة، فيجوز له‌

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 283‌

[ (مسألة 58) إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثمّ تبدل رأى المجتهد]

(مسألة 58) إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثمّ تبدل رأى المجتهد في تلك المسألة لا يجب على الناقل (1) إعلام من سمع منه

______________________________
ذلك، استنادا الى الروايات [1] الدالة على ان اليمين يذهب بالحق.

لكن الإنصاف: أنها بين مالا دلالة لها على ذلك، فان من المحتمل بل الظاهر منها ان الحق الذي يذهب به اليمين هو حق الدعوى لا الحق المدّعي [2] و بين ما هو معارض بما يدل على جواز الأخذ حتى مع اليمين [3]، فالظاهر أنه لا فرق بين إقامة البيّنة الكاذبة و اليمين الفاجرة من هذه الجهة، و الخوض في ذلك موكول الى محله. «4»

نقل الفتوى و تبدّل رأى المجتهد

(1) لاستناد النقل إلى الحجة و هي فتوى المجتهد الأولى، و عدم صدق التسبيب إلى الحرام بعدول المجتهد عن رأيه، فلا موجب للإعلام إلا من باب وجوب تبليغ الأحكام المشترك بينه و بين غيره، و هذا بخلاف الفرض‌

______________________________
[1] ذكرت في عدة أبواب من الوسائل، فلا حظ: ج 16 ص 215 كتاب الأيمان في الباب 48 و ج 18 ص 178 كتاب القضاء في الباب 9 و 10 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعاوي و ج 12 ص 201، في الباب 83 من أبواب ما يكتسب به.

[2] راجع الوسائل ج 18 ص 178 في الباب 9 من أبواب كيفية الحكم تحت عنوان (باب ان من رضى باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمين و ان كانت له بينه) ذكر فيها صحيحة ابن أبى يعفور و فيها «ذهبت اليمين بحق المدعى فلا دعوى له».

[3] و قد جمع بينها السيد الأستاذ (دام ظله) بحمل الأخبار المانعة عن التقاص بعد حلف المنكر على مورد استحلافه من قبل المدّعى و الرضى بحلفه، و الأخبار المجوزة للتقاص على مورد عدم الاستحلاف و صدور الحلف من المنكر عفوا قائلا و بذلك يرتفع التعارض بينهما.

فلا حظ مباني تكملة المنهاج ج 1 ص 14 و قد أشار إلى ذلك في الجواهر أيضا، لا حظ ج 40 منه ص 390 في ذيل صحيحة أبي بكر المروية في الوسائل ج 12 ص 203 ح 4.

______________________________
(4) لاحظ الجواهر ج 40 ص 171- 176 و ص 387- 390 و مباني تكملة المنهاج ج 1 ص 13- 14.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 284‌

الفتوى الأولى، و إن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبين له خطأه في النقل، فإنه يجب عليه الإعلام. [1]

[ (مسألة 59) إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا، و كذا البيّنتان]

(مسألة 59) إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا، و كذا البيّنتان، و إذا تعارض النقل مع السماع من المجتهد شفاها قدم السماع [2] (1) و كذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع، و في تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط.

______________________________
الثاني، فإنه تسبيب إلى الحرام كما سبق في ذيل (مسألة 48) و أما وظيفة المجتهد فسيأتي في (مسألة 69) ان شاء اللّه تعالى.

تعارض النقل في الفتوى

(1) يشكل ما ذكره (قده) على إطلاقه وجه الإشكال هو أنه لا بد من تقديم المتأخر من المتعارضين- مهما كان- مع احتمال العدول عن الرأي السابق، فإذا كان السماع سابقا على النقل- بحيث كان الناقل ينقل فتوى المجتهد فعلا- قدّم النقل، لأن استصحاب بقاء رأيه السابق محكوم بالأمارة على خلافه.

فما ذكر في المتن انما يتم في صورة اتفاق التاريخ. أو القطع بعدم العدول مع الاختلاف فيه. و عليه: فان كان التعارض بين الأمارتين من سنخ واحد كنقلين أو سماعين أو رسالتين كان مقتضى القاعدة التساقط،

______________________________
[1] جاء في تعليقته على قول المصنّف «قده» «فإنه يجب عليه الإعلام» (مرّ الكلام فيه) أى في ذيل (مسألة 48).

[2] و في تعليقة (دام ظله) على قول المصنّف «قده» «قدم السماع» (في إطلاقه و إطلاق ما ذكر بعده إشكال بل منع).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 285‌

[ (مسألة 60) إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا]

(مسألة 60) إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا فإن أمكن تأخير الواقعة إلى السؤال يجب ذلك [1] (1) و إلا

______________________________
كما هو الحال في جميع الأمارات بناء على الطريقية، و إن كان التعارض بين سنخين، منها فصورها المذكورة في المتن ثلاثة.

(الأولى): تعارض النقل مع السماع، و فيها يقدم السماع من باب تقدم القطعي على الظني، فإن النقل و السماع و ان كانا مشتركين في حصول الظن بكون الفتوى واقعا هو ما سمعه أو نقل له لاحتمال الخطأ في نقل نفس المجتهد لفتواه كما يحتمل في نقل غيره عنه، إلا أن السماع يوجب القطع بنقل المجتهد لفتواه، و النقل أمارة و طريق إلى نقله فمع إحراز نقله بالوجدان يقطع بخطإ الناقل أو كذبه.

(الثانية) و (الثالثة) تعارض الرّسالة مع السماع و تعارضها مع النقل، و الأظهر فيهما تقدم الرسالة مع أنهما من الغلط- على نحو تكون حجة لو لا المعارض و هو فيما إذا كانت مجرى أصالة عدم الخطأ عند العقلاء- و وجه تقدمها حينئذ هو أن الكتابة أضبط من المشافهة، لعناية زائدة بها دونها و لذا جرى بناء العقلاء على تقديمها عليها.

نعم: إذا كانت الرسالة على نحو الحكاية عن قول المجتهد. كما إذا كانت بخط الغير، و أحتمل أن المجتهد بنفسه لم يرها فحالها حال نقل الفتوى بعينه بل هو هو.

عدم حضور الأعلم

(1) ما ذكره المصنف (قده) من لزوم تأخير الواقعة إن أمكن،

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «يجب ذلك» (بل يجوز له تقليد غير الأعلم حينئذ).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 286‌

فإن أمكن الاحتياط تعين، و إن لم يمكن يجوز الرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم (1) و إن لم يكن هناك مجتهد آخر، و لا رسالته يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء (2) إذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور.

و إذا عمل بقول المشهور ثمّ تبين له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة و القضاء (3) و إذا لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع إلى أوثق الأموات، و إن لم يمكن ذلك أيضا يعمل بظنه، و إن لم

______________________________
و إلا فيحتاط مبنى على مختاره من وجوب تقليد الأعلم مطلقا سواء أعلم بمخالفته مع غير الأعلم أم لا، و أما على المختار من جواز تقليد غير الأعلم مع عدم العلم بالمخالفة فلا موجب للتأخير، و لا الاحتياط. بل يقلد غير الأعلم.

نعم: إذا علم بالمخالفة و لم يتمكن من تقليد الأعلم وجب الاحتياط، لعدم تمامية الإجماع على عدم وجوب الاحتياط على العامي إذا تمكن من التقليد.

ثم إنه كان الأولى تقديم إمكان الاحتياط على إمكان التأخير، لما سبق من جواز الاحتياط مع التمكن من الامتثال التفصيلي.

(1) لبناء العقلاء على جواز الرجوع إلى غير الأعلم فالأعلم عند عدم التمكن من الأعلم، و عدم إمكان الاحتياط و التأخير، فهو من باب التقليد لا العمل بالظن بمقتضى مقدمات الانسداد، بخلاف الصور الآتية، و من هنا قال فيها بوجوب الإعادة و القضاء عند كشف الخلاف دونه، إلا أنه ذكرنا في ذيل (مسألة 53) أن التقليد أيضا لا يفيد الإجزاء.

(2) هذا و ما بعده إنما هو من باب العمل بالظن بمقتضى مقدمات الانسداد مع مراعاة الأقوى فالأقوى.

(3) سبق الكلام من حيث الإعادة و القضاء في ذيل (مسألة 53) فراجع.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 287‌

يكن له ظن بأحد الطرفين يبني على أحدهما، و على التقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد ان كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء.

[ (مسألة 61) إذا قلد مجتهدا ثم مات، فقلّد غيره ثم مات، فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه]

(مسألة 61) إذا قلد مجتهدا ثم مات، فقلّد غيره ثم مات، فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه، فهل يبقى على تقليد المجتهد الأول أو الثاني، الأظهر الثاني [1] (1) و الأحوط مراعاة الاحتياط.

______________________________
تعاقب تقليد الأموات

(1) لا بد من التفصيل في المسألة كما في التعليقة، فإن كان الثالث قائلا بوجوب البقاء فلا بد من البقاء على تقليد الأول، لبطلان العدول عنه إلى الثاني في نظر الثالث، لبقاء قول الميت على الحجية التعيينية في نظره، فلا مصحح للعدول عنه، و إن كان قائلا بالجواز صح العدول من الأول إلى الثاني، فهو مخير بين البقاء على الثاني و العدول إلى الثالث، لانقطاع تقليد الأول بالعدول الصحيح إلى الثاني، فليس له الرجوع إليه بعد ذلك، لأنه من التقليد الابتدائي للميت. هذا كله على المختار من حجية رأي المجتهد اللّاحق بالنسبة إلى الأعمال السابقة. و أما بناء على عدمها فيصح ما في المتن، لصحة العدول إلى الثاني على أي تقدير و لو كان الثالث قائلا بوجوب البقاء، لأنه كان صحيحا بنظر الثاني.

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «الأظهر الثاني» (هذا إذا كان المقلّد قائلا بجواز البقاء، و أما إذا كان قائلا بوجوبه فالأظهر هو الأول).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 288‌

[ (مسألة 62) يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة]

(مسألة 62) يكفي في تحقق التقليد [1] أخذ الرسالة (1) و الالتزام بالعمل بما فيها، و إن لم يعلم ما فيها و لم يعمل، فلو مات مجتهده يجوز له البقاء، و إن كان الأحوط (2) مع عدم العلم بل مع عدم العمل و لو كان بعد العلم عدم البقاء و العدول إلى الحي، بل الأحوط استحبابا على وجه عدم البقاء مطلقا، و لو كان بعد العلم و العمل.

______________________________
حقيقة التقليد و مجوّز البقاء على تقليد الميت

(1) مر الكلام في حقيقة التقليد في ذيل (مسألة 8) و ذكرنا انه العمل عن استناد إلى فتوى المجتهد، و ان شئت فعبّر أنه الاستناد إلى فتوى الغير في العمل، و على أي تقدير فلا يكفي في صدقه مجرد أخذ الرسالة من دون العمل بما فيها، إلا انه مع ذلك يكفي في جواز البقاء أو وجوبه تعلم الفتوى إما بأخذ منه شفاها، أو بالأخذ من رسالته، أو ممن ينقل عنه بانيا على العمل بها و إن لم يعمل، لشمول الإطلاقات لمثله. «2»

و أما مجرد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها من دون تعلّم فكما أنه لا يكفي في تحقق التقليد كذلك لا يكفي في جواز البقاء، لعدم صدق سؤال أهل الذكر عليه، إذ لا بد فيه من الرجوع اليه بتعلم فتواه.

(2) هذا مبني على مختاره من جواز البقاء على تقليد الميت، فيكون مقتضى الاحتياط عدم البقاء على تقدير عدم العلم أو العمل، كما إذا أخذ الرسالة و التزم بالعمل بما فيها، للخلاف في تحقق التقليد بذلك، بل مقتضى‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «يكفي في تحقق التقليد» (مرّ حكم هذه المسألة) أي في ذيل (مسألة 8).

______________________________
(2) راجع ص 54- 55.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 289‌

[ (مسألة 63) في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخير المقلّد]

(مسألة 63) في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخير المقلّد بين العمل بها و بين الرجوع إلى غيره (1) الأعلم فالأعلم. [1]

[ (مسألة 64) الاحتياط المذكور في الرسالة إما استحبابي]

(مسألة 64) الاحتياط المذكور في الرسالة إما استحبابي، و هو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوى، و اما وجوبي و هو ما لم يكن معه فتوى، و يسمى بالاحتياط المطلق و فيه يتخير المقلّد بين العمل به و الرجوع إلى مجتهد آخر، و أما القسم الأول فلا يجب العمل به، و لا يجوز

______________________________
الاحتياط عدم البقاء مطلقا خروجا عن خلاف الإجماع المحكي على المنع مطلقا، إلا أنه قد عرفت فيما سبق
«2» أنه يجب البقاء على تقليد الميت فيما إذا علم بمخالفته مع الحي، و كان الميت أعلم، فلا مجال للاحتياط بالعدول.

احتياطات الأعلم

(1) لأنه من الرجوع إلى العالم في مقابل الجاهل، لا الرجوع إلى غير الأعلم في مقابل الأعلم حتى لا يكون جائزا، لأن المفروض أنه لم يكن للأعلم فتوى في المسألة، فهو جاهل بحكمها، فيتخير بين الاحتياط و تقليد غير الأعلم على ما هو الصحيح من جواز الاحتياط مع التمكن من الامتثال التفصيلي. [2]

ثمّ إن لزوم مراعاة الأعلم فالأعلم مبني على مختاره (قده) من وجوب تقليد الأعلم مطلقا، و أما على المختار من عدم وجوبه في صورة عدم العلم بالمخالفة فلا يلزم مراعاته في هذه الصورة.

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «الأعلم فالأعلم» (هذا فيما إذا علم بالمخالفة بينهما، و إلا فلا تجب مراعاة الأعلم فالأعلم).

[2] و قد أوضح (دام ظله) شقوق المسألة في منهاج الصالحين (ج 1 ص 13 م 31).

______________________________
(2) راجع ص 69.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 290‌

الرجوع إلى الغير (1) بل يتخيّر بين العمل بمقتضى الفتوى و بين العمل به.

[ (مسألة 65) في صورة تساوى المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء]

(مسألة 65) في صورة تساوى المجتهدين يتخير بين تقليد [1] (2) أيهما شاء، كما يجوز له التبعيض حتى في أحكام العمل الواحد، حتى أنه لو كان- مثلا- فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة،

______________________________
الاحتياط الاستحبابي و الوجوبي

(1) لأنه من الرجوع إلى غير الأعلم في مقابل الأعلم، و هو غير جائز، لأن المفروض أن للأعلم فتوى في المسألة على خلاف الاحتياط، لقيام الحجة عنده على ذلك و من أجله يكون الاحتياط استحبابيا، لأن احتمال المخالفة حينئذ لا يكون منجزا بخلاف الاحتياط الوجوبي، و فتوى غير الأعلم المخالفة للأعلم و إن كانت موافقة للاحتياط حينئذ، إلا أنه مع ذلك لا يجوز الاستناد إليها في مقام العمل مع قيام الحجة على خلافها، لأنه تشريع محرم، فإن الإتيان بعمل بعنوان الوجوب أو تركه بعنوان الحرمة مع قيام الحجة على عدم وجوبه أو عدم حرمته يكون تشريعا فلا وجه لما علّق على المتن من الجواز استنادا إلى مطابقة فتوى غير الأعلم للاحتياط، و أنه لو عمل بها كان خارجا عن العهدة قطعا.

التبعيض في التقليد في عمل واحد

(2) مرّ الكلام في جواز التبعيض في التقليد في ذيل (مسألة 33)

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنّف «قده» «يتخير بين تقليد» (مع عدم العلم بالمخالفة و إلا فيأخذ بأحوط القولين، كما مر- و بذلك يظهر حال التبعيض).

اى مرّ في ذيل (مسألة 21 و 33 و 47).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 291‌

و استحباب التثليث في التسبيحات الأربع، و فتوى الآخر بالعكس يجوز أن يقلد الأول في استحباب التثليث و الثاني في استحباب الجلسة.

______________________________
و ذكرنا أنه إنّما يجوز في صورة عدم العلم بالمخالفة. و إنّما أعاد المصنف (قده) المسألة من جهة التنبيه على جواز التبعيض حتى في عمل واحد، و ما ذكرناه من التقييد بعدم العلم بالمخالفة يجري فيه أيضا، ففي المثال إذا علم بمخالفتهما في وجوب الجلسة و التثليث في التسبيحات لا يجوز له التقليد، بل يعمل بالاحتياط بأن يأتي بكليهما، هذا على المختار، و أما على المعروف بينهم من ثبوت التخيير حتى مع العلم بالمخالفة فهل يجوز التبعيض في عمل واحد كما عليه المصنّف (قده) أم لا؟ كما عليه آخرون.

ربما يقال بالعدم (بدعوى): أن التبعيض في عمل واحد يؤدي إلى بطلان العمل بنظر كليهما، فالصلاة في مفروض المثال تكون باطلة عند كل منهما بلحاظ فقدها الجزء الذي يعتبره هو و لا يعتبره الآخر، لأن المفروض أنها فاقدة للجزئين معا، فالقائل بعدم وجوب جلسة الاستراحة يرى بطلانها من جهة الاقتصار على التسبيحة الواحدة، كما أن القائل بعدم وجوب الزائد على التسبيحة الواحدة يرى بطلانها من جهة فقدها جلسة الاستراحة، فهي باطلة في نظر كليهما و إن اختلفا في وجه البطلان.

(و يندفع): بان الجمع بين التقليدين يكفي في تصحيح العمل بجميع أجزائه، فان كلا من المجتهدين يرى صحة العمل من ناحية ترك ما يراه الآخر معتبرا، فإن القائل باستحباب التثليث يرى صحة الصلاة عند الاكتفاء بواحدة، و ان كان الآخر يرى بطلانها من هذه الجهة، و هكذا العكس، فإذا قلّد من يقول بالصحة كفى في مقام الامتثال و إن كان الآخر يقول بالبطلان لعدم حجية قوله ما لم يختره في مقام التقليد التخييري.

و الحاصل: أنه يستند المكلف في صحة العمل و عدم وجوب الإعادة‌

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 292‌

[ (مسألة 66) لا يخفى: أن تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي]

(مسألة 66) لا يخفى: أن تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي، إذا لا بد فيه من الاطلاع التام (1) و مع ذلك قد يتعارض الاحتياطات، فلا بد من الترجيح، و قد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتى يحتاط، و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط- مثلا- الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضي به، بل يجب ذلك بناء على كون احتياط الترك استحبابيا، و الأحوط الجمع بين التوضي به و التيمم، و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت و يلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترك هذا الاحتياط أو يلزم تركه، و كذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط، لكن إذا لم يكن معه إلا هذا فالأحوط التيمم به، و ان كان عنده الطين- مثلا- فالأحوط الجمع، و هكذا.

______________________________
إلى مجموع القولين، و ضم أحدهما إلى الآخر، لا إلى كل منهما مستقلا فلا وجه للاعتراض على المصنف (قده) كما في بعض الحواشي.

نعم: في الموارد التي يحصل العلم الوجداني بالبطلان من التبعيض، للعلم بالملازمة الواقعية بين كل من الأمرين وجودا و عدما لا يجوز التبعيض، فلا يجوز تقليد أحد المجتهدين في إتمام الصلاة و تقليد الآخر في الإفطار في موارد الخلاف في وجوب القصر و التمام، للملازمة الواقعية بين وجوب التمام و وجوب الصوم، و أما في أمثال المقام مما يمكن فيه عدم وجوب شي‌ء من الجلسة و التثليث واقعا فلا محذور في التبعيض.

تشخيص موارد الاحتياط

(1) فيجب على العامي أن يقلد المجتهد في معرفة كيفية الاحتياط،

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 293‌

[ (مسألة 67) محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية]

(مسألة 67) محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين (1).

______________________________
إذ بدونه لا يؤمن من الوقوع في مخالفة الواقع، كما سبق ذلك في (مسألة 2).

لا تقليد في أصول الدين

(1) لأن المطلوب فيها هو الاعتقاد و المعرفة، كالإيمان باللّه تعالى و بوحدانيته و بالنبي الأكرم- صلّى اللّه عليه و آله- و بالمعاد، بل كذلك الحال في الإمامة، فان الواجب على المكلّفين هو معرفة الإمام، و هي لا تتحقق إلا بمبادئها، فلا مجرى للتقليد في أصول الدين، و لا سيما على المختار من أنه العمل استنادا إلى قول الغير، أو الاستناد إلى فتوى الغير في العمل.

نعم: هنا كلام في كفاية الاعتقاد الناشئ من غير البرهان أعني به إخبار الغير و التزامه به، و هذا أمر آخر خارج عن محل كلامنا، فمن قامت عنده الحجة على التوحيد لا يكون مؤمنا به ما لم يعتقد به في نفسه، فإن الإيمان أمر قلبي لا يجتزي عنه بقيام الحجة الخارجية، و العقل و النقل [1] قد اتفقا‌

______________________________
[1] لا إشكال في استقلال العقل بلزوم تحصيل المعرفة- بمعنى الجزم و الاعتقاد- باللّه عز و جل و بوحدانيته و بنبوة النبي الأكرم- صلّى اللّه عليه و آله- دفعا للضرر المحتمل في تركه، و في مثله لا معنى للتعبد بالحجة سواء فتوى المجتهد أم غيرها من الأمارات، فإن الأمارة لا يترتب عليها ما هو الواجب عقلا من حصول الجزم و الاعتقاد، و أقصى ما يترتب عليها هو حصول الظن، و هو لا يغني من الحق شيئا.

و أما الإمامة و المعاد مطلقا أو مقيدا بكونه جسمانيا فلا دليل من العقل على لزوم تحصيل المعرفة بهما بعد تمامية الرسالة، و ان كان العقل قد استقل بأصل المعاد و بلزوم جعل الإمامة كالرسالة، إلا أنه غير استقلاله بلزوم تحصيل المعرفة بهما.

نعم: في الأدلة النقلية على ذلك من الآيات و الروايات غنى و كفاية، فإنه قد روى عن النبي- صلّى اللّه عليه و آله- ما قيل بتواتره عن طريق الفريقين: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية» و نحوها غيرها من الروايات المستفيضة الدالة على لزوم تحصيل المعرفة بالإمام

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 294‌

و في مسائل أصول الفقه (1).

______________________________
على لزوم تحصيل المعرفة و اليقين فلا أثر لفتوى الغير و الالتزام بشي‌ء في هذا المقام، و ان شئت فقل ان المطلوب في أصول الدين هو تحلي النفوس البشرية بالمعارف، و خروجها من رذيلة الجهل، و هذا أمر لا يتحقق إلا بتحصيل اليقين وجدانا، و لا مجال لشمول أدلة الحجج الشرعية لأمثال هذه الموارد.

التقليد في أصول الفقه

(1) هنا مسألتان. إحداهما: أن المجتهد المرجع في التقليد لا بد و أن يجتهد في أصول الفقه أيضا، كما أنه يجتهد في الفروع فمن اعتمد في أصوله إلى فتوى الغير فهو مقلّد، و لا يجري عليه أحكام المجتهد من جواز الرجوع إليه، أو‌

______________________________
الظاهرة في اعتبار الجزم و اليقين به، و قد دلت الآيات الشريفة على لزوم الايمان باللّه و باليوم الآخر، و المراد بالايمان الاطمئنان و سكون القلب، كما يظهر من آيات كثيرة منها قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ. سورة النحل آية 106- و قوله تعالى قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ.

سورة الحجرات آية 14.

و أما قيام الأمارات مقام المعرفة فيهما فمبنى على أمرين (أحدهما): أن تكون المعرفة فيهما مطلوبة مقدمة للتدين و عقد القلب بهما لا على نحو الوجوب النفسي كي يمكن التعبد بالأمارة بلحاظ ترتيب الأثر، فيكون التقليد فيهما بلحاظ العمل القلبي.

(الثاني): أن تكون المعرفة الواجبة ملحوظة على نحو الطريقية دون الصفتية التي توجب تحلى النفس بالمعارف الآلهية، و كلا الأمرين باطل، لأن المستفاد من الآيات و الروايات: ان المعرفة واجبة لنفسها لا من جهة أنها مقدمة لعقد القلب، و انها واجبة بما أنها من المعارف، فان الايمان بحجج اللّه تعالى و وسائط فيضه و ولاة أمره من شئون الايمان باللّه و معرفة رسوله، و كذلك الإيمان بالمعاد إيمان برجوع الخلق اليه تعالى، و بظهور سلطنته و عدله و فضله، و بان الملك للّه الواحد القهار، فالأيمان بالإمامة و المعاد كالايمان باللّه و رسوله من فضائل النفس البشرى، و هو مطلوب بما انه في نفسه كمال للنفس، و به تتحلى و تخرج من رذيلة الجهل.

فالمتحصّل: انه لا بد من تحصيل المعرفة في أصول الدين و لا مجال للتقليد فيها.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 295‌

و لا في مبادئ الاستنباط من النحو و الصرف و نحوهما (1)

______________________________
نفوذ قضاءه، أو غير ذلك.

ثانيتهما: أنه لا يجوز العمل بفتوى الغير في أصول الفقه و ينحصر جواز العمل بها بالمسائل الفرعية، و لعل المراد من المتن هو هذا، و يمكن أن يكون الوجه فيه دعوى انصراف أدلة التقليد عن أصول الفقه، لخروجها عن محل ابتلاء العوام، و لكن الإنصاف: أنه لا مانع من شمول الإطلاقات لمطلق الأحكام الشرعية الفرعية و الأصولية، فلا نرى محذورا في أن يقلد مجتهدا في مسألة من مسائل أصول الفقه، فيستنبط منها الأحكام إذا تم عنده باقي المقدّمات من فهم الظواهر، و تمكنه من الفحص عن المعارض على نحو لا يكون فرق بينه و بين المجتهد في مقام التطبيق، فيجوز له أن يعمل بما استنبط و إن لم يجز رجوع الغير إليه.

لا تقليد في مبادئ الاستنباط

(1) و ذلك لأن هذه المسائل ليست مما يرجع فيه إلى أهل الخبرة، فإنها ترجع إلى إثبات الظهور في الكلام في معنى خاص. و الظهور العرفي لا يثبت بفتوى أحد، و من هنا قلنا: بعدم حجية قول اللغوي فيما يذكره في تفسير معنى اللفظ. نعم: إذا كان الفقيه جزم بالظهور و أفتى على طبقه لزم على العامي إتباعه، فإنه من التقليد في الحكم الشرعي، و هذا ظاهر.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 296‌

و لا في الموضوعات المستنبطة [1] (1) العرفية أو اللغوية، و لا في الموضوعات الصرفة فلو شك المقلّد في مائع أنه خمر أو خل- مثلا- و قال المجتهد إنه خمر لا يجوز له تقليده. نعم: من حيث أنه مخبر عادل يقبل قوله، كما في إخبار العامي العادل، و هكذا.

و أما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة و الصوم و نحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية.

[ (مسألة 68) لا يعتبر الأعلميّة (2) في ما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد]

(مسألة 68) لا يعتبر الأعلميّة (2) في ما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد، و أما الولاية على الأيتام و المجانين و الأوقاف التي لا متولي

______________________________
التقليد في الموضوعات المستنبطة أو الصرفة

(1) لا يخفى: أن مرجع الشبهة المفهومية في الموضوع العرفي أو اللغوي- كما في مفهوم الغناء و الصعيد و الإناء و نحو ذلك- الى الشبهة الحكمية، و المرجع فيها هو المجتهد، فلا بد فيها من التقليد، فلا فرق بين الموضوعات المستنبطة العرفية و الشرعية من هذه الجهة، لعموم أدلة التقليد للجميع.

نعم في الموضوعات الصرفة كمثال الخمر لا يتأتى فيها التقليد، إذ بعد تشخيص المفهوم و وضوحه لدى العامي ليس من شأن الفقيه بيان مصاديقه له.

(2) أما أصل «ولاية الفقيه» فقد تقدم الكلام فيه في ذيل (مسألة 51) و أما اعتبار لأعلمية و عدمه فيه فمستند عدم الاعتبار لعلّ الوجه فيه إطلاق ما أدعي دلالته على ولاية الفقيه من الرّوايات و لكن مر الكلام في‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «المستنبطة العرفية» (لا فرق في الموضوعات المستنبطة بين الشرعيّة و العرفية في أنها محل للتقليد، إذا التقليد فيها مساوق للتقليد في الحكم الفرعي كما هو ظاهر).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 297‌

لها. و الوصايا التي لا وصى لها، و نحو ذلك، فلا يعتبر فيها الأعلميّة، نعم:

الأحوط في القاضي (1) أن يكون أعلم من في ذلك البلد، أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه.

[ (مسألة 69) إذا تبدل رأى المجتهد هل يجب عليه إعلام المقلدين أم لا؟]

(مسألة 69) إذا تبدل رأى المجتهد هل يجب عليه إعلام المقلدين أم لا؟ فيه تفصيل، فان كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط فالظاهر عدم الوجوب و إن كانت مخالفة فالأحوط الأعلام بل لا يخلو عن قوة [1] (2).

______________________________
ذيل (مسألة 51) أنه لا دليل على ولايته عن طريق الروايات المعتبرة سندا و دلالة إلا في القضاء. و أما باقي الولايات كالأمثلة المذكورة في المتن فهي ثابتة له من باب ولاية الحسبة، و مقتضى القاعدة فيها هو ولاية الأعلم مع التمكن من الوصول إليه، لأنه القدر المتيقن من دليلها الذي هو الإجماع أو الضرورة، فإنه دليل لبّي لا إطلاق فيه، و من هنا لم نقل بثبوتها لعدول المؤمنين مع التمكن من الوصول الى المجتهد. و عليه فالأحوط عدم التعدي من الأعلم مع التمكن من الوصول إليه إلا أن يتم إجماع على عدم الفرق بين الأعلم و غيره.

(1) مر الكلام في ذلك في ذيل (مسألة 56) و ذكرنا أن الصحيح هو التفصيل بين الشبهة الحكمية و الموضوعية ففي الأولى يتعين الأعلم دون الثانية.

تبدل رأى المجتهد

(2) إذا كانت الفتوى السابقة مخالفة للاحتياط و كان سكوت‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «بل لا يخلو عن قوة» (في قوته على إطلاقه إشكال).

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 298‌

[ (مسألة 70) لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية]

(مسألة 70) لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية (1) و أما في الشبهات الموضوعية فيجوز بعد أن قلد مجتهده في حجيّتها- مثلا- إذا شك في أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ليس له إجراء أصل الطهارة، لكن في أن هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا يجوز له إجراؤها بعد أن قلّد المجتهد في جواز الإجراء.

______________________________
المجتهد عن الإعلام إمضاء لها- كما إذا فرضنا أن المقلّد يترك السورة في الصلاة بمحضر منه و هو لا يأمره بإتيانها- يجب عليه الإعلام، لأنه حينئذ إغراء بالجهل و يكون الوزر عليه. و أما إذا لم يكن كذلك فلا دليل على الوجوب، لاستناده في الفتوى السابقة إلى الحجة، و استناد المقلد بقاء إما إلى اعتقاده عدم تبدل رأي المجتهد أو إلى الاستصحاب، و ذلك لا يوجب نسبته إلى المجتهد ما لم يكن سكوته إمضاء للفتوى السابقة، و لا يقاس المقام بما إذا أخطأ المجتهد في نقل فتواه من الأول، فإن الوقوع في الحرام هناك يستند إليه من حينه.

نعم: في المقام أيضا يجب الإعلام من باب وجوب تبليغ الأحكام، إلا أن هذا يشترك فيه المجتهد و غيره، فظهر مما ذكرناه أن إطلاق ما قواه المصنف (قده) من وجوب الإعلام لا يخلو عن ضعف، و إنّما يتم فيما إذا كان السكوت إمضاء دون غيره.

الأصول العملية و المقلّد

(1) ذكرنا في ذيل (مسألة 67) أنه لا مانع من التقليد في المسائل الأصولية بالإضافة إلى عمل نفسه، فيجوز أن يقلد المجتهد في الأصل الجاري في الشبهة الحكمية إلا أنه يجب عليه في مقام التطبيق تشخيص موارد الأصل‌

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 299‌

[ (مسألة 71) المجتهد غير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده]

(مسألة 71) المجتهد غير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده و ان كان موثوقا به في فتواه، و لكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه، و كذا لا ينفذ حكمه و لا تصرفاته في الأمور العامة، و لا ولاية له في الأوقاف و الوصايا و أموال القصر و الغيب (1).

[ (مسألة 72) الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل]

(مسألة 72) الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي (2) في جواز العمل إلا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها أو لفظ الناقل أو من ألفاظه في رسالته. و الحاصل: أن الظن ليس حجة إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل.

______________________________
و الفحص عن المعارض، فان تمكن من ذلك- كما إذا كان من أهل العلم- فلا مانع من إجرائه، و إلا فلا يجوز له ذلك، و أما الأصول الجارية في الشبهات الموضوعية فهي من المسائل الفرعية و لا يشترط فيها الفحص.

المجتهد غير العادل

(1) و ذلك لاشتراط العدالة في جميع ما ذكر فلا بد من إحرازها فمع عدمه أو إحراز عدمها لا يترتب شي‌ء من الأحكام المذكورة، و ذلك واضح.

و أما حجية فتواه بالإضافة إلى عمل نفسه فلشمول إطلاق أدلة الأحكام لمطلق المكلفين العادل و غيره.

(2) لعدم جواز العمل بالظن عقلا و نقلا، إلا أن يقوم دليل على حجيته بالخصوص، كما في ظواهر الألفاظ.

فقه الشيعة - الاجتهاد و التقليد، ص: 300‌

..........

______________________________
هذا آخر ما حررناه في مسائل الاجتهاد و التقليد، و أحمده تعالى على التوفيق و هو حسبنا و نعم الوكيل.

و قد أضفت في هذه الطبعة (الطبعة الثالثة) في التعليقة بعض ما أفاده السيد الأستاذ (دام ظله) حينما كرّر البحث عن الاجتهاد و التقليد في بحث الأصول. كما أنه قد ذكرت تعليقاته المتأخرة على متن كتاب العروة الوثقى.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net