4- نجاسة الميتة 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8969

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌2، ص: 366

[4- نجاسة الميتة]

______________________________
4- نجاسة الميتة: ميتة حيوان لا نفس سائلة له، الإجزاء المبانة من الحي، ما لا تحله الحياة، بيضة الميتة، الأنفحة، لبن الضرع، فأرة المسك، ميتة ما لا نفس له، الحيوان المشكوك، تحقيق موضوع نجاسة الميتة، أمارات التزكية،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 367‌

(الرابع) الميتة من كل ما له دم سائل (1)

______________________________
الرابع: «الميتة»

(1) لا إشكال في نجاسة الميتة مما له نفس سائلة، و لم ينقل التشكيك في ذلك إلا عن شاذ كما ستعرف، و عن جمع من الأصحاب دعوى الإجماع عليها، و في الجواهر «1» انها مما اتفق عليها الأصحاب بل لعلها من ضروريات المذهب بل الدين [1].

و الإنصاف أن دعوى الضرورة فيها غير بعيدة، لتواتر الروايات- في أبواب مختلفة- على نجاستها، بل لم يرد في شي‌ء من النجاسات بكثرة ما ورد في نجاسة الميتة من الروايات- كما اعترف به الفقيه الهمداني «قده»- مما يشرف الفقيه على القطع بالحكم و هي على طوائف:

(الأولى)- الأخبار الآمرة بنزح البئر لموت جملة من الحيوانات فيها «3» التي يظهر من ملاحظة مجموعها أنه لا خصوصية لبعضها دون بعض و أن العبرة بمطلق الميتة، بل في بعضها [2] فرض وقوع مطلق الميتة في البئر.

______________________________
[1] فإن العامة قد اتفقوا على نجاسة ميتة الحيوان البري غير الآدمي إذا كان له نفس سائلة، و اختلفوا فيما لا نفس له، و قالوا بطهارة ميتة الإنسان و ميتة الحيوان البحري و لو كان له نفس سائلة. كما في (الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 14 الطبعة الخامسة).

[2] كصحيحة محمد بن مسلم انه «سأل أبا جعفر- ع- عن البئر تقع فيها الميتة؟ فقال: إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا» (الوسائل ج 1 ص 142 الباب 22 من الأبواب المذكورة، الحديث 1) و

______________________________
(1) ج 5 ص 299 طبعة النجف الأشرف.

(3) المروية في الوسائل ج 1 ص 131 و 134 و 136 و 141 في الباب 15 و 17 و 18 و 21 من أبواب الماء المطلق.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 368‌

..........

______________________________
وجه الدلالة ظهور الأمر بالنزح في الإرشاد إلى نجاسة ما وقع في البئر من ميتة تلك الحيوانات و يؤيد ذلك إردافها في بعضها [1] بغيرها من النجاسات، لظهورها في أن جهة السؤال إنما هي معرفة حكم البئر من حيث وقوع النجس فيها.

و لا ينافي ذلك القول باعتصام البئر لجواز أن يكون النزح من آثار ملاقاة النجس لماء البئر لا تنجس مائها به، و نحن و إن أنكرنا ثبوت الاستحباب النفسي للنزح على القول بالاعتصام كما سبق «2» في ذاك البحث بما لا مزيد عليه إذ ليست الأوامر- في أمثال المقام- مولوية كي تحمل على الاستحباب بالقرائن الترخيصية، إلا أنه قد ذكرنا ان المستفاد من بعض تلك الروايات ثبوت الاستحباب الشرطي للنزح. و هذا المقدار كاف في كونه أثرا لنجاسة ما وقع في البئر و إن لم ينفعل به ماؤها، إذ لا فرق- في كون‌

______________________________
موثقة عمار قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر؟ فقال: ينزح منها دلاء، هذا إذا كان ذكيا فهو هكذا، و ما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا، و أقله العصفور ينزح منها دلو واحد، و ما سوى ذلك في ما بين هذين» (الوسائل ج 1 ص 141 الباب 21 من تلك الأبواب، الحديث 2).

[1] كرواية زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه- ع- بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر؟ قال: الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك واحد ينزح منه عشرون دلوا، فان غلب الريح نزحت حتى تطيب» (الوسائل ج 1 ص 132 الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3) ضعيفة ب‍ «بشير» لتردده بين اشخاص لم تثبت وثاقتهم و بنوح بن الشعيب الخراساني لأنه مجهول الا ان يثبت اتحاده مع البغدادي الثقة، و لم يثبت.

______________________________
(2) راجع فصل ماء البئر: الجمع الثاني بين الروايات المتعارضة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 369‌

..........

______________________________
النزح من آثار نجاسة الملاقي للبئر- بين كونه مطهرا للماء أو رافعا لقذارته الحاصلة بالملاقاة مع النجس.

على أن في الروايات [1] الدالة على تنجس ماء البئر بالتغير بالميتة غنى و كفاية، لما فيها من الأمر بالنزح الى أن يطيب الماء و يزول تغيره.

(الثانية)- الأخبار الدالة على نجاسة الماء الكثير إذا تغير بالميتة أو الجيفة كما سبقت في بحث الماء المتغير [2] لما فيها من النهى عن الوضوء و الشرب من الماء المتغير بها. و ما دلت «3» على تنجس القليل بملاقاة ميتة الفأرة، لما فيها من الأمر بغسل كل ما أصابه ذلك الماء، و إعادة الصلاة و الوضوء الذي كان به، و قد مرّ غير مرة أن الأمر و النهى- في أمثال المقام-

______________________________
[1] و هي عدة روايات: (منها): صحيحة زيد الشحام عن ابى عبد اللّه- ع- «في الفأرة و السنور و الدجاجة و الكلب و الطير؟ قال: فإذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء، و ان تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح» (الوسائل ج 1 ص 135 الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7) و (منها)- الحديث 4 و 11 في نفس الباب ص 135 و الحديث 4 من الباب 18 ص 137 و الحديث 7 من الباب 22 ص 143.

[2] في القسم الثاني من (ج 1 ص 60) و هي عدة روايات:

(منها) صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه- ع- قال «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فإذا تغير الماء و تغير الطعم فلا توضأ منه و لا تشرب».

و موثقة سماعة، و فيها: «عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد أنتنت» و صحيحة أبي خالد، و فيها: «الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة» المروية في (الوسائل ج 1 ص 102 الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 6 و 4) و نحوها غيرها.

______________________________
(3) كموثقة عمار، الوسائل ج 1 ص 106 في الباب 4 من أبواب الماء المطلق ح 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 370‌

..........

______________________________
ظاهران في الإرشاد إلى النجاسة، على أن بعضها [1] صريح في تنجس الماء في فرض القلة بمجرد الملاقاة للميتة و عدمه في فرض الكثرة إلا مع التغير حسب دلالتيه المفهومية و المنطوقية.

(الثالثة)- الأخبار [2] الواردة في أن الفأرة و نحوها إذا ماتت في الزيت أو السمن و نحوهما أو وقعت فيه الميتة- و كان مائعا- يحرم أكله، و يجوز الاستصباح به أو بيعه ممن يستصبح به مع بيان الحال، و إن كان جامدا فتلقى و ما حولها و يؤكل الباقي، و ظهورها في تنجس المائع بملاقاة ميتة الفأرة و نحوها مما لا يقبل الإنكار، لما ذكرناه آنفا.

______________________________
[1] كصحيحة زرارة عن ابى جعفر- ع-: «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي‌ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ، إلا ان يجي‌ء له ريح تغلب على ريح الماء» (الوسائل في الباب المتقدم ص 104، الحديث 9) و لا بد من حملها على ما إذا بلغ حد الكر بقرينة الروايات الدالة على تنجس ما دونه.

[2] و هي كثيرة منها صحيحة زرارة أو حسنته عن ابى جعفر- ع- قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك».

و صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه- ع- عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه؟ فقال: ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا- فإنه ربما يكون بعض هذا- فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله، و ان كان الصيف فارفعه حتى تسرج به، و ان كان بردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه».

و موثقة سماعة قال: «سألته عن السمن تقع في الميتة؟ فقال: ان كان جامدا فألق ما حوله و كل الباقي. و قلت الزيت؟ فقال أسرج به» (الوسائل ج 16 ص 462 الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2 و 3 و 5) و نحوها غيرها في نفس الباب و في الباب 6 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 66، ح 3 و 4 و 5 و الباب 5 من أبواب الماء المضاف ص 149.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 371‌

..........

______________________________
(الرابعة)- ما ورد [1] فيه النهى عن الأكل في آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة، و الدم، و لحم الخنزير.

(الخامسة)- ما ورد [2] فيه الأمر بإراقة المرق الذي وجد فيه ميتة الفأرة و بغسل اللحم و أكله.

(السادسة)- ما ورد «3» فيه النهى عن الانتفاع بأليات الغنم المقطوعة من الحي حتى في الاستصباح، معللا ذلك بأنه يصيب الثوب و اليد و هو حرام.

و ظاهره إرادة النجاسة. و إلا فالحرمة التكليفية غير محتملة، ضرورة جواز تنجيس اليد أو الثوب بأي نجاسة كانت.

(السابعة)- ما ورد «4» فيمن يعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثوبه فيصلي فيه من الأمر باتخاذ ثوب آخر للصلاة، و ظهوره في تنجس تلك الثياب بإصابة جلد الميتة واضح.

(الثامنة)- ما ورد «5» فيما لا نفس سائلة له من قوله عليه السلام: «لا‌

______________________________
[1] كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن آنية أهل الذمة؟

فقال: لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة، و الدم و لحم الخنزير» (الوسائل ج 16 ص 476 الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6).

[2] و هي رواية السكوني الوسائل ج 1 ص 150 ب 5 من الماء المضاف ح 3- ضعيفة بالنوفلي.

______________________________
(3) كرواية الحسن الوشاء المروية في الوسائل ج 16 ص 444 الباب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.

(4) كرواية القاسم الصيقل المروية في الوسائل ج 2 ص 1050 الباب 34 من أبواب النجاسات، الحديث 4.

(5) كما في موثقة حفص بن غياث، الوسائل ج 2 ص 1051 ب 35 من النجاسات، ح 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 372‌

..........

______________________________
يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة» لدلالته بالمنطوق على نجاسة ميتة ما له نفس سائلة إذ المراد بالفساد النجاسة، و إلا فالفساد العرفي يحصل مما لا نفس له أيضا.

(التاسعة)- الأخبار [1] الناهية عن الصلاة في جلد الميتة و إن كان من مأكول اللحم، لظهورها في ان علة النهي نجاسته، لما فيها من انه لا تجوز الصلاة فيه و إن دبغ سبعين مرة تعريضا على العامة القائلين بأن ذكاة الجلود دباغها.

و بالجملة هذه الأخبار و غيرها تشرف الفقيه على القطع بنجاسة مطلق الميتة، لتواترها- إجمالا- على ذلك بحيث لا تدع مجالا للتشكيك في سند بعضها أو دلالة بعضها الآخر على أصل الحكم، أو عمومه لجميع أفراد الميتة.

و لقد أطلنا عليك المقام بذكر الروايات الدالة على المطلوب دفعا لما عن صاحب المعالم «قده» من التشكيك في دلالتها على نجاسة مطلق الميتة بدعوى قصورها عن إثبات نجاستها إلا في الموارد الجزئية، و من هنا اعتمد في التعميم على الإجماع المتكرر نقله في كلمات الأصحاب.

و (يدفعه) وجود إطلاقات في أخبار الباب «2» تغني عن التمسك بالإجماعات المنقولة، لما في جملة منها من التعبير بلفظ «الميتة و الجيفة»‌

______________________________
[1] كصحيحة محمد بن مسلم قال: «سألته عن الجلد الميت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال لا و لو دبغ سبعين مرة» (الوسائل ج 3 ص 422 الباب 1 من أبواب لباس المصلي، الحديث 1) و نحوها غيرها في الباب المذكور و في الباب 61 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1080.

______________________________
(2) لاحظ ما ذكرناه من الروايات في ذيل الطائفة «1»، «2»، «3»، «8»، «9».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 373‌

..........

______________________________
الشاملة لجميع أفرادها، و معها لا مجال للتشكيك في دلالة الأخبار على العموم [1].

و أغرب من ذلك ما عن صاحب المدارك «قده» من التشكيك في أصل نجاسة الميتة بدعوى عدم دلالة الأخبار و لا تمامية الإجماع على النجاسة حيث ادعى أن النهى عن أكل ملاقي الميتة أو الصلاة في جلدها أو الانتفاع بها أعم من النجاسة و أن الأمر بغسل ما يؤخذ من الشعر و الصوف و القرن و نحوها الوارد في صحيح حريز [2] أو حسنته بقوله عليه السّلام: «و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه» لا يتعين كونه للنجاسة، لاحتمال أن يكون لإزالة الأجزاء الملصقة بها المانعة عن الصلاة فيها، كما يشعر به قوله عليه السّلام: «و صل فيه» و بالجملة زعم «قده» قصور دلالة الروايات على النجاسة حتى ادعى انه لم يقف على نص يعتد به يدل على‌

______________________________
[1] و يؤيد العموم المذكور رواية جابر عن ابى جعفر- ع- قال: «أتاه رجل، فقال: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر- ع- لا تأكله. فقال له الرجل: الفأرة أهون علي من ان اترك طعامي من أجلها قال: فقال له أبو جعفر- ع- انك لم تستخف بالفأرة و انما استخففت بدينك، ان اللّه حرم الميتة من كل شي‌ء (الوسائل ج 1 ص 149 الباب 5 من أبواب الماء المضاف، الحديث 2).

إذ المراد بالحرمة النجاسة و الا فالحرمة التكليفية لا تسري إلى الملاقي، و هي صريحة في العموم إلا انها ضعيفة السند ب‍ «عمرو بن شمر» و من هنا تكون مؤيدة للمطلوب لا دليلا عليه.

[2] عن حريز قال: قال أبو عبد اللّه- ع- لزرارة و محمد بن مسلم: «اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر، و كل شي‌ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكى، و ان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه» (الوسائل ج 16 ص 447 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 374‌

..........

______________________________
نجاسة الميتة.

بل اعتضد لعدم النجاسة بما رواه الصدوق في أوائل الفقيه مرسلا «1» عن الصادق عليه السّلام: «انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و السمن و الماء ما ترى فيه؟ فقال: لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن و توضأ منه و اشرب، و لكن لا تصل فيه».

فإنها كالصريحة في عدم النجاسة، و حرمة الصلاة في جلدها محضا.

و استظهر فتوى الصدوق بذلك أيضا- دفعا لوحشة الانفراد قادحا بخلافه تحقق الإجماع في المسألة- و ذلك لما ذكره الصدوق في أوائل الفقيه قبل نقل الرواية المذكورة بقليل بقوله «إنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، قال: بل إنما قصدت إلى إيراد ما أفتى به و احكم بصحته، و اعتقد فيه انه حجة فيما بيني و بين ربى تقدس ذكره و تعالت قدرته» و من البعيد غايته عدوله عما ذكره مع هذا القرب و إن حكى عنه العدول بعد ذلك في مطاوي الكتاب.

وجه الغرابة هو عدم التفاته إلى أنه لم يرد في أكثر النجاسات تصريح بنجاستها، و إنما استفيد ذلك من الأمر بغسل ملاقيها من الثوب و البدن أو النهي عن الصلاة فيه، أو الأمر بإراقة ما أصابه النجس من الماء القليل، و النهى عن شربه و الوضوء به الى غير ذلك من آثار النجاسة، و قد مرّ غير مرة ان الأمر و النهى- في أمثال ذلك- إرشاد إلى النجاسة، لعدم احتمال التعبد المحض، و من هنا استدل هو أيضا على نجاسة البول بما ورد في‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1051 الباب 34 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 375‌

..........

______________________________
الروايات من الأمر بغسل ملاقيه بل في محكي كلامه
«1» «إن سائر الأعيان النجسة إنما استفيد نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب و البدن من ملاقاتها» و أى فرق بينها و بين الميتة التي ورد الأمر بغسل ما أصابها في الأخبار [1] أيضا على انه لا فرق بين الأمر بغسل ملاقي الشي‌ء إذا كان مما يغسل كالثوب و البدن أو النهي عن أكله أو شربه إذا كان من المأكول أو المشروب في كونهما من آثار نجاسة الشي‌ء، لعدم احتمال التعبد المحض في شي‌ء منهما.

و أما ما نسبه الى الصدوق- من فتواه بطهارة الميتة بمجرد نقله المرسلة الظاهرة في ذلك- فيقع البحث فيه في مقامين: (الأول)- في ثبوت فتواه بمجرد ذلك. (الثاني)- في حجيتها بالنسبة إلينا.

أما (الأول): فلم يثبت ان الصدوق «قده» كان يفتي بمضمون المرسلة بمجرد نقلها في الفقيه، لأن ما التزم به في أول كتابه مما نقلناه عنه و ان كان يبعد عدوله عنه مع الفصل القريب، إلا أنه لا يدل على أكثر من التزامه بذكر الأخبار التي تكون حجة- فيما بينه و بين ربه- في نفسها. و هذا لا يستدعي الفتوى بمضمونها، كيف؟ و لا بد في الأخبار المتعارضة من العلاج إما بالجمع الدلالي إن أمكن، و إما بطرح المعارض إن لم يمكن ذلك، و لا إشكال في أنه «قده» قد ذكر في طي كتابه روايات متعارضة في أبواب مختلفة، و لا يحتمل‌

______________________________
[1] كصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه- ع- (في حديث) قال: سالته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ فقال: يغسل ما أصاب الثوب (الوسائل ج 2 ص 1050 الباب 34 من أبواب النجاسات، الحديث 2).

______________________________
(1) كما في الحدائق ج 5 ص 60 طبعة النجف الأشرف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 376‌

و كذا أجزاؤها المبانة (1) منها و إن كانت صغارا.

______________________________
إفتاؤه بمضمون المتعارضين، بل لا بد له من الجمع أو الطرح، فكون هذه المرسلة حجة عنده- في نفسها- لا يلزمه الفتوى بمضمونها، كيف؟ و هي معارضة بغير واحد من الأخبار الدالة على نجاسة الميتة، و لعله يلتزم بترجيح أخبار النجاسة، أو حمل هذه المرسلة على ارادة جلد ما لا نفس له، كما ادعى تعارف وضع السمن و الزيت في بعضها، أو المدبوغ مما له النفس- كما هو المتعارف في الجلد المتخذ لذلك- لقول بعضهم بطهارته بالدبغ، و إن كان فاسدا.

و أما (المقام الثاني): فنقول فيه ان مجرد اعتماد الصدوق على رواية لا يكفي في حجيتها بالنسبة إلينا، لاحتمال كون الرجال المحذوفين من السند ممن لا نعتمد عليهم- كما هو غير بعيد- لأن مسلك القدماء في العدالة هو مجرد عدم ظهور الفسق من الراوي، و هذا المقدار لا يكفي في حجية الرواية عندنا بل لا بد من ثبوت وثاقة الرواة. هذا مضافا الى أن الالتزام بطهارة جلد الميتة- كما هو مفاد المرسلة- لا يلازم القول بطهارتها بجميع أعضائها حتى في غير الجلد، فإنه ذهب بعض أصحابنا- كما أشرنا، كابن الجنيد و الكاشاني في مفاتيحه- الى طهارته بالدبغ، كما هو مذهب العامة، و إن اعترفا بنجاسة بقية أعضائها، إلا ان الأصحاب أنكروا عليهما ذلك أشد الإنكار، لورود روايات معتبرة تصرح ببقائه على النجاسة حتى بعد الدبغ، فمع تسليم اعتبار المرسلة لا بد من طرحها، لمعارضتها بأخبار كثيرة، و موافقتها للعامة.

الأجزاء المبانة من الميتة

(1) لا فرق في نجاسة أجزاء الميتة بين حالتي الاتصال و الانفصال،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 377‌

..........

______________________________
لإطلاق ما دل على نجاسة الميتة بلحاظ الحالتين، و ذلك لأن مقتضى الفهم العرفي من قول القائل: «الميتة نجسة» مثلا هو نجاسة هذا الجسم من دون دخل للهيئة الاتصالية. بحيث لو تفرقت و صارت قطعا يزول عنها الحكم بالنجاسة، إذ لا دخل للعنوان في الحكم بنجاسة أجزاء الجسم في نظرهم. و بالجملة: لفظ «الميتة» و إن كان اسما للحيوان الميت دون إجزائه، إلا أن المستفاد من دليل نجاستها- حسب الفهم العرفي- هو نجاسة أجزاء هذا الجسم من دون فرق بين التفرقة و الجمع، و ذلك نظير ما دل على نجاسة الكلب و الخنزير- مثلا- فان المستفاد منه نجاسة أجزائهما و لو بعد الانفصال، و من هنا لم يستشكل أحد في نجاسة يد الكلب- مثلا- لو انفصلت عنه، فالهيئة الاتصالية و إن كانت دخيلة في الاسم إلا انها ليست دخيلة في الحكم بالنجاسة.

و من هنا ظهر فساد المناقشة المحكية عن صاحب المدارك «قده» في دلالة دليل نجاسة الميتة على نجاسة أجزائها إذا انفصلت عنها بعد الموت بعد مناقشته في أصل الدليل على نجاستها، كما عرفت. بدعوى: أن غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت، و هو لا يصدق على الأجزاء قطعا ثم حاول تصحيح الحكم بالنجاسة بالاستصحاب و إن لم يرتضه أيضا.

وجه الفساد هو ما عرفت من ان المستفاد من الأدلة- بمقتضى الفهم العرفي- عدم دخل الهيئة الاتصالية في الحكم بالنجاسة و إن كانت دخيلة في صدق عنوان الميتة، و إلا لزم القول بطهارتها إذا كان موتها بقطعها نصفين أو أكثر، و هو كما ترى، فنفس الدليل الدال على نجاسة الميتة كاف في إثبات نجاسة أجزائها متصلة أو منفصلة هذا مضافا الى ورود الدليل على نجاسة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 378‌

عدا ما لا تحله الحياة منها (1) كالصوف و الشعر و الوبر و العظم و القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السن.

______________________________
بعض أجزائها كجلدها
«1» حتى بعد الدبغ، و احتمال الفرق بين الأجزاء غير سديد، على أن حصر الأجزاء المستثناة من الميتة في الروايات «2» فيما لا تحله الحياة، و تعليل الاستثناء بعدم الروح فيها- كما ستعرف- دليل على نجاسة بقية أجزائها التي تحلها الحياة كما لا يخفى، فمع هذه الأدلة كيف يبقى مجال للاستصحاب. هذا أولا.

(و ثانيا)- أنه أخص من المدعى، لاختصاصه بما إذا كان القطع بعد الموت، و أما إذا كانا متقارنين كما إذا مات الحيوان بقطعه نصفين فلا يجرى الاستصحاب، لعدم الحالة السابقة على انها من الاستصحاب في الشبهة الحكمية.

الأجزاء التي لا تحلها الحياة

(1) لا خلاف في طهارة الأجزاء التي لا تحلها الحياة من الميتة- كالأمثلة المذكورة- و من الظاهر ان المنفي هو الحياة الحيوانية و إلا فالحياة النباتية موجودة فيها، و قد استفاضت الروايات [1] على استثناء ما لا تحله‌

______________________________
[1] (منها) صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه- ع- قال: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح» (الوسائل ج 2 ص 1089 الباب 68 من أبواب النجاسات،-

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 422 الباب 1 من أبواب لباس المصلي و الباب 61 ج 2 ص 1080 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل ج 2 ص 1082 الباب 68 من أبواب النجاسات.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 379‌

..........

______________________________
الحياة من حكم الميتة، و هي و إن تضمنت أكثر هذه الأمور إلا أن التعليل في‌

______________________________
الحديث 1).

و (منها) صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه- ع- (في حديث): «قلت و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة؟ قال: كل هذا لا بأس به» (الوسائل ج 16 ص 448 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 9).

قال في الحدائق: و الجلد في الخبر ليس في الفقيه، و هو الأصح، و الظاهر انه من سهو قلم الشيخ «قده». و قال في الوسائل: حكم الجلد في رواية الشيخ محمول على التقية مع احتمال كون إثباته سهوا من بعض النساخ.

(و منها) صحيحة حريز أو حسنته المتقدمة في تعليقة ص 373.

و (منها) رواية الكافي عن الحسين بن زرارة قال: «كنت عند ابى عبد اللّه- ع- و ابي يسأله عن اللبن من الميتة و البيضة من الدجاجة و إنفحة الميتة. فقال: كل هذا ذكي» قال: و زاد فيه على بن عقبة، و علي بن الحسين بن رباط قال: الشعر و الصوف كله ذكي.

و قال الكليني: و في رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن ابي عبد اللّه- ع- قال: «الشعر و الصوف و الريش و كل نابت لا يكون ميتا قال و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟

فقال يأكلها» (الوسائل ج 2 ص 1089 الباب 68 من أبواب النجاسات، الحديث 2 و 3 و 4).

و هي ضعيفة بحسين بن زرارة، فإنه لم تثبت وثاقته، و الدعاء المروي عن ابي عبد اللّه- ع- في حقه و أخيه الحسن لا يكفي في إثبات حسنه المصطلح الموجب للاعتماد على روايته (راجع الدعاء المذكور في رواية الكشي ذكرها في تنقيح المقال ج 1 ص 441 في ترجمة زرارة).

و (منها) مرسلة الصدوق قال: «قال الصادق- ع- عشرة أشياء من الميتة ذكية القرن و الحافر و العظم و السن و الأنفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض» (الوسائل ج 16 ص 448 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 8).

و نحوها غيرها من الروايات المذكورة في البابين.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 380‌

..........

______________________________
بعضها
«1» بعدم وجود الروح فيها يعم الحكم بالطهارة لكل جزء لا يكون فيه روح حيوانى و إن لم ينص عليه بالخصوص. و بالجملة: لا ينبغي التأمل في ظهور هذه الروايات في طهارة ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة، لما فيها من نفى البأس عنها الظاهر في الطهارة. بل في بعضها «2» التصريح بأنها ذكى، فبها نخرج عن عموم ما دل على نجاسة الميتة.

و قد يقال «3» بعدم الحاجة الى دليل الاستثناء في المقام (بتوهم) قصور دليل نجاسة الميتة عن شمول ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة، لعدم صدق الميتة عليها، لأن الموت فرع الحياة، فيكفي فيها أصالة الطهارة، و الإجماع.

و (يندفع): بأن الدقة العقلية و إن كانت تقتضي ذلك، إلا أن الفهم العرفي لا يساعده، لصدق الميتة- عرفا- على الحيوان الميت بجميع أجزائه و إن لم تحلها الحياة، فلو لا هذه الأخبار لحكمنا بنجاستها أيضا.

ثم إن هذا القائل قد ناقش أيضا في دلالة أخبار الاستثناء على الطهارة حتى التجأ إلى التمسك بأصالة الطهارة و الإجماع.

و لكن لا يجديه الأصل في مقابل الدليل على النجاسة، كما لا يجديه الإجماع المحتمل استناده الى دليل الاستثناء، إلا أن الذي يسهل الخطب قوة ظهور الأخبار المذكورة في الطهارة. بل كادت تكون صريحة في ذلك، فلاحظ.

______________________________
(1) كصحيحة الحلبي المتقدمة في تعليقة ص 378.

(2) كصحيحة حريز المتقدمة في تعليقة ص 373 و رواية حسين بن زرارة المتقدمة في تعليقة ص 379.

(3) كما عن المحقق الخوانساري في شرح الدروس.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 381‌

و البيضة إذا اكتست القشر الأعلى (1)

______________________________
ثم ان مقتضى إطلاق نفى البأس في الروايات، و نفى عنوان الميتة عما لا تحله الحياة للتعليل الوارد في النص بعدم الروح فيه هو رفع جميع آثار الميتة عنه، فتجوز الصلاة فيه، و حمله في الصلاة، و الانتفاع به حتى على القول بالمنع في الأخيرين في سائر أجزاء الميتة.

بيضة الميتة

(1) لا خلاف بين الأصحاب «قدس سرهم» في طهارة بيضة الدجاجة أو غيرها من الطيور طهارة ذاتية، و إن كانت تتنجس بملاقاة رطوبات الميتة، إلا أن أكثرهم قيدوها باكتساء البيضة بالقشر الأعلى كما في تعبير المتن، و في بعض الكلمات التقييد بالقشر الصلب، أو القشر الغليظ، أو الفوقاني، و نحو ذلك، و الظاهر وحدة المراد.

أما أصل الطهارة فيكفي فيها قاعدتها، لعدم شمول دليل النجاسة لمثل البيضة التي لا تكون من أجزاء الميتة. بل هي ظرف لها تتكون في جوفها كتكون الجنين في بطن أمه، هذا مضافا الى ورود روايات كثيرة تدل على طهارتها، كصحيحة حريز «1» و صحيحة زرارة «2» و رواية صفوان «3» و مرسلة الفقيه «4» و غيرها «5» على انها مما لا تحله الحياة فيشملها تعليل‌

______________________________
(1) المتقدمة في تعليقة ص 373.

(2) المتقدمة في تعليقة ص 379.

(3) المتقدمة في تعليقة ص 379.

(4) المتقدمة في تعليقة ص 379.

(5) المروية في الوسائل ج 16 ص 444 في الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 382‌

..........

______________________________
استثناء تلك الأجزاء بأنها ليست مما فيه الروح.

ثم ان مقتضى الأصل و إطلاق الروايات المشار إليها طهارتها مطلقا و إن لم تكن مكتسية بالقشر الأعلى الصلب، و كفاية اكتسائها بالجلد الرقيق المانع عن نفوذ النجاسة إلى جوفها، و لا دليل على تقييدها بالقشر الصلب سوى رواية غياث بن إبراهيم «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال: إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها». فإنها تدل بمفهوم الشرط على ثبوت البأس بها إذا لم تكن مكتسية بالجلد الغليظ.

و عن صاحب المدارك و صاحب المعالم رميها بالضعف، و من هنا تأملا في التقييد عملا بالإطلاقات، و تبعهما على ذلك بعض من تأخر، منهم صاحب الجواهر «قده» حتى التجأ إلى تقويتها بعمل المشهور.

أقول: الصغرى و إن كانت مسلمة لعدم احتمال مستند آخر للمشهور سوى هذه الرواية، إلا أنه قد مرّ غير مرة عدم تمامية كبرى الانجبار بالعمل و لكن مع ذلك لا حاجة بنا الى تلك الكبرى في هذه الرواية لأنها موثقة كما في تعبير الفقيه الهمداني «قده» و تضعيف العلمين لها مبنى على مسلكهما من حجية خصوص الصحاح من الروايات التي زكى رواتها بعدلين، إلا أن التحقيق- كما عليه المتأخرون- كفاية وثاقة الراوي في الحجية، و رواة هذه الرواية كلهم ثقات لأن الراوي لها و هو «غياث بن إبراهيم التميمي الأسيدي» ثقة وثقه النجاشي و غيره، و الظاهر انه غير «غياث بن إبراهيم التبري الزيدي» و على تقدير الاتحاد ففساد مذهبه لا يضر بوثاقته، و‌

______________________________
(1) الوسائل في الباب المتقدم، الحديث 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 383‌

سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام (1)

______________________________
الراوي عنه هو «محمد بن يحيى» و هو إما الخزاز أو الخثعمي و كلاهما ثقتان يروى عنهما «احمد بن محمد» و هو ابن عيسى الأشعري و هو أيضا ثقة، و كذا الراوي عنه و هو «محمد بن يحيى العطار» الذي يروى عنه الكليني، فلا ينبغي الإشكال في سند الرواية على مسلك المتأخرين المختار لدينا، إلا أنه مع ذلك لا تصلح لتقييد إطلاق ما دل من الروايات على طهارة البيضة مطلقا و لو لم تكن مكتسية بالقشر الأعلى، لظهورها في نفى البأس عن أكل بيضه الميتة- الذي هو النفع المقصود منها الموجب لصرف الرواية إليه سؤالا و جوابا- و من هنا ترى الأصحاب ذكروها في باب الأطعمة و ما ينتفع بالميتة، و عليه تكون هذه الرواية أجنبية عن الروايات الدالة على طهارة البيضة.

نعم لا بد من أن تقيد بها ما دل [1] على جواز أكلها مطلقا، و هذا غير ما رامه المشهور. فاذن لا مانع من الالتزام بطهارتها و لو لم تكن مكتسية بالقشر الأعلى، و لا ينافي ذلك تقييد جواز أكلها بما إذا كانت مكتسية به بعد مساعدة الدليل عليه.

(1) لعموم قاعدة الطهارة، و إطلاق الروايات الدالة على طهارة البيضة من الميتة، و أما ما دل على حرمة بيض الطيور المحرم أكلها فلا تصلح لتقييد ما ذكر، لعدم المنافاة بين الطهارة و حرمة الأكل، كما في نفس الطائر.

فما عن العلامة- في النهاية و المنتهى- من تقييد الطهارة بما إذا كانت‌

______________________________
[1] كرواية صفوان المتقدمة في تعليقة ص 379 لما فيها من قوله: «و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة قال- ع- تأكلها».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 384‌

و سواء أخذ ذلك بجز أو نتف أو غيرهما (1)

______________________________
البيضة من طائر محلل الأكل لم يعرف له مستند ظاهر. بل لم ينقل الخلاف من غيره في المسألة.

و دعوى انصراف البيضة في الأخبار المطلقة إلى إرادتها مما يحل أكله، لأنه النفع المقصود من البيضة الموجب لانصراف الإطلاق إليه، لا سيما بملاحظة ورود بعضها «1» في حكم أكل البيضة- لو تمت- لا تجدي في التقييد المزبور، لما أشرنا إليه آنفا من عدم اختصاص الدليل بالروايات كي يلحظ فيها الانصراف و عدمه. بل يرجع في غير المحلل إلى أصالة الطهارة، فإن دليل نجاسة الميتة لا يشمل بيضتها كي نحتاج في الخروج عنه الى دليل الاستثناء- كما عرفت- على أن عموم التعليل فيما لا تحله الحياة بعدم وجود الروح له يشمل البيضة من غير المأكول أيضا.

(1) كما هو المشهور، و عن الشيخ «قده» في النهاية التفصيل بين المأخوذ بالجز فيحكم بطهارتها، و بين المأخوذ بالنتف فيحكم فيها بالنجاسة و يمكن أن يستند في هذا التفصيل الى أحد أمرين (الأول) دعوى أن أصول الشعر و الصوف و نحوهما المتصلة ببدن الحيوان تعد من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة، و لا تستحيل إلا بعد صيرورتها أحد هذه الأمور، فإذا أخذت بطريق النتف استصحبتها تلك الاجزاء من الميتة، و بقيت على النجاسة غير قابلة للتطهير.

و (فيه): ان أصول الشعر و الصوف و نحوهما إنما تعد في نظر العرف جزء منها لا شيئا في قبالها، فيشملها دليل استثناء نفس هذه الأمور، و لو سلم‌

______________________________
(1) كرواية صفوان المتقدمة في تعليقة ص 379.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 385‌

..........

______________________________
كونها شيئا آخر في قبالها، و انها خارجة عن مسمى الصوف- مثلا- فلا نسلم كونها مما تحله الحياة، لعدم كونها لحما، بل هي شي‌ء أبيض لا يحله الروح الحيواني، و التأذي بنتفها ليس من جهة كونها مما تحلها الحياة، بل من جهة اتصالها بما فيه الحياة، فيشملها عموم التعليل الواردة في صحيحة الحلبي
«1» و لا أقل من الشك في ذلك فيرجع فيها إلى أصالة الطهارة، على انه لو سلم ذلك فإنما يتم في غير الصوف، و أما هو فلمكان لطافته و رقته لا يقلع شي‌ء من أصوله بالنتف، بل الغالب قلعه من فوق أصله.

(الوجه الثاني): رواية الفتح بن يزيد الجرجاني «2» عن أبى الحسن عليه السّلام قال: «كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا؟

فكتب عليه السّلام: لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب، و كلما كان من السخال الصوف- إن جز- و الشعر و الوبر و الانفحة و القرن و لا يتعدى الى غيرها إن شاء اللّه [1]».

لتقييد الصوف فيها بالجز.

و (يضعفه): ضعف الرواية سندا [2] و دلالة لأنها أخص من المدعى لدلالتها على الاشتراط في خصوص الشعر دون غيره، مع ان الصوف لرقته لا يقلع من أصله بخلاف الشعر و الوبر و الريش فإنها تقلع من أصولها غالبا،

______________________________
[1] قوله- ع- «كل ما كان» خبره محذوف اي ينتفع به.

[2] لأنها مهملة ببعض رجال سندها «كالمختار بن محمد بن المختار» و مجهولة ببعضهم الآخرين ك‍ «عبد اللّه بن الحسن العلوي، و الفتح بن يزيد الجرجاني».

______________________________
(1) المتقدمة في تعليقة ص 378.

(2) الوسائل ج 16 ص 448 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 386‌

نعم يجب غسل المنتوف (1) من رطوبات الميتة.

و يلحق بالمذكورات الإنفحة (2)

______________________________
فيحتمل ورود القيد مورد الغالب من جز الصوف عن ظهر الحيوان لا للتحرز عن قلعه، لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة، على انها لا تخلو عن اضطراب في المتن لقوة احتمال السقط فيها لعدم تلائمها بظاهرها، كما لا يخفى.

فتحصل: انه لا فرق في طهارة هذه الأمور بين الجز و النتف لعدم ما يصلح للتفصيل بينهما.

(1) أى المتنجس بملاقاة الميتة مع الرطوبة، كما يشير الى ذلك أيضا قوله عليه السّلام في صحيحة حريز «1»: «و إن أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه» حتى أنه قد يتوهم من إطلاقه وجوب الغسل حتى في صورة الجز لصدق الأخذ، و ضعفه ظاهر لظهور الأمر بالغسل في كونه من جهة نجاسة المغسول نجاسة عرضية قابلة للزوال بالغسل، فيختص- لا محالة- بصورة النتف، و بموضع الملاقاة من المنتوف للميتة، و هو أصله- كما أشرنا- لعدم نجاسة غيره، فالمجزوز و غير موضع الملاقاة من المنتوف خارجان عن تحت الأمر بالغسل، و احتمال التعبد المحض- في أمثال المقام- مقطوع العدم.

إنفحة الميتة

(2) الإنفحة و اللغة و هي بكسر الهمزة و فتح الفاء أو كسرها و تخفيف الحاء أو تشديدها‌

______________________________
(1) المتقدمة في تعليقة ص 373.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 387‌

..........

______________________________
و قد يقال لها- في العرف العام- «المجبنة» [1] و قد اختلفت كلمات اللغويين و على أثرها الفقهاء في تفسيرها على وجوه ثلاثة.

فإنه يظهر من تفسير بعضهم [2] ان «الإنفحة» شي‌ء اصفر يستخرج من بطن الجدي أو الحمل الرضيع، فيعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن فهي ما استحال اليه اللبن الذي يشربه الرضيع فتكون اسما للمظروف‌

______________________________
[1] في (محيط المحيط)- في مادة «نفح»- الانفحة و الانفحة شي‌ء يستخرج من بطن الجدي قبل ان يطعم غير اللبن اصفر فيعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن فإذا أكل الجدي غيره فهو كرش و مجبنه. و قريب منه في (المنجد).

[2] في «القاموس» في مادة- نفح- «الانفحة بكسر الهمزة، و قد تشدد الحاء، و قد تكسر الفاء، و المنفحة و البنفحة شي‌ء يستخرج من بطن الجدي الرضيع اصفر، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن، فإذا أكل الجدي فهو كرش، و تفسير «الجوهري» الإنفحة بالكرش سهو- يعني من السهو- انه لا بد من تقييده بما بعد الأكل كما نبه على ذلك في «شرح منظومة الفصيح» دفعا للإشكال عن الجوهري لما نذكره من عبارته المشتملة على التقييد بذلك، و كيف كان فصدر عبارة القاموس يستظهر منه ان الإنفحة هي اللبن المستحيل في جوف الجدي.

و مثله ما في «المغرب»: «و إنفحة الجدي بكسر الهمزة و فتح الفاء و تخفيف الحاء و تشديدها و قد يقال منفحة أيضا و هي شي‌ء يستخرج من بطن الجدي اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن، فيغلظ كالجبن و لا يكون الا لكل ذي كرش، و يقال كرشه الا انه ما دام رضيعا سمى ذلك الشي‌ء إنفحة، فإذا فطم و رعى العشب قيل استكرش- اى صارت إنفحته كرشا-» فان صدر عبارته مثل القاموس.

و قريب منه ما في «المصباح عن التهذيب» و في «لسان العرب عن الليث» و في «أقرب الموارد» و «البستان» و «محيط المحيط» الا انه قال: «فإذا أكل غيره فهو كرش و مجبنة» و في «المنجد» ما يقرب من ذلك.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 388‌

..........

______________________________
خاصة، و اختاره عدد من الفقهاء [1].

و يظهر من آخرين انها كرش الحمل أو الجدي قبل أن يأكل أي ما دام رضيعا، فإذا أكل تسمى كرشا فهي اسم للجلدة أعنى الوعاء خاصة [2]

______________________________
[1] كالعلامة في القواعد قال: «الانفحة و هي لبن مستحيل في جوف السخلة طاهرة و ان كانت ميتة» و كذا عن النهاية، و كشف الالتباس. و عن المدارك الميل اليه كذا في (مفتاح الكرامة ج 1 ص 155).

[2] لا يخفى انه اتفقت كلمات اللغويين في مادة- كرش- كما لاحظنا على ان الإنفحة هي نفس الكرش قبل ان يرعى الحمل أو الجدي النبات، فإذا رعى فهي كرش، فعباراتهم في ذيل هذه المادة صريحة في اتحاد المسمى بلحاظ الحالتين- قبل الأكل و بعده- ففي «صحاح الجوهري» في مادة- كرش-:

«الكرش تسمى إنفحة ما لم يأكل الجدي فإذا أكل تسمى كرشا، و قد استكرشت» و مثله في «لسان العرب»: «يقال استكرش الجدي و كل سخل يستكرش حين يعظم بطنه و يشتد أكله، و استكرشت الانفحة، لأن الكرش يسمى إنفحة ما لم يأكل الجدي فإذا أكل يسمى كرشا و قد استكرشت» و في «القاموس»: «استكرشت الانفحة صارت كرشا و ذلك إذا رعى الجدي النبات» و مثله في «تاج العروس» و «البستان» و «محيط المحيط» و «أقرب الموارد» و «المجمع» و «المنجد» و غيرها من كتب اللغة في نفس المادة، فلاحظ.

نعم اختلفت كلماتهم في تفسير «الانفحة» في مادة- نفح- فبعضهم جرى على ما جرى عليه في مادة- كرش- و فسر الانفحة بأنها الكرش قبل الأكل ك‍ «الصحاح» قال: «الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء مخففة كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهو كرش عن ابي زيد و كذلك المنفحة بكسر الميم» و مثله في «جمهرة اللغة للازدي» و هي من اللغات القديمة: «الانفحة كرش الحمل و الجدي قبل ان يستكرش و قد ثقل قوم الحاء» و احتج على ذلك بقول الشاعر العربي:

«كم قد أكلت كبدا و إنفحة

ثم ادخرت ألية مشرحة»

و هكذا في «لسان العرب» و في «تاج العروس» عن ابن درستويه: «هي آلة تخرج من بطن الجدي

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 389‌

..........

______________________________
و اختار هذا القول جمع كثير من الفقهاء
«1».

______________________________
- فيها لبن منعقد يسمى اللبأ و يغير به اللبن الحليب فيصير جبنا. و عن ابن الهيثم: الجفر من أولاد الضأن و المعز ما قد استكرش و فطم بعد خمسين يوما من الولادة، أو شهرين أي صارت إنفحته كرشا حين رعى النبت و إنما تكون إنفحة ما دامت ترضع».

و فسرها آخرون في مادة- نفح- بما سبق في تعليقة ص 387 من أنها «شي‌ء اصفر.» و استظهر من عبارتهم هذه ان مرادهم ما في الكرش و هو الحليب المستحال لا نفسها، هذا. و لكن الظاهر ان مرادهم من الشي‌ء الأصفر هو نفس الجلدة و الوعاء و اما ما يصير كالجبن فهو ما يستخرج منها بالعصر بشهادة ذيل عبائرهم كعبارة «القاموس» المتقدمة هناك «فإذا أكل فهو كرش» و أصرح منها ما في ذيل عبارة «المغرب» من قوله «و يقال كرشه.» و غيرهما فان هذا الذيل قرينة على ان المراد من الصدر نفس الوعاء لا انه اشارة إلى وقوع الخلاف في معنى الانفحة- كما قيل- فاذن يتحد التفسيران في أنها الوعاء خاصة غايته انهم فسروها ببعض خواصها من انها اصفر يستخرج منها مائع يغلظ فيصير كالجبن، و إن أبيت إلا عن ظهور صدر عبائرهم في إرادة المظروف فالأقرب أن إطلاقها عليه مجاز كما في «معيار اللغة» فإنه بعد ان فسر الانفحة بكرش الحمل ما دام رضيعا قال: «و قد يطلق الانفحة على اللبن الذي يجتمع فيها تسمية الحال باسم المحل» و كذا في «تاج العروس» عن بعض أفاضل أهل اللغة من ان تفسيرها بما في الكرش مجاز لعلاقة المجاورة، و يؤيد ذلك اتفاقهم تفسير الكرش باللإنفحة بعد الأكل- في مادة كرش- كما ذكرناه، و احتمال استحالة اللبن الى الكرش «كما في الجواهر ج 5 ص 327 طبعة النجف» كما ترى. و إن كانت قدرة اللّه تعالى شاملة لكل شي‌ء مع استلزامه عدم وجود اسم لنفس الجلدة قبل الأكل، و قد أطلنا الكلام في المقام حسما لنزاع القوم، فلاحظ و تأمل. و اما ما في بعض الروايات من ارادة المظروف فبالقرينة كما سنشير.

______________________________
(1) كما عن السرائر و الروضة و المسالك و التنقيح و جامع المقاصد و الدلائل و شرحي الفاضل كما في (مفتاح الكرامة ج 1 ص 155).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 390‌

..........

______________________________
و قوى بعضهم
«1» انها اسم لمجموع الظرف و المظروف.

أقول لا يسعنا تحقيق مفهوم «الانفحة» على وجه الجزم لشدة اختلاف اللغويين و الفقهاء في تفسيرها- كما أشرنا- و لكن الذي يغلب على الظن أنها اسم للظرف خاصة «2» إذ من المستبعد جدا ان لا يكون للوعاء اسم خاص في لغة العرب مع سعتها، و لم يذكروا له اسما غير هذه اللفظة، و أما الذي في جوف هذا الوعاء فهو اللبن المستحيل إلى شي‌ء أصفر يصير كالجبن بعد عصرها في صوفة و نحوها، و هو الذي يجعل في الجبن، و يقال له في الفارسية «پنيرمايه» «3» و الا فالجلدة- أعنى نفس الوعاء- لا يجعل في الجبن، و بالجملة: لا يمكن الجزم بمسمى الانفحة بعد اختلاف التفاسير من اللغويين، و الفقهاء، و صعوبة رد بعضها الى بعض، و ان حاوله في الجواهر «4» و قوى إرادة الجميع ما يصير كرشا للجدي بعد أن يشرع في العلف، لقوة ظهور الكلمات في اختلاف المعنى، فاذن تصبح هذه اللفظة مجملة و ان كان المظنون أنها اسم للوعاء خاصة- كما ذكرنا- إلا انه لا اعتماد على مثل هذا الظن.

الإنفحة و الروايات أطبقت رواياتنا «5» على طهارتها و ان كانت من الميتة، كما اتفقت‌

______________________________
(1) كالفقيه الهمداني في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 531.

(2) لاحظ ما أسلفناه في تعليقة ص 388- 389.

(3) كما في كتاب «لغت نامه» المدون في اللغة الفارسية.

(4) ج 5 ص 326- 327 طبعة النجف.

(5) المروية في الوسائل ج 2 ص 1088 الباب 68 من أبواب النجاسات، و الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.

و قد تقدم بعضها في تعليقة ص 378- 379 و يأتي بعضها في تعليقة ص 392- 393.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 391‌

..........

______________________________
كلمات أصحابنا [1] على ذلك، فنفس الحكم مما لا إشكال فيه، إلا ان الكلام في موضوعه لما عرفت من إجمال لفظ «الانفحة» و مقتضى الصناعة هو الأخذ بالقدر المتيقن في الخروج عن نجاسة الميتة، و هو الحكم بطهارة المظروف خاصة، لأنه طاهر على جميع التقادير سواء أ كانت الانفحة اسما له خاصة، أو للجلدة كذلك، أو للمجموع.

نعم تظهر الثمرة في الجلدة- أى الوعاء- لأنها على الأول تكون محكومة بالنجاسة إما مطلقا أو خصوص سطحها الظاهر، و على الأخيرين تكون طاهرة، كالمظروف.

توضيحه: انه إن كانت الانفحة اسما لخصوص ما في الجلدة من المائع الأصفر تثبت طهارتها الفعلية بالروايات، فان طهارتها الذاتية و إن لم نحتج فيها الى دليل، لأنها حينئذ مما لا تحله الحياة، فتكون طاهرة بالذات كالبيضة في جوف الدجاجة الميتة، إلا أنها لما كانت من المائعات تتنجس- لا محالة- بملاقاة باطن الجلدة التي هي من أجزاء الميتة، فنحتاج في إثبات طهارتها بالفعل الى الأخبار، فإذا دلت على طهارة المظروف بالمطابقة فتدل بالالتزام على طهارة باطن الظرف الملاصق له أيضا احترازا عن اللغوية، لأن الحكم بطهارة المظروف المائع مع الحكم بنجاسة باطن الظرف الملاقي له لغو محض،

______________________________
[1] وافقنا على ذلك الحنفية، و اما باقي المذاهب الأربعة فقالوا بنجاستها (الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 15- الطبعة الخامسة).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 392‌

..........

______________________________
لتنجسه بالملاقاة، و سقوطه عن الانتفاع مع دلالة بعض الروايات [1] على ان الحكم بطهارة الانفحة إنما يكون لأجل الانتفاع بها في الجبن، و لا انتفاع بالمظروف إلا إذا كان طاهرا بالفعل، و الالتزام بعدم السراية و إن كان ممكنا في نفسه، إلا انه بعيد عن أذهان المتشرعة، إذ لم يعهد عندهم نجس غير منجس. و كيف كان فبقاء ظاهر الجلدة على النجاسة لا محذور فيه، لعدم دليل على خروجه عن عموم أجزاء الميتة. و أما باطنها فاما طاهر أو غير منجس.

و أما إذا كانت اسما للظرف فيكون الجميع طاهرا، أما الظرف فبدليل خاص- أى الروايات- و أما المظروف فلعدم موجب لنجاسته ذاتا و لا عرضا، أما الأول فلعدم كونه من أجزاء الميتة، لأنه اللبن- كما عرفت- و أما الثاني فلعدم ملاقاته مع نجس يوجب تنجسه، لفرض طهارة الظرف.

و أما إذا كانت اسما للمجموع فظاهر. هذا كله في النجاسة الذاتية.

______________________________
[1] كرواية أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر- ع- (في حديث): «ان قتادة قال له: أخبرني عن الجبن؟ فقال: لا بأس به. فقال: انه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة؟ فقال: ليس به بأس، ان الإنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم إنما تخرج من بين فرث و دم، و إنما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة.» ضعيفة بمحمد بن فضيل أو مجهولة به، و قد استدل بها على ان مسمى الانفحة هو المائع الأصفر- اعني المظروف- و يمكن دفعه بان المراد فيها و ان كان ذلك، إلا انه مع القرينة، و الاستعمال أعم من الحقيقة.

و رواية يونس عنهم عليهم السلام قالوا: «خمسة أشياء ذكية مما فيه منافع الخلق الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر.» مجهولة بإسماعيل بن مرار و هي أيضا تدل على ان طهارة الإنفحة لأجل الانتفاع بها، فيتعين ان يكون المراد المظروف.

(الوسائل ج 16 ص 444 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1 و 2).

و رواية فتح بن يزيد الجرجاني المتقدمة في ص 385.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 393‌

..........

______________________________
و أما النجاسة العرضية القابلة للزوال بالتطهير فلا إشكال في عروضها على الظرف- لو قلنا بطهارتها ذاتا- لتنجسه بملاقاة رطوبات باطن الميتة.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن القدر المتيقن في الحكم بالطهارة إنما هو المظروف و باطن الظرف، و أما ظاهره فباق تحت عموم ما دل على نجاسة أجزاء الميتة، و معه لا مجال للتمسك بأصالة الطهارة في إثبات طهارته- كما عن المدارك- إذ لا مجال للأصل مع الدليل، و منع دليل عام على نجاسة مطلق أجزاء الميتة كما عنه «قده» ممنوع كما سبق «1».

ثم ان الظاهر عدم اختصاص الحكم بإنفحة الجدي و الحمل المذكورة في بعض الروايات [1] لوجود الإطلاقات [2] الشاملة لمطلق الميتة فالتقييد في مثل صحيحة زرارة و غيرها بالجدي أو الحمل لا يوجب تقييد الإطلاقات، لعدم التنافي بين المثبتين، و لعل ذكر هذه الحيوانات من باب غلبة الاستفادة من انفحتها في الجبن، على انه لا يحتمل الفرق بين الحيوانات المحللة‌

______________________________
[1] كصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه- ع- قال: «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي؟ قال لا بأس به.»

و رواية حسين بن زرارة عن ابى عبد اللّه- ع- (في حديث) قال: «سأله ابى عن الإنفحة في بطن العناق و الجدي، و هو ميت؟ قال لا بأس به.» ضعيفة به كما تقدم في تعليقة ص 345 (الوسائل ج 16 ص 448 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 9 و 11).

[2] كرواية أبي حمزة الثمالي، و رواية يونس المتقدمتين في تعليقة ص 392 و رواية الفتح بن يزيد الجرجاني المتقدمة في ص 385، و رواية الحسين بن زرارة، و مرسلة الصدوق المتقدمتين في تعليقة ص 379. و قد تقدم تضعيف جميع ذلك، فلاحظ.

______________________________
(1) في ص 373- 374.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 394‌

و كذا اللبن في الضرع (1) و لا ينجس بملاقاة الضرع النجس، لكن الأحوط في اللبن الاجتناب.

______________________________
و لم يقل أحد بذلك أيضا، فلا بد من حمل القيد على الغالب و لو لم يكن هناك إطلاق.

الفرق بين إنفحة المأكول و غير المأكول.

ربما (يتوهم) شمول إطلاقات الباب لكل حيوان كانت له إنفحة و لو كان محرم الأكل، فتكون انفحته طاهرة، و محلل الأكل.

و (يندفع) بأن دليل استثناء الانفحة- و هي الاخبار- إنما ينظر الى نفى النجاسة و الحرمة الطارئتين على الحيوان بسبب الموت لا من جميع الجهات، فلا ينافي ثبوت الحرمة له من جهة أخرى، ككون الحيوان مما يحرم أكله ذاتا- كالثعلب و الذئب و الأرنب و نحو ذلك- أو عرضا، كالحيوان المغصوب أو المسموم بسم يضر بآكله، و نحو ذلك من موجبات الحرمة، فالاطلاقات غير شاملة للحيوانات المحرم أكلها، لاختصاصها بنفي النجاسة و الحرمة من جهة كونها ميتة لا من جميع الجهات. و بعبارة واضحة: ان الاخبار التي دلت على طهارة الإنفحة إنما تخصص أو تقيد عموم أو إطلاق ما دل على نجاسة أجزاء الميتة و حرمتها، و أما عموم سائر الأدلة الدالة على الحرمة من جهات أخر فباق على حاله، و هي بخلاف البيضة حيث انها لا تحتاج في طهارتها الى دليل، لأنها مما لا تحله الحياة فتكون طاهرة حتى من محرم الأكل، فما عن غير واحد من الحكم بطهارة الإنفحة و إن كانت من غير المأكول ضعيف غايته.

لبن الضرع

(1) اختلف الأصحاب في طهارة لبن ضرع الميتة، فعن المشهور- كما‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 395‌

..........

______________________________
عن اللمعة و البيان-
«1» القول بالطهارة، و عن الذخيرة انه مذهب الشيخ و الصدوق و كثير من الأصحاب. بل عن الشهيد في الدروس ان رواية التحريم ضعيفة و القائل بها نادر. بل عن الخلاف و الغنية نقل الإجماع على الطهارة.

و ذهب جماعة إلى القول بالنجاسة منهم العلامة في جملة من كتبه، و المحقق الثاني. بل عن المنتهى و جامع المقاصد أنه المشهور. بل عن السرائر انه لا خلاف فيه بين المحصلين من أصحابنا، لأنه مائع في ميتة ملامس لها، لكن رده في كشف الرموز بقوله: «ان الشيخين مخالفاه و المرتضى و أتباعه غير ناطقين به فما أعرف من بقي معه من المحصلين» و كيف كان فالمسألة ذات قولين، و الأقوى هو الأول للروايات الكثيرة التي فيها الصحاح و الموثقات الدالة على الطهارة.

كصحيحة زرارة «2» (في حديث) قلت: «اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت؟ قال لا بأس به.»‌

و صحيحة حريز أو حسنته «3».

و في هذه الاخبار غنى و كفاية في الدلالة على المطلوب، و لا بد من الالتزام أيضا إما بطهارة باطن الضرع، و كذا المقدار الذي يصيب اللبن حين الحلب من ظاهر ثقبه، و إما بعدم انفعال اللبن بملاقاة الميتة- بهذا المقدار- صونا لكلام الحكيم عن اللغوية، هذا.

______________________________
(1) كما في مفتاح الكرامة ج 1 ص 154.

(2) الوسائل ج 16 ص 448 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 9.

(3) المتقدمة في تعليقة ص 373.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 396‌

..........

______________________________
و الذي يمكن أن يستدل به للقول الثاني- أي نجاسة اللبن في ضرع الميتة- وجوه ثلاثة لا يعتمد على شي‌ء منها.

(الأول): قاعدة الانفعال، فان اللبن و إن لم يكن نجسا في نفسه لعدم كونه جزءا من الميتة إلا انه يلاقي الضرع الذي هو من أجزائها فيتنجس به، و لميعانه غير قابل للتطهير، و الى ذلك يشير ما تقدم من كلام السرائر من أنه «مائع في ميتة ملامس لها».

و (يندفع): بأن هذه القاعدة ليست من القواعد العقلية التي لا تقبل التخصيص، بل هي قاعدة تعبدية لا مانع من تخصيصها بالأخبار المعتبرة الدالة على طهارة اللبن في ضرع الميتة، فنلتزم بعدم انفعاله بالملاقاة، أو بطهارة باطن الضرع- كما أشرنا- و تخصيص هذه القاعدة غير عزيز- كما التزمنا به في ماء الاستنجاء.

(الثاني): رواية وهب بن وهب «1» عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام:

«ان عليا عليه السّلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟ فقال علىّ عليه السّلام: ذلك الحرام محضا».

و (يندفع): بأن هذه الرواية في غاية الضعف لأن وهب و هو أبو البختري كذاب عامي. بل قيل في حقه إنه من أكذب البرية، فلا بد من طرحها أو حملها على التقية، لموافقتها لمذهب أكثر العامة [1].

______________________________
[1] (المالكية) قالوا بنجاسة جميع الخارج من الميتة و (الشافعية) قالوا بنجاسة جميع الخارج منها إلا البيض إذا تصلب قشره و (الحنابلة) قالوا بنجاسة جميع الخارج منها إلا البيض الخارج من ميتة

______________________________
(1) الوسائل ج 16 ص 449 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 10.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 397‌

..........

______________________________
(الثالث): مكاتبة الجرجاني المتقدمة
«1» لحصرها ما ينتفع به من الميتة في الصوف و الشعر و الوبر و الانفحة و القرن، للتصريح فيها بأنه لا يتعدى الى غيرها، فتدل على نجاسة غير المذكورات و منه اللبن.

و (فيه): أولا: ما سبق من ضعف المكاتبة سندا، و ثانيا: ان غايتها العموم فتكون قابلة للتخصيص بالروايات الدالة على طهارة اللبن كقاعدة الانفعال التي خصصناها بها.

فتحصل مما ذكرنا: ان الأقوى هو القول بالطهارة، و أن القول بالنجاسة ضعيف غايته.

و العجب من شيخنا الأنصاري «قده» حيث انه بعد ان ناقش في هذه الوجوه بما يقرب مما ذكرنا، و قوى القول بالطهارة تصدى لتقوية القول بالنجاسة بما هو غريب منه. و حاصل ما أفاده في وجهه هو ان روايات الباب متعارضة، و لكن الترجيح مع ما دل على النجاسة لموافقتها للقواعد العامة المسلمة و مخالفة أخبار الطهارة لها، فإن رواية وهب، و ان كانت ضعيفة السند بمن هو من أكذب البرية، و موافقة لمذهب العامة، إلا أنها منجبرة بالقاعدة كما ان روايات الطهارة، و إن كانت صحيحة و موثقة، إلا‌

______________________________
ما يؤكل لحمه ان تصلب قشره. و اما (الحنفية) فقالوا بطهارة ما خرج من الميتة من لبن و إنفحة و بيض رقيق القشر أو غليظها و نحو ذلك مما كان طاهرا حال الحياة. كذا في (الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 14- 15: الطبعة الخامسة).

فاتفقت ثلاثة من المذاهب على نجاسة «لبن الميتة».

______________________________
(1) في ص 385.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 398‌

..........

______________________________
أنها مخالفة للقاعدة. و طرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأصول المذهب غير عزيز، إلا أن تعضد بفتوى الأصحاب- كما في الانفحة- أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف، و ما نحن فيه ليس كذلك، لأن المسألة خلافية.

و لا يخفى ضعف هذا الكلام، و عدم الالتزام به من أحد من الأعلام و ان اشتهر بينهم انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور، و كسر قوتها بإعراضهم عنها، إلا أن هذا غير ما ذكره «قده» في المقام، و هو أيضا لم يلتزم به في الأصول حيث انه لم يعد هناك من المرجحات موافقة الرواية للقواعد العامة، و من موجبات الطرح مخالفتها لها. وجه الضعف هو ان القواعد الشرعية ليست إلا عمومات أو إطلاقات مستفادة من الروايات أو غيرها من الأدلة، و هي مهما بلغت في الظهور لا تأبى عن التخصيص، حتى قيل ما من عام إلا و قد خص، و مراده «قده» من القواعد التي أشار إليها في كلامه ليس إلا عموم دليل نجاسة أجزاء الميتة، و عموم ما دل على انفعال المائع بملاقاة النجس، و رواية وهب توافق هاتين القاعدتين، و روايات طهارة لبن الضرع تخالفهما، و لكن من المعلوم ان مجرد موافقة رواية ضعيفة لعموم أو إطلاق لا تصلح لجبر ضعفها و تقديمها على المعارض، و إن كان نفس العام أو المطلق معتبرا- في حد ذاته- إلا أن حجيتهما لا تستدعي حجية الخاص الموافق لهما، كما ان مخالفة رواية معتبرة لعموم أو إطلاق لا تسقطها عن الحجية. بل الأمر بالعكس فيخصص العموم و يقيد الإطلاق بها، و تخصيص العمومات و تقييد المطلقات مما لا يحصى عددا في الفقه.

فاذن لا مانع من الالتزام بعدم انفعال اللبن بملاقاة باطن الميتة تخصيصا في قاعدة الانفعال، أو بعدم نجاسة باطن الضرع تخصيصا في عموم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 399‌

خصوصا إذا كان من غير مأكول اللحم (1)

______________________________
نجاسة أجزاء الميتة بالروايات المعتبرة الدالة على طهارة اللبن في ضرعها.

فلا يقاس المقام على ما اشتهر من انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور و كسر اعتبارها بإعراضهم عنها، فان هذا الكلام و إن ناقشنا فيه في محله إلا أن له وجها نظرا الى دعوى أنهم من أهل الخبرة فعملهم برواية ضعيفة يوجب الوثوق بعثورهم على قرينة تدل على صدورها عن المعصوم عليه السّلام لم تصل إلينا، كما أن أعراضهم يقتضي العكس من ذلك، لكن أين هذا من موافقة رواية ضعيفة لعموم أو إطلاق، و مخالفة رواية معتبرة لهما، و لم يثبت أعراض المشهور عن روايات الطهارة في المقام كيف و قد عرفت ان القول بها هو الأشهر، بل المشهور لا سيما بملاحظة ما أسلفناه من كشف الرموز. فلزوم عمل المشهور برواية معتبرة مخالفة للقواعد العامة- كما أفاد- ممنوع كبرى و صغرى، لما عرفت من عمل المشهور بروايات المقام، فالأقوى هو القول بالطهارة.

الفرق بين لبن الحيوان المحرم أكله، و المحلل

(1) ربما يتوهم عدم الفرق بينهما، و ان لبن الميتة كبيضتها يكون طاهرا مطلقا و لو كان من الحيوان المحرم أكله نظرا إلى الإطلاقات، و لكن الظاهر أنه كالإنفحة فيختص الحكم بطهارته بما إذا كان من الحيوان المحلل لاختصاص بعض الروايات باستثناء لبن الشاة كصحيحة زرارة المتقدمة «1» و أما‌

______________________________
(1) في ص 395.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 400‌

و لا بد من غسل ظاهر (1) الإنفحة الملاقي للميتة.

هذا في ميتة غير نجس العين، و أما فيها فلا يستثني شي‌ء (2)

______________________________
المطلقات كحسنة حريز و رواية حسين بن زرارة
«1» فهي منصرفة عن المحرم أكله، لظهورها في إثبات الطهارة له من جهة الانتفاع به- كالإنفحة- و المنفعة الظاهرة منهما إنما هي الأكل دون غيره من الانتفاعات، و هذا بخلاف البيضة فإنا لا نحتاج في إثبات طهارتها الى دليل من الروايات، لأنها مما لا تحلها الحياة فهي طاهرة بمقتضى أصالة الطهارة الشاملة لما إذا كانت البيضة من الحيوان المحرم، و اللبن في الضرع و إن كان كذلك إلا انه يتنجس بملاقاة الميتة كالمائع الموجود في الانفحة، فنحتاج في إثبات طهارتهما بالفعل الى دليل من الروايات، و هي منصرفة إلى المحلل أكله- كما ذكرنا ذلك في الإنفحة و أشرنا آنفا.

(1) هذا إذا كانت الإنفحة نفس الظرف- أى الجلدة- كما هو ظاهر عبارته «قده» و هو الأرجح- كما عرفت- لتنجس ظاهرها حينئذ بملاقاة الميتة فيجب تطهيره من النجاسة العرضية، بخلاف ما لو كانت الانفحة المظروف- أى اللبن- فإنها لا تحتاج حينئذ إلى التطهير، لما ذكرنا من لزوم الالتزام إما بعدم انفعالها بملاقاة باطن الجلدة، أو بطهارة باطنها أيضا، و إلا فيكون الحكم بطهارة الانفحة لغوا لأنها- على هذا القول- مائع لو تنجس بالملاقاة لا يقبل التطهير و لو جمد بعد ذلك مع ان الروايات قد دلت على طهارتها بالفعل.

(2) لاختصاص أدلة الاستثناء بنجاسة الميتة، فلا تشمل النجاسة‌

______________________________
(1) تقدمت الاولى في تعليقة ص 373 و الثانية في تعليقة ص 379.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 401‌

..........

______________________________
الذاتية، لأن ظاهر الروايات المتقدمة عدم تأثير الموت في نجاسة ما لا تحله الحياة من الميتة، و كذا الانفحة، و لبن الضرع، فلا تنافي ثبوت النجاسة لها من جهة أخرى.

و لم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن السيد المرتضى «قده» «1» في الناصريات فحكم بطهارة شعر الكلب و الخنزير. بل استظهر منه ذلك في كل ما لا تحله الحياة من نجس العين.

و لا يخفى ما فيه فان أدلة نجاستهما شاملة لجميع أجزائهما متصلة أو منفصلة ما تحله الحياة أو ما لا تحله حيا أو ميتا كما ذكرنا «2» ذلك في بحث نجاسة أجزاء الميتة، و ذلك لظهور الدليل- حسب الفهم العرفي- في ثبوت النجاسة لهذا الجسم بجميع أجزائه من دون دخل للهيئة الاتصالية أو الحياة فشعر الكلب- مثلا- و ان لم يصدق عليه عنوان الكلب إلا أنه يشمله دليل نجاسته.

فلا ينبغي توهم طهارة شعر الكلب أو الخنزير من جهة عدم صدق العنوان عليه- سواء أ كانا حيين أم ميتين.

كما لا ينبغي توهم الاستدلال على طهارة ما لا تحله الحياة من ميتة نجس العين بما دل على طهارته من الميتة، لاندفاعه بأن ظاهر الدليل المذكور هو ان الموت لا يؤثر في نجاسة ما لا تحله الروح من الحيوان لا أنه يقتضي طهارته، فان الموت إذا لم يوجب النجاسة فلا يوجب الطهارة، فإذن لا ينافي ذلك ثبوت النجاسة له من جهة أخرى، ككون الحيوان نجسا ذاتا.

______________________________
(1) كما في مفتاح الكرامة ج 1- ص 139.

(2) في ص 374 و 380.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 402‌

..........

______________________________
كما لا ينبغي الاستدلال على طهارة شعر الخنزير.

بصحيحة زرارة «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أ يتوضأ من ذلك الماء؟

قال: لا بأس».

(بتوهم) أن نفى البأس عن الماء الذي يستقى به دال على طهارته و الا لتنجس الماء بملاقاته، أو بوقوع قطرات منه في ماء الدلو. ل‍ (اندفاعه) بأن الحكم بطهارة ماء الدلو أعم من طهارة الشعر المستقي به.

أما أولا: فلا مكان أن يكون ذلك من جهة احتمال عدم اصابة الشعر أو ما يتقاطر منه لماء الدلو، لا سيما إذا كان بينهما فاصل بقطعة حبل آخر.

و أما ثانيا: فلأنه لو سلمت الإصابة فغاية ما هناك دلالة الصحيحة على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس لا عدم نجاسة الملاقي- أى الشعر- فتكون معارضة بما دل على انفعاله، و لا بد من العلاج على ما ذكرناه في بحث انفعال القليل «2» بل لا يبعد دعوى دلالة الصحيحة على المفروغية عن نجاسة شعر الخنزير، لسؤال الراوي عن حكم الماء المستقي به دون نفس الشعر و كيف كان فلا يصح الاستدلال بهذه الصحيحة على مذهب السيد المرتضى «قده» بوجه، فالأقوى ما عليه المشهور من نجاسة أجزاء ميتة نجس العين مطلقا و إن لم تحلها الحياة.

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 125 الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.

(2) في الجزء الأول ص 139- 140 الطبعة الثالثة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 403‌

[ (مسألة 1) الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة]

(مسألة 1) الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميت (1)

______________________________
الأجزاء المبانة من الحي

(1) كما هو المعروف. بل لم ينقل الخلاف فيه منا [1] حتى ادعى «2» إجماع الشيعة على نجاسة القطعة المبانة من الحي، و في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب.

و ربما (يستدل): لنجاستها بصدق الميتة على الجزء المبان من الحي، لأنها عبارة عما خرج عنه الروح، و هذا مشترك بين الكل و البعض، فاذن يشمله دليل نجاسة الميتة لصدق الميتة على البعض كما تصدق على الكل- حكى ذلك عن المنتهى.

و (فيه): ان هذا المعنى و إن كان صحيحا بحسب الدقة العقلية، إلا انه لا يساعده الفهم العرفي- الذي هو المعيار في مفاهيم الألفاظ- لعدم شمول لفظ «الميتة»- في نظرهم- للقطعة المبانة من الحي و إن خرج عنها الروح. بل هي عندهم الحيوان الميت، و من هنا لا يحتمل شمول مثل الروايات المتضمنة للسؤال عن وقوع الميتة في السمن أو الزيت و نحوهما للقطعة المبانة من الحي، كما ان دعوى تعميم الملاك واضحة المنع، كدعوى ظهور الروايات الدالة على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة معللة بأنه ليس فيه روح «3» في ان العبرة في النجاسة بما فيه الروح و لو كان بعض الحيوان، لاختصاص تلك‌

______________________________
[1] خالفنا من العامة الحنفية، و اما باقي المذاهب فاتفقوا على النجاسة راجع (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 19- الطبعة الخامسة).

______________________________
(2) كما عن شرح المفاتيح.

(3) كما في صحيحة الحلبي المتقدمة في ص 378.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 404‌

..........

______________________________
الروايات بإجزاء الميتة فلا تشمل الجزء المبان من الحي، فإذن لا بد من التماس دليل آخر، و يدل على نجاسته طائفتان من الروايات.

(الاولى)- الروايات الواردة فيما قطعته حبالات الصيد.

(منها): صحيحة محمد بن قيس أو حسنته «1» عن أبى جعفر عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت، و كلوا مما أدركتم حيا، و ذكرتم اسم اللّه عليه».

(و منها): موثقة عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه «2» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت.»‌

و نحوهما غيرهما [1] و قد دلت هذه الروايات على أن القطعة المبانة من الحي- في الصيد- بمنزلة الميتة، و عموم التنزيل يشمل جميع الآثار أو الآثار الظاهرة، و لا ريب في ان النجاسة من أظهر آثار الميتة فتكون ثابتة لما نزل منزلتها، و معه لا ينبغي الإصغاء إلى مناقشة المحقق الهمداني «قده» «4» في شمول التنزيل لأثر النجاسة و اختصاصه بحرمة الأكل، لأنه تخصيص بلا‌

______________________________
[1] في (الباب المتقدم). و في بعض الروايات ما يدل على نجاسة القطعة المبانة من الإنسان.

كمرسلة أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه- ع- قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة.»

(الوسائل ج 2 ص 931 الباب 2 من أبواب غسل المس، الحديث 1).

______________________________
(1) الوسائل ج 16 ص 285 الباب 24 من أبواب الصيد، الحديث 1.

(2) الوسائل ج 16 ص 285 الباب 24 من أبواب الصيد، الحديث 2.

(4) مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 537.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 405‌

..........

______________________________
مخصص بعد ظهور كون النجاسة من أظهر آثار الميتة كالحرمة.

ثم ان نسبة كون ما أخذته الحبالة ميتا الى أمير المؤمنين عليه السّلام- في صحيحة محمد بن قيس- مما يشهد لما ذكرناه من عدم صدق الميتة على القطعة المبانة من الحي- عرفا- و الا فلا حاجة الى نسبة كونها ميتة الى أمير المؤمنين عليه السّلام، فان صدق المفاهيم العرفية على مصاديقها الواقعية موكول الى نظر العرف لا الشرع، فيظهر من ذلك أن صدقها على القطع المبانة إنما يكون بالتنزيل و تعبد من الشارع لا على وجه الحقيقة، و قد ذكرنا شموله للأثرين- الحرمة و النجاسة.

(الطائفة الثانية) الروايات الواردة في الاليات المقطوعة من الغنم الأحياء. و هي عديدة.

(منها): موثقة أبي بصير [1] عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «في أليات الضأن تقطع و هي أحياء؟ انها ميتة».

و نحوها غيرها [2] و هذه و إن وردت في خصوص الاليات المقطوعة‌

______________________________
[1] الوسائل ج 16 ص 360 الباب 30 من أبواب الذبائح، الحديث 3 و في طريقها «علي بن الحكم» و هو على تقدير اشتراكه بين الثقة و غيره يكون هو الثقة بقرينة رواية «أحمد بن محمد» عنه و هو إما ابن عيسى أو ابن خالد البرقي.

[2] كرواية الكاهلي قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه- ع- و أنا عنده عن قطع أليات الغنم؟ فقال:

لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح مالك. ثم قال: ان في كتاب علي- ع- إن ما قطع منها ميت لا ينتفع به» (الوسائل في الباب المتقدم، الحديث 1).

ضعيفة ب‍ «عبد اللّه بن يحيى الكاهلي» لعدم ثبوت وثاقته و لا حسنه المصطلح الموجب للاعتماد على روايته، مضافا الى ضعفها عن طريق الكليني بسهل بن زياد.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 406‌

إلا الأجزاء الصغار (1) كالثالول و البثور، و كالجلدة التي تنفصل من الشفة، أو من بدن الأجرب عند الحك، و نحو ذلك.

______________________________
إلا انه يتم الحكم في غيرها بعدم القول بالفصل بين الأجزاء المبانة عن الحي.

بقي الكلام في الجزء الميت المتصل بالحيوان- بمعنى خروج الروح من جزء متصل بالبدن، كاليد و الرجل و نحوهما، كما في المفلوج- فهل يحكم بنجاسته أيضا؟ الظاهر العدم، لعدم شمول الأخبار المتقدمة له، لاختصاصها بالجزء المنفصل، كما انه لا يشمله لفظ «الميتة» لعدم شمولها للجزء المنفصل فضلا عن المتصل، لأنها وصف للحيوان دون بعضه. هذا مضافا الى قيام السيرة القطعية على عدم الاجتناب عن أعضاء المفلوج و نحوه ما دام متصلا ببدنه، و لم ينقل عن أحد من الأعلام القول بنجاسته، فيرجع فيه الى أصالة الطهارة. نعم: لو ضعف الاتصال بحيث عد منفصلا- عرفا- يحكم بنجاسته كما إذا اتصل العضو- كاليد- بجلدة رقيقة.

(1) كما هو المعروف، لقاعدة الطهارة بعد عدم شمول دليل النجاسة- من الروايات المتقدمة «1» الواردة في المقطوع بحبالات الصيد و المقطوع من أليات الغنم- لمثل الأجزاء المذكورة و نحوها، كما يعلو الجراحات و‌

______________________________
و رواية حسن بن علي الوشاء قال: «سألت أبا الحسن- ع- فقلت جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ قال: هي حرام (حرام و هي ميتة خ ل) فقلت جعلت فداك يستصبح بها؟ فقال: اما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» (الوسائل في الباب المتقدم، الحديث 2).

ضعيفة ب‍ «معلى بن محمد البصري» و المراد بقوله- ع-: و هو حرام النجاسة، لعدم حرمة إصابة اليد و الثوب للنجس قطعا.

______________________________
(1) في ص 404.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 407‌

..........

______________________________
الدماميل و ما يحصل في الأظفار أو يكون على باطن القدم، لأنها لا تعد جزء من بدن الحيوان- عرفا- بل هي في نظرهم من الأوساخ و الفضولات فلا تشملها الروايات المذكورة، لاختصاصها بأجزاء الحيوان و إن كانت صغيرة.

و ربما يستدل للطهارة- كما عن المدارك و غيره.

بصحيحة على بن جعفر «1»: «انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له ان يقطع الثالول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال: ان لم يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله».

بدعوى: ان جهة السؤال فيها و إن كانت مختصة بمعرفة حكم هذا الفعل من حيث مانعيته عن الصلاة- كما ربما يؤيده سؤاله قبل ذلك: «عن الرجل يتحرك بعض أسنانه و هو في الصلاة هل ينزعه؟ قال: ان كان لا يدميه فلينزعه، و إن كان يدميه فلينصرف» «2»- لكن أجاب الإمام عليه السّلام- تفضلا منه- بزيادة نفى المحذور عنه من جميع الجهات بقرينة تقييد الجواز بعدم سيلان الدم، فإنه يدل على انه عليه السّلام أراد بيان الجواز الفعلي و من جميع الجهات، و إلا لم يكن وجه للتقييد بما يكون خارجا عن محل السؤال، إذ عدم كون قطع الثالول فعلا كثيرا غير قادح في الصلاة لا يفرق فيه بين ان‌

______________________________
(1) الوسائل ج 4 ص 1247 و 1277 الباب 2، الحديث 15 و الباب 27، الحديث 1 من أبواب قواطع الصلاة.

و في الباب 63 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1082، الحديث 1.

(2) الوسائل ج 4 ص 1277 الباب 27 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 408‌

..........

______________________________
يوجب سيلان الدم أم لا، فاذن يتمسك بإطلاقها من حيث إصابة اليد المرطوبة و لو برطوبة العرق للثالول المقطوع و عدمها من جهة ترك الاستفصال في الجواب، فتدل على الطهارة، و إلا وجب التنبيه على تنجس اليد بإصابتها مع الرطوبة، لبطلان الصلاة مع نجاسة البدن، و هذا مع قطع النظر عن عدم جواز حمل النجس في الصلاة، و إلا فلا يعتبر رطوبة اليد أيضا، لأنه لو قطعها بيده كان حاملا للنجس- و لو في زمان قليل- حال الصلاة و هو يوجب البطلان- كما قيل.

و الجواب عن ذلك: أن الصحيحة لا تصلح للاستدلال و إن لم تكن خالية عن الاشعار و إن أصر شيخنا الأنصاري «قده» على دلالتها أشد إصرار إذ لا قرينية للقيد المذكور على ارادة بيان الجواز من جميع الجهات، لأن ذكره إنما هو من أجل كونه أثرا غالبيا لقطع الثالول، فإنه يستلزم- غالبا- خروج الدم، و هو يوجب تنجس البدن و اللباس الموجب لبطلان الصلاة، و أما تنجس اليد بملاقاة نفس الثالول المقطوع مع الرطوبة- على تقدير نجاسته- فليس كذلك، لإمكان قطعه بتوسيط آلة أو اليد اليابسة، و أما المنع عن حمل النجس في الصلاة- لا سيما هذا المقدار- فغير ثابت، و إنما الثابت المنع عن لبسه في الصلاة. و بالجملة: تنجس اليد بالثالول المقطوع ليس أثرا غالبيا لقطعه، و الحمل و إن كان كذلك إلا انه لا يضر، كما ذكر. و السؤال إنما يختص بمعرفة حكم قطع الثالول في الصلاة من جهة توهم انه فعل كثير قاطع للصلاة، فالجواب بعدم البأس يختص ببيان حكمه من هذه الجهة، فاذن العمدة في الاستدلال هي أصالة الطهارة بعد عدم قيام دليل على النجاسة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 409‌

[ (مسألة 2) فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى]

(مسألة 2) فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى (1)

______________________________
فأرة المسك

(1) فأرة المسك هي جلدة يتكون فيها دم مجتمع في أطراف سرة الغزال، ثم يعرض للموضع حكة يسقط بسببها الجلدة، و يسمى الدم المجتمع فيها بالمسك، و نفس الجلدة بفأرة المسك، و هي على أقسام ثلاثة، لأنها إما أن تنفصل عن المذكى، أو الحي، أو الميتة.

أما (فأرة المذكى): فلا إشكال في طهارتها، لأنها كبقية أجزائه محكومة بالطهارة.

و أما (فأرة الحي):- أي المنفصلة عن الغزال حال حياته- فالمشهور طهارتها. بل عن ظاهر التذكرة و الذكرى دعوى الإجماع عليها، و عن كاشف اللثام القول بالنجاسة سواء انفصلت عن حي أم ميت، إلا إذا كان ذكيا، و مقتضى القاعدة هو الحكم بالطهارة، لعدم دليل على النجاسة عدا ما (يتوهم): من كونها من القطعة المبانة من الحي، و قد تقدم أنها بحكم الميتة في الحكم بالنجاسة.

و (يندفع): بانصراف دليلها عن مثل فأرة المسك من أجزاء الحيوان التي تكون في عرضة الانفصال عنه بطبعها، بحيث كأنها من فضول بدنه التي لا يعتد بانفصالها عن الحي، فلا يشملها دليل نجاسة القطعة المبانة من روايات «1» الألية المقطوعة، و ما قطعته حبالات الصيد، لانصرافها الى غير ما ذكر من الأجزاء. بل ربما يقال بعدم كونها من اجزاء الظبي في نظر العرف لأنها في نظرهم من ثمراته، و إن كانت متصلة ببدنه- كثمرة الشجرة، و بيضة‌

______________________________
(1) المتقدمة في ص 404.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 410‌

..........

______________________________
الدجاجة- فتكون خارجة عن روايات القطعة المبانة من الحي موضوعا، و يحكم بطهارتها استقلالا، لا بتبع الحيوان.

و يؤيد الحكم بالطهارة غلبة اتخاذ المسك من فأره الحي التي يلتقطها سكان البوادي في البر من غزال المسك، فان غيره من أقسام المسك التي نشير إليها قليلة- كما قيل- فالقدر المتيقن من الأدلة الدالة على طهارته من الإجماع، و السيرة، و الروايات هو هذا القسم، فتكون فأرته أيضا محكومة بالطهارة، إذ الالتزام بعدم انفعاله بها، أو لزوم تطهير سطحه الظاهر، و إن كان ممكنا، إلا أنه بعيد غايته.

و عن كاشف اللثام- كما أشرنا- القول بنجاسة الفأرة مطلقا، و لو كانت منفصلة عن الحي، إلا المذكى، و في الجواهر «1» «أنى لم أعرف له موافقا عليه ممن تقدمه و تأخر عنه. بل لعله مجمع على خلافه في المنفصلة عن الحي» و مع ذلك فقد يستدل له.

بصحيحة عبد اللّه بن جعفر «2» قال: «كتبت إليه- يعني أبا محمد عليه السّلام- يجوز للرجل أن يصلى و معه فأرة المسك؟ فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا».

حيث دلت بمفهومها على ثبوت البأس بفأرة غير المذكى، سواء أ كانت من حي، أم ميت، و لا يحتمل ثبوت البأس في المقام من غير جهة النجاسة و إن كان المنع عن الصلاة في شي‌ء أعم من ذلك كالمنع عن الحرير، و المغصوب و غير المأكول.

______________________________
(1) ج 5 ص 319 طبعة النجف.

(2) الوسائل ج 3 ص 315 الباب 41 من أبواب لباس المصلي، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 411‌

..........

______________________________
و لا يخفى أن الاستدلال بهذه الصحيحة على نجاسة مطلق الفأرة يبتنى على أمرين كليهما محل المناقشة:

(الأول) رجوع الضمير المذكر في قوله عليه السّلام: «إذا كان ذكيا» إلى الظبي المتصيد من ذكر الفأرة (الثاني) مقابلة المذكى للحي و الميتة- معا- لا خصوص الميتة.

و (يدفع الأول) أنه لا تعين في رجوع الضمير إلى الظبي المقدر في الكلام، إذ يحتمل رجوعه الى «ما معه» الصادق على الفأرة، فتدل الرواية على أن للفأرة قسمين ذكية و غير ذكية، فيجوز حمل الأولى في الصلاة، دون الثانية، و ذكاة الفأرة أعم من كونها متخذة من الظبي المذكى، أو من الحي، كما أنها أعم من الطهارة الذاتية، و عدم عروض نجاسة خارجية. و الحاصل: أن الرواية- على هذا الاحتمال- لا دلالة فيها على أكثر من نجاسة قسم من الفأرة، و يكفى فيه نجاسة المنفصلة عن الميت، و مع تردد الرواية بين الاحتمالين تصبح مجملة لا تكون دليلا للخصم.

و (يدفع الثاني) أن المذكى في مقابل الميتة خاصة، لأنهما- في اصطلاح الشرع- قسمان للحيوان الذي زهق روحه، و أما الحي فهو قسيم لمقسمهما، لا لهما، فالتقييد في الرواية بالمذكى إنما هو في مقابل الميتة، لا الأعم منها و من الحي. فتحصل: أن الأقوى هو طهارة فأرة المسك المبانة من الحي.

و أما (المبانة عن الميت) فهل يحكم بنجاستها- كما عن بعضهم كالعلامة في المنتهى- أو هي محكومة بالطهارة أيضا- كما عن المشهور- يبتنى ذلك على أن تكون الفأرة من أجزاء الظبي و لو كانت معدة للانفصال، أو أنها من ثمراته الخارجة عنه و لو كانت متصلة ببدنه نظير بيضة الدجاجة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 412‌

..........

______________________________
فإن قلنا بالأول- كما هو الأقرب- يحكم بنجاستها، لعموم ما دل على نجاسة الميتة بجميع أجزائها التي تحل فيها الحياة مطلقا، و لا منافاة بين شمول دليل نجاسة الميتة لجميع أجزائها حتى المعدة للانفصال، و عدم شمول دليل تنزيل القطعة المبانة من الحي منزلة الميتة لمثل هذا الجزء- كما ذكرنا في الفأرة المبانة عن الحي- و ذلك لأن مورد السؤال في روايات القطع المبانة من الحي هو الجزء المعد للاتصال، كأليات الغنم، و ما قطعته حبالات الصيد من يد الحيوان، و رجله، و نحو ذلك، بخلاف دليل نجاسة الميتة فإن موضوع الحكم فيها عنوان الميتة الصادق على جميع أجزائها حتى المستعدة للانفصال.

و (دعوى): عدم حلول الحياة في الفأرة، فتكون كالصوف و الشعر محكومة بالطهارة.

ظاهرة (الدفع): لظهور حلول الحياة فيها لأنها جلدة كبقية جلود الحيوانات.

و لو قلنا بالثاني حكم بطهارتها و لو كانت مبانة من الميت، لعدم كونها حينئذ من أجزاء الميتة، إذ هي نظير البيضة المتكونة في بطن الدجاجة خارجة عن اجزاء الحيوان محكومة بحكم مستقل، و إن كانت متصلة به نحو اتصال نظير كون الدجاجة ظرفا للبيضة المتكونة في جوفها. هذا كله فيما تقتضيه القاعدة الأولية.

و أما بالنظر الى الروايات فهل يختلف الحكم عن مقتضى القواعد العامة أو لا؟ فنقول: قد ورد في المقام ما قد (يستدل) به من الروايات على طهارة فأرة المسك مطلقا سواء أبينت من الحي، أم من الميت، و هي صحيحة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 413‌

نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك (1)

______________________________
على بن جعفر
«1» عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلى، و هي في جيبه، أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك».

فان مقتضى ترك الاستفصال في الجواب بين المتخذة من الميتة، أو الحي عدم الفرق بينهما في جواز الحمل حال الصلاة.

و (يضعفه) أن الاستدلال بها يتوقف على عدم جواز حمل النجس، أو خصوص الميتة في الصلاة، و كلاهما محل منع- كما يأتي في محله- فجواز الحمل في الصلاة لازم أعم للطهارة هذا أولا.

و ثانيا: أنها منصرفة إلى ما هو المتعارف من أقسام الفأرة و هي التي تنفصل عن الحي- كما ذكرنا- فاذن لا إطلاق في الصحيحة تشمل الفأرة المبانة عن الميت.

هذا كله بالنسبة إلى نفس الفأرة. و تحصل: أن المبانة عن المذكى، و الحي طاهرة و أما المبانة عن الميت فالأظهر أنها نجسة، و أما المسك الموجود فيها فيأتي الكلام فيه بعيد هذا.

(1) و هذا هو المسك المتعارف و هو مسك الفأرة، و الا فلا إشكال في نجاسة بعض أقسامه المتخذ من دم الظبي، و لتوضيح الحال لا بأس بذكر ما حكاه شيخنا الأنصاري «قده» عن التحفة في بيان أقسام المسك و أعقب كلا منها بحكمه، و هي أربعة.

(أحدها): المسك التركي، و هو دم يقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير، فينجمد على الأحجار.

______________________________
(1) الوسائل ج 3 ص 314 الباب 41 من أبواب لباس المصلي، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 414‌

..........

______________________________
(ثانيها): المسك الهندي، و لونه أخضر، و هو دم ذبح الظبي المعجون مع روثه، و كبده، و لونه أشقر، و قال «قده»: «و هذان مما لا إشكال في نجاستهما» و الأمر كما أفاد، لإطلاق أدلة نجاسة الدم و الانجماد أو الخلط بشي‌ء آخر ليسا من المطهرات، و لا مما يوجب الاستحالة لا سيما في الفرض الثاني، غاية ما هناك أنه دم ذو رائحة طيبة.

(ثالثها): دم يجتمع في سرة الظبي بعد صيده يحصل من شق موضع الفأرة، و تغميز أطراف السرة حتى يجتمع الدم فيجمد، و لونه أسود و قال «قده»: «و هو طاهر مع تذكية الظبي و نجس لا معها» أقول: لا بد من تقييده بما إذا كان اجتماع الدم في السرة قبل الذبح كي يكون من الدم المتخلف في الذبيحة، و إلا فهو نجس أيضا.

(رابعها): مسك الفأرة و هو دم يجتمع في أطراف سرة الظبي، ثم يعرض للموضع حكة يسقط بسببها الدم مع جلدة هي وعائه، و قد حكم بطهارة هذا القسم، و هو الصحيح لانه القدر المتيقن من الإجماع و السيرة القطعية على طهارة المسك.

و لصحيحة عبد اللّه بن سنان «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده و هي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برائحته».

و الحكم بطهارة هذا القسم اما من باب التخصيص في أدلة نجاسة الدم بما ذكر من الإجماع، و السيرة، و الرواية إن قلنا بأنه دم منجمد، أو من باب التخصص، اما بدعوى الاستحالة، أو عدم كونه من الأجزاء الدموية رأسا،

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1078 الباب 58 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 415‌

و أما المبانة من الميت ففيها اشكال (1).

و كذا في مسكها [1] (2)

______________________________
كما حكى ذلك عن بعض محققي الفن في هذه الأعصار بدعوى أن المسك مفهوم مباين للدم كالمني، و البول و نحوهما من فضلات الحيوان و ان كانت المواد المسكية يحملها دم الظبي فإذا وصلت الى الفأرة افرزت عن الاجزاء الدموية، لاشتمال الفأرة على آلة الافراز، و هذا الافراز يكون تدريجيا الى أن تمتلئ الفأرة من المسك، هكذا قيل. و لكن لا تترتب ثمرة عملية على تحقيق ذلك، لان هذا القسم من المسك محكومة بالطهارة على كل حال- كما عرفت- و لا إطلاق في دليله كي يشمل سائر الأقسام، فتلك محكومة بالنجاسة لعموم أدلة نجاسة الدم.

(1) وجه الاشكال هو عموم ما دل على نجاسة الميتة بجميع أجزائها و لو كانت معدة للانفصال، الا انه قد تقدم إمكان المناقشة في صغرى الجزئية لاحتمال كون الفأرة من ثمرات الظبي الخارجة عن اجزائه، و مع الشك في أنها جزية أم لا يرجع الى قاعدة الطهارة، و لكن الأقرب- كما ذكرنا- أنها تكون جزء لبدن الحيوان فيشملها دليل نجاسة الميتة.

(2) لا إشكال في طهارة مسك الفأرة الطاهرة، كالمبانة عن الحي أو المذكى، لعدم نجاسته ذاتا، لانه القدر المتيقن من أدلة طهارة المسك، و لا عرضا لان المفروض طهارة وعائه.

و أما مسك الفأرة النجسة- و هي المبانة عن الميت- فهل يحكم‌

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «و كذا في مسكها»: (الظاهر أن المسك في نفسه طاهر، نعم: لو علم بملاقاته النجس مع الرطوبة حكم بنجاسته).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 416‌

..........

______________________________
بطهارته أيضا؟ استشكل فيه المصنف «قده» و لا يخلو وجه الاشكال عن أحد أمرين:

(الأول): ان المسك دم فيشمله عموم دليل نجاسة الدم و القدر المتيقن من دليل الاستثناء- من الإجماع و السيرة و الرواية- هو مسك الفأرة الطاهرة و أما غيره فباق تحت العموم.

(الثاني): عموم دليل نجاسة أجزاء الميتة و منها دمها.

و (يندفع الأول): بأنه مبنى على ثبوت عموم أحوالي لدليل نجاسة الدم بحيث يمكن الالتزام بالتخصيص في بعض حالاته دون بعض، و هو ممنوع، فهذا الخاص إما ان يكون مشمولا لدليل نجاسة الدم مطلقا و في جميع حالاته أولا كذلك، و حيث أنه من المقطوع به خروجه عن العموم لو انفصل عن الظبي حال حياته فلا يمكن الالتزام بشموله له لو انفصل عنه بعد موته.

و (يندفع الثاني): بأن الدم و ان كان من اجزاء الميتة الا انه مما لا تحله الحياة، فإذن لا دليل على نجاسة مسك الفأرة النجسة لا من حيث كونه دما و لا من حيث كونه جزء للميتة فيرجع فيه الى أصالة الطهارة، فيحكم بطهارته أيضا، كما هو المشهور. بل في الجواهر «1» استظهار دعوى الإجماع على طهارة مطلق المسك- و لو كان مبانا عن الميتة- عن غير واحد من الأصحاب لو لم يكن صريحهم ذلك.

نعم قد تعرضه النجاسة بسبب ملاقاة الفأرة النجسة مع الرطوبة و ذلك فيما إذا لم ينجمد دم المسك حال حياة الظبي، أو انجمد و لكن لاقى‌

______________________________
(1) ج 5 ص 318 طبعة النجف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 417‌

نعم إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها [1] و لو لم يعلم أنها مبانة من الحي، أو الميت (1)

______________________________
الفأرة مع الرطوبة، فإنه يتنجس المسك حينئذ بملاقاة النجس، إلا أنها نجاسة عرضية غير قابلة للزوال في الفرض الأول، و قابلة له في الفرض الثاني بغسل سطحه الظاهر، أو إزالته بحك و نحوه، و قد يبقى على طهارته الذاتية، كما لو انجمد حال حياة الظبي، و لم يلاق الفأرة برطوبة. و من هنا ذكرنا في التعليقة:

«الظاهر أن المسك في نفسه طاهر نعم لو علم بملاقاته النجس مع الرطوبة حكم بنجاسته».

(1) صور الشك في طهارة فأرة المسك ثلاث نحتاج في الحكم بطهارة بعضها إلى أمارات التذكية دون بعض بمعنى أنه يحكم بطهارتها في بعض الصور و لو أخذت من يد الكافر.

(الأولى): أن يشك في أخذ الفأرة من الحي أو المذكى أو الميتة مع الشك في حياة الظبي بالفعل.

(الثانية): نفس الصورة مع العلم بموته في الحال- أي في زمان الشك في طهارة الفأرة.

(الثالثة): أن يعلم بأخذ الفأرة بعد موت الظبي مع الشك في ذكاته فان قلنا بمقالة كاشف اللثام من اعتبار التذكية في طهارة الفأرة فيحكم بالنجاسة في جميع الصور، لاستصحاب عدم التذكية- بناء على ما هو المعروف من ترتب النجاسة عليه- إلا أن تقوم أمارة على التذكية من يد المسلم و نحوها‌

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «يحكم بطهارتها»: (و كذا إذا أخذت من يد الكافر نعم: لو علمت انها مبانة من الميت، و تردد الأمر بين أخذها من المذكي، و غيره كان الحكم بالطهارة مختصا بما إذا أخذت من يد المسلم، أو ما بحكمها).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 418‌

..........

______________________________
و لكن قد عرفت ضعف هذا القول.

و أما على مقالة المشهور- المنصور عندنا- من طهارة الفأرة و لو أبينت من الحي، فيختلف الحال باختلاف الصور.

ففي (الصورة الأولى): يحكم بالطهارة من دون حاجة إلى أمارة على التذكية، لاستصحاب حياة الظبي إلى زمان الشك، و به يتم موضوع الإبانة من الحي بضم الوجدان الى الأصل، لأن الإبانة وجدانية، و حياة الظبي ثابتة بالأصل، و أي حاجة بنا إلى أمارة تدلنا على التذكية بعد ثبوت الطهارة بثبوت موضوعها، فالفأرة محكومة بالطهارة و لو أخذت من يد الكافر.

و كذا في (الصورة الثانية): و هي ما علم بموت الظبي، و شك في إبانة الفأرة منه قبل موته، أو بعده، و ذلك لاستصحاب الحياة إلى زمان الإبانة، و به يتم موضوع الطهارة- كما ذكرنا- و لا يعارضه استصحاب عدم الإبانة إلى زمان الموت، لأنه لا يثبت الإبانة بعده التي هي موضوع النجاسة الا على القول بالأصل المثبت، و لو سلم المعارضة كان المرجع بعد تساقطهما قاعدة الطهارة.

و هذا كله من دون فرق بين الجهل بتأريخ الحادثين- أعنى الموت و الإبانة- و العلم بتاريخ أحدهما دون الأخر، لما هو الصحيح عندنا من جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ أيضا كما مر تفصيله «1» ففي هذه الصورة أيضا يحكم بالطهارة، و لو أخذت من يد الكافر.

و أما (الصورة الثالثة):- و هي ما علم بأخذ فأرة المسك بعد موت الظبي مع الشك في ذكاته- فيحكم فيها بالنجاسة، لاستصحاب عدم‌

______________________________
(1) في الجزء الأول ص 195، الطبعة الثالثة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 419‌

[ (مسألة 3) ميتة ما لا نفس له طاهرة]

(مسألة 3) ميتة ما لا نفس له طاهرة (1) كالوزغ و العقرب و الخنفساء و السمك، و كذا الحية و التمساح، و ان قيل بكونهما ذا نفس، لعدم معلومية ذلك مع أنه إذا كان بعض الحياة كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك.

______________________________
التذكية المترتب عليه آثاره التي من جملتها النجاسة على المشهور، فنحتاج في الحكم بالطهارة إلى أمارة تدلنا على ذكاة الحيوان من يد المسلم، أو ما بحكمها.

هذا و لكن الصحيح عدم الحاجة إليها في هذه الصورة أيضا بناء على ما حققناه من أن استصحاب عدم التذكية لا يثبت النجاسة، لأنها من آثار الميتة و الأصل بالمزبور لا يثبتها- كما سيأتي «1» تفصيل الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالى- فالمرجع حينئذ قاعدة الطهارة، فما وقع منا في التعليقة من أنه «لو علمت أنها مبانة من الميت، و تردد الأمر بين أخذها من المذكى و غيره كان الحكم بالطهارة مختصا بما إذا أخذت من يد المسلم، أو ما بحكمها» مبنى على المسلك المعروف الذي عليه المصنف «قده» أيضا من ثبوت النجاسة باستصحاب عدم التذكية، فلا تغفل.

ميتة ما لا نفس له

(1) كما هو المعروف و المشهور بين الأصحاب بل عن جمع كثير «2» دعوى الإجماع على طهارتها و ينبغي التكلم في هذه المسألة في مقامين‌

______________________________
(1) في ذيل (مسألة 6 و 7).

(2) لاحظ مفتاح الكرامة ج 1 ص 148.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 420‌

..........

______________________________
(الأول) في كبرى طهارة ميتة ما لا نفس له من الحيوان الطاهر (الثاني) في حكم ميتة حيوان يشك في كونه ذا نفس أم لا حيث وقع الخلاف في بعض المصاديق كالحية و التمساح.

أما (المقام الأول): فلا ينبغي الإشكال فيه، بل لم نتحقق خلافا منا [1] في ثبوت كبرى طهارة ميتة ما لا نفس له من الحيوان الطاهر [2] نعم وقع الخلاف في طهارة بعض ما لا نفس له من الحيوان- كالوزغ و العقرب- فإنه ذهب بعض القدماء الى نجاستهما حيا- كما عن القاضي و الشيخ في بعض كلماته- و ذهب بعضهم إلى نجاسة خصوص الوزغ- كما عن المقنعة،

______________________________
[1] و اما العامة ففي (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة) عدوا من الأعيان الطاهرة ميتة الحيوان البري الذي ليس له دم يسيل، كالذباب و السوس و الجراد و النمل و البرغوث.

و ذكر في ذيل الصفحة خلاف (الشافعية) حيث انهم قالوا بنجاسة الميتة المذكورة ما عدا الجراد و خلاف (الحنابلة) حيث انهم قيدوا طهارة الميتة المذكورة بعدم تولدها من نجاسة كدود الجرح (ج 1 ص 12 من الكتاب المذكور الطبعة الخامسة).

[2] ربما يستظهر الخلاف عن ظاهر كل من يقول بوجوب نزح ثلاث دلاء بموت الوزغة و العقرب في البئر من القدماء القائلين بتنجس البئر بملاقاة النجس من دون تصريح منهم بطهارة ميتتهما كما عن «المبسوط، و النهاية، و الفقيه، و المهذب، و الإصباح» و لعل بعض هؤلاء يقولون بنجاستهما حيا كما نذكر في الشرح.

و عن الصدوق انه «إذا ماتت العظاية في اللبن حرم» و في المنجد «العظاية- دويبة ملساء أصغر من الحرذون تمشي مشيا سريعا ثم تقف، و تعرف عند العامة بالسقاية، و هي أنواع كثيرة» و من الظاهر ان «العظاية» مما لا نفس له فبذلك يمكن جعل الصدوق مخالفا في المسألة، إذ لا وجه للحرمة سوى النجاسة راجع (مفتاح الكرامة ج 1 ص 148 و 150).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 421‌

..........

______________________________
و المراسم و غيرهما-
«1» فاضافوا بهما إلى عدد النجاسات، كما عن بعضهم القول بنجاسة بعض الحيوان مما له النفس- كالثعلب و الأرنب- و البحث عن طهارة هذه الحيوانات و نجاستها حتى ما لا نفس له منها خارج عن محل الكلام، إذ الكلام هنا في نجاسة الميتة، لا الحيوان بما هو حيوان و سنتعرض لحكمها فيما بعد «2» تبعا للمصنف «قده» إن شاء اللّه تعالى.

و بالجملة تدل على الكبرى المذكورة- بعد دعوى التسالم و الإجماع- جملة من الروايات.

(منها): موثقة حفص بن غياث «3» عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة».

فإنها تدل بمفهوم الحصر على عدم فساد الماء بميتة ما لا نفس له، و هي إما مختصة منطوقا و مفهوما بميتة الحيوان، أو تعمها و مطلق ما يضاف اليه من دمه، و بوله و غائطه و نحو ذلك- كما استظهرناه «4» في بحث نجاسة البول و الغائط من الحيوان ذي النفس- و على أى تقدير فلا إشكال في دلالتها على حكم الميتة منطوقا، و مفهوما.

و (منها): موثقة عمار «5» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن‌

______________________________
(1) راجع مفتاح الكرامة ج 1 ص 150.

(2) في ذيل (مسألة 1) بعد ذكر النجاسات.

(3) الوسائل ج 2 ص 1051 الباب 35 من أبواب النجاسات، الحديث 2، و الباب 10 من أبواب الأسئار ج 1 ص 173، الحديث 2.

(4) في ص 302- 303.

(5) الوسائل ج 2 ص 1051 الباب 35 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 422‌

..........

______________________________
الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة، و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه؟ قال: كل ما ليس له دم فلا بأس».

و الظاهر أن المراد ان لا يكون له دم سائل، لا أصل الدم، و إلا فالذباب الواقع في السؤال له دم جزما إلا انه غير سائل، و ظاهر الجواب شمول نفى البأس له أيضا كسائر ما ذكر في السؤال فلا معارضة بين الروايتين.

و (منها): رواية أبي بصير «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) «و كل شي‌ء وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب و الخنافس، و أشباه ذلك فلا بأس».

و نحوها غيرها من الروايات «2» فتحصل ان الكبرى ثابتة، و ما نسب «3» إلى بعضهم من الخلاف في ميتة الوزغ و العقرب، كما عن الوسيلة، و المهذب يمكن إرجاعه إلى الخلاف في أصل طهارتهما حيا، على أنه مردود بما ذكرناه من الروايات الدالة على طهارة ميتة مطلق ما لا نفس له هذا كله في المقام الأول.

و أما (المقام الثاني): ففي حكم الحيوان المشكوك كونه ذا النفس، كالتمساح و الحية، فإنه ذهب بعضهم [1] الى وجود النفس لهما مطلقا أو في‌

______________________________
[1] كما عن القواعد، و الشهيد وجود النفس للتمساح (كما في مفتاح الكرامة ج 1 ص 133 و 137) و عن المعتبر، و غيره وجود النفس للحية (كما في مفتاح الكرامة ج 1 ص 118).

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 136 الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 11 ضعيفة بمحمد بن سنان.

(2) الوسائل ج 1 ص 1052 الباب 35 من أبواب النجاسات، الحديث 3 و 5 و 6.

(3) كما في الجواهر ج 5 ص 295 طبعة النجف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 423‌

[ (مسألة 4) إذا شك في شي‌ء أنه من أجزاء الحيوان، أم لا]

(مسألة 4) إذا شك في شي‌ء أنه من أجزاء الحيوان، أم لا فهو محكوم بالطهارة (1) و كذا إذا علم أنه من الحيوان لكن شك في أنه مما له دم سائل، أم لا.

______________________________
بعض أقسام الحية، و ان أنكره الأكثر. فنقول: ان ثبت وجود نفس سائلة لهما- و لو بالاختبار- فلا بد من الحكم بنجاسة ميتتهما و الا فيحكم بالطهارة سواء أ قلنا بجريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية أم لا أما «على الثاني» فواضح، لان المرجع حينئذ قاعدة الطهارة، لعدم جواز التمسك بعموم ما دل على نجاسة الميتة، فإنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية- بعد خروج ما لا نفس له عن العموم المذكور- و أما «على الأول»- كما هو المحقق عندنا- فلان الاستصحاب حينئذ يثبت الخاص الخارج عن عموم نجاسة الميتة لأنه أمر عدمي، و هو ما ليس له نفس سائلة، و المفروض أنه محكوم بالطهارة، و بذلك يفرق بين المقام و غيره مما يكون الخاص فيه عنوانا وجوديا كعنوان القرشية، فإنه باستصحاب عدمه يثبت موضوع العام، و هو ما ليس بذاك الخاص الوجودي، فيتمسك بالعموم، و هذا بخلاف المقام، فان الخاص فيه عنوان عدمي يثبته الاستصحاب، لا أنه ينفيه، و كذا كل ما كان من هذا القبيل، هذا فيما إذا شك في وجود نفس سائلة للتمساح أو الحية و كذا الحال فيما إذا تردد أن المشكوك من أى القسمين، كما إذا تردد الميتة بين الفارة و الوزغ مثلا أو علمنا أن بعض أقسام الحية ذو النفس و شك في حية أنها منه، أو من القسم الذي لا نفس له.

(1) هذا و ما بعده أيضا من الشبهات الموضوعية، و المرجع فيها قاعدة الطهارة، أو استصحاب عدم كون الشي‌ء من أجزاء الحيوان، أو مما له نفس سائلة، و به يثبت موضوع الخاص المحكوم بالطهارة، كما تقدم في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 424‌

[ (مسألة 5) المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه، أو قتل]

(مسألة 5) المراد من الميتة (1) أعم مما مات حتف أنفه، أو قتل، أو ذبح على غير الوجه الشرعي.

______________________________
المسألة الثالثة.

تعريف الميتة

(1) الميتة- في عرف الشارع- هي الحيوان الميت بسبب غير شرعي سواء مات حتف أنفه أو بسبب من أسباب الموت- كالتردى و الخنق و أكل السم و نحو ذلك- في مقابل الميت بسبب شرعي المعبر عنه بالمذكى، فالميتة شرعا أخص من الميتة في مقابل الحي، و أعم من الميتة بمعنى الميت حتف أنفه، لأن لها معنى بين المعنيين.

و نعم ما استشهد به شيخنا الأنصاري «قده» على ذلك من مقابلة الميتة للمذكى في جملة من الروايات، فإنها تدل على انهما- في نظر الشارع- من الضدين لا ثالث لهما، و حيث ان المذكى هو ما ذبح على الوجه الشرعي فتكون الميتة بخلافه.

(منها): موثقة سماعة «1» قال: «سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟

قال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و أما الميتة فلا».

فان المرمى بالسهم مع التسمية هو المذكى- شرعا- و في مقابله الميتة.

و (منها): حسنة على ابن أبي حمزة [1] (في حديث) قال عليه السّلام:

______________________________
[1] الوسائل ج 2 ص 1072 الباب 50 من الأبواب المتقدمة، الحديث 4 و في طريقها «محمد بن عيسى بن عبد اللّه الأشعري» والد احمد وثقه المتأخرون و لم يرد تصريح بوثاقته عن القدماء، الا ان

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1071 الباب 49 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 425‌

..........

______________________________
«و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا، و منه ما يكون ميتة.

فقال عليه السّلام: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه».

و (منها): مكاتبة القاسم الصيقل «1» قال: «كتبت الى الرضا عليه السّلام انى اعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة. (الى ان قال) فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية؟ فكتب عليه السّلام الى: كل اعمال البر بالصبر يرحمك اللّه، فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس».

و يمكن الاستشهاد للمطلوب أيضا بإطلاق الميتة- فيما تقدم «2» من الروايات- على ما قطعته حبالات الصيد من اجزاء الحي، و الاليات المقطوعة من الغنم الأحياء، لا سيما بملاحظة ما في بعضها من تعليل الحكم بنجاستها بأنها ميتة، فإنها تدل على أن ما لا تقع عليه الذكاة يكون ميتة في نظر الشارع و هذا واضح مما لا اشكال فيه.

موضوع النجاسة و حرمة الأكل و انما الكلام في ان موضوع النجاسة، و حرمة الأكل و غيرهما من الأحكام هل هو عنوان الميتة، أو غير المذكى؟ و هذان و ان كانا متلازمين في‌

______________________________
النجاشي ذكر انه شيخ القميين و وجه الأشاعرة و لعله يكفي ذلك في حسنه، و بذلك تكون الرواية حسنة، و اما علي بن أبي حمزة فقد وثقه الشيخ في العدة، و هو خيرة الأستاد دام ظله فيه.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1050 و 1070 الباب 34 و 49 من أبواب النجاسات، الحديث 4 و 1 مجهولة بالقاسم الصيقل.

(2) في ص 404- 405.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 426‌

..........

______________________________
الخارج، لما ذكرناه من أن المذكى، و الميتة ضدان لا ثالث لهما، لان موت الحيوان اما أن يستند الى سبب شرعي، فيكون مذكى، أو يستند الى سبب غير شرعي، فيكون ميتة، فوجود أحدهما يلازم عدم الأخر، الا أن الكلام في أن موضوع الأحكام هل هو عنوان وجودي- أي الميتة- لأنها في عرف المتشرعة عبارة عما استند موته الى سبب غير شرعي، أو العنوان العدمي- أي غير المذكى- إذ هو عبارة عما لم يستند موته الى سبب شرعي، فيكون أمرا عدميا.

و تظهر الثمرة بين الأمرين في المشكوك ذكاته، فإنه لو كان موضوع تلك الأحكام عنوان الميتة فلا تترتب على استصحاب عدم التذكية، الا على القول بالأصل المثبت الذي لا نقول بحجيته، و اما لو كان موضوعها غير المذكى كان أثر الاستصحاب ترتب تلك الأحكام، لأنها آثار لنفس المستصحب دون لازمه العقلي.

كلام مع صاحب المدارك خلافا لصاحب المدارك «قده» حيث أنكر حجية الاستصحاب و لو كانت النجاسة من آثار غير المذكى، و ذلك لعدم حجية الاستصحاب رأسا، و لو سلم العمل به فهو دليل ظني و النجاسة- سواء الميتة أم غيرها- لا تثبت إلا باليقين، أو بالظن الحاصل من البينة لو سلم عموم دليلها لها، مستشهدا لذلك بقول الصادق عليه السّلام في صحيحة الحلبي «1»- في الجلد المشكوك أنه ميتة أو مذكى-: «صل فيه حتى تعلم أنه ميت بعينه». و بقوله عليه السّلام‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1071 الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 427‌

..........

______________________________
في حسنة على ابن أبي حمزة
«1»: «ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه» لدلالتهما على جواز الصلاة في الجلد المشكوك ما لم يعلم بكونه ميتة، و استصحاب عدم التذكية لا يوجب العلم بالمستصحب.

و يرده: أن كون الاستصحاب دليلا ظنيا- لو سلم أنه من الأمارات- لا ينافي القطع بحجيته، كما هو الحال في جميع الأمارات، و إلا لم يجز العمل بشي‌ء منها في مقابل الأصول العملية، حتى البينة لأنها أيضا لا تفيد إلا الظن مع ان غاية الأصول- أصل الطهارة و الحل- إنما هو العلم، و مع ذلك لا إشكال في حجية الأمارات- الروايات و غيرها- في قبالها. و السر فيه هو أن العبرة في جواز العمل بشي‌ء إنما هو بالعلم بحجيته، سواء أفاد العلم بالمؤدى أو الظن به، أم لم يفد شيئا منهما كالاستصحاب، بناء على ما هو الصحيح فيه من كونه أصلا عمليا و إن كان مقدما على سائر الأصول، و حيث أن الغاية في الأصول هو العلم الطريقي فتقوم الأمارات أو ما هو بمنزلتها- كالاستصحاب- مقامه، لحكومة أدلتها على أدلة الأصول العملية، كما قرر في محله.

و عليه لا مجال للرجوع إلى قاعدة الطهارة في الجلد المشكوك مع ثبوت نجاسته باستصحاب عدم التذكية الحاكم عليها، بناء على كون النجاسة من آثار غير المذكى، لا الميتة، كما هو مفروض الكلام.

و أما استشهاده بالروايتين ففي غير محله، لأن موردهما وجود الامارة على التذكية، و من المعلوم أنه لا يرفع اليد عنها إلا إذا علم خلافها.

فإن «الأولى» هي ما رواه الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام‌

______________________________
(1) تقدمت في ص 424.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 428‌

..........

______________________________
عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال: اشتر، و صل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه».

فان الظاهر أن المراد بالسوق سوق المسلمين، و هو من الأمارات المعتبرة شرعا- كما سيأتي في المسألة الآتية.

و أما «الثانية» فهي رواية على ابن أبي حمزة: «أن رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام، و أنا عنده عن الرجل يتقلد السيف، و يصلى فيه؟ قال:

نعم، فقال الرجل إن فيه الكيمخت؟ قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا، و منه ما يكون ميتة، فقال ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه».

و يقرب فيها دعوى انصراف السؤال الى السيف المنتقل اليه من سوق المسلمين، على أن العلم المجعول غاية لجواز الصلاة فيهما ملحوظ على نحو الطريقية كما هو الحال في الأصول العملية، و قد حققنا في محله قيام الاستصحاب مقام العلم الطريقي.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في حجية استصحاب عدم التذكية، و ترتب أثرى النجاسة، و حرمة الأكل، أو غيرهما من الآثار عليه لو كانت آثارا لغير المذكى.

و من الغريب ما ذكره صاحب الحدائق «قده» «1» حيث انه بعد أن قال: «المشهور في كلام متأخري أصحابنا بنجاسة الجلد لو وجد مطروحا، و إن كان في بلاد المسلمين جديدا، أو عتيقا، مستعملا، أو غير مستعمل لأصالة عدم التذكية، و نحو ذلك اللحم أيضا».

______________________________
(1) ج 5 ص 526- طبعة النجف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 429‌

..........

______________________________
أورد عليهم بما حاصله أن هذا خروج عن القواعد المنصوصة، لأن المقرر عندهم أن الأصل يخرج عنه بالدليل، و الدليل موجود، و هو القاعدة الكلية المتفق عليها نصا، و فتوى من أن «كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه»
«1» و «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر» [1] فجعل «قده» هاتين القاعدتين دليلا مخرجا عن أصالة عدم التذكية.

و لا يخفى ظهور فساده، لأن قاعدتي الحل و الطهارة من الأصول العملية المجعولة وظيفة للشاك، و ليستا من الأمارات الناظرة الى الحكم الواقعي كي تقدما على الاستصحاب. بل دليل الاستصحاب يخرج مورده عما لا يعلم حرمته، أو نجاسته، و يدرجه في معلوم الحرمة و النجاسة، و معه كيف يصح التمسك بدليل حلية المجهول، أو طهارته، هذا.

و لكن الذي ينبغي ان يقال في المقام: هو أن المستفاد من الأدلة التفصيل بين الأحكام الأربعة، و ترتب اثنين منها- حرمة الأكل و حرمة الصلاة- على غير المذكى، و ترتب الآخرين منها- النجاسة و حرمة الانتفاعات على القول بها- على عنوان الميتة، فيثبت الأولان باستصحاب عدم التذكية فيحرم أكل اللحم المشكوك ذكاته و لا تجوز الصلاة في الجلود المشكوكة دون الأخيرين، لأن استصحاب عدم التذكية لا يثبت عنوان الميتة- كما ذكرنا- فلا تترتب عليه النجاسة، و لا حرمة الانتفاع‌

______________________________
[1] هذه القاعدة مستفادة من بعض الروايات، إذ لم يرد نص صريح بهذا المضمون، راجع الوسائل ج 2 ص 1053 في الباب 37 من أبواب النجاسات.

______________________________
(1) الوسائل ج 12 ص 58 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 430‌

..........

______________________________
بالمشكوك ذكاته.

أما ترتب الأولين على غير المذكى فلتعليق جواز الأكل- في قوله تعالى «إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ» [1] و كذا في الروايات «2»- على التذكية، فغير المذكى يحرم أكله، و لا ينافيه إثبات الحرمة في صدر الآية الكريمة بقوله تعالى:

«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ.» و كذا في جملة من الروايات «3» لعنوان الميتة أيضا، لأن غايته كون الموضوع أعم من غير المذكى و الميتة، و هذان و ان كانا متلازمين بحسب الخارج إلا أنه تظهر الثمرة في صورة الشك، و تثبت الحرمة باستصحاب عدم التذكية ثبوت الحكم لموضوعه من دون واسطة. و هكذا قد علق جواز الصلاة على المذكى في موثق ابن بكير «4» الوارد في المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فإنه قال عليه السّلام في ذيل الحديث: «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره، و بوله و شعره و روثه، و ألبانه، و كل شي‌ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي، و قد ذكاه الذبح.».

و من الظاهر أن المراد من العلم بالتذكية هو العلم الطريقي، كالتبين في قوله تعالى «وَ كُلُوا، وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ

______________________________
[1] «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ، وَ الدَّمُ، وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ، وَ الْمُنْخَنِقَةُ، وَ الْمَوْقُوذَةُ، وَ الْمُتَرَدِّيَةُ، وَ النَّطِيحَةُ، وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ» المائدة 5: 3.

______________________________
(2) الوسائل ج 16 ص 481 الباب 57 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(3) الوسائل الباب 1 و 56 من الأبواب المذكورة ص 376 و 478.

(4) الوسائل ج 3 ص 250 الباب 2 من أبواب لباس المصلى، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 431‌

..........

______________________________
الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «1» فموضوع الحكم نفس المذكى، لا المعلوم كونه كذلك بما هو معلوم، و عليه تثبت حرمة الصلاة أيضا باستصحاب عدم التذكية.

و أما ترتب الحكمين الآخرين- النجاسة و حرمة الانتفاعات- على عنوان الميتة فلثبوتهما في الروايات لهذا العنوان، فان الروايات السالفة «2» التي أثبتنا بها نجاسة الميتة كلها مطبقة على إثبات الحكم لهذا العنوان دون غير المذكى كما ان الروايات [1] التي يستدل بها على حرمة الانتفاع بالميتة أيضا تكون كذلك.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌2، ص: 431

على أنه لو شك في ذلك، و لم يعلم أن موضوع الحكمين أى من العنوانين لكفانا ذلك في عدم حجية استصحاب عدم التذكية بالنسبة إليهما، فيرجع إلى قاعدتي الحل و الطهارة. و لو سلم حجية الأصل المثبت، و ثبوت الميتة باستصحاب عدم التذكية لعارضه استصحاب عدم كونه ميتة لإثبات كونه مذكى، و كان المرجع بعد تساقطهما أيضا القاعدتين، هذا.

______________________________
[1] و هي كثيرة (منها): موثقة ابن مغيرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه- ع- الميتة ينتفع منها بشي‌ء؟ فقال لا.» (الوسائل ج 16 ص 452 الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1) و نحوها غيرها في نفس الباب، و غيره.

______________________________
(1) البقرة 2: 187.

(2) في ص 367- 372.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 432‌

..........

______________________________
كلام مع المحقق الهمداني (قده) و قد زعم المحقق الهمداني «قده» «1» ان النجاسة أيضا من آثار غير المذكى مستدلا له. بمكاتبة القاسم الصيقل «2» قال: «كتبت إلى الرضا عليه السّلام إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة، فتصيب ثيابي، فكتب إلى: اتخذ ثوبا لصلاتك، فكتبت إلى أبى جعفر الثاني عليه السّلام كنت كتبت إلى أبيك عليه السّلام بكذا، و كذا، فصعب على ذلك، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية؟ فكتب إلى كل أعمال البر بالصبر يرحمك اللّه، فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس».

(بدعوى) أن مفهوم قوله عليه السّلام: «فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس» هو ثبوت البأس لو لم يكن ذكيا، و المراد بالبأس النجاسة، لأنها المسئول عنها في الرواية بقرينة قول السائل: «فتصيب ثيابي، فأصلي فيها» و من هنا أمره الرضا عليه السّلام بان يتخذ ثوبا لصلاته. و بالجملة: مقتضى تعليق الطهارة على التذكية هو ثبوت النجاسة لغير المذكى، و عليه تكون أصالة عدم التذكية كافية في إثباتها.

و (يدفعها) قصور الرواية عن الاستدلال بها سندا، و دلالة، أما السند فلجهالة «القاسم الصيقل» و أما الدلالة فلان الظاهر أن المذكى المذكور في الجواب إنما هو في مقابل الميتة المذكورة في كلام السائل في صدر الحديث، لا في مقابل غير المذكى، فلا مفهوم لها، إذ لا دلالة لها حينئذ على ثبوت الطهارة لعنوان المذكى في مقابل غيره بحيث يكون غير المذكى موضوعا للنجاسة.

______________________________
(1) في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 653.

(2) الوسائل ج 2 ص 1050 و 1070 الباب 34 و 49 من أبواب النجاسات، الحديث 4 و 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 433‌

..........

______________________________
بل غايتها إثبات الطهارة له في مقابل الميتة و مما يؤيد ذلك بل يدل عليه ذكر الوحشية في الجواب مع انه لا دخل لها في ثبوت الطهارة للمذكى بوجه و اما تعليق الطهارة على المذكى في مقابل غيره و ان لم يصدق عليه عنوان الميتة- كما يرومه المحقق المزبور- فلا. فتحصل من جميع ما ذكرنا أمور.

الأول- ان المستفاد من الأدلة- الكتاب و السنة- هو ان موضوع حرمة الأكل و الصلاة انما هو غير المذكى و موضوع النجاسة و حرمة سائر الانتفاعات هو عنوان الميتة.

الثاني- ان الحيوان المشكوك ذكاته لا يحكم عليه بالنجاسة و لا يحرم الانتفاع به لان استصحاب عدم التذكية لا يثبتهما نعم لا تجوز الصلاة في جلده و لا يجوز أكل لحمه لأنهما من آثار غير المذكى.

الثالث- انه لا حاجة بنا في الحكم بطهارة الجلود المشكوك ذكاتها الى أمارات التذكية- من سوق المسلمين أو يدهم أو نحو ذلك- بل يحكم بطهارتها و لو أخذت من يد الكافر أو علم بسبق يده عليها نعم نحتاج إليها في الحكم بصحة الصلاة فيها و في جواز أكل اللحم المشكوك ذكاته و بدونها يمنع عنهما- فقط- كما يظهر ذلك من تعليقتنا على المسألة السابعة.

و ممن وافقنا في الحكم بطهارة الجلد المشكوك و حلية الانتفاع به صاحب الحدائق «قده» «1» كما عرفت إلا أنه إخطاء في الاستدلال على ذلك بقاعدتي الحل و الطهارة مع الغفلة عن أن استصحاب عدم التذكية- على تقدير جريانه- حاكم عليهما، بل الصحيح في طريقة الاستدلال هو ما ذكرناه.

______________________________
(1) ج 5 ص 526- طبعة النجف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 434‌

[ (مسألة 6) ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم، أو الشحم، أو الجلد محكوم بالطهارة]

(مسألة 6) ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم، أو الشحم، أو الجلد محكوم بالطهارة [1]، و ان لم يعلم تذكيته (1)، و كذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحا إذا كان عليه أثر الاستعمال، لكن الأحوط الاجتناب.

______________________________
أمارات التذكية

(1) قد ذكرنا آنفا أن مقتضى أصالة عدم التذكية في الحيوان المشكوك ذكاته حرمة أكله، و عدم جواز الصلاة في جلده و ان كان محكوما بالطهارة و بجواز سائر الانتفاعات به غير الأكل- على المختار- و على المعروف يحكم بنجاسته و حرمة الانتفاع به أيضا إلا انه لا بد من الخروج عن هذا الأصل مهما كان مؤداه بوجود أمارة شرعية على التذكية، و هي عدة أمور.

يد المسلم (أحدها): يد المسلم، و لا خلاف في حجيتها، و عن المستند دعوى الإجماع عليها، و لا بد من تقييدها بما إذا عامل المسلم مع ما في يده معاملة المذكى باستعماله فيما يشترط فيه الطهارة، كاللبس في الصلاة و عدم الاجتناب عنه مع الرطوبة، و منه جعله عرضة للبيع- بناء على عدم جواز بيع الميتة مطلقا، أو من دون إعلام بالنجاسة- و أما إذا لم يعلم منه ذلك و احتمل ان احتفاظه باللحم أو الجلد المشكوكين كان لأجل الإحراق أو الإلقاء في المزبلة، و نحو ذلك فلا تكون يده حينئذ أمارة شرعية على التذكية لعدم الدليل على حجيتها في هذا الحال لا من السيرة و لا من الأخبار، لان القدر المتيقن من الأول غير ذلك، و لا إطلاق في الأخبار يشمل غير صورة‌

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله): «و كذا إذا أخذت من يد الكافر».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 435‌

..........

______________________________
تصرف المسلم فيما بيده تصرفا يتوقف على التذكية- كما لا يخفى على من لا حظ الأخبار الآتية.

ثم لا فرق في أمارية يد المسلم- بعد تحقق الشرط المذكور- بين أن يكون مؤمنا أو مخالفا، و لا بين أن يكون المخالف مستحلا لذبائح أهل الكتاب أو لا، و لا بين أن يرى طهارة الجلد بالدبغ أو لا، و لا بين أن يكون يده مسبوقا بيد الكافر- كما في الجلود المستوردة في عصرنا من بلاد الكفر- أو لا، إلا إذا علم من حاله أنه أخذها من الكافر مع عدم مبالاته بكونها من ميتة أو مذكى. كل ذلك لإطلاق ما دل على أمارية يد المسلم على التذكية- من السيرة، و الأخبار.

أما السيرة فهي مستمرة بين المسلمين خلفا عن سلف، بحيث لولاها لما قام للمسلمين سوق، فإنهم يشرون اللحوم و الشحوم و الجلود من كافة المسلمين من دون مسألة عن ذكاتها.

و أما الأخبار فهي ما دل من الروايات على أمارية سوق المسلمين لظهورها- و لو بعد ضم بعضها الى بعض- في أن سوق المسلمين ليس حجة برأسه في قبال يد المسلم، بل لكونه أمارة كاشفة عن كون البائع مسلما، فالعبرة أولا و بالذات إنما تكون بيد المسلم، و السوق يكون طريقا إليها، فهو امارة على أمارة أخرى لا في عرضها.

ثم انه ظهر مما ذكرنا ضعف ما عن العلامة من الإشكال في طهارة الموجود في يد من يستحل الميتة بالدبغ من العامة، بل عن الذكرى الحكم بنجاسته. وجه الضعف هو أن إطلاق أخبار الباب غير قاصر الشمول عن مثله، فان لفظ «المسلم» الوارد في الأخبار شامل للمخالف بأقسامه، بل في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 436‌

..........

______________________________
بعضها [1] «المسلم غير العارف» و هو صريح في إرادة المخالف و في آخر [2]: «إني أدخل سوق المسلمين أعنى هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام، و هو أيضا صريح في إرادة المخالفين، فاذن لا ينبغي التأمل في أمارية يد المخالف، و لو كان ممن يرى طهارة الميتة بالدبغ، و لا يجب الفحص عن حال ما في يده من الجلد المشكوك، أو غيره.

سوق المسلمين (ثانيها) سوق المسلمين و يدل على اعتباره مضافا الى السيرة القطعية جملة من الأخبار المعتبرة.

______________________________
[1] كما في رواية إسماعيل بن عيسى قال: «سألت أبا الحسن- ع- عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه» (الوسائل ج 2 ص 1072 الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 7) مجهولة بإسماعيل بن عيسى.

[2] كرواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه- ع- إني ادخل سوق المسلمين اعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام، فاشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها أ ليس هي ذكية؟

فيقول: بلى، فهل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟ فقال: لا، و لكن لا بأس ان تبيعها، و تقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية. قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة، و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته، ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلا على رسول اللّه- ص-» (الوسائل ج 2 ص 1081 الباب 61 من أبواب النجاسات، الحديث 4).

فإنها تدل على جواز شراء الفراء منهم، و بيعها على آخرين من دون اشتراط التذكية الواقعية، لاحتمال التخلف المستلزم للكذب، لعدم حصول الجزم من اخبارهم بذلك. و هي ضعيفة السند بمحمد بن عبد اللّه بن هلال، فإنه مهمل في التراجم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 437‌

..........

______________________________
(منها): صحيحة الحلبي
«1» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال: اشتر، وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه».

و (منها): صحيحة البزنطي «2» قال: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فراء لا يدرى أ ذكية هي أم غير ذكية، أ يصلى فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك».

و (منها): صحيحته الأخرى «3» عن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن الخفاف يأتي السوق، فيشترى الخف، لا يدرى أ ذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه، و هو لا يدرى أ يصلى فيه؟ قال: نعم أنا أشترى الخف من السوق، و يصنع لي، و أصلي فيه، و ليس عليكم المسألة».

و نحوها غيرها «4» و في بعضها ذم من يضيق عن معاملة الطهارة مع ما يأخذه عن سوق المسلمين مما يشك في تذكيته كرواية الحسن بن الجهم [1] قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام اعترض السوق، فأشترى خفا، لا أدرى أ ذكي هو أم لا؟ قال: صل فيه. قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك. قلت،

______________________________
[1] الوسائل ج 2 ص 1073 الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 9 ضعيفة بسهل ابن زياد، و بالإرسال بعده.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1071 الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 ص 1071 الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 3.

(3) الوسائل ج 2 ص 1071 الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 6.

(4) و هي عدة روايات مروية في نفس الباب، و في الباب 29 من أبواب الذبائح.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 438‌

..........

______________________________
إني أضيق من هذا؟ قال: أ ترغب عما كان أبو الحسن عليه السّلام يفعله».

و إطلاق هذه الأخبار يشمل سوق مطلق المسلمين، و لو كانوا غير مؤمنين ممن يرون طهارة الميتة بالدبغ أولا- كما ذكرنا- و إخراجهم عن الإطلاق مع كثرتهم و تشكّل الأسواق منهم- لا سيما في تلك الأعصار- و خفاء المؤمنين و قلتهم واضح الفساد.

نعم: لا ينبغي توهم شمول إطلاق لفظ «السوق» في الروايات لسوق الكفار، أما أولا: فلانصرافه الى سوق المسلمين، إذ لم يعهد سوق للكفار في بلاد المسلمين يتعاطون فيها ما يعتبر فيه التذكية من اللحوم و الشحوم و الجلود و لو كان فالإطلاق منصرف عنهم. و بعبارة أخرى «اللام» فيه للعهد الخارجي، و المعهود هو سوق المسلمين لا الجنس كي يشمل ما يصدق عليه عنوان السوق و لو كان للكفار، فالحكم في الروايات يكون على نحو القضية الخارجية التي لا إطلاق فيها بل لا بد فيها من ملاحظة الخارج لا القضية الحقيقية المتحملة لشقوق الإطلاق.

و أما ثانيا: فللزوم تقييده- لو سلم إطلاقه- بما دل من الروايات على عدم العبرة بسوق الكفار.

كصحيحة فضيل، و زرارة، و محمد بن مسلم «1» «أنهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الأسواق، و لا يدرى ما صنع القصابون؟ فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين، و لا تسأل عنه».

فان مقتضى مفهوم الشرط- فيها- هو عدم أمارية سوق الكفار، فلا بد من تقييد الإطلاقات بسوق المسلمين، و مثلها في الدلالة على التقييد رواية‌

______________________________
(1) الوسائل ج 16 ص 358 الباب 29 من أبواب الذبائح، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 439‌

..........

______________________________
إسماعيل بن عيسى [1] لقوله عليه السّلام فيها: «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه» إلا ان ضعف سندها يخرجه عن الاستدلال إلى التأييد.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في عدم العبرة بسوق الكفار، و لا يدهم، إذ مع الغض عما ذكرناه يكفينا الشك في شمول الإطلاقات له، و المرجع حينئذ أصالة عدم التذكية.

ثم إن الظاهر أن سوق المسلمين إنما جعل أمارة على التذكية من جهة كونه كاشفا نوعيا عن كون البائع مسلما- كما ذكرنا- لأن الغالب من المتعاطيين بالبيع، و الشراء في أسواقهم مسلمون، فالسوق أمارة غالبية توجب الظن بكون البائع مسلما، فالعبرة بغلبة المسلمين في البلاد، و إلا فلا دخل- جزما- لما يسمى سوقا في العرف من البناء و السقف المخصوص بحيث يختص الحكم به، و لا يعم مثل ما إذا كان البائع في شارع أو زقاق، و نحو ذلك مما لا يطلق عليه لفظ السوق- لغة- و يدل على ما ذكرنا:

صحيحة إسحاق بن عمار «2» عن العبد الصالح عليه السّلام انه قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فان فيها غير أهل الإسلام؟ قال إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس».

فإنها تدل على أن العبرة في جواز ترتيب آثار التذكية على ما انتقل اليه من الفراء بغلبة المسلمين في البلاد دون ما يسمى سوقا.

و عليه لا بأس بالشراء من مجهول الحال إذا كان في سوق المسلمين،

______________________________
[1] المتقدمة في تعليقة ص 436 و تقدم ضعفها بإسماعيل بن عيسى.

______________________________
(2) الوسائل ج 2 ص 1072 الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 440‌

..........

______________________________
لأنه ملحق بالأعم الأغلب بمقتضى الصحيحة الدالة على حجية الغلبة في المقام، فلا يجب إحراز إسلام البائع. نعم: لا يجوز الشراء من معلوم الكفر و لو كان في سوق المسلمين، لما ذكرناه من عدم العبرة بعنوان السوق، و إنما اعتبر لكونه كاشفا نوعيا عن كون البائع مسلما، و مع العلم بالعدم فلا حجية للأمارة، فتكون المرجع فيه أصالة عدم التذكية، فما عن بعضهم من الاكتفاء بمجرد الأخذ من سوق المسلمين، و لو أخذ من يد الكافر ضعيف جدا.

مصنوع بلاد الإسلام (ثالثها): مصنوع بلاد الإسلام و يدل على أماريته على التذكية صحيحة إسحاق بن عمار المتقدمة آنفا.

المطروح في أرض المسلمين (رابعها): المطروح في أرض المسلمين إذا كان عليه أثر استعمال البشر بحيث ينتفي احتمال كونه فريسة للسباع بأن يكون اللحم مطبوخا، و الجلد حذاء أو لباسا، و نحو ذلك من آثار تصرف الإنسان، و يدل على أماريته إطلاق صحيحة إسحاق بن عمار إذ لم يقيد فيها جواز الصلاة في مصنوع أرض الإسلام بما إذا انتقل اليه من يد مسلم. بل يعم ما إذا عثر عليه مطروحا في أرضهم، و خصوص صنعة الجلد بجعله فروا لا دخل له- جزما- بل يكفى مطلق ما دل على جرى يد المسلم عليه.

نعم: لا بد من تقييد الأثر بما إذا كان من آثار التذكية بحيث أمكن استعمال المطروح فيما يشترط فيه الطهارة كالطبخ للأكل، و جعل الجلد فروا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 441‌

[ (مسألة 7) ما يؤخذ من يد الكافر، أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة]

(مسألة 7) ما يؤخذ من يد الكافر، أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة (1) [1] إلا إذا علم سبق يد المسلم عليه.

______________________________
للبس حتى في الصلاة و نحو ذلك، لقصور الدليل عن شمول غيره، هذا مجمل الكلام في أمارات التذكية، و لعلنا نبسط المقال في بحث لباس المصلى إن شاء اللّه تعالى.

(1) لأصالة عدم التذكية فيهما، لا لكون يد الكافر أو أرضهم أمارة على عدم التذكية، لعدم قيام دليل على أماريتهما على ذلك، هذا. و لكن قد عرفت في ذيل المسألة الخامسة ان الأصل المذكور لا يجدى في إثبات النجاسة لترتبها على عنوان الميتة و هو لا يثبته. نعم يترتب عليه عدم جواز الأكل و الصلاة- فقط- لأنهما من آثار غير المذكى.

الجلود المستوردة من الخارج و عليه فالجلود و الأحذية المستوردة من بلاد الكفر في مثل عصرنا تجري فيها قاعدة الطهارة بلا محذور. نعم لا بد من احتمال سبق يد المسلمين عليها بحيث نحتمل أن الكفار أخذوا تلك الجلود من المسلمين ثم عملوا فيها و صنعوها أحذية أو غيرها و أرسلوها الى بلاد المسلمين، إلا أنه مع ذلك لا تجوز الصلاة فيها كما لا يجوز أكل اللحوم المأخوذة من يدهم إذا شك في‌

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «محكوم بالنجاسة»: (لا يخلو الحكم بالنجاسة من اشكال بل منع، لأن النجاسة مترتبة على عنوان الميتة و هو لا يثبت باستصحاب عدم التذكية. نعم المأخوذ من يد الكافر أو ما يوجد في أرضهم لا يجوز اكله، و لا الصلاة فيه. و بذلك يظهر الحال في كل ما يشك في تذكيته و عدمها و ان لم يكن مأخوذا من يد الكافر كاللقطة في البر و نحوها في غير بلاد المسلمين).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 442‌

[ (مسألة 8) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ]

(مسألة 8) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ (1)

______________________________
ذكاتها كما أشرنا آنفا و أوضحنا الكلام في ذلك في ذيل تلك المسألة.

جلد الميتة لا يطهر بالدبغ

(1) لا خلاف بين المسلمين- قاطبة- في طهارة ميت الإنسان بالغسل كما أنه لا خلاف بينهم في عدم قابلية ميتة بقية الحيوانات- في غير جلدها- للتطهير بشي‌ء.

و إنما الخلاف في طهارة خصوص جلد الميتة بالدبغ، و قد ذهب أكثر العامة [1] إلى طهارة جلدها بالدباغة، و خالفهم الإمامية قاطبة، إذ لم ينسب القول بذلك الى أحد منا سوى ابن الجنيد، و قد أنكر عليه جميع الأصحاب حتى أنهم رموه بمخالفة قوله للإجماع. بل لضرورة المذهب، و عن الكاشاني في مفاتيحه الميل الى هذا القول و هو لا يخرجه عن الشذوذ. نعم: ربما يستظهر ذلك من الصدوق أيضا في الفقيه لروايته مرسلا:

عن الصادق عليه السّلام «2»: «انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن‌

______________________________
[1] قالت الحنفية: انه تطهر جلود الميتة بالدبغ إذا كانت تحتمل الدبغ، اما ما لا يحتمله كجلد الحية فإنه لا يطهر بالدبغ، و التزموا بذلك حتى في جلد الكلب بدعوى انه ليس بنجس العين.

و اما الشافعية: فقد خصوا الدبغ المطهر بما له حرافة و لذع في اللسان بحيث يذهب رطوبة الجلد و فضلاته حتى لا ينتن بعد ذلك.

و اما المالكية: فالمحققون منهم ايضا يقولون بمطهرية الدبغ، و المشهور عندهم لا يقولون بها.

و اما الحنابلة: فلم يجعلوا دبغ جلود الميتة من المطهرات. راجع (الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 32- الطبعة الخامسة).

______________________________
(2) الوسائل ج 2 ص 1051 الباب 34 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 443‌

..........

______________________________
و الماء و السمن ما ترى فيه؟ فقال: لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء، أو لبن، أو سمن، و تتوضأ منه، و تشرب، و لكن لا تصل فيه».

بعد حملها على إرادة صورة دباغ الجلد، إما بقرينة المورد، لأن الجلود المتخذة لجعل اللبن و الماء و السمن و نحو ذلك فيها لا بد من أن تكون مدبوغة- كما هو المتعارف- و الا لتفسد، و يفسد ما فيها، أو بقرينة سائر الروايات الدالة على نجاسة الميتة. بل الإجماع القطعي على نجاسة جلد الميتة بدون الدباغة حتى من مثل ابن الجنيد.

و بالجملة: يستظهر من ذكره هذه المرسلة في «الفقيه» بضميمة ما التزم به في أوائل هذا الكتاب من انه لا يروى فيه إلا ما يفتي بمضمونه و يحكم بصحته و تكون حجة بينه و بين ربه أنه ملتزم بطهارة جلد الميتة بالدباغة.

و قد يؤيد هذا الاستظهار بما حكى عن «مقنعه» من التصريح بنفي البأس عن أن يتوضأ من الماء إذا كان في زق من جلد الميتة بعد حمله على المدبوغ لما ذكر حتى أنه قال الفقيه الهمداني «1» «و الذي يغلب على الظن التزامه بطهارة الجلد بالدبغ، و حمل الرواية عليه كما يشهد لذلك وقوع التصريح به في الفقه الرضوي الذي تتحد فتاوى الصدوق معه غالبا» و ستمر عليك عبارة الفقه الرضوي بعيد هذا. و كيف كان فما يمكن الاستدلال به لهذا القول الضعيف روايات لا تخلو عن المناقشة سندا، أو دلالة. بل لم يثبت كون بعضها رواية.

(منها): مرسلة الصدوق المتقدمة آنفا.

و ضعفها ظاهر بالإرسال، و إن كان المرسل مثل الصدوق.

______________________________
(1) في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 523.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 444‌

..........

______________________________
و (منها): الفقه الرضوي
«1»: «و ذكاة الحيوان ذبحه، و ذكاة الجلود الميتة دباغها».

و لم يثبت كونه رواية فضلا عن اعتبار سنده كما مر غير مرة.

و (منها): رواية الحسين بن زرارة «2» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في جلد شاة ميتة يدبغ، فيصب فيه اللبن، أو الماء فاشرب منه، و أتوضأ؟ قال:

نعم. و قال: يدبغ، فينتفع به، و لا يصلى فيه.»‌

و هذه ضعيفة السند [1] لا يمكن الاعتماد عليها في نفسها، و مع الغض عن ذلك فهي و ما تقدمها معارضة بالمستفيضة الآتية الدالة على نجاسة جلد الميتة حتى بعد الدبغ، بل في بعضها «4» التصريح بأن ما زعموا من أن دباغ جلد الميتة ذكاته من مفتريات العامة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الترجيح مع الأخبار المعارضة، لموافقتها للسنة، أعني بها الروايات المطلقة الدالة على نجاسة الميتة بجميع أجزائها التي منها جلدها و لو بعد الدبغ، و مخالفتها للعامة فتحمل هذه الروايات مع الغض عن سندها على التقية، و مع قطع النظر عن ذلك كله، و عدم إمكان الترجيح كان المرجع بعد تساقط الطرفين الإطلاقات و العمومات الأولية، و هي ما دل من الروايات على نجاسة الميتة بجميع أجزائها في جميع الحالات و أما الروايات المعارضة فهي كثيرة تبلغ حد الاستفاضة.

______________________________
[1] بحسين بن زرارة فإنه لم يثبت وثاقته، و لا حسنه كما تقدم في تعليقة ص 379.

______________________________
(1) في ص 41.

(2) الوسائل ج 16 ص 453 الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6.

(4) كخبر عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في تعليقة ص 436.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 445‌

..........

______________________________
(منها): صحيحة على بن أبي المغيرة
«1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الميتة ينتفع منها بشي‌ء؟ فقال: لا. قلت: بلغنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرّ بشاة ميتة، فقال ما كان على أهل هذه الشاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها (بجلدها خ ل)؟! فقال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و آله كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها، فتركوها حتى ماتت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها، أي تذكى».

و هي صريحة في عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة إلا بالتذكية، و إلا فمع إمكان الانتفاع به بالدبغ لا معنى لذم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل الشاة بأنهم لم تركوها حتى ماتت بحيث سقطت عن الانتفاع حتى بجلدها، و ليس ذلك- حسب ارتكاز المتشرعة- إلا من جهة النجاسة الطارئة بالموت غير القابلة للرفع بشي‌ء حتى بمثل الدباغة، و عليه لا يصغى الى ما عن الكاشاني في مفاتيحه عند الجمع بين الروايات، و دفع المعارضة بينها من أن عدم جواز الانتفاع لا يستلزم النجاسة، فيمكن الالتزام بالطهارة بالدبغ، و مع ذلك لا يجوز الانتفاع به تعبدا. وجه الدفع ما أشرنا إليه من استقرار ارتكاز المتشرعة في أمثال المقام على دوران جواز الانتفاع و عدمه مدار الطهارة و النجاسة، و أما التعبد المحض فلا تلتفت اليه أذهانهم، و أغرب من ذلك تصديه للجمع بحمل المطلق على المقيد. وجه الغرابة ان هذه كالصريحة في انحصار طريقة الانتفاع بجلد الشاة في التذكية، و معه كيف تقبل الحمل على‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1080 الباب 61 من أبواب النجاسات، الحديث 2 و في الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 446‌

..........

______________________________
صورة عدم الدباغة، و عليه فالمعارضة ثابتة لا مناص عنها.

و (منها): موثقة أبي مريم «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام السخلة التي مر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هي ميتة، فقال ما ضر أهلها لو انتفعوا بإهابها؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لم تكن ميتة يا أبا مريم، و لكنها كانت مهزولة، فذبحها أهلها، فرموا بها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها».

و هذه كسابقتها في الدلالة على المطلوب من توقف جواز الانتفاع بجلد الحيوان على الذكاة، و الظاهر أنهما قضيتان رويتا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله إحداهما في الشاة الميتة، و الأخرى في السخلة المذكاة، لا قضية واحدة، فلا تنافي. و لا يخفى ما فيهما من نحو تعريض على العامة القائلين بجواز الانتفاع بجلد الميتة بالدباغة.

و (منها): موثقة سماعة «2» قال: «سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟

قال: إذا رميت، و سميت فانتفع بجلده، و امّا الميتة فلا».

و (منها): صحيحة محمد بن مسلم «3» قال: «سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا، و إن دبغ سبعين مرة».

فإن المتفاهم العرفي منها أن جهة المنع ليس إلا النجاسة، لا التعبد المحض.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1081 الباب 61 من أبواب النجاسات، الحديث 5 و الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 ص 1071- الباب 49 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 ص 1080 الباب 61 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 447‌

و لا يقبل الطهارة شي‌ء من الميتات (1) سوى ميت المسلم فإنه يطهر بالغسل.

______________________________
و (منها): رواية أبي بصير [1] عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) ان على بن الحسين عليه السّلام كان يبعث إلى العراق، فيؤتى مما قبلكم بالفرو، فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه، و ألقى القميص الذي يليه، فكان يسئل عن ذلك؟ فقال إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة، و يزعمون أن دباغه ذكاته».

و (منها): رواية عبد الرحمن بن الحجاج «2» و في الأخيرتين تعريض على العامة في قولهم الباطل بطهارة جلد الميتة بالدبغ. و المتحصل من جميع ما ذكرنا: هو أن الروايات الدالة على طهارته بذلك ضعيفة في نفسها غير قابلة للاعتماد عليها، و مع التسليم فيعارضها ما هو أقوى سندا، و أوضح دلالة، و ترجح على تلك لموافقتها للسنة، و مخالفتها للعامة، فتحمل روايات الطهارة على التقية- كما مر- و مع غض النظر عن ذلك و تسليم التكافؤ كان المرجع إطلاق ما دل على نجاسة الميتة حتى بعد الدبغ، فمذهب الإمامية هو المؤيد المنصور بالأدلة.

طهارة ميّت الإنسان بالغسل

(1) لعدم الدليل على زوال نجاستها بشي‌ء بل مقتضى إطلاق ما دل على نجاسة الميتة ثبوتها حتى بعد الغسل و مع الشك يرجع الى الاستصحاب‌

______________________________
[1] الوسائل ج 2 ص 1080 الباب 61 من أبواب النجاسات، الحديث 3 و في الباب 61 من أبواب لباس المصلى، الحديث 2 ج 3 ص 338 مجهولة بعدة مجاهيل في سندها.

______________________________
(2) تقدمت في تعليقة ص 436.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 448‌

[ (مسألة 9) السقط قبل ولوج الروح نجس]

(مسألة 9) السقط قبل ولوج الروح نجس (1)

______________________________
الا أنه من الاستصحاب في الشبهة الحكمية الذي لا نقول بحجيته هذا حكم غير ميت المسلم و أما هو فينجس بالموت ايضا- كما يأتي في (مسألة 10)- و لكنه يطهر بالغسل- بالضم- و يدل على ذلك بعد الإجماع جملة من الروايات.

(منها)- صحيحة الصفار «1» قال: «كتبت اليه رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل ان يغسل. هل يجب عليه غسل يده أو بدنه؟ فوقع عليه السّلام إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل».

و (منها)- رواية إبراهيم بن ميمون [1] قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت؟ قال: ان كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه يعني إذا برد الميت».

فإنها تدل على طهارة ميت الإنسان بالغسل- بالضم.

نجاسة السقط

(1) أما نجاسته بعد ولوج الروح فيه- و هو بعد تمام أربعة أشهر- فثابتة بلا كلام، لصدق الميت عليه في هذا الحال، كغيره.

و أما قبل الولوج بان كان دون الأربعة فهل يحكم بنجاسته؟ حكى‌

______________________________
[1] الوسائل ج 2 ص 1050 الباب 34 من أبواب النجاسات، الحديث 1 ضعيفة بإبراهيم ابن ميمون لعدم ثبوت وثاقته.

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 928 الباب 1 من أبواب غسل المس، الحديث 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 449‌

و كذا الفرخ في البيض [1]

______________________________
عن بعضهم دعوى عدم الخلاف في النجاسة، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليها، و يستدل لهم- بعد دعوى الإجماع القابل للمنع صغرى لعدم تعرض الأكثر، و كبرى كما مر غير مرة- بوجوه.

(الأول): ان الجنين جزء من امه، و قد تقدم أن القطعة المبانة من الحي بحكم الميتة.

و أورد عليه في الجواهر «2» أولا: بمنع كونه جزء من الحيوان أو الإنسان، بل هو بمنزلة البيضة في بطن الدجاجة، لأن الأم ظرف للجنين. و ثانيا: لو سلم كونه جزء منها فهو من الأجزاء التي لا تحلها الحياة، و هي محكومة بالطهارة. و ثالثا: انصراف أدلة القطعة المبانة عن مثله، لانحصارها فيما دل على نجاسة ما قطعته حبالات الصيد، و ما ورد في قطع أليات الغنم، و شي‌ء منهما لا يشمل مثل السقط. و رابعا: أن لازمه القول بوجوب غسل المس لو كان مشتملا على العظم- على المشهور في مس القطعة المبانة من إنسان حي، أو ميت إذا كان فيها عظم- فان السقط قبل ولوج الروح قد يشتمل على العظم لا سيما عظم الرأس، مع أن المستدل لا يلتزم بذلك، بل ينفى وجوب غسل المس عنه مطلقا.

(الثاني): ما استقر به المحقق الهمداني «قده» «3» من قوله عليه السّلام «ذكاة الجنين ذكاة أمه» «4» بدعوى دلالة هذا الكلام على أن الجنين قابل‌

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله): «الحكم بالنجاسة فيهما لا يخلو من اشكال و الأحوط الاجتناب عنهما».

______________________________
(2) ج 5 ص 345 طبعة النجف.

(3) في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 538.

(4) و هو مذكور في عدة روايات ذكرها في الوسائل ج 16 ص 328 في الباب 18 من أبواب الذبائح.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 450‌

..........

______________________________
للذكاة، و أن ذكاته بذكاة أمه، فيعلم منه ان الجنين- في حكم الشارع- قسمان مذكى و ميتة، و المذكى هو ما ذكي امه، و الميتة ما لا تكون كذلك، و حيث أن المفروض عدم وقوع الذكاة على الأم لفرض سقط الجنين، فيكون ميتة لا محالة، و يحكم بنجاسته.

و الاستدلال بمثله غريب، لأن المقسم للمذكى و الميتة إنما هو الحيوان و هو بعد ولوج الروح، و أما قبله فليس السقط إلا قطعة لحم مشتمل على العظم أو بدونه، و لا معنى لوقوع الذكاة عليه، و الرواية إنما تدل على جواز الاكتفاء بذكاة الأم عن ذكاة الجنين، و انه لا يحتاج إلى تذكية مستقلة في قبال الأم، بحيث لو أخرج ميتا من بطن أمه المذكاة كفى ذلك في ذكاته و لا يكون ذلك إلا في المورد القابل، و هو الحيوان لا الأعم مما يكون قابلا لان يصير حيوانا.

(الثالث) صدق الميتة على الجنين حقيقة، فيشمله إطلاق ما دل على نجاستها، و ذلك لان التقابل بين الموت و الحياة تقابل العدم و الملكة، فكل شي‌ء كان قابلا لان يكون حيا فهو ميت و ان لم يكن مسبوقا بالحياة فلا يعتبر سبق الاتصاف بها في صدق عنوان الموت، كما هو الحال في كل ما يكون من هذا القبيل كالعمى، و البصر، فإنه لا يعتبر في صدق العمى على شخص أن يكون مسبوقا بالبصر بل يصدق عليه الأكمه لو تولد أعمى، و كذا يصدق الموات على الأراضي غير المعمورة من دون اعتبار سبق الاتصاف بالعمران، و هكذا. فاذن لا مانع من شمول إطلاق ما دل على نجاسة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 451‌

..........

______________________________
الميتة للسقط أيضا.

و ربما يناقش في هذا الوجه بأنه لا إطلاق في أخبار نجاسة الميتة بحيث يشمل غير المسبوق بالحياة، لاختصاصها بوقوع مثل الإنسان، أو الدابة أو الفأرة، أو السنور، و نحو ذلك في البئر، أو بمثل الفأرة تقع في ماء، أو زيت، أو سمن، و نحو ذلك، فتختص دلالتها بنجاسة الميتة من الحيوان المسبوق بالحياة كالأمثلة المذكورة، فلا تعم محل الكلام.

و (يندفع): بأنه يكفينا ما في بعض الأخبار من ترتب النجاسة على عنوان الميتة، كما ورد ذلك في بعض أخبار تغير الماء بالميتة كصحيحة أبي خالد القماط «1» أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «في الماء يمر به الرجل، و هو نقيع فيه الميتة، و الجيفة؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن كان الماء قد تغير ريحه، أو طعمه فلا تشرب، و لا تتوضأ، و إن لم يتغير ريحه، و طعمه فاشرب و توضأ».

فإنها تدل على نجاسة مطلق الميتة، فتشمل السقط، و دعوى الانصراف إلى ميتة الحيوان غير مسموعة لعلها ناشئة من كثرة الاستعمال، فلو كان فهو انصراف بدوي.

و نحوها ما اشتملت على لفظ الجيفة كنفس الصحيحة.

و صحيحة حريز «2» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فإذا تغير الماء، و تغير الطعم فلا توضأ منه، و لا تشرب».

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 102 الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.

(2) الوسائل ج 1 ص 102 الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 452‌

[ (مسألة 10) ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى]

(مسألة 10) ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة (1) على الأقوى، و ان كان الأحوط غسل الملاقي خصوصا في ميتة الإنسان قبل الغسل.

______________________________
بل هي أولى بالاستدلال على المطلوب، لعدم توهم اعتبار سبق الحياة في صدق عنوان «الجيفة» على شي‌ء، و لا يحتمل نجاسة الشي‌ء حال كونه جيفة و طهارته قبل صيرورته جيفة. بل هو إما جيفة لنجس من الأول أو لطاهر كذلك، فالسقط إذا أنتن يصدق عليه الجيفة و يشمله الحكم بالنجاسة في هذا الحال و قبله لما ذكر. نعم نخرج عن هذا الإطلاق بما دل على طهارة ميتة ما لا نفس له مطلقا و لو أنتنت، و بما دل على طهارة المذكى و لو صار نتنا فيبقى الباقي تحت الإطلاق و منه جيفة السقط.

و الظاهر أن أحسن ما يمكن الاستدلال به لنجاسة السقط هو إطلاق ما دل على نجاسة الجيفة، بل الميتة، و منه يظهر حكم الفرخ في البيض قبل ولوج الروح فيه، لأنها أيضا من الجيفة، فالأقوى هو النجاسة فيهما، و إن تأمل بعضهم في الاستدلال عليها حتى انه تشبث بذيل الإجماع المدعى في المقام، أو ارتكاز المتشرعة مع عدم الحاجة إلى شي‌ء منهما- كما ذكرنا.

(1) المشهور نجاسة الميتة مطلقا، سواء أ كانت ميتة آدمي، أم غيره من الحيوانات، و أنه لا ينجس ملاقيها إلا مع الرطوبة المسرية كما هو الحال في بقية النجاسات، و في المقام أقوال أخر.

(القول الأول): عدم نجاسة ميت الآدمي، و حمل ما في الاخبار على إرادة الخباثة المعنوية، كنجاسة الجنب مستأنسا لذلك بالأخبار الدالة على ان الميت يجنب بموته، فوجوب غسله إنما يكون لأجل رفع الخباثة المعنوية الطارئة بالموت، كالجنابة في الحي، لا لأجل رفع النجاسة الظاهرية نسب هذا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 453‌

..........

______________________________
القول الى المحدث الكاشاني.

(القول الثاني): أنه نجس غير منجس، نسب ذلك إلى المحدث المزبور أيضا في خصوص ميت الآدمي، أو في مطلق الميتة، و عن الحلي القول بذلك في خصوص ميت الآدمي، لكن العبارة المحكية عنه فيما ادعاه لا تدل على ذلك، بل ظاهرها عدم سراية النجاسة من ملاقي الميتة إلى الغير فمرجع قوله إلى عدم تنجيس المتنجس، لا عدم منجسية ميت الآدمي، قال في محكي عبارته: «إذا لاقى جسد الميت إناء وجب غسله، و لو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجس المائع لأنه لم يلاق جسد الميت، و حمله على ذلك قياس، و الأصل في الأشياء الطهارة الى أن يقوم دليل، إلا أن عبارته المحكية في مقام الاستدلال تدل على منع السراية بالمعنى المعهود، و أن وجوب غسل الملاقي يكون تعبديا، لا لأجل التطهير، إذ حاصل ما استدل به على ذلك وجهان (أحدهما): أنه لو كان بدن مغسل الميت نجسا لم يجز له الدخول في المساجد للإجماع على وجوب تجنب المساجد عن النجاسات، مع أنه لا خلاف في أن من غسل ميتا يجوز له الدخول في المسجد (ثانيهما): أن الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف، و من جملة الأغسال غسل من مس ميتا، و لو كان ما لاقى الميت نجسا لما كان الماء الذي يغتسل به طاهرا. و هذان الوجهان و ان كانا قابلين للمنع، الا أن مقتضاهما عدم منجسية ميت الآدمي فلا يبعد صحة نسبة هذا القول اليه.

(القول الثالث): ما يقابل هذين القولين، و هو القول بسراية نجاسة الميتة مطلقا آدميا كان، أم غيره، مع الرطوبة أو لا معها، حكى هذا القول عن ظاهر بعضهم، كالعلامة في نهايته ناسبا له إلى الأصحاب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 454‌

..........

______________________________
(القول الرابع): التفصيل بين ميت الآدمي فيسري نجاسته إلى الملاقي و لو مع الجفاف، و بين ميتة غيره، فلا تسرى الا مع الرطوبة كسائر النجاسات، حكى القول به عن غير واحد كالعلامة، و الشهيدين، و غيرهما من المحققين، بل عن بعضهم نسبته الى المعروف من المذهب، أو المشهور.

و الصحيح من هذه الأقوال هو ما ذهب اليه المشهور، و اختاره المصنف «قده» لبطلان سائر الأقوال لعدم دليل صالح لإثباتها.

أما (القول الأول)- فيدفعه أولا: إطلاق ما دل على نجاسة الميتة من الاخبار المتقدمة «1» الشاملة بإطلاقها لميت الإنسان و غيره من الحيوانات و ثانيا: ورود الأمر بغسل ملاقي جسد ميت الإنسان بخصوصه من الثوب، و اليد، و نحوهما الظاهر في الإرشاد إلى نجاسته- كما في غير المقام- و إلا لانسد باب استظهار النجاسات، لان عمدة الدليل على نجاستها إنما هي ورود الأمر بغسل ملاقيها، و قل في الروايات التصريح بنجاسة شي‌ء منها- كالكلب- فإنه ورد فيه في بعض الاخبار «2» أنه رجس نجس، و أما غيره فالدليل فيه ما ذكرنا من الأمر بغسل الملاقي، كما ورد في ميت الآدمي في عدة روايات (منها)- صحيح الحلبي، أو حسنته «3» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ فقال يغسل ما أصاب الثوب».

______________________________
(1) راجع ص 367- 371 و ص 431.

(2) الوسائل ج 1 ص 163 الباب 1 من أبواب الأسئار، الحديث 4 و الباب 11 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1014، الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 ص 1050 الباب 34 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 455‌

..........

______________________________
و (منها)- رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة
«1» فإنهما تدلان على وجوب غسل الأثر الحاصل في الثوب من الميت، و لو لا نجاسته لما أمر بغسله.

و (منها)- التوقيعان [1] الواردان في أجوبة مسائل محمد بن عبد اللّه ابن جعفر الحميري المرويان عن احتجاج الطبرسي، و كتاب الغيبة للشيخ، لما فيهما من الأمر بغسل يد من مس الميت.

و أما (القول الثاني)- فظهر اندفاعه بما ذكرناه آنفا من الروايات، فإنها تدل على تنجس ملاقي جسد الميت من الثوب، و اليد بالمطابقة، و على نجاسة نفس الميت بالالتزام. فكيف يمكن القول بأنه نجس غير منجس؟! و أما (القول الثالث)- و هو القول بمنجسية الميتة مطلقا و لو بلا رطوبة‌

______________________________
[1] (في الاحتجاج) قال: «مما خرج عن صاحب الزمان- ع- إلى محمد ابن عبد اللّه، بن جعفر الحميري حيث كتب اليه: روى لنا عن العالم- ع- انه سئل عن إمام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم، و حدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخر، و يتقدم بعضهم، و يتم صلاتهم، و يغتسل من مسه. «التوقيع» ليس على من مسه إلا غسل اليد.»

و عنه قال: «و كتب اليه، و روى عن العالم ان من مس ميتا بحرارته غسل يده، و من مسه و قد برد فعليه الغسل، و هذا الميت في هذا الحال لا يكون إلا بحرارته. فالعمل في ذلك على ما هو، و لعله ينحيه بثيابه، و لا يمسه، فكيف يجب عليه الغسل؟ «التوقيع» إذا مسه على «في» هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده» (الوسائل ج 2 ص 932 الباب 3 من أبواب غسل المس، الحديث 4 و 5) هما ضعيفان من طريق الاحتجاج بالإرسال، و من طريق الشيخ «قده» في كتاب الغيبة بأحمد بن إبراهيم النوبختي، فإنه مهمل في كتب الرجال، لاحظ سند الشيخ في كتاب الغيبة في خاتمة الوسائل ص 521.

______________________________
(1) في ص 448.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 456‌

..........

______________________________
مسرية، و هو إفراط في المقام، كما أشرنا- فقد (استدل) له بإطلاق ما دل من الروايات على تنجس ملاقي جسد الميت الشامل لصورة الجفاف، كصحيحة الحلبي، و رواية ابن ميمون، و التوقيعين المتقدم ذكر جميعها، فإن الأمر بغسل الثوب في الأوليين، و كذلك الأمر بغسل اليد في التوقيعين لم يقيدا بصورة الرطوبة.

و (يدفعه) أولا: انصراف الإطلاق فيها إلى صورة الملاقاة بالرطوبة المسرية لارتكاز العرف على توقف سراية النجاسة على الرطوبة، كما في القذارات العرفية. و ثانيا: أنه لو سلم إطلاقها فهي معارضة بموثقة ابن بكير الدالة على أن كل يابس ذكى [1].

و النسبة بينها، و بين المطلقات و ان كانت العموم من وجه، و مورد المعارضة ملاقاة الميتة مع اليبوسة، الا أنها تتقدم على تلك، لان دلالتها بالعموم لاشتمالها على لفظة «كل» و تلك بالإطلاق، و قد حقق في محله تقدم الأول على الثاني، فلا تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة بتوهم تساقطهما بالمعارضة. و ثالثا: لزوم تقييدها.

بصحيحة على بن جعفر «2» عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟

قال ليس عليه غسله، و ليصل فيه، و لا بأس».

______________________________
[1] عن عبد اللّه ابن بكير قال: «قلت لأبي عبد اللّه- ع- الرجل يبول، و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط؟ قال: كل شي‌ء يابس ذكي» (الوسائل ج 1 ص 248 الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5).

______________________________
(2) الوسائل ج 2 ص 1035 الباب 26 من أبواب النجاسات، الحديث 5).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 457‌

..........

______________________________
فإن النسبة بين هذه الصحيحة، و تلك المطلقات و ان كانت التباين، لدلالة هذه على عدم نجاسة ملاقي الميتة مطلقا و لو مع الرطوبة، و دلالة تلك على نجاسته مطلقا و لو مع اليبوسة على الفرض، الا أنه لا بد من تقييدها بما سبق من الروايات الدالة على سراية نجاسة الميتة إلى ملاقيها مع الرطوبة، كالروايات
«1» الدالة على نجاسة السمن و الزيت و الماء و غيرها بموت الفأرة فيها، فإنه لا إشكال في دلالة هذه الروايات على تنجس ملاقي الميتة مع الرطوبة المسرية، فلا بد من تقييد هذه الصحيحة بها و بعده تنقلب النسبة بينها، و بين مطلقات المقام من التباين الى العموم و الخصوص المطلق، لأنها بعد تقييدها بتلك تكون أخص من هذه، لاختصاصها حينئذ بالملاقاة مع الجفاف، فيقيد بها المطلقات الدالة على نجاسة ملاقي الميتة مطلقا مع الرطوبة أو بدونها.

و مما ذكرنا يظهر اندفاع (القول الرابع)- أى التفصيل بين ميت الأدمي و غيره- فان الروايات المتقدمة الموهمة للإطلاق من صحيح الحلبي، و خبر ابن ميمون، و التوقيعين و ان كان موردها خصوص ميت الإنسان و لذلك فصل بعضهم بينه، و بين غيره من الحيوانات من دون إلغاء خصوصيته جمودا على مورد النص، الا انها لا تثبت هذا القول أما أولا: فلانصرافها إلى صورة الملاقاة مع الرطوبة- كما ذكرنا- و ثانيا: لزوم تقييدها بموثقة ابن بكير الدالة بعمومها على أن كل يابس ذكى.

فظهر من جميع ما ذكرنا: أن الأقوى، و الأوفق بالأدلة انما هو القول المشهور المذكور في المتن من عدم سراية نجاسة الميتة، و لو كانت ميتة‌

______________________________
(1) المتقدمة في تعليقة ص 369- 370.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 458‌

[ (مسألة 11) يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده]

(مسألة 11) يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده فلو مات بعض الجسد، و لم تخرج الروح من تمامه لم ينجس (1)

[ (مسألة 12) مجرد خروج الروح يوجب النجاسة، و ان كان قبل البرد]

(مسألة 12) مجرد خروج الروح يوجب النجاسة، و ان كان قبل البرد (2 من غير فرق بين الإنسان و غيره.

______________________________
الإنسان، إلا مع الرطوبة.

(1) لو خرج الروح من بعض جسد الحيوان، كما لو شل يده أو رجله- مثلا- فهل يحكم بنجاسة خصوص هذا العضو، أم لا؟ الصحيح هو الثاني، و ذلك لان موضوع الأخبار الدالة على نجاسة الميتة هو الحيوان لا الأعم منه و من عضوه، فإنه يسئل في الروايات عن وقوع الفأرة- مثلا- في السمن و نحوه، أو عن وقوع حيوان في البئر كالإنسان و الحمار و غيرهما، و من الواضح عدم صدقه على بعضه، فان بعض الحمار لا يصدق عليه انه حمار.

نعم: قد دل الدليل على نجاسة خصوص القطعة المبانة من الحي و انها بمنزلة الميتة، بحيث لو لم يرد الدليل لقلنا بطهارتها أيضا، و أما العضو المتصل فلم يرد دليل على نجاسته، فهو محكوم بالطهارة بمقتضى الأصل.

نجاسة الميّت قبل البرد

(2) لا إشكال في اشتراط وجوب غسل المس ببرد الميت الإنساني كما دلت عليه الأخبار «1» التي يأتي ذكرها في محلها ان شاء اللّه تعالى.

و أما النجاسة فهل تحصل بمجرد خروج الروح، أو تتوقف على برد الميت أيضا؟ قولان. و الأقوى هو الأول من غير فرق بين ميت الآدمي و‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 927 الباب 1 من أبواب غسل المس.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 459‌

..........

______________________________
غيره كما لعله المشهور بل عن
«1» الخلاف و المعتبر و غيرهما دعوى الإجماع على نجاسة ميت الإنسان مطلقا، لإطلاق ما دل على نجاسة مطلق الميتة، و كذا ما دل على نجاسة ميت خصوص الإنسان، كصحيح الحلبي أو حسنته «2» لإطلاقه من حيث اصابة الثوب لجسد الميت قبل البرد أو بعده بل و صريح أحد التوقيعين [1] المتقدمين هو وجوب غسل اليد إذا كان المس بحرارة. و أما ما في ذيل رواية ابن ميمون المتقدمة [2] من التفسير بقوله «يعني إذا برد الميت» فلم يثبت كونه من الامام عليه السّلام. بل الظاهر كونه تفسيرا من الراوي- كما يأتي- على أنها ضعيفة السند. و ذهب جماعة إلى القول بعدم نجاسة ميت الآدمي قبل البرد، كما عن الجامع «5» و نهاية الأحكام و الذكرى و الدروس و كشف الالتباس و جامع المقاصد و المدارك و غيرهم.

و يستدل لهم بوجوه كلها ضعيفة (أحدها)- عدم صدق الموت قبل البرد، و بقاء علقة الحياة ما دامت الحرارة باقية فلا موت إلا بعد البرد، أو أنه لا يحصل الجزم به مع الحرارة.

و (يدفعه)- أنه لا ينبغي التشكيك في صدق الموت بمجرد خروج الروح لغة و عرفا، و إلا لم يجز شي‌ء من تجهيزات الميت الإنساني من الغسل و الكفن و غيرهما قبل برده، و لا تترتب عليه سائر أحكامه في نسائه و‌

______________________________
[1] و هو التوقيع الثاني المتقدم في تعليقة ص 455.

[2] في ص 448 و تقدم وجه ضعفها.

______________________________
(1) كما في مفتاح الكرامة ج 1 ص 515.

(2) المتقدمة في ص 454.

(5) كما في مفتاح الكرامة ج 1 ص 153 و 515.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 460‌

..........

______________________________
ميراثه لعدم جواز ذلك في حال الحياة، و هذا مما لم يلتزم به أحد. على أن مقتضى هذا الوجه عدم نجاسة ميتة سائر الحيوانات قبل بردها، و هو خلاف ما اتفقوا عليه من نجاسة الميتة بمجرد خروج الروح، و من قال باشتراط البرد فقد خصه بميت الآدمي لا غير.

(الثاني)- دعوى الملازمة بين الغسل- بالفتح- و الغسل- بالضم- فما لم يجب الثاني لم يجب الأول، و من الظاهر عدم وجوب غسل المس قبل البرد.

و (يدفعه)- انه لا دليل على هذه الملازمة. بل كل منهما حكم مستقل يتبع دليله، و قد علق غسل المس على البرد بمقتضى النصوص المعتبرة، و النجاسة على الموت بمقتضى الإطلاقات- كما أشرنا.

(الثالث)- روايات توهم دلالتها على تعليق نجاسة ميت الآدمي على البرد.

(منها)- خبر ابن ميمون المتقدمة [1] لما في ذيلها «و إن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه يعني إذا برد الميت» لصراحتها في تعليق وجوب غسل الثوب على برد الميت.

و (فيه): ان الظاهر ان جملة «يعني إذا برد الميت» من الراوي بل المطمئن به هو ذلك، لعدم الحاجة الى التفسير بكلمة «يعني» لو كانت من كلام الامام عليه السّلام بل اللازم حينئذ أن يقول «بعد البرد» أو «إذا برد الميت» من دون إضافة كلمة «يعنى».

و يؤيد ذلك أن الكليني قد روى هذه الرواية في الكافي بطريقين على‌

______________________________
[1] في ص 448 و تقدم ضعفها بإبراهيم بن ميمون.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 461‌

..........

______________________________
كيفيتين إحداهما [1] مذيلة بهذه الجملة، و هي التي رواها في الوسائل و الثانية [2] ليس فيها هذه الزيادة، و قد أشار إليها في الوسائل أيضا إلا انه لم ينبه على عدم وجود هذه الجملة فيها.

و (منها)- صحيحة محمد بن مسلم «3» عن أبى جعفر عليه السّلام قال:

«مس الميت عند موته، و بعد غسله، و القبلة ليس بها بأس».

بدعوى إطلاق نفى البأس بالنسبة إلى نجاسة الملاقي فكأن مفادها هو ان مس الميت عند موته و بعد غسله لا يؤثر شيئا من وجوب غسل المس أو نجاسة الماس، إذ احتمال نفى الحرمة التكليفية مقطوع البطلان، لعدم احتمال حرمة مس الميت أو تقبيله، هذا.

و لكن نمنع دلالتها على ذلك أولا: بأن الظاهر من قوله عليه السّلام:

«عند موته» هو حال النزع، و من المعلوم عدم تحقق الموت في هذه الحالة و محل الكلام إنما هو فيما بعد الموت و قبل البرد.

و ثانيا: سلمنا ان المراد ب‍ «عند الموت» هو ما بعده بلا فصل لكن نمنع عن شمول الإطلاق لنفى النجاسة، لظهورها في أن المنفي هو وجوب غسل‌

______________________________
[1] و هي التي رواها في الكافي في (باب الكلب يصيب الثوب و الجسد و غيره مما يكره ان يمس شي‌ء منه) «ج 1 ص 60 طبعة دار الكتب الإسلامية بطهران» رواها عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن إبراهيم بن ميمون. و متنها ما تقدم في ص 448.

[2] رواها في الكافي في (باب غسل من غسل الميت و من مسه و هو حار و من مسه و هو بارد) «ج 1 ص 160» رواها عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن إبراهيم. و متنها ما سبق بإسقاط جملة «يعني إذا برد الميت».

______________________________
(3) الوسائل ج 2 ص 931 الباب 3 من أبواب غسل المس، الحديث 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 462‌

..........

______________________________
المس- فقط- لأن الموضوع فيها مجرد مس الميت بما هو، و هو لا يوجب إلا الغسل بشرط أن يكون بعد البرد و قبل تغسيل الميت، و لو كان المس مع الجفاف و هذا لا ينافي تأثيره في نجاسة الملاقي إذا كان مع الرطوبة، و لو قبل البرد و في حال حرارة بدن الميت و مفروض الصحيحة هو الأول دون الثاني.

و ثالثا: سلمنا شمول إطلاقها لنفى النجاسة و عدم اختصاصها بنفي وجوب غسل المس لكن لا بد من تقييدها بما سبق من الروايات الدالة على نجاسة الميت بمجرد الموت كصحيحة الحلبي أو حسنته «1» و رواية ابن ميمون «2» بل ورد التصريح في أحد التوقيعين [1] بوجوب غسل اليد و لو كان المس بحرارة.

و رابعا: أغمضنا النظر عن ذلك أيضا، إلا أنه لا بد من حملها على صورة وقوع المس و القبلة مع الجفاف، و أما مع الرطوبة فتوجب نجاسة الملاقي لحسنة الحلبي الدالة على نجاسة الميت بمجرد موته بعد حملها على صورة الملاقاة مع الرطوبة إما بقرينة الارتكاز العرفي، أو جمعا بينها و بين موثقة ابن بكير كما سبق «4».

و (منها)- صحيحة إسماعيل بن جابر «5» قال: «دخلت على‌

______________________________
[1] المتقدم في تعليقة ص 455 و قد تقدم ضعف رواية ابن ميمون و التوقيعين.

______________________________
(1) المتقدمة في ص 454.

(2) المتقدمة في ص 448.

(4) في ص 456.

(5) الوسائل ج 2 ص 931 الباب 1 من أبواب غسل المس، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 463‌

..........

______________________________
أبى عبد اللّه عليه السّلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبله و هو ميت.

فقلت: جعلت فداك أ ليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت، و من مسه فعليه الغسل؟ فقال: أما بحرارته فلا بأس، إنما ذاك إذا برد».

(بدعوى): شمول إطلاقها لنفى النجاسة بالتقريب المتقدم في صحيحة ابن مسلم.

و (يدفعها): ما ذكرناه في ذيل تلك الصحيحة من ظهورها في ان المنفي هو غسل المس دون النجاسة، لأن موضوع السؤال فيها هو ما يقتضيه المس بما هو مس و لو كان مع الجفاف، و هو لا يقتضي إلا الغسل- بالضم- بشرط أن يكون بعد البرد، فتكون هذه الرواية في سياق الروايات «1» الدالة على نفى وجوب غسل المس بتقبيل الميت أو مسه قبل برده. على أنها مطلقة لا بد من تقييدها بما دل على نجاسة ملاقي جسد الميت مع الرطوبة- كما ذكرنا آنفا- ثم إن ما ذكرناه من نجاسة بدن الميت بالموت لا يشمل المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، لأن أجسادهم طاهرة مطهرة، فإنه تعالى أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و كذا من شرّع [1] له تقديم الغسل فاغتسل كالمرجوم و المقتص منه فإنه قدم غسلهما على الموت، و سيأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه تعالى.

و أما الشهيد ففي الجواهر «3» التصريح باستثنائه أيضا، و لم نعرف له‌

______________________________
[1] كما ورد به النص رواه في الوسائل ج 2 ص 703 في الباب 17 من أبواب غسل الميت.

______________________________
(1) المروية في الوسائل ج 2 ص 931 في الباب 1 من أبواب غسل المس.

(3) ج 5 ص 307 طبعة النجف الأشرف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 464‌

نعم وجوب غسل المس للميت الإنساني مخصوص بما بعد برده (1).

[ (مسألة 13) المضغة نجسة]

(مسألة 13) المضغة نجسة [1] (2) و كذا المشيمة، و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل.

______________________________
و أما الشهيد ففي الجواهر
«2» التصريح باستثنائه أيضا، و لم نعرف له وجها و إن كان يساعده الذوق سوى ما استظهره عما دل على سقوط الغسل عن الشهيد من عدم نجاسته بهذا الموت إكراما و تعظيما له من اللّه تعالى شأنه.

و لكن يشكل ذلك بأن غاية ما يستفاد من تلك الروايات «3» وجوب دفن الشهيد بثيابه و دمائه كي يحشر يوم القيامة على هذه الحالة، و هذا لا ينافي نجاسة بدنه بالموت، كما يتنجس بملاقاة دمه يقينا لو قلنا بطهارة بدنه في نفسه.

(1) كما يأتي في محله.

(2) يدل على نجاسة المضغة ما قدمناه في نجاسة السقط، و عمدته عموم ما دل من الروايات على نجاسة الجيفة، و ليست الجيفة بعنوانها من النجاسات- كما تقدم- بل لو كانت نجسة في هذا الحال لزم كونها نجسة من الأول، أي قبل صيرورتها جيفة. بل لا يبعد القول بكون المضغة جيفة من الأول، و هكذا الدليل على نجاسة المشيمة و القطعة من اللحم التي تخرج حين الولادة مع الطفل، فإنهما أيضا من مصاديق الجيفة و لو بعد بقائهما بيسير، و أما الاستدلال على نجاسة هذه الأمور بكونها من القطعة المبانة من الحي فقد عرفت منعه بوضوح في الاستدلال على نجاسة السقط، فراجع.

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله): «الحكم بنجاسة المذكورات مبنى على الاحتياط».

______________________________
(2) ج 5 ص 307 طبعة النجف الأشرف.

(3) المروية في الوسائل ج 2 ص 698 في الباب 14 من أبواب غسل الميت.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 465‌

[ (مسألة 14) إذا قطع عضو من الحي و بقي معلقا متصلا به فهو طاهر]

(مسألة 14) إذا قطع عضو من الحي و بقي معلقا متصلا به فهو طاهر ما دام الاتصال، و ينجس بعد الانفصال. نعم لو قطعت يده- مثلا- و كانت معلقة بجلدة رقيقة فالأحوط الاجتناب [1] (1).

[ (مسألة 15) الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك]

(مسألة 15) الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك و احتمل عدم كونه من اجزاء الحيوان فطاهر و حلال (2) و إن علم كونه كذلك فلا إشكال في حرمته، لكنه محكوم بالطهارة لعدم العلم بأن ذلك الحيوان مما له نفس.

______________________________
العضو المقطوع

(1) تقدمت الإشارة الى هذه المسألة في القطعة المبانة من الحي، و حاصل الكلام ان العضو المقطوع لو كان معدودا من توابع البدن- كما لو كان القطع يسيرا- فهو طاهر لطهارة الحيوان، و إن لم يكن كذلك بحيث لا يقال انه جزء من بدنه كما إذا كانت معلقة بجلدة رقيقة فهو نجس، لأنه بحكم المقطوع رأسا.

(2) ما يسمى بخصية كلب الماء لو شك في كونه جزء من الحيوان و احتملنا أنه شي‌ء آخر سمى بهذا الاسم فهو محكوم بالطهارة و الحلية للقاعدة الجارية في كل مشكوك الطهارة و الحلية. و أما لو أحرز كونه جزء من الحيوان و انه حقيقة خصية كلب الماء فهو محكوم بالطهارة أيضا إما للقطع بكون الحيوانات البحرية لا نفس لها، أولا أقل من الشك في بعضها ككلب الماء، و أما من حيث الأكل فمحكوم بالحرمة لحرمة كلب الماء، لا سيما الخصية منه، إذ لو كان نفس الحيوان حلالا كانت خصيته حراما كما في الحيوانات البرية.

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله): «لا يترك الاحتياط فيما إذا لم يعد المنفصل من توابع البدن عرفا».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 466‌

[ (مسألة 16) إذا قلع سنة أو قص ظفره فانقطع معه شي‌ء من اللحم]

(مسألة 16) إذا قلع سنة أو قص ظفره فانقطع معه شي‌ء من اللحم فان كان قليلا جدا فهو طاهر (1) و إلا فنجس.

[ (مسألة 17) إذا وجد عظما مجردا و شك في أنه من نجس العين]

(مسألة 17) إذا وجد عظما مجردا و شك في أنه من نجس العين أو من غيره يحكم عليه بالطهارة حتى لو علم أنه من الإنسان و لم يعلم أنه من كافر أو مسلم (2).

______________________________
(1) لعدم عدّه في نظر العرف من القطعة المبانة من الحي كي يشمله دليل نجاستها كما ذكرنا
«1» في الثالول و القشور التي تقع من بدن الإنسان بالحك و نحوه، و هذا بخلاف ما لو كان اللحم المقطوع بمقدار يعد في نظرهم من أجزاء بدن الإنسان فإنه يشمله دليل نجاسة القطعة المبانة، و قد علم حكم هذه المسألة مما أسلفناه هناك فهي أشبه بالتكرار.

العضو المشكوك كونه لطاهر، أو نجس

(2) لو شك في عظم غير الإنسان أنه من نجس العين أو من غيره- كما لو شك انه من كلب أو شاة- فلا إشكال في جريان قاعدة الطهارة، و أما لو علم أنه عظم إنسان و لم يعلم انه من كافر أو مسلم و لم تكن هناك أمارة على كونه من مسلم فقد (يتوهم): عدم جريان قاعدة الطهارة فيه، لحكومة استصحاب عدم الإسلام المثبت للكفر عليها، لأنه أصل موضوعي حاكم على الأصل الحكمي.

بتقريب: أن التقابل بين الكفر و الإسلام تقابل العدم و الملكة- كالعمى و البصر- لأن الكفر عبارة عن عدم الإسلام في المحل القابل و حيث أن‌

______________________________
(1) في ذيل (مسألة 1).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 467‌

..........

______________________________
الإسلام أمر وجودي إذ هو الاعتقاد بأصول الدين فعند الشك في تحققه يستصحب عدمه، و يحكم بكفر المشكوك بضم الوجدان الى الأصل، لأن قابلية المحل محرزة بالوجدان و عدم إسلامه يحرز بالأصل فإذا حكم بكفر ذي العظم يحكم بنجاسة عظمه لا محالة.

و (يندفع): أما أولا: فبأنه قد تسالم الأصحاب حتى ادعى الإجماع على ترتيب آثار الإسلام من الحكم بالطهارة و وجوب التجهيز و نحو ذلك بالنسبة الى من يشك في كفره و إسلامه، لا سيما في لقيط دار الإسلام أو دار الكفر إذا كان فيه مسلم يحتمل تولده منه على ما سيأتي في بحث غسل الميت و الصلاة عليه- إن شاء اللّه تعالى- حتى أصبح أصالة الإسلام من الأصول المسلمة عندهم، فإنهم و ان استدلوا عليها بوجوه لا تخلو عن المناقشة كالنبوي «1» المعروف «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» أو ما روى من أن كل مولود يولد على الفطرة و نحو ذلك إلا أن أصل القاعدة مما لا ينبغي التأمل فيها- كما يأتي- فإذا كان هذا حال الإنسان نفسه فكيف؟ يمكن الحكم بنجاسة عظمه بعد موته من جهة الشك في إسلامه و كفره.

و أما ثانيا: فبان استصحاب عدم الإسلام لا يثبت عنوان الكفر- الذي هو موضوع النجاسة- لأنه عنوان وجودي بسيط منتزع عن عدم الإسلام عمن من شأنه أن يسلم و التقابل بين الكفر و الإسلام و إن كان تقابل العدم و الملكة- و هما ضدان لا ثالث لهما في المورد القابل فمن ليس بمسلم كافر و بالعكس- إلا أن عنوان الكفر ليس مركبا من عدم الإسلام و قابلية المحل كي يقال بإمكان إحراز أحد جزئية بالأصل و الآخر بالوجدان‌

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 376 الباب 1 من أبواب الإرث، الحديث 11.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 468‌

..........

______________________________
نظير سائر الموضوعات المركبة، كاستصحاب عدم إسلام الوارث مع إحراز موت المورث لإثبات موضوع إرث الطبقة المتأخرة. بل هو مفهوم وجودي بسيط منتزع عما ذكر، لأن عدم الملكة عبارة عن الاتصاف بالعدم لا عدم الاتصاف بالوجود، و كذلك مفهوم العمى، فإنه ليس عدم البصر، بل هو عنوان وجودي بسيط منتزع عنه، و يكفي في إثبات ذلك ضرورة أن قولنا فلان كافر أو أعمى قضية إيجابية لا سلبية، و أصل الكفر بمعنى الستر، و لا ريب انه أمر وجودي، فإذن لا يجدى استصحاب عدم الإسلام في إثبات الكفر إلا على القول بالأصل المثبت و لا نقول به على انه يكفى في المنع عن جريانه الشك و عدم إحراز أن الكفر أمر عدمي محض كما هو ظاهر. و عليه لا مانع من الرجوع الى قاعدة الطهارة إذ لا يعتبر في الحكم بها إحراز كون الشخص مسلما لأن كل انسان محكوم بالطهارة خرج عنه الكافر و بقي الباقي.

و بالجملة: ان المشكوك كفره و إسلامه محكوم بالطهارة، لعدم ثبوت موضوع النجاسة فيه. بل يمكن نفيه عنه باستصحاب عدم الكفر، لما ذكرنا من انه مفهوم وجودي بسيط فيكون مسبوقا بالعدم لا محالة فيجري استصحاب عدمه، و لا يعارضه استصحاب عدم الإسلام إذ ليس الإسلام موضوعا للحكم بالطهارة لما ذكرنا آنفا من أن كل انسان محكوم بالطهارة إلا الكافر.

و بذلك يمكن التمسك بعموم أو إطلاق ما دل على طهارة كل إنسان إلا الكافر- لو كان- لإحراز موضوعه بضم الوجدان الى الأصل فيثبت له الطهارة الواقعية، و إلا فيرجع الى أصالة الطهارة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 469‌

[ (مسألة 18) الجلد المطروح إن لم يعلم أنه من الحيوان الذي له نفس]

(مسألة 18) الجلد المطروح إن لم يعلم أنه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره كالسمك- مثلا- يحكم بطهارته (1).

[ (مسألة 19) يحرم بيع الميتة]

(مسألة 19) يحرم بيع الميتة (2)

______________________________
و هذا الوجه هو الذي نعتمد عليه في أصالة الإسلام بمعنى لزوم ترتيب آثار الإسلام من وجوب الغسل و الكفن و الدفن و نحو ذلك و منها الحكم بالطهارة بالنسبة الى من يشك في كفره و إسلامه، لأن مقتضى الأدلة وجوب ذلك لكل انسان خرج عنه الكافر، و هو- في صورة الشك- إما محرز العدم أو غير محرز الوجود.

فما ذكره المصنف «قده» في المتن من الحكم بطهارة العظم المردد و لو كان من الإنسان هو الصحيح.

(1) إما لقاعدة الطهارة، أو لاستصحاب عدم كون حيوانه مما له نفس سائلة بناء على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية.

بيع الميتة و الانتفاع بها

(2) يقع الكلام في الميتة في مقامين (الأول) في حكم بيعها و (الثاني) في حكم الانتفاع بها في غير ما يشترط فيه الطهارة.

أما (المقام الأول)- فالمشهور فيه هو الحرمة تكليفا و وضعا و لو قلنا بجواز الانتفاع بها في غير المشروط بالطهارة، بل عن جمع دعوى الإجماع على المنع، و نسب القول بالجواز الى من رمى بالضعف و الندرة.

و قد استدل على المنع بوجوه فصلنا الكلام فيها في بحث المكاسب المحرمة عمدتها الروايات، و هي و إن كانت متعارضة في بادى النظر إلا أن الترجيح مع اخبار المنع- كما ستعرف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 470‌

..........

______________________________
(منها)- صحيحة البزنطي
«1» الواردة في أليات الغنم المقطوعة عن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها» و النهى في المعاملات إرشاد إلى فسادها.

و (منها) عدة روايات [1] تدل على أن ثمن الميتة من السحت، فيكون بيعها باطلا لا محالة.

و (منها)- رواية على بن جعفر [2] عن أخيه قال «سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها، و دباغها و لبسها قال:

لا، و لو لبسها فلا يصل فيها».

لرجوع النهي الى ما سبق في السؤال و منه البيع.

و (منها)- رواية تحف العقول [3] لما فيها من عد بيع الميتة من وجوه‌

______________________________
[1] كرواية النوفلي عن السكوني عن ابى عبد اللّه- ع- قال: «السحت ثمن الميتة.» ضعيفة بالنوفلي عن طريق الكليني، و بموسى بن عمران عن طريق الصدوق في الخصال.

و مرسلة الصدوق (في حديث) قال: «قال- ع- ثمن الميتة سحت.» ضعيفة بالإرسال.

و روى مسندا في وصية النبي- ص- لعلي- ع- قال: «يا علي من السحت ثمن الميتة.» مجهولة بحماد بن عمرو و انس بن محمد (الوسائل ج 12 ص 62 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 و 8 و 9).

و عن الجعفريات عن علي- ع- قال: «من السحت ثمن الميتة.» مجهولة بموسى بن إسماعيل (المستدرك ج 2 ص 426).

[2] الوسائل ج 12 ص 65 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 16 مجهولة بعبد اللّه ابن الحسن.

[3] الوسائل ج 12 ص 54 الباب 2 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 ضعيفة بالإرسال و ان كان المرسل من الأجلة.

______________________________
(1) الوسائل ج 12 ص 67 الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 471‌

..........

______________________________
البيع المحرم.

هذه أخبار المنع و يعارضها ما تدل على الجواز، و هي.

رواية أبي القاسم الصيقل [1] و ولده: «كتبوا الى الرجل جعلنا اللّه فداك إنا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة، و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها و إنما غلافها (خ ل علاجها) جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا؟ فكتب عليه السّلام اجعلوا ثوبا للصلاة.».

و هذه كالصريحة في جواز بيع جلود الميتة من حيث تقريره عليه السّلام لذلك مع إصرار السائل على الجواب عما ذكره في السؤال و لم يجب الامام عليه السّلام الا بالمنع عن الصلاة في الثوب الذي تصيبه تلك الجلود.

و قد حملها شيخنا الأنصاري «قده» على التقية بلحاظ أنها مكاتبة يمكن عثور المخالفين عليها و لا وجه لهذا الحمل أما أولا فلان العامة «2» أيضا يمنعون عن بيع الميتة النجسة.

و (توهم): إمكان حصول التقية بلحاظ تجويز العامة لبيع جلود الميتة بعد الدبغ لارتفاع المانع- و هي النجاسة- حينئذ فإنهم يرون طهارتها بالدبغ‌

______________________________
[1] الوسائل ج 12 ص 125 الباب 38 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 مجهولة بأبي القاسم الصيقل.

______________________________
(2) كما في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 2 ص 231- الطبعة الخامسة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 472‌

..........

______________________________
و لا تستعمل الجلود في صنع الأغمدة و نحوها الا بعد ذلك.

(مندفع): بأنه لا تقية في المكاتبة حتى من هذه الجهة بقرينة أمره عليه السّلام لهم بان يتخذوا ثوبا للصلاة، و ليس ذلك الا بلحاظ تنجسه بمباشرة الجلود المذكورة و لو كانت مدبوغة.

و قد يجمع بين الطائفتين- كما في كلام شيخنا الأنصاري «قده» ايضا- بحمل المكاتبة على جواز بيع الغمد المصنوع من جلد الميتة تبعا للسيف لا مستقلا و لا منضما معه بحيث يكون جزء من الثمن في قبالة، بل يكون تمام المبيع هو السيف و الغمد تابع له محضا، و ذلك لان مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شرائها لا خصوص الغلاف مستقلا و لا في ضمن بيع السيف، فاذن لا تنافي هذه المكاتبة ما دل على المنع عن بيع الميتة استقلالا.

و لعل هذا الجمع من غرائب الكلام. أما أولا: فلانه لا يحتمل أحد من المسلمين حرمة عمل السيوف و مسها و بيعها و شرائها، و لم يقل بذلك أحد من فقهاء الفريقين، كي يسئل الامام عنه، و لعل منشئه توهم رجوع الضمائر في قول السائل: «فيحل لنا عملها.» الى السيوف مع أنه من الظاهر جدا رجوعها الى جلود الميتة، لا سيما بلحاظ فرض الشراء في السؤال فإنهم يشترون الجلود ليعملوها غلافا للسيف، و بلحاظ السؤال عن الصلاة في ثيابهم الظاهر في كونه من جهة نجاستها بمباشرة جلود الميتة، فيتعين أن يكون مورد السؤال في المكاتبة هي الجلود، و ذكر عمل السيوف في صدرها يكون من باب المقدمة لذلك. و أما ثانيا: فلانه لو سلم أن مورد المكاتبة عمل السيوف و بيعها فلا نسلم أن يكون الغمد مقصودا بالتبع دائما، إذ ربما يكون أعلى قيمة من السيف من جهة العوارض الخارجية كتزيينه بالجواهر الثمينة و‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 473‌

..........

______________________________
نحو ذلك. و أما ثالثا: فلأنه لو سلم التبعية في البيع دائما فلا نسلم كونه كذلك في الشراء مع اشتمال الرواية على السؤال عن شراء جلود الميتة لصنعها أغماد السيوف، و شرائها لهذه الغاية يكون بالاستقلال دائما.

و المتحصل: انه لا قصور في دلالة المكاتبة على جواز بيع جلود الميتة و شرائها و مقتضى القاعدة هو الجمع بين الطائفتين بحمل اخبار المنع على الكراهة، فإنه جمع دلالي يساعده العرف، و معه لا تصل النوبة إلى حمل المجوزة على التقية، و لا الى الحمل الذي تكلفه الشيخ «قده» و لا محذور في حمل السحت في الاخبار المانعة على الكراهة لاستعمالها فيها أيضا.

إلا ان الذي يسهل الخطب ان رواية الجواز و هي المكاتبة ضعيفة السند ب‍ «ابى القاسم الصيقل» فإنه لم يوثق في كتب الرجال، فلا يمكن الاعتماد على روايته، فتبقى روايات المنع بلا معارض فالأقوى و الأحوط هو القول بحرمة بيع الميتة.

نعم هناك روايات [1] تدل على جواز بيع الميتة المختلطة بالمذكى ممن القول بحرمة بيع الميتة.

______________________________
[1] كصحيحة الحلبي قال: «سمعت أبا عبد اللّه- ع- يقول: إذا اختلط المذكي و الميتة باعه ممن يستحل الميتة، و أكل ثمنه».

و حسنته عن ابى عبد اللّه- ع-: «انه سئل عن رجل كان له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها فيعزله و يعزل الميتة، ثم إن الميتة و المذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال: يبيعه ممن يستحل الميتة، و يأكل ثمنه فإنه لا بأس».

(الوسائل ج 12 ص 67 الباب 7 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 474‌

لكن الأقوى جواز (1) الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة.

______________________________
نعم هناك روايات [1] تدل على جواز بيع الميتة المختلطة بالمذكى ممن يستحلها، و لا بأس بالعمل بها في خصوص موردها و هي أجنبية عما نحن فيه من بيع الميتة وحدها.

(1) قد مر ان الكلام في الميتة يقع في مقامين و قد تقدم المقام الأول و اما (المقام الثاني)- ففي جواز الانتفاع بها في غير ما يشترط فيه الطهارة و المشهور فيه الحرمة و ربما يقال بالجواز و منشأ الاختلاف ايضا اختلاف الروايات إذ هي على طائفتين.

(الأولى) ما تدل على حرمة الانتفاع بالميتة مطلقا حتى في غير ما يشترط فيه الطهارة، و هي كثيرة.

(منها)- موثقة على بن أبي المغيرة «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي‌ء؟ فقال لا.».

فإن إطلاقها يشمل الانتفاع غير المشروط بالطهارة.

و (منها)- موثقة سماعة «3» قال: «سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟

______________________________
[1] كصحيحة الحلبي قال: «سمعت أبا عبد اللّه- ع- يقول: إذا اختلط المذكي و الميتة باعه ممن يستحل الميتة، و أكل ثمنه».

و حسنته عن ابى عبد اللّه- ع-: «انه سئل عن رجل كان له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها فيعزله و يعزل الميتة، ثم إن الميتة و المذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال: يبيعه ممن يستحل الميتة، و يأكل ثمنه فإنه لا بأس».

(الوسائل ج 12 ص 67 الباب 7 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2).

______________________________
(2) الوسائل ج 2 ص 1080 الباب 61 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 ص 1070 الباب 49 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 475‌

..........

______________________________
فقال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و أما الميتة فلا».

و هذه كسابقتها في الإطلاق.

و نحوها غيرها من الروايات «1» تعرضنا لها في بحث المكاسب و هاتان الموثقتان هما عمدتها من حيث اعتبار السند و قوة الدلالة، و هناك روايات تعارض هذه، و هي.

(الطائفة الثانية) التي تدل على الجواز، و هي أيضا كثيرة (منها) صحيحة البزنطي المتقدمة «2» فإنها صريحة في جواز الانتفاع في الإسراج التي لا يشترط فيه الطهارة، و حرمة الأكل المشروط بها.

و (منها): رواية الحسن الوشاء [1] قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت: جعلت فداك إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال حرام هي (و في الوافي هي ميت) فقلت: جعلت فداك فيستصبح بها؟ فقال أما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام».

فإنها تدل على جواز الانتفاع بالميتة في الاستصباح من حيث هو و انما يمنع منه لأمر خارجي و هو تنجس اليد و الثوب، لأنها نجسة إذ المراد بالحرام في قوله عليه السّلام «و هو حرام» النجس إذ لا يحتمل الحرمة التكليفية‌

______________________________
[1] الوسائل ج 16 ص 444 الباب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1 و هي ضعيفة بمعلى بن محمد البصري لعدم ثبوت وثاقته و لا حسنه.

______________________________
(1) المروية في الوسائل ج 16 ص 359 الباب 30 من أبواب الذبائح، الحديث 1 و الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 448، الحديث 6 و الباب 34 منها الحديث 4 و 5 ص 453.

(2) في ص 470.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 476‌

..........

______________________________
في إصابة اليد و الثوب بدهن الاليات المقطوعة و نحوها غيرها
«1».

و الجمع بين الطائفتين إما بحمل أخبار المنع على الكراهة جمعا بين النص و الظاهر، و إما بحملها على عدم جواز الانتفاع بالميتة على النحو الذي ينتفع بالمذكى، بمعنى أنه لا يجوز الانتفاع بها على وجه الإطلاق كما يجوز الانتفاع كذلك بالمذكى بل يقتصر فيها على ما لا يشترط فيه الطهارة.

و لعل الثاني أقرب إلى الذوق كما يشهد به موثقة سماعة، فإن تعليق جواز الانتفاع بجلد السباع- فيها- على التسمية يدل على عدم الجواز في الميتة على النحو الذي ينتفع بالمذكى بقرينة المقابلة.

فالصحيح هو القول بالجواز في غير المشروط بالطهارة وفاقا للمصنف «قده» هنا خلافا للمشهور جمعا بين الأخبار. و ما سيأتي منه «قده» في فصل حكم الأواني من لزوم الاحتياط بترك استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة ينافي ما اختاره هنا: و كيف كان فالأوفق بالقواعد هو القول بالجواز- كما ذكرنا.

هذا أخر ما أوردناه في الجزء الثاني من كتابنا هذا و قد تم تحريره في جوار باب مدينة علم الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله على أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه في النجف الأشرف على يد مؤلفه الأقل محمد مهدي خلف العلامة الفقيه السيد فاضل الموسوي الخلخالى (قدس سره) في شهر محرم الحرام 1378 ه‍ و أحمده تعالى على ذلك و أسأله التوفيق لإخراج بقية الأجزاء انه ولى التوفيق.

______________________________
(1) المروية في الوسائل ج 2 ص 1080 الباب 61 من أبواب النجاسات، الحديث 3 و في الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 7 ج 16 ص 453.





 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net