الحادي عشر عرق الجنب من الحرام 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8243

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌3، ص: 244

[الحادي عشر عرق الجنب من الحرام]

______________________________
عرق الجنب من الحرام. أقسامه. عرقه حال الاغتسال. حكم التيمم بدل الغسل من جنابته. الصبي المجنب من الحرام. فروع و تطبيقات.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 245‌

«الحادي عشر» عرق الجنب من الحرام (1) «1»

______________________________
(1)
عرق الجنب من الحرام في نجاسة عرق الجنب من الحرام خلاف بين أصحابنا، فعن الصدوقين، و الإسكافي، و الشيخين في المقنعة، و الخلاف، و النهاية، و القاضي القول بنجاسته، و ربما نسب الى المشهور بين المتقدمين، بل عن الخلاف «2» دعوى الإجماع عليه، و عن الأمالي: نسبته الى دين الإمامية، و قيل: انه وافقهم جماعة من متأخري المتأخرين «3» و قال الفقيه الهمداني «قده»:

«لكن جملة ممن نسب إليهم القول بالنجاسة من القدماء لم يصرحوا بها، بل حكموا بحرمة الصلاة في الثوب الذي أصابه العرق، فنسبة القول بالنجاسة إليهم مبنى على عدم القول بالفصل، كما هو الظاهر.» «4».

و عن الحلي، و الفاضلين، و جمهور من المتأخرين القول بطهارته، بل عن الحلي: دعوى الإجماع على طهارته، مدعيا ان من قال بنجاسته في كتاب‌

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف: «عرق الجنب من الحرام»- في نجاسته اشكال، بل منع، و منه يظهر الحال في الفروع الاتية. نعم لا تجوز الصلاة فيه فيما إذا كانت الحرمة ذاتية».

الا انه- دام ظله- قد عدل عن القول بالمانعية أيضا، كما يظهر مما حررناه.

(2) قال الشيخ «قده» في الخلاف- ج 1 ص 180 م 227- «عرق الجنب إذا كانت الجنابة من حرام يحرم الصلاة فيه و ان كانت من حلال فلا بأس بالصلاة فيه، و أجاز الفقهاء كلهم ذلك و لم يفصلوا. دليلنا إجماع الفرقة، و طريقة الاحتياط، و الاخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما»:

و ظاهره الحرمة- أى المانعية- لا النجاسة ثم انه لم يتضح مراده «قده» من الاخبار التي ذكرها في كتابيه- التهذيب و الاستبصار- راجع الحدائق ج 5 ص 215- 217 حول كلام الشيخ «قده» في الخلاف.

(3) راجع الحدائق ج 5 ص 214- 215 و الجواهر ج 6 ص 71- 72 في نقل الأقوال المذكورة.

(4) كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص 571.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 246‌

..........

______________________________
رجع عنه في كتاب آخر.

و أنت ترى انه كيف ادعى الإجماع على الطرفين. و كيف كان فيستدل للقول بالنجاسة بروايات:

منها: ما في البحار «1»، من كتاب المناقب لابن شهرآشوب، نقلا عن كتاب المعتمد في الأصول، قال: قال علي بن مهزيار: «وردت العسكر، و انا شاك في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج الى الصيد في يوم من الرّبيع الا انه صائف، و الناس عليهم ثياب الصيف، و على ابى الحسن عليه السّلام لبادة، و على فرسه تجفاف لبود، و قد عقد ذنب فرسه، و الناس يتعجبون منه، و يقولون: ألا ترون الى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه! فقلت في نفسي: لو كان هذا إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس الى الصحراء لم يلبثوا الا ان ارتفعت سحابة عظيمة هطلت، فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر، و عاد عليه السّلام و هو سالم من جميعه فقلت في نفسي: يوشك ان يكون هو الامام، ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي ان كشف وجهه فهو الامام، فلما قرب منى كشف وجهه، ثم قال: ان كان عرق الجنب في الثوب، و جنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه، و ان كان جنابته من حلال فلا بأس، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة».

و منها: ما عن الشهيد في «الذكرى»، قال: روى محمّد بن همام‌

______________________________
(1) ج 50 ص 173- طبعة المكتبة الإسلامية بطهران عام 1385- الحديث: 53 و أيضا في ص 187 من نفس المجلد، الحديث: 65، عن الكتاب العتيق عن أبى الفتح غازي بن محمد الطرائفي، عن على بن عبد اللّه الميموني، عن محمد بن على بن معمر، عن على بن يقطين بن موسى الأهوازي- في حديث- و قال: «ان كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، و ان كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 247‌

..........

______________________________
بإسناده إلى إدريس بن داود- أو يزداد- الكفر ثوثي، انه كان يقول بالوقف، فدخل سرّ من رأى في عهد ابى الحسن عليه السّلام، فأراد أن يسأله من الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أ يصلى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره، إذ حرّكه أبو الحسن عليه السّلام بمقرعة، و قال مبتدأ: «ان كان من حلال فصلّ فيه، و ان كان من حرام فلا تصلّ فيه»
«1».

و منها: ما في الفقه الرضوي «2»: «إن عرقت في ثوبك و أنت جنب، و كانت الجنابة من الحلال، فتجوز الصلاة فيه، و ان كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل».

و منها: مرسلة علي بن الحكم عن رجل عن ابى الحسن عليه السّلام قال: «لا تغتسل من غسالة ماء الحمام، فإنه يغتسل فيه من الزنا، و يغتسل فيه ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرّهم» «3».

و منها: مرسلة المبسوط حيث قال- في محكي كلامه- و ان كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه، على ما رواه بعض أصحابنا.».

هذه جملة الروايات التي وردت في المقام، و لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منها على الحكم المدعى سواء أ كان هي النجاسة أو المانعية، لأنها بأجمعها ضعيفة السند، أما الاولى و الثانية فلعدم ذكر سنديهما بتمامه. و أما الثالثة فلان الفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية، فضلا عن ان تكون معتبرة. و أما الرابعة فهي مرسلة، و الظاهر انها المراد بمرسلة الشيخ «قده»، لأنه إذا‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 447 الباب: 27 من أبواب النجاسات، الحديث: 12.

(2) ص 4 السطر 18.

(3) وسائل الشيعة ج 3 ص 448 الباب: 27 من أبواب النجاسات، الحديث: 13 و ج 1 ص 219 الباب: 11 من أبواب الماء المضاف، الحديث: 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 248‌

..........

______________________________
كانت هناك رواية أخرى لنقلها الشيخ في كتبه الحديثية، أو الاستدلالية كالمبسوط و غيره، و مع عدمه تطمئن النفس بعدم وجود رواية أخرى غيرها. و بذلك يظهر الحال في الرواية الخامسة، أعني بها مرسلة الشيخ «قده».

و دعوى انجبارها بالعمل، ممنوعة كبرى و صغرى، أما الكبرى فلما مر غير مرة: من عدم تمامية ما اشتهر من انجبار ضعف الروايات بعمل المشهور، كما ان اعراضهم لا يكون كاسرا لقوتها. و اما الصغرى فلان المراد بالشهرة الجابرة انما هي في مقابل الندرة، فإذا كان في مقابلها شهرة أخرى فلا يمكن ان تكون جابرة، كما في المقام. كيف و قد ادعى الحلي- كما تقدم- الإجماع على طهارته! حتى قال: ان من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر، فيعلم من ذلك انه لا شهرة على القول بالنجاسة حتى من القدماء، فلا يصح دعوى الانجبار بالشهرة رأسا.

هذا مضافا إلى ضعف دلالتها على النجاسة، و ذلك لان النهي عن الصلاة في الثوب الذي عرق فيه الجنب- كما في الرواية الاولى و الثانية- أعم من النجاسة، لاحتمال كونه مانعا عن الصلاة، كما في النهي عن الصلاة في أجزاء غير المأكول، لأن غايته الدلالة على المانعية فترتفع ذلك بارتفاع موضوعها بإزالة العرق و لو بغير الغسل بالماء. نعم ما في الفقه الرضوي يدل على النجاسة، لتحديد عدم جواز الصلاة في الثوب فيه بالغسل، كمرسلة المبسوط و التحديد به دال على نجاسة المغسول. الا انه لا يمكن العمل بهما لضعف السند، بل عدم ثبوت الفقه الرضوي رواية، كما تقدم.

و توهم: ان إطلاق النهي عن الصلاة في الثوب المذكور يشمل حتى ما بعد الجفاف و لا يلائم ذلك الا مع نجاسة الثوب، و ارتفاعها بالغسل، بعد‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 249‌

..........

______________________________
عدم إمكان الالتزام بالمنع إلى الأبد.

مندفع: بعدم الإطلاق إلا مع بقاء موضوعه، فإذا زال العرق- و لو بالجفاف- ارتفع النهي أيضا، كما في قولنا: «لا تصل في الثوب الذي فيه اجزاء غير المأكول» فلا يشمل الإطلاق ما بعد الجفاف إلا إذا بقي أثره، بحيث يقال:

انه عرق جاف، كما يتفق ذلك في أيام الصيف، و اما إذا زال العرق، بحيث انعدم عرفا فلا نهى عن الصلاة في ذاك الثوب.

و اما مرسلة علي بن الحكم فهي انما تدل على نجاسة بدن الجنب من الحرام لا عرقه، و هذا مما لا يمكن الالتزام به، كما لا يمكن الالتزام بنجاسة ولد الزنا المذكور فيها ايضا، فلا بد من حملها على التنزه عن غسالة الحمام لأجل الخباثة المعنوية الموجودة في هؤلاء، و في الناصب، و ان كان هذا الأخير نجسا، كما تقدم. فالإنصاف أن شيئا من هذه الروايات لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بنجاسة عرق الجنب من الحرام، و لا مانعيته عن الصلاة، لضعف السند، أو الدلالة.

و مما يبعد القول بنجاسة العرق المذكور: خفاء الحكم المزبور الى زمان الهادي عليه السّلام، حيث انه لم يرد السؤال في الروايات عن عرق الجنب من الحرام، بالخصوص بل سئل الراوي عن عرق مطلق الجنب، و هذا مما يكشف عدم معهودية نجاسته الى زمان العسكري عليه السّلام مع عموم الابتلاء به. لا سيما إذا عممنا الحكم للحرام العرضي كوطء الحائض و نحوه، مع انه قد شاع بيان الأحكام في زمان الصادقين عليهما السّلام.

هذا مضافا الى روايات كثيرة «1» تدل بإطلاقها- القريب من‌

______________________________
(1) كما عن على بن حمزة قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر، عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه، فقال: ما ارى به بأسا. قال: انه يعرق حتى لو شاء ان يعصره عصره قال فقطب أبو عبد اللّه عليه السّلام في وجه الرجل، فقال: ان أبيتم فشي‌ء من ماء فانضحه به» الوسائل ج 3 ص 445 الباب: 27 من النجاسات، الحديث: 4. و لا يخفى انه لو كان عرقه من جنابة الحرام نجسا لكان على الامام عليه السّلام بيانه مع إطلاق السؤال، و لم تكن المبالغة من السائل في سئواله موجبة لانزجار الامام عليه السّلام، بل كانت مقتضية لبيان الحكم على وجه التفصيل.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 250‌

سواء خرج حين الجماع (1) أو بعده، من الرجل أو المرأة، سواء كان من زنا، أو غيره كوطء البهيمة، أو الاستمناء، أو نحوهما مما حرمته ذاتية، بل

______________________________
الصراحة- على عدم نجاسة عرق الجنب مطلقا و ان كان من حرام.

و منه يظهر استبعاد مانعيته عن الصلاة أيضا، إذ لم يعدّوا من موانع الصلاة هذا العرق، و لم يتعرضوا لرواياته في ذاك الباب، كما لم يعرف ذلك أصحاب الأئمة السابقين على الإمام الهادي عليه السّلام مع انه لم يرد- و لا رواية واحدة معتبرة في ذلك عدا هذه الروايات التي مرجعها إلى رواية، أو روايتين، صادرتين عن الهادي عليه السّلام في مقام الاعجاز، و يحسن الحمل على أدنى فرق بين الصورتين، بحمل النهى على الكراهة، فيكره الصلاة في الثوب الذي فيه عرق الجنب من الحرام، دون الحلال.

فتحصل: انه لا يمكن الالتزام بالمانعية فضلا عن النجاسة، لعدم دليل يعتمد عليه سندا أو دلالة، و ان كان الاجتناب عنه في الصلاة أحوط، بناء على انجبار ضعف الروايات بعمل القدماء، إذ غايتها الدلالة على المانعية دون النجاسة.

(1) لتحقق الجنابة بمجرد التقاء الختانين، فلا يعتبر الإنزال في تحقق موضوع النجاسة، على القول بها. و اما العرق قبل الجماع فخارج عن الموضوع رأسا، لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع، إذ لا جنابة قبل الجماع، فلا يندرج في موضوع النجاسة حتى يقال بخروجه عن الإطلاق، كما في بعض‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 251‌

الأقوى ذلك (1) في وطء الحائض، و الجماع في يوم الصوم الواجب المعين، أو في الظهار قبل التكفير.

______________________________
الكلمات.

(1) أقسام الجنب من الحرام هل تختص النجاسة أو المانعية- على القول بهما- بعرق الجنب من الحرام الذاتي، كالزنا، و اللواط، و نحوهما و ان صار حلالا بالعرض بإكراه، أو اضطرار، أو نحو ذلك، و يقابله الحلال الذاتي، و ان صار حراما بالعرض فلا يحكم بنجاسة عرق الجنب من وطء الحائض، و الجماع في يوم الصوم الواجب المعين، و في الظهار قبل التكفير، و نحو ذلك، لان الجنابة في جميع هذه الموارد تكون مما يحل ذاتا و ان صار حراما بالعرض أو تعمان الحرام العرضي، بمعنى ان يكون المراد بالحرام ما هو حرام بالفعل و لو لعارض خارجي، و يقابله الحلال كذلك، فيكون عرق الجنب بوطء الحائض، و في سائر الموارد المتقدم ذكرها نجسا، أو مانعا عن الصلاة، و لا يكون عرق الزاني- مثلا- نجسا، و لا مانعا عنها، لحرمة الأول بالفعل، و حلية الثاني كذلك و ان كانت الحرمة في الأول، و الحلية في الثاني لجهة عارضة.

ربما يدعى التعميم، تمسكا بإطلاق الحرام و الحلال- الواردين في روايتي علي ابن مهزيار و إدريس بن داود المتقدمتين «1»- كما قواه في المتن، و لكن الظاهر انصرافهما إلى الحرمة و الحلية الذاتيتين، لظهور إسناد الحرمة أو الحلية إلى فعل في كونه بنفسه حراما أو حلالا لا بسبب أمر خارج، فالزنا يكون حراما في نفسه، و اما وطء الحائض فهو حرام بالحيض، و هو عنوان‌

______________________________
(1) في الصفحة: 246- 247.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 252‌

[مسألة 1: العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس]

«مسألة 1»: العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس (1).

و على هذا فليغتسل في الماء البارد، و ان لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار، و ينوي الغسل حال الخروج، أو يحرك بدنه تحت الماء بقصد الغسل.

______________________________
طارئ. كما ان الزنا- مثلا- حرام في ذاته الا انه قد يطرء عليه عنوان محلل، كالإكراه، و الاضطرار، و نحوهما و من هنا أطلق الحلية على زوجة الابن في قوله تعالى
وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ. «1». الشامل بإطلاقه لزوجته حتى في حال الحيض. فالأظهر عدم النجاسة و المانعية لعرق الجنب بوطء الحائض و بقية الموارد المذكورة في المتن‌

(1) العرق حال الاغتسال لبقاءه على الجنابة إلى تمام الغسل، فالعرق الخارج في الأثناء يكون نجسا أيضا- بناء على القول بنجاسة عرق الجنب من الحرام- و عليه يشكل غسله بالماء الحار- بناء على اعتبار طهارة البدن قبل رفع الحدث بالغسل أو الوضوء كما هو خيرة المصنف «قده» «2»، لانه كلما أراد تطهير البدن، بصب الماء الحار عليه أو رمسه في الكثير الحار يعرق ثانيا، فيتنجس بدنه، و هكذا، فلا يتمكن من الغسل.

و اما إذا قلنا بكفاية غسل واحد لرفع الخبث و الحدث، و عدم لزوم‌

______________________________
(1) النساء 4: 23.

(2) كما نبه على ذلك في الشرط الثاني من شرائط الوضوء، و في المسألة الخامسة من «فصل ان غسل الجنابة مستحب نفسي و واجب غيري» الا أن سيدنا الأستاد- دام ظله قد فصل في تعليقته في المقامين بين الماء القليل و الكثير، و التزم بكفاية غسلة واحدة لرفع الخبث و الحدث بالماء الكثير، لعدم انفعاله بملاقاة النجس بخلاف القليل، و مقتضى ذلك صحة الغسل الارتماسي في المقام أيضا، و ان كان الماء حارا، لان المفروض حصول الطهارتين برمسة واحدة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 253‌

..........

______________________________
تقدم إزالة النجاسة على رفع الحدث زمانا فيكفي صبة واحدة، أو ارتماسة واحدة في الماء للغسل و الغسل معا إذا نوى غسل الجنابة، فلا محذور حينئذ في الغسل بالماء الحار سواء كان ترتيبيّا، أم ارتماسيّا. الا ان ذلك خلاف ما بنى عليه المصنف «قده» و غيره من عدم كفاية ذلك.

ثم ان المصنف «قده» حاول تصحيح الغسل الارتماسي في الماء الحار، بان يرتمس في الماء الحار، و ينوي الغسل حال الخروج، أو يحرك بدنه تحت الماء بقصد الغسل، فيكون دخوله في الماء مطهرا لبدنه، و خروجه أو تحريك بدنه تحت الماء اغتسال من الجنابة.

و يشكل ذلك و لو في غير المقام- بابتناءه على كفاية إبقاء الارتماس في الماء و تحريك البدن بنية الغسل، تحت الماء، أو نيته حال الخروج، لكن الصحيح عدمها لان المستفاد من الروايات الواردة في بيان كيفية الغسل اعتبار أحد أمرين، إما صب الماء على البدن «1» و إما الارتماس فيه ارتماسة واحدة «2»، و ظاهره لزوم إحداث الارتماس لا الأعم من إبقاءه، فالمعتبر في الغسل الارتماسي احداث الارتماس- اى إيجاده مع سبق العدم- فلا يكفي إبقاءه مع النية. نعم لا نمنع صدق حدوث الارتماس بارتماس المقدار الباقي من‌

______________________________
(1) كما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عن غسل الجنابة؟ فقال:

تبدأ بكفيك فتغسلهما، ثم تغسل فرجك، ثم تصب على رأسك ثلاثا، ثم تصب على سائر جسدك.».

الوسائل ج 2 ص 229 الباب: 26 من أبواب الجنابة، الحديث: 1.

(2) كما عن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «و لو ان رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزاءه ذلك، و ان لم يدلك جسده».

و نحوها ما عن الحلبي قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزاء ذلك من غسله». الوسائل ج 2 ص 230 و 232 الباب: 26 من أبواب الجنابة، الحديث: 5، 12.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 254‌

[مسألة 2: إذا أجنب من حرام ثم من حلال]

«مسألة 2»: إذا أجنب من حرام ثم من حلال، أو من حلال ثم من حرام، فالظاهر نجاسة عرقه (1) ايضا، خصوصا في الصورة الأولى.

______________________________
البدن خارج الماء، كالرأس، و الرقبة، لأنه به يصدق حدوث ارتماس جميع البدن، لكن هذا ايضا غير ممكن في حق من يعرق في الماء الحار، لانه قبل ارتماس المقدار الخارج من البدن في الماء يكون نجسا بالعرق، فلا بد من تطهيره، أولا، ثم العود الى الغسل، فإذا دخل الماء للتطهير و خرج يعرق ثانيا، و هكذا. الا ان يفرض سرعة ذلك بحيث لا يبقى مجالا للعرق ثانيا. و بالجملة: لو فرض خروج العرق متصلا بحيث لا يتمكن من تخلل تطهير بدنه قبل الغسل يشكل لمثله الغسل بالصب، أو بالارتماس في الماء الحار- بناء على عدم كفاية غسلة واحدة لرفع الخبث و الحدث- فلا بد اما من الغسل بالماء البارد إن أمكن، و الا فيتيمم.

(1) هل النجاسة و المانعية من آثار نفس الحرام الذي هو سبب الجنابة- كالزنا- فتكون الجنابة في الروايات عنوانا مشيرا اليه، أو من آثار الجنابة الحاصلة منه، بان تكون بما هي موضوعا للحكم.

و على الأول لا فرق بين الصورتين في الحكم بنجاسة العرق أو مانعيته، لتحقق السبب المحرم على اى حال، سواء تقدم على الحلال أو تأخر عنه، فالزانى يكون عرقه نجسا و لو تأخر زناءه عن وطي زوجته، لصدق الموضوع- و هو الزنا- في الفرض، و ان لم يوجب جنابة جديدة.

و قد يتوهم- على هذا المبنى- وقوع المعارضة بين ما دل على نجاسة عرق الجنب من الحرام، و ما دل على طهارته إذا كان من حلال، لان مقتضى الأول نجاسته، أو مانعيته، كما ان مقتضى الثاني طهارته، أو عدم مانعيته، فيقع التعارض، و بعد التساقط- لعدم الترجيح- يرجع الى قاعدة الطهارة، أو أصالة عدم المانعية.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 255‌

[مسألة 3: الجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل]

«مسألة 3»: الجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل، فالظاهر عدم نجاسة عرقه، «1» و ان كان الأحوط الاجتناب عنه ما لم

______________________________
و دفعه: ظاهر، لانه لا تعارض بين ماله الاقتضاء و ما لا اقتضاء له، لأن النهي عن الصلاة في عرق الجنب من الحرام دال على مانعيته عن الصلاة، كما ان نفي البأس عن الصلاة في عرق الحلال يدل على عدم مانعيته، و معناه انه لا اقتضاء فيه للمنع، لا انه يقتضي الصحة. و هذا نظير قولنا: «لا تصل في اجزاء ما لا يؤكل لحمه»، و «لا بأس بالصلاة في اجزاء المأكول» فإنه لا معنى للقول بوقوع المعارضة بين الدليلين إذا كان في لباس المصلى جزء من كل منهما، لان مدلول هذا الكلام هو أن اجزاء المأكول لا تقتضي البطلان بخلاف اجزاء غير المأكول فإنها مقتضية له، و هكذا الكلام من حيث الطهارة و النجاسة لو قلنا بدلالة الروايات على نجاسة عرق الجنب من الحرام، فان نفي البأس عن عرق الحلال يدل على طهارته، لا انه يكون مطهرا للبدن، فلا يعارض ما دل على نجاسة عرق الحرام. و الحاصل: انه لو قلنا بأن النجاسة أو المانعية من آثار سبب الجنابة فلا يفرق بين تقدم الحرام على الحلال و تأخره عنه، في ترتب الأثر المذكور من دون وجود معارض في البين.

و على الثاني- أي ترتب الأثر على الجنابة المسببة عن الحرام- فلا بد من القول بالفرق بين الصورتين، ففي الصورة الأولى المفروضة في المتن، و هي تقدم الحرام على الحلال، يحكم بترتب الأثر- النجاسة أو المانعية- لتحقق موضوعه، و هو الجنابة من الحرام، و لا أثر للجنابة من الحلال بعد ذلك. و أما‌

______________________________
(1) و في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»- فالظاهر عدم نجاسة عرقه.»- «الظاهر ان حكمه حكم العرق قبل التيمم» أى يكون نجسا. و الوجه في ذلك كما يظهر مما حررناه- ان التيمم طهارة مبيحة، لا رافعة لحدث الجنابة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 256‌

يغتسل (1).

______________________________
الصورة الثانية- و هي عكس الاولى- فلا مجال فيها للأثر المذكور. لحصول الجنابة قبل فعل الحرام فلا تتحقق بفعله ثانيا، إذ لا معنى للجنابة بعد الجنابة
«1».

(1) تيمم الجنب من الحرام الاحتمالات في التيمم بدل غسل الجنابة ثلاثة. أحدها: ان يكون التيمم مبيحا محضا، مع بقاء الجنابة على حالها، و عدم حصول الطهارة به. و عليه يكون عرقه نجسا، لبقاء الجنابة على الفرض.

و لكن يدفعه- و ان قال به بعضهم- انه خلاف صريح الكتاب و السنة لدلالتهما على حصول الطهارة به، أما الكتاب فقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ. «2» فان في التعليل بإرادته سبحانه التطهير في التيمم و ما سبقه من الوضوء و الغسل دلالة على ان الغاية من هذه الثلاثة- خصوصا التيمم الذي كان من الصعب على الاعراب المتكبرين لما فيه من مسح الوجه و اليدين بالتراب- الطهارة، لا الحرج و المشقة ليصعب عليهم ذلك، فالتيمم سبب للطهارة- كالوضوء و الغسل- بدلالة الآية الكريمة.

و أما السنة فقد ورد في الأخبار ما يشتمل على «ان التراب أحد‌

______________________________
(1) و هذا الاحتمال هو الأظهر، لأن موضوع النهي في الروايات هو الجنب أو الجنابة من الحرام، و ظاهره نفس الحدث، خصوصا بملاحظة كلمة: «من».

(2) المائدة 5: 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 257‌

..........

______________________________
الطهورين»
«1» و في بعضها: «التيمم أحد الطهورين» «2».

هذا مضافا الى انه لو قلنا بأنه مبيح- فقط- لزم تخصيص ما هو آب عنه، مما ورد في الأخبار من انه «لا صلاة إلا بطهور» «3»، فان لازم هذا القول صحة الصلاة بلا طهور، مع ان سياق قوله عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور» آب عن التخصيص.

ثانيها: ان يكون التيمم رافعا لحدث الجنابة ما لم يجد الماء، لا بمعنى ان وجدان الماء يكون أحد أسباب الجنابة، بل بمعنى انه بالوجدان ينتهى أمد ارتفاعها الموقت، فيستند بقاءها الى السبب السابق من الوطء أو الانزال! و هذا و ان كان ممكنا، الا انه لا دليل عليه، لأن غاية مدلول الآية الشريفة، و الأخبار الدالة على طهورية التراب أو التيمم، و بدليتها عن الطهارة المائية ان طهارة الجنب الفاقد للماء هو التيمم، لا انه يرتفع به جنابته حقيقة، كما ترتفع بالغسل، فالتيمم طهارة الفاقد للماء، كما ان الوضوء أو الغسل يكونان طهارة الواجد، فيتعين من بين المحتملات:

ثالثها: و هو ان يكون طهارة مبيحة، مع بقاء الجنابة على حالها، فهو جنب متطهر، و لا محذور فيه، لأن الطهارة ليست هي بمعنى رفع الحدث، بل هي عنوان لنفس الوضوء و الغسل و ما هو بدل عنهما، اعنى التيمم، فلا مانع من اجتماعها مع الجنابة فيترتب عليه آثار كل من العنوانين، فيجوز له الدخول في الصلاة، و المسجد و مس كتابة القرآن، لاشتراط هذه الأمور بالطهارة، و قد حصلت، و ليست هي من المحرمات على الجنب مطلقا، كما أنه‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 385 الباب: 23 من أبواب التيمم، الحديث: 1، 2، 6.

(2) وسائل الشيعة ج 3 ص 381 الباب: 21 من أبواب التيمم، الحديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج 3 ص 201 الباب: 14 من أبواب الجنابة، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 258‌

و إذا وجد الماء و لم يغتسل بعد فعرقه نجس، لبطلان تيممه بالوجدان (1).

______________________________
يحكم بنجاسة عرقه، لأنها من آثار الجنابة من الحرام، و هي باقية حتى بعد التيمم، لان المفروض ان التيمم ليس إلا طهارة مبيحة لا رافعة للحدث.

و بالجملة: ان قلنا بان التيمم طهارة رافعة للحدث في ظرف الفقدان كان عرق المتيمم بدل الغسل طاهرا، لارتفاع جنابته من الحرام على الفرض، و ان قلنا بأنه طهارة مبيحة لا غير- كما تقتضيه ظواهر الأدلة- فالحكم هو النجاسة، لبقاء الجنابة. و هذه من جملة ثمرات القول بأحد الاحتمالين الأخيرين بعد سقوط الاحتمال الأول لمخالفته لنص الكتاب و السنة كما تظهر الثمرة بينهما في فروع أخر أيضا:

منها: لزوم تجديد التيمم بدلا عن غسل الجنابة لمن أحدث بالأصغر بناء على الاحتمال الثالث، و عدمه و الاكتفاء بالوضوء على الاحتمال الثاني، لأنه ان قلنا ببقاء الجنابة، و حصول مجرد الطهارة المبيحة بالتيمم لزم التيمم ثانيا، لانتقاض الطهارة بالنوم، و ان قلنا بارتفاعها به جرى عليه أحكام الغسل، فإذا نام لا يعود جنابته، و انما يكون قد أحدث بالأصغر، فيجب عليه الوضوء للصلاة، كما إذا أحدث بالأصغر بعد الغسل.

و منها: وجوب غسل مس الميت إذا يمم- لفقدان الماء و نحوه- بناء على الاحتمال الثالث لعدم ارتفاع حدثه الحاصل بالموت، بل غايته اباحة دفنه بعد التيمم، و عدم وجوبه على الثاني، لارتفاع حدثه به، الى غير ذلك من الفروع، و تتمة الكلام في ان التيمم طهارة رافعة أو مبيحة في بحث التيمم ان شاء اللّه تعالى.

(1) نعم يبطل التيمم بوجدان الماء، الا انه قد عرفت مما ذكرناه آنفا عدم توقف نجاسة عرقه على بطلان تيممه، لأنها من آثار الجنابة، و هي باقية‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 259‌

[مسألة 4: الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام]

«مسألة 4»: الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه اشكال، و الأحوط أمره بالغسل (1)

______________________________
للمتيمم، لان التيمم مبيح لا رافع، كما عرفت.

(1) جنابة الصبي من الحرام يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين. الأول: في نجاسة عرق الصبي إذا أجنب من حرام- واطيا كان أو موطوءا- و انه هل يكون كالبالغ أم لا؟ الثاني: في زوال جنابته بالغسل. فالبحث في المقام الأول في المقتضى، و في الثاني في الرافع.

أما المقام الأول فالاحتمالان فيه مبنيان على ان المراد بالحرام في روايات الباب هل هو العمل المبغوض ذاتا، و ان لم يكن إلزام شرعي بتركه، فيكون الحرام عنوانا مشيرا الى الذوات المحرمة، كالزنا، و اللواط، و نحوهما؟

أو انه العمل المحرم بالفعل، و الملزم بتركه، المصحح للعقوبة، فيكون لعنوان الحرام دخل في ترتب الحكم؟ فعلى الأول يكون عرق الصبي أيضا نجسا، لصدق الجنابة من الحرام في حقه أيضا، فإن الزنا أو اللواط- مثلا- مبغوض حتى من الصبيان، و لذا ورد الأمر بضربهم و زجرهم عنه. و على الثاني- كما هو ظاهر كلمة الحرام، لظهوره فيما هو منهي عنه بالفعل و معاقب على ارتكابه- فلا يحكم بنجاسة عرقه، لانه لم يرتكب حراما و ان ارتكب ما هو مبغوض ذاتا.

و مما يؤكد ذلك: عدم حكمهم بنجاسة عرق الجنب بالوطي بالشبهة، إذ لا وجه له سوى عدم فعلية الحرمة في حقه، مع ان عمله مبغوض ذاتا فمن لم تكن الحرمة في حقه فعلية، إما لعدم أصل الخطاب- كالصبي لرفع القلم عنه، أو الغافل لعدم معقولية جعل الخطاب في حقه- أو لعدم فعليته- كالواطء‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 260‌

..........

______________________________
بشبهة- لا يحكم بنجاسة عرقه.

و أما المقام الثاني، و هو رفع جنابة الصبي بالغسل، بعد تسليم نجاسة عرقه إذا أجنب من حرام، فهو مبنى على مشروعية عبادات الصبي. ذهب الأكثر الى ان عباداته صحيحة و مشروعة، و في كلمات غير واحد منهم الاستدلال عليها بعموم أو إطلاق أدلة العبادات، فان كلمة «الناس» أو «المؤمنون» أو الموصولات ك‍ «من، و الذي» و نحو ذلك تشمل الصبي أيضا، الا ان حديث رفع القلم يدل على رفع الإلزام عنه، لانه مقتضى الامتنان عليه، فيبقى أصل المطلوبية بحالها، فإذا قصد القربة بالعبادة صحت، لبقائها على أصل المحبوبية و ان زال الوجوب.

و يرد عليه ما أوضحناه في بحث الأصول: من ان الأحكام الشرعيّة اعتبارات بسيطة يدور أمرها بين الوجود و العدم، فليس الوجوب امرا مركبا من المحبوبية و اللزوم بحيث إذا ارتفع اللزوم بدليل بقيت المحبوبية، بل هو اعتبار الفعل على ذمة العبد- نظير الدين- فإذا دل الدليل على رفعه فقد دل على رفعه بتمامه، فحديث رفع القلم يدل على رفع الوجوب عن الصبي، فيحتاج ثبوت أصل المحبوبية إلى دليل و هذا نظير ما ذكرناه في بحث نسخ الوجوب، فإنه وقع النزاع هناك في انه إذا نسخ الوجوب هل يبقى الجواز أم لا. و قد أوضحنا الكلام في ذاك البحث أيضا، و قلنا: ان الوجوب ليس أمرا مركبا من جواز الفعل مع المنع من الترك، كي يقال: إذا ارتفع الثاني يبقى الأول، بل هو اعتبار بسيط، فإذا نسخ لم يبق شي‌ء.

هذا مضافا الى ما ذكرناه في بحث الأصول أيضا: من ان الأحكام الإلزامية- من الوجوب و التحريم- ليست حكما شرعيا قابلا للوضع و الرفع، بل هي إرشاد من العقل الى استحقاق العقاب على المخالفة فيما إذا اعتبر‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 261‌

إذ يصح منه قبل البلوغ على الأقوى (1)

______________________________
المولى وجود الفعل أو عدمه على عهدة العبد، نظير الدين المالي الذي هو عبارة عن اعتبار المال في ذمة المديون، فما يمكن ان يتعلق به الرفع هو نفس الجعل و الاعتبار الدائر أمره بين الوجود و العدم، و أما الوجوب فلا يناله يد التشريع رأسا، لا وضعا و لا رفعا، كي يقال: ان المرفوع منه اللزوم، فيبقى أصل المحبوبية، فلا بد في إثبات أصل المحبوبية من إقامة دليل آخر.

و الذي ينبغي الاستدلال به لمشروعية عبادات الصبي انما هو ما ورد في الروايات «1» من الأمر بأمر الصبيان بالعبادات، كالصلاة المتوقفة على مقدمات، منها الطهارة عن الحدث التي منها الغسل المبحوث عنه في المقام، و كالحج، و الصوم، و غيرهما. و قد حقق في الأصول: ان الأمر بالأمر بشي‌ء أمر بذاك الشي‌ء حقيقة، و حيث ان ظاهر الأمر المولوية فلا محالة تكون عبادات الصبي متعلقة للأمر و إن كان مرخصا في تركه فتحصل: انه يصح منه الغسل، و يرتفع به جنابته، و يطهر عرقه أو يرتفع مانعيته، لو قلنا بهما على وجه يعمان الصبي، و قد عرفت منعه.

(1) لما ذكرناه آنفا: من ان الصحة هي مقتضى ما ورد في الروايات من الأمر بأمر الصبيان بالعبادات، لأن الأمر بالأمر بشي‌ء أمر بذاك الشي‌ء، و هو يقتضي المشروعية. و أما إطلاق أدلة التكاليف فلا تصلح لذلك بعد تخصيصها بحديث رفع القلم عن الصبي، إذ لا دليل على المحبوبية أو الملاك بعد رفع اللزوم.

______________________________
(1) كحسنة الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه قال: «انا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بنى خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بنى سبع سنين.».

وسائل الشيعة ج 4 ص 15 الباب: 3 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها، الحديث: 5.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net