فصل في أحكام النجاسات 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9109

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌3، ص: 269

[فصل في أحكام النجاسات]

المسوخات

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 270‌

..........

______________________________
حكم الثعلب و الأرنب و الوزغ و العقرب و الفأر و غير ذلك من المسوخ. فروع الشك في الطهارة. الشبهة الحكمية. الشبهة الموضوعية.

الدم المشكوك. الرطوبات الخارجة قبل الاستبراء من البول أو المني. غسالة الحمام.

معابد أهل الكتاب. هل يجب الفحص عن حال المشكوك طهارته؟

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 271‌

[مسألة 1: الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب، و الوزغ، و العقرب، و الفأر]

«مسألة 1»: الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب، و الوزغ، و العقرب، و الفأر، بل مطلق المسوخات (1) «1»، و ان كان الأقوى طهارة الجميع.

______________________________
(1)
المسوخ قد عرفت فيما تقدم ان النجاسات العينية في الحيوانات منحصرة في الكلب، و الخنزير، و الكافر في بعض أقسامه، فما عدا ذلك من سائر صنوف الحيوانات محكومة بالطهارة. هذا هو المشهور، و لكن ذهب بعض قدماء الأصحاب إلى القول بنجاسة جملة من الحيوانات، استنادا الى بعض الروايات التي لا تصلح لإثبات ذلك.

فعن الشيخ في النهاية: القول بنجاسة الثعلب، و الأرنب، و الوزغة، و الفأرة، و قرنها في هذا الحكم بالكلب، و الخنزير.

و عن ابن البراج: القول بنجاسة الثلاثة الأول، و كره الفأرة.

و عن السيد ابى المكارم ابن زهرة، و ابى الصلاح: القول بنجاسة الأولين- الثعلب و الأرنب- و كذلك المحكي عن المقنعة في باب لباس المصلى و مكانه.

______________________________
(1) قال في الجواهر ج 6 ص 82 ما حاصله: «ان المراد بالمسوخ هي حيوانات على صورة المسوخ الأصلية، و الا فهي لم تبق أكثر من ثلاثة أيام، و عددها المحصل من مجموع الروايات نيف و عشرون: الضب، و الفأرة، و القرد، و الخنازير، و الفيل، و الذئب، و الأرنب، و الوطواط، و الجريث، و العقرب، و الدّب، و الوزغ، و الزنبور، و الطاوس، و الخفاش، و الزمير، و المارماهي، و الوبر، و الورس، و الدعموص، و العنكبوت، و القنفذ، و سهيل، و الزهرة».

ثم نقل عن بعض الأصحاب زيادة الكلب، و الحية، و العضاءة، و البعوض، و القملة، و العيفيقا، و الخنفساء، و النعامة، و الثعلب، و اليربوع.

و ان شئت الاطلاع على رواياتها و سبب مسخها فراجع الوسائل ج 16 الصفحة: 387، الباب الثاني من أبواب الأطعمة المحرمة، و كذلك المستدرك في الباب المذكور.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 272‌

..........

______________________________
و عن المفيد- أيضا- في موضوع آخر من المقنعة، و سلار: القول بنجاسة الأخيرين- الفأرة، و الوزغة- و عن ظاهر الصدوقين: القول بنجاسة الوزغ خاصة.

و عن ابن بابويه: القول بنجاسة الفأرة.

بل عن الشيخ في صريح اطعمة الخلاف «1» و ظاهر بيعه «2»: القول بنجاسة المسوخ كلها، بل عن موضع من تهذيبه: القول بنجاسة كل ما لا يؤكل لحمه.

و الصحيح هو ما أشرنا إليه من طهارة الجميع- كما ستعرف- و عليها جمهور المتأخرين و متأخري المتأخرين. فنقول: أما الثعلب و الأرنب فقد ورد في نجاستها بل نجاسة عامة السباع:

مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته هل يحل أن يمس الثعلب و الأرنب، أو شيئا من السباع، حيّا أو ميّتا؟

قال: لا يضره، و لكن يغسل يده» «3».

و لكنها ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها، و لا جابر لها، لأن الشهرة على خلافها، فالمرجع فيها قاعدة الطهارة. أو عموم:

صحيحة البقباق قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة، و‌

______________________________
(1) ج 2 ص 538. المسألة 2 من كتاب الأطعمة قال «قده» «مسألة 2: الحيوان على ضربين طاهر و نجس، فالطاهر النعم بلا خلاف و ما جرى مجراها من البهائم و الصيد. و النجس الكلب و الخنزير و المسوخ كلها. و قال الشافعي: الحيوان طاهر و نجس فالنجس الكلب و الخنزير فحسب، و الباقي كله طاهر. و قال أبو حنيفة: الحيوان على أربعة أضرب طاهر مطلق، و هو النعم و ما في معناها، و نجس العين و هو الخنزير، و نجس يجرى مجرى ما ينجس بالمجاورة و هو الكلب و الذئب (الدب) و السباع كلها. و مشكوك فيه، و هو الحمار».

(2) ج 1 ص 587. المسألة 308.

(3) وسائل الشيعة ج 3 ص 462 الباب: 34 من أبواب النجاسات. الحديث: 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 273‌

..........

______________________________
الشاة، و البقرة، و الإبل، و الحمار، و الخيل، و البغال، و الوحش، و السّباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه؟ فقال: لا بأس به، حتى انتهيت الى الكلب، فقال: رجس نجس.»
«1».

لدلالتها على طهارة جميع الحيوانات الا الكب. و لا يقدح في التمسك بعمومها عدم تعرضها لذكر الخنزير، لثبوت نجاسته بدليل آخر، فيخصص به العموم، و لعله لم يكن مورد ابتلاء السائل، و لذا لم يسئل عنه.

و بالجملة: العام المخصص لم يسقط عن الحجية في الباقي، فيتمسك به في غير ما يثبت فيه التخصيص.

و أما الوزغ فيمكن الاستدلال على نجاسته ب‍ رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الفأرة، و العقرب، و أشباه ذلك، يقع في الماء، فيخرج حيّا، هل يشرب من ذلك الماء، و يتوضأ به؟ (منه) قال: يسكب منه ثلاث مرات- و قليله و كثيره بمنزلة واحدة- ثم يشرب منه (و يتوضأ منه) غير الوزغ، فإنه لا ينتفع بما يقع فيه» «2».

و بصحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة، و الوزغة، تقع في البئر؟ قال: ينزح منها ثلاث دلاء» «3»، و هي ظاهرة في النجاسة، لظهور الأمر بالنزح في نجاسة ما يقع في البئر، و ان قلنا بعدم انفعالها بملاقاة النجس. هذا و لكن الأولى ضعيفة‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 1 ص 226 الباب: 1 من أبواب الأسئار الحديث: 4 و ج 3 ص 413 الباب: 11 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 240 الباب 9 من أبواب الأسئار. الحديث: 4.

(3) وسائل الشيعة ج 1 ص 187 الباب 9 من أبواب الماء المطلق. الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 274‌

..........

______________________________
السند
«1». على أنها و الصحيحة معارضتان ب‍.

صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن الغطاية و الحية، و الوزغ، يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضأ منه للصلاة، قال:

لا بأس به.» «2».

فتحمل الاولى على كراهة الانتفاع بما وقع فيه الوزغ، و الثانية على استحباب النزع. و مع فرض عدم إمكان الجمع يرجع الى قاعدة الطهارة بعد تساقط المتعارضين.

و أما الفأرة فيدل على نجاستها.

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء، فتمشي على الثياب، أ يصلى فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها، و ما لم تره انضحه بالماء» «3».

و لكن بإزائها ثلاث روايات صحاح تدل على طهارة الفأرة، و هي:

صحيحته الأخرى عن أخيه موسى عليه السّلام- في حديث. «و سألته عن فأرة وقعت في حب دهن، و أخرجت قبل ان تموت، أبيعه من مسلم؟ قال: نعم، و يدهن به» «4».

و صحيحة سعيد الأعرج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفأرة و الكلب، يقع في السمن و الزيت، ثم يخرج منه حيا قال: لا بأس‌

______________________________
(1) و لعل ضعفها بوقوع يزيد بن إسحاق في طريقها فإنه لم ثبت وثاقته، الا انه من رجال كامل الزيارات- ب- 79 ح 1 ص 194- فالظاهر انه لا بأس بسندها.

(2) وسائل الشيعة ج 3 ص 460 الباب 33 من أبواب النجاسات. الحديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج 3 ص 460 الباب 33 من أبواب النجاسات. الحديث: 2.

(4) وسائل الشيعة ج 3 ص 460 الباب 33 من أبواب النجاسات. الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 275‌

..........

______________________________
بأكله»
«1».

و صحيح إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام: «ان أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة- إذا شربت من الإناء- أن تشرب منه، و تتوضأ منه» «2».

و مقتضى الجمع بين هذه الثلاثة و تلك الحمل على الاستحباب.

و أما العقرب فيدل على نجاسته:

موثقة أبي بصير عن أبى جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الخنفساء تقع في الماء، أ يتوضأ به؟ قال: نعم، لا بأس به. قلت: فالعقرب، قال:

أرقه» «3».

و ذيل موثق سماعة: «و إن كان عقربا فأرق الماء، و توضأ من ماء غيره» «4».

و بإزائهما رواية هارون بن حمزة المتقدمة في الوزغ، لدلالة صدرها على طهارة العقرب. و لكنها لا تصلح لمعارضة الموثقتين، لأنها ضعيفة السند، كما أشرنا و لكن يمكن المناقشة في دلالتهما، باحتمال أن يكون الأمر بإراقة الماء الذي وقع فيه العقرب من جهة احتمال تسممه به دون نجاسته، لأنه من الحيوانات السّامّة، فقرينة المورد يسقط ظهور الأمر في الإرشاد إلى النجاسة.

و مما يؤكد القول بطهارته: طهارة ميتته، لانه مما لا نفس له، فكيف يمكن الحكم بنجاسته حيّا، و طهارته ميّتا؟!

______________________________
(1) وسائل الشيعة: الباب: 45 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 239 الباب 9 من أبواب الأسئار، الحديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج 1 ص 240 الباب 9 من أبواب الأسئار، الحديث: 5، 6.

(4) وسائل الشيعة ج 1 ص 240 الباب 9 من أبواب الأسئار، الحديث: 5، 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 276‌

[مسألة 2: كل مشكوك طاهر]

«مسألة 2»: كل مشكوك طاهر (1)، سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الأعيان النجسة، أو لاحتمال تنجسه مع كونه من الأعيان الطاهرة.

______________________________
و أما القول بنجاسة مطلق المسوخ- كما عن الشيخ في أطعمة الخلاف- و كذا القول بنجاسة كل ما لا يؤكل لحمه- كما عنه في التهذيب- فلم يعرف لهما مدرك أصلا، و لا رواية واحدة حتى و لو كانت ضعيفة، و مقتضى الأصل، و عموم صحيحة البقباق المتقدمة
«1»، طهارة جميع الحيوانات عدا ما ثبت نجاسته، من الكلب، و الخنزير، و بعض أقسام الكافر، حتى انه قيل في توجيه كلامه: انه لعله أراد بنجاسة المسوخ أو غير المأكول غير معناها المصطلح، كما قد يستظهر من بعض عبائره.

(1) مشكوك الطهارة لقاعدة الطهارة، المسلمة عند الجميع، التي لم يختلف فيها اثنان فيما نعلم، المستفادة من الروايات الكثيرة «2» التي.

منها: موثقة عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- «كل‌

______________________________
(1) في الصفحة: 272- 273.

(2) كرواية حفص بن غياث، عن جعفر عن أبيه، عن على عليه السّلام قال: «ما أبالي أبول أصابني، أو ماء إذا لم أعلم». وسائل الشيعة ج 3 ص 467 الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث: 5.

و موثق عمار: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يجد في إناءه فارة، و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا، أو أغتسل منه، أو غسل ثيابه، و قد كانت الفأرة متسلخة. فقال: ان كان رآها في الإناء قبل ان يغتسل، أو يتوضأ، أو يغسل ثيابه، ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه ان يغسل ثيابه، و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة. و ان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمس من ذلك الماء شيئا، و ليس عليه شي‌ء، لأنه لا يعلم متى سقطت فيه. ثم قال: لعله ان يكون انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها». وسائل الشيعة ج 1 ص 142 الباب 4 من أبواب الماء المطلق، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 277‌

و القول: بان الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر أو النجس محكوم بالنجاسة. ضعيف (1) «1»

______________________________
شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر، فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك»
«2».

و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الشبهات الحكمية و الموضوعية، و بين كون الشبهة لأجل احتمال كون المشكوك من الأعيان النجسة، أو لاحتمال تنجسه مع كونه من الأعيان الطاهرة، كما لا فرق بين أنواع النجاسات. نعم إذا كان هناك دليل أو أصل حاكم على القاعدة بحيث يخرج المشكوك عن كونه كذلك يحكم عليه بالنجاسة بمقتضى الدليل الحاكم، و لا تجري القاعدة المذكورة، لارتفاع موضوعها- و هو الشك على الفرض، كما إذا كان المشكوك النجاسة، أو قامت البينة على نجاسته.

(1) الدم المشكوك كما تقدم في المسألة السابعة من نجاسة الدم، و قد ذكرنا هناك انه لا فرق بين الدم و غيره من النجاسات في الحكم بطهارة المشكوك منها. نعم يستثني من ذلك كما تقدم أيضا- خصوص الدم المرئي على منقار جوارح الطيور، فإن الأصل فيه النجاسة، لقوله عليه السّلام في موثقة عمار: «فإن رأيت في مقارة دما فلا توضأ منه و لا تشرب» «3». مع ان الدم الموجود في منقارها- غالبا- مشكوك الطهارة و النجاسة لاحتمال كونه من القسم الطاهر‌

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»: «ضعيف» «هذا في غير الدم المرئي في منقار جوارح الطيور».

(2) وسائل الشيعة ج 3 ص 467 الباب: 37 من أبواب النجاسات، الحديث: 4.

(3) وسائل الشيعة ج 1 ص 230 الباب: 4 من أبواب الأسئار، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 278‌

نعم يستثني مما ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات، أو بعد خروج المنى قبل الاستبراء بالبول، فإنها- مع الشك- محكومة بالنجاسة (1).

[مسألة 3: الأقوى طهارة غسالة الحمام]

«مسألة 3»: الأقوى طهارة غسالة الحمام (2) و ان ظن نجاستها، لكن الأحوط الاجتناب عنها.

______________________________
- كدم السمك و المذكى- أو النجس كدم الميتة لندرة العلم بكونه من القسم النجس. نعم ان غلبة الدم النجس خارجا مما جعلت أمارة شرعية على النجاسة بمقتضى الموثقة في خصوص موردها، و لا محذور فراجع ما تقدم
«1».

(1) البلل المشتبهة بدعوى ظهور الروايات- الدالة على انتقاض الوضوء بالبلل المشتبهة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات، و على انتقاض الغسل بالبلل الخارجة بعد المني و قبل الاستبراء بالبول في نجاسته تلك البلل، تقديما للظاهر على الأصل الا انه يمكن المنع عن دلالتها على ذلك، لأن غايتها الدلالة على الانتقاض دون نجاسة الخارج، و انه بول أو مني. و توضيح الكلام في ذلك سيأتي في بحث الاستبراء إنشاء اللّه تعالى.

(2) غسالة الحمام لا يخفى: أن مقتضى قاعدة الطهارة هو الحكم بطهارة غسالة الحمام إذا شك في نجاستها- كبقية المياه المشكوكة- و ان ظن نجاستها بظن غير‌

______________________________
(1) في الصفحة: 47.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 279‌

..........

______________________________
معتبر، لإطلاق القاعدة المذكورة. الا انه وقع الخلاف بين الأصحاب في خصوص غسالة الحمام، فذهب بعضهم الى القول بنجاستها، استنادا الى روايات توهم دلالتها على ذلك، فتكون تخصيصا في قاعدة الطهارة، نظير البلل المشتبهة الخارجة قبل الاستبراء تقديما للظاهر على الأصل، حيث ان الغالب معرضيتها لملاقاة النجاسات، من البول، و المني، و غيرهما.

فظهر ان محل الكلام من حيث الطهارة و النجاسة انما هو فيما إذا شك في ملاقاتها للنجس، و أما مع العلم بها أو بعدمها فلا خلاف من هذه الجهة، فإنه في الأول يحكم عليها بالنجاسة جزما، إذا لم يحتمل طهارتها من جهة اتصالها بالعاصم، و في الثاني بالطهارة، كما هو واضح.

و أما الأخبار التي ادعيت دلالتها على نجاسة غسالة الحمام- و هي مستند القائل بنجاستها- فهي جملة من الروايات التي ورد فيها النهى عن الاغتسال من غسالة الحمام، أو من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام.

منها: رواية حمزة بن أحمد عن أبى الحسن الأول عليه السّلام- في حديث- «و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت. و هو شرهم» «1».

و منها: مرسلة الكليني عن ابن أبى يعفور عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام، فان فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرهما.» «2».

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 1 ص 219 الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 219 الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

الحديث: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 280‌

..........

______________________________
و منها: مرسلة علي بن الحكم عن رجل أبى الحسن عليه السّلام- في حديث- قال «لا تغتسل من غسالة الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا، و يغتسل فيه ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرهم»
«1».

و منها: موثقة عبد اللّه بن أبي يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: و «إياك ان تغتسل من غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت، فهو شرهم، فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و أن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» «2».

و الحق أن هذه الروايات لا تدل على نجاسة الغسالة، لأن النهي عن الاغتسال بماء- سواء أريد به الاغتسال العبادي أو اللغوي- و ان كان لا يبعد دعوى ظهوره في الإرشاد إلى نجاسة ذاك الماء إلا أن القرينة في هذه الروايات تمنع عن انعقاد هذا الظهور، لان تعليل النهى فيها باغتسال الأشخاص الطاهرة أبدانهم في الحمام شاهد على ان علة المنع ليست هي نجاسة الغسالة، لأنها لا تناسب التعليل بذلك، بل لا بد من تعليله بملاقاة النجس. كيف و قد علّل النهي فيها باغتسال الجنب، و ولد الزنا، و الزاني و الجنب من الحرام، و من الزنا، و هؤلاء ليسوا بأنجاس، حتى الجنب من الحرام، لأن بدنه طاهر اتفاقا، و إنما الخلاف في نجاسة عرقه، كما تقدم. فعلّة المنع عن الغسالة بسبب اغتسال هؤلاء في الحمام لا يمكن ان تكون هي نجاستها، لما‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 1 ص 219 الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 220 الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

الحديث: 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 281‌

..........

______________________________
ذكر، فلا بد ان تكون العلة شيئا آخر، و ليست هي إلا القذارة المعنويّة الحاصلة للغسالة بالمباشرة مع أبدان المذكورين في الرواية.

و احتمال ان تكون العلة تنجس أبدانهم بالنجاسات العرضيّة غالبا، كالبول، و المنى، لعدم جريان العادة بإزالة النجاسات خارج الحمام منتف، لاستلزامه التعليل بها لا بكون المغتسل جنبا، أو زانيا، أو ولد زنا، أو جنبا من الحرام، أو من الزنا. نعم قورن بهم في الروايات المذكورة اغتسال الناصب. و في بعضها اغتسال اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و هم أنجاس- بناء على القول بنجاسة الكتابي كالناصب- الا ان هذه المقارنة أيضا لا تدل على ان علة المنع تنجس الغسالة، لأن النجاسة غير عامة للجميع- كما ذكرنا- فلا بد من ان تكون العلة ما هو جامع بين اغتسال الطاهر و النجس، و ليس ذلك إلا الخباثة المعنوية في الغسالة. بل لو فرض تفرد هؤلاء بالتعليل لما تمّت الدلالة على النجاسة أيضا، لاحتمال طهارتها من جهة احتمال اتصالها بمياه الحياض المتصلة بالمادة، فيسقط الاستدلال. و كذا الكلام من جهة النجاسات العرضية أيضا. و مما يؤكد ما ذكرنا: تعليل النهي في رواية ابن ابى يعفور «1» بان ولد الزنا لا يطهر إلى سبعة آباء، و هذه قرينة قطعية على ان العلة ليست نجاسة الغسالة، لعدم نجاسة ولد الزنا، فضلا عن أبنائه إلى سبعة أبطن.

و نحوه في التأكيد: ما ورد من النهى عن الاغتسال بماء اغتسل فيه غيره، و لو كان من أورع الناس، ففي:

رواية محمّد بن على بن جعفر عن الرضا عليه السّلام انه قال: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومن إلا‌

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 258.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 282‌

..........

______________________________
نفسه»
«1».

فتحصل من جميع ما ذكرنا: عدم دلالة شي‌ء من هذه الروايات على نجاسة الغسالة. على أنها معارضة بما تدل على طهارتها، ك‍:

صحيحة محمّد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره، أغتسل من مائه قال: نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه، و جئت فغسلت رجلي، و ما غسلتهما الا بما لزق بهما من التراب» «2»، و:

صحيحته الأخرى قال: «رأيت أبا جعفر عليه السّلام جائيا من الحمام، و بينه و بين داره قذر، فقال: لو لا ما بيني و بين داري ما غسلت رجلي، و لا يجنب (يخبث) ماء الحمام» «3» و:

موثقة زرارة قال: «رأيت أبا جعفر عليه السّلام يخرج من الحمام، فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتى يصلى» «4».

و هذه الروايات تدل على أن الإمام عليه السّلام لم يكن يجتنب عن غسالة الحمام التي أصابت رجليه، و إنما غسلهما لما لزق بهما من التراب، أو القذر، أو لم يغسلهما حتّى صلّى، مع ان الغسالة قد أصابتهما قطعا، لدخوله عليه السّلام الحمام، و مقتضى الجمع بين الطائفتين هو حمل النهي في الطائفة الأولى على التنزه.

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 1 ص 219 الباب 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

الحديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 211 الباب 9 من أبواب الماء المضاف. الحديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج 1 ص 148 الباب: 7 من الماء المطلق. الحديث: 3.

(4) وسائل الشيعة ج 1 ص 158 الباب 9 من أبواب الماء المضاف. الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 283‌

[مسألة 4: يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلى في معابد اليهود و النصارى]

«مسألة 4»: يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلى في معابد اليهود و النصارى (1)، مع الشك في نجاستها، و ان كانت محكومة بالطهارة.

______________________________
و مثلها في الدلالة: مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن ابى الحسن الماضي عليه السّلام قال: «سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب. قال: لا بأس»
«1».

الا انها مرسلة لا اعتماد عليها، و لا نحتاج إليها بعد دلالة الروايات المعتبرة المتقدمة على الطهارة.

هذا كله مع قطع النظر عن أن مورد الروايات التي استدل بها على النجاسة هو صورة العلم بملاقاة الغسالة للنجاسة، لأن المفروض فيها دخول الناصب، و اليهود، و النصارى، و المجوس الحمامات كما كان هو المتعارف في عصر ورود الروايات. و اما مع الشك في الملاقاة، كما إذا لم نعلم بدخولهم الحمام، أو علمنا بعدم دخول غير المسلم الطاهر، و لكن احتمل الملاقاة مع سائر النجاسات، كالبول، و المني، فلا يمكن الحكم بنجاسة الغسالة حينئذ.

(1) قد ادعى «2» التسالم على ذلك. و قد دل عليه الروايات، و فيها اضافة بيوت المجوس ايضا، ك‍:

صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الصلاة في البيع، و الكنائس، و بيوت المجوس، فقال: رش و صلّ» «3»، و:

روايته الأخرى قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في البيع، و الكنائس، فقال: رش و صلّ. قال: و سألته عن بيوت المجوس، فقال:

رشها و صلّ» «4» و:

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 1 ص 161 الباب 9 من أبواب الماء المضاف، الحديث: 9.

(2) الحدائق ج 7 ص 232. طبعة النجف الأشرف. و الجواهر ج 7 ص 375- 378.

(3) وسائل الشيعة ج 5 ص 138 الباب: 13 من أبواب مكان المصلى، الحديث: 2، 4.

(4) وسائل الشيعة ج 5 ص 138 الباب: 13 من أبواب مكان المصلى، الحديث: 2، 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 284‌

[مسألة 5: في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص]

«مسألة 5»: في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص (1)، بل يبنى على الطهارة، إذا لم يكن مسبوقا بالنجاسة، و لو أمكن حصول العلم بالحال في الحال.

______________________________
صحيحة الحلبي- في حديث- قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في بيوت المجوس، و هي ترش بالماء. قال: لا بأس به»
«1».

ثم ان المصنف- كغيره قيد الحكم الاستحبابي بصورة الشك في النجاسة، بل قد ادعي التسالم على التقييد المذكور. إلا أنا لا نجد وجها لذلك، لإطلاق النصوص المتقدمة، فإنها تشمل صورة العلم بالطهارة. و يمكن ان يقال: ان الحكمة في رش الماء انها نوع تنزه عن هؤلاء، و إلا فالرش ما لم يصل الى حد الغسل يزيد في سراية النجاسة إلى الأمكنة الطاهرة، و يوجب انتقالها إلى الملاقي من بدن المصلى و لباسه فكيف يمكن ان تكون الحكمة فيه دفع توهم النجاسة؟!

(1) لا يجب الفحص عند الشك في الطهارة هذا إذا كانت الشبهة موضوعية، كما هو مراده «قده»، كما إذا شككنا في ان الدم الخاص هل هو من القسم الطاهر أو النجس، أو أن المائع المعين بول أو ماء، أو انه ماء طاهر أو نجس بعد العلم بالحكم الكلى، فتجري قاعدة الطهارة كسائر الأصول الترخيصية- كقاعدة الحل- لإطلاق أدلتها، كموثقة عمار المتقدمة «2» و غيرها التي هي مدرك للقاعدة المذكورة. و هذا من دون فرق بين ان يحتاج الفحص إلى مؤنة زائدة و عدمه، كما إذا فرضنا‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 5 ص 140 الباب 14 من أبواب مكان المصلى، الحديث: 1.

(2) في الصفحة: 277.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 285‌

..........

______________________________
إمكان حصول العلم بمجرد فتح العين و النظر الى المشكوك، للإطلاق المذكور، و عدم موجب للتقييد من عقل أو نقل و يؤيد ذلك: ما في بعض الروايات مما يدل على هذه التوسعة، كقوله عليه السّلام: «ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم»
«1» فإن مفاده عدم توقف جريان قاعدة الطهارة على الفحص في الشبهة الموضوعية. نعم لو كان المشتبه مسبوقا بالنجاسة جرى استصحابها و هذا ظاهر. هذا كله في الشبهة الموضوعية.

و أما إذا كانت الشبهة حكمية- كما إذا شككنا في نجاسة الخمر، أو المسكر، أو عرق الجنب من الحرام، و نحو ذلك فلا بد من الفحص ثم الإفتاء بالطهارة إذا لم نجد دليلا معتبرا على النجاسة. و ذلك لأن أدلة الأصول و ان كانت مطلقة، الا انها لا بد من تقييده بذلك في الشبهة الحكمية بالعقل و النقل، بالتقريب المذكور في محله من بحث الأصول، كما هو واضح.

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 467 الباب 37 من أبواب النجاسات. الحديث: 5.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net