فصل وجوب إزالة النجاسة عن المساجد 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7072

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌4، ص: 35

[فصل وجوب إزالة النجاسة عن المساجد]

______________________________
وجوب إزالة النجاسة عن المساجد‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 36‌

..........

______________________________
وجوب إزالة النجاسة عن المساجد.

فوريّة الوجوب.

حرمة تنجيسها.

حكم إدخال أعيان النجاسات في المساجد.

حكم إدخال المتنجس فيها.

وجوب الإزالة كفائي.

وجوب المبادرة إلى الإزالة مقدّما على الصلاة في سعة الوقت.

ترك الإزالة و الاشتغال بالصلاة.

بحث الترتب.

إذا علم بالنجاسة بعد الصلاة أو في الأثناء.

حكم تنجيس المحل المتنجس من المسجد و صوره.

لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه أو تخريبه.

حكم تطهير حصير المسجد و فرشه و سائر متعلقاته.

لو توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة.

إذا توقف تطهيره على بذل المال.

إذا تغير عنوان المسجد.

حكم الجنب و تطهير المسجد.

حكم تنجيس معابد غير المسلمين.

العلم الإجمالي بنجاسة أحد المسجدين.

إعلام الغير بنجاسة المسجد. من المسألة «2» إلى المسألة «19».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 37‌

[ (مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد]

(مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد (1)، داخلها، و سقفها، و سطحها، و الطرف الداخل من جدرانها.

______________________________
وجوب إزالة النجاسة عن المساجد‌

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في فروع ثلاثة.

الأوّل: في وجوب إزالة النجاسة عن المساجد.

الثاني: في حرمة تنجيسها.

الثالث: في حرمة إدخال عين النجس فيها و لو مع عدم التنجيس و الهتك.

أما الأوّل و الثاني: فلا ينبغي التأمل فيهما، فإنّ القدر المتيقّن من الإجماعات المحكية عن كتب كثير من الأصحاب- كالخلاف، و السرائر، و غيرهما «1»- هو وجوب تجنيب المساجد عن النجاسات المتعدّية، بل عن السرائر: أنّه لا خلاف في ذلك بين الأمة «2»، فتحقق الإجماع فيهما قطعي مضافا إلى أن المرتكز في أذهان المتشرعة التنافي بين التلويث بالنجاسة و كون المكان معدّا للعبادة و التعظيم. و لم ينقل الخلاف في ذلك من أحد، سوى ما عن صاحب المدارك من الميل إلى جواز التنجيس، و يظهر من صاحب الحدائق «3» «قده» اختياره. إلّا أنّ خلافهما إن تم فهو لا يضر بتحقق الإجماع لشذوذهما.

و العجب منه «قده» حيث أنّه بعد أن استظهر اتّفاق الأصحاب على حرمة إدخال النجاسة المتعدية في المساجد خالفهم في ذلك، و استدل على جوازه مضافا إلى الأصل ب‍:

______________________________
(1) لاحظ كتاب الحدائق ج 5 ص 293، و الجواهر ج 6 ص 93.

(2) لاحظ كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 205- 206 الطبعة الخامسة.

(3) ج 5 ص 294.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 38‌

..........

______________________________
موثّقة عمار عن الصادق عليه السّلام: قال: سألته عن الدّمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة. قال: «يمسحه، و يمسح يده بالحائط أو بالأرض، و لا يقطع الصلاة»
«1».

بدعوى: أنّ إطلاقها شامل لمّا لو كانت الصلاة في المسجد، فيجوز مسح ما انفجر من الدّمل بحائطه و أرضه كما يجوز في غيره. و العفو عن دم القروح و الدّماميل إنّما ثبت بالنسبة إلى المصلّي خاصّة دون مكانه، فلو جاز مسح هذا الدم بحائط المسجد و أرضه جاز في غيره من الدماء و النجاسات.

هذا حاصل ما ذكره في تقريب الاستدلال بهذه الرواية بتوضيح منا.

و يدفعها: أنّ الأصل مقطوع بالإجماع القطعي، و بما سيأتي من الروايات الدالة على عدم الجواز. و أما الرواية فهي مسوقة لبيان حكم آخر، و هو أنّ انفتاح الدّمل في الصلاة لا يوجب البطلان و إن خرج منه الدم، و أنّ مسح الحائط و الأرض بيده المتلوثة بما انفجر من الدّمل لا يكون من الفعل الكثير الموجب لبطلان الصلاة. و من هنا لا يصح التمسك بإطلاقها لإثبات جواز تنجيس حائط الغير، كما لا يخفى.

و كيف كان فقد استدل على وجوب التطهير أو حرمة التنجيس على سبيل منع الخلو- مضافا إلى الإجماع- بالآيات، و الروايات، و إن أمكن الخدشة في بعضها، أما الآيات فقوله تعالى وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْقٰائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ «2».

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 8. و قد عبر عنها في الحدائق ج 5 ص 294 بالموثقة أيضا و لكنّ الظاهر أنّها ضعيفة ب‍ «عليّ بن خالد» في طريقها فإنّه لم يوثق، و ما قيل في وجه كونه من الحسان غير حسن. راجع تنقيح المقال ج 1 ص 287.

(2) الحج 22: 26. و نحوها: قوله تعالى وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ. البقرة 2: 125.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 39‌

..........

______________________________
بدعوى: إرادة التطهير من النجاسات، و عدم القول بالفصل بين البيت- أي المسجد الحرام- و غيره من المساجد لأنّ جميعها بيوت اللّه تعالى.

و يدفعها: أنّ الطهارة- بمعناها المصطلح عندنا في مقابل النجاسة- ممّا لم يثبت إرادتها من الآية الكريمة، لأنّ المخاطب بها إبراهيم الخليل عليه السّلام، و لم يعلم بثبوت هذا المعنى في زمانه عليه السّلام فلا بدّ من الحمل على معناها اللغويّ ما لم يثبت الحقيقة الشرعية- و هي النظافة بمعناها العام- فيكون المراد التنظيف من مطلق القذرات العرفيّة و ان لم تكن نجسة، فلا بدّ من حمل الأمر فيها على الاستحباب، لعدم وجوب التنظيف منها، إلّا إذا استلزم وجودها هتك المسجد.

و قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ! «1» بدعوى: أن ترتب النهي عن قرب المسجد الحرام على نجاسة المشركين يدل على أنّ الملاك هي النجاسة فتعمّ سائر النجاسات. كما أنّه لا اختصاص للنهي بالمسجد الحرام، لعدم القول بالفصل بينه و بين سائر المساجد. و سيأتي الجواب عن الاستدلال بهذه الآية الكريمة في الفرع الثالث: أعني حرمة إدخال النجاسة في المسجد.

و أما الروايات فمنها: النبويّ: قوله صلّى اللّه عليه و آله: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» «2».

و سيأتي الجواب عن هذه الرواية أيضا هناك.

و منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «قال:

______________________________
(1) التوبة 9: 28.

(2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 504 الباب: 24 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 40‌

..........

______________________________
سألته عن الدابّة تبول فتصيب بولها المسجد أو حائطه، أ يصلّي فيه قبل أن يغسل؟ قال: إذا جفّ فلا بأس»
«1».

و هي صحيحة السند، فقد رواها في الوسائل عن علي بن جعفر في كتابه، و طريقه إليه صحيح معتبر. نعم رواها عن عبد اللّه بن الحسن أيضا و لم تثبت وثاقته كما مرّ في طيّ المباحث السابقة. إلّا أنّ في الطريق الأوّل غنى و كفاية. و أما تقريب الاستدلال بها للمقام فهو: أنّ المستفاد من السؤال و الجواب في الصحيحة مغروسيّة وجوب إزالة النجاسة عن المسجد في ذهن السائل- بعد بنائه على نجاسة أبوال الدواب- مع تقرير الإمام عليه السّلام له على ذلك، فإنّ جهة السؤال فيها ليس هو أصل وجوب الإزالة بل هي مزاحمتها مع الصلاة في سعة الوقت، و أنّه هل يكون وجوبها على الفور كي يقدم على الصلاة، أم يجوز تأخيرها عنها؟ لقول السائل: «أ يصلّي فيه قبل أن يغسل» فسأل عن جواز تقديم الصلاة في المسجد على الإزالة دون أصل وجوبها، فأجابه الإمام عليه السّلام بالتفصيل بين صورتي الجفاف و عدمه، فيجوز تقديم الصلاة في الأولى دون الثانية. و لعلّ وجه التفصيل بذلك هو استقذار الطبع له في صورة عدم الجفاف بخلاف ما لو جفّ البول، فإنّه لا قذارة فيه حينئذ. و كيف كان فدلالتها على أصل وجوب الإزالة بالتقريب المتقدم واضحة، لأنّ السؤال إنّما هو عن مزاحمة الواجبين.

نعم لا يمكن الأخذ بها من حيث دلالتها على نجاسة بول الدّواب، لدلالة الأخبار «2» الكثيرة على طهارته، كما هو المشهور و المختار عندنا كما‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1009 الباب 9 من أبواب النجاسات، الحديث: 18.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1009 الباب: 9 من أبواب النجاسات.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 41‌

..........

______________________________
سبق في محله
«1». و قد حملنا الأخبار «2» المعارضة على التقية لموافقتها للعامة، كما تقدم الكلام في ذلك كله هناك. فلا بدّ من حمل هذه الصحيحة من هذه الجهة أيضا على التقية كتلك الأخبار. إلّا أنّ هذا لا يضر بالاستدلال بها على حكم الكبرى الكلية- أعني وجوب إزالة مطلق النجاسات عن المسجد- بلحاظ تقرير الإمام عليه السّلام السّائل على ما اعتبره أمرا مفروغا عنه- و إن لم تنطبق على موردها إلّا من باب التقية. فالتقية في التطبيق لا تمنع عن الأخذ بالكبرى.

هذا، و لكن يمكن المناقشة في دلالتها و إن صحّ سندها كما أشرنا، باحتمال أن يكون السؤال عن مزاحمة المستحبين لا الواجبين. و ذلك لاحتمال أن يكون المغروس في ذهن السائل استحباب إزالة القذارات و لو العرفيّة عن المساجد، لأنّها مكان العبادة، فينبغي أن تكون نظيفة خالية عن الكثافات و الرائحة الكريهة، لا وجوب إزالة النجاسة الشرعيّة، فسئل الإمام عليه السّلام عن حكم معارضة هذا المستحب مع استحباب المسارعة إلى الصلاة في سعة الوقت، و مع هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال و يقوّي هذا الاحتمال لو لم يعينه أمران.

أحدهما: استبعاد خفاء طهارة بول الدّواب على مثل عليّ بن جعفر عليه السّلام الذي هو من أجلة الأصحاب و كثير الرواية عنهم عليه السّلام. و قد عرفت أنّ تطبيق كبرى وجوب الإزالة على مورد الرواية يحتاج إلى تكلف ارتكاب التقية، بناء على زعم الراوي نجاسة بول الدواب و أما إذا قلنا بأن جهة السؤال إنّما‌

______________________________
(1) لاحظ ج 2 من كتابنا ص 292- 298.

(2) وسائل الشيعة ج 2 الباب: 8 و 9 من أبواب النجاسات.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 42‌

..........

______________________________
هي مزاحمة المستحبين المذكورين فلا حاجة إلى تكلف ارتكاب التقية، لأنّ قذارة أبوال الدواب و كراهة رائحتها غير خفي على أحد لا حكم شرعي يمكن وقوع الخلاف فيه بين الفريقين، و لاقتضائها تنفر الطباع لا تناسب المسجد الذي هو محل للعبادة، فإزالتها تكون أولى من المبادرة إلى الصلاة.

ثانيهما: أنّه لو كان السؤال مبنيا على زعم الراوي نجاسة بول الدابة لم يكن ليقتنع بتعليق جواز الصلاة على مطلق الجفاف في الجواب، إذ لا تزول نجاسة الأرض إلّا بالجفاف بالشمس دون مطلق الجفاف و لو بالهواء أو غيره «1»، فتجب إزالة النجاسة عن المسجد جفّت أم لم تجف، فكان من حق السائل أن يعترض على الإمام عليه السّلام في ذلك. و هذا بخلاف ما لو فرضنا السائل بانيا على طهارة بول الدابة و كانت جهة السؤال هي ما ذكرناه فإن قذارته العرفية و كراهة رائحته مما يزولان بمطلق اليبوسة، فمع بقاء قذارته يكون غسله أولى من تقديم الصلاة، بخلاف ما لو زالت قذارتها بالجفاف فإنّ المبادرة إلى الصلاة حينئذ لا تزاحم بشي‌ء. فتحصل: إنّ الأولى حمل الصحيحة على السؤال‌

______________________________
(1) يمكن حمل الصحيحة على التقية من هذه الناحية أيضا كما حملت عليها من ناحية تطبيق الكبرى و زعم الراوي نجاسة بول الدابة، لأنّ بعض العامة- كالحنفية- ذهبوا إلى كفاية مطلق الجفاف في تطهير الأرض، سواء أ كان بالشمس أم بالهواء. مستدلين بما رووه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله «ذكاة الأرض يبسها». راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 28- الطبعة الخامسة- و كتاب الخلاف للشيخ «قده» ج 1 ص 185، مسألة 236، مع تأمل في عبارته «قده» كما أشار إليه السيد الطباطبائي البروجردي «قده» في التعليقة. نعم عن مالك، و أحمد، و الشافعي في أحد قوليه كفاية الجفاف في طهارة الأرض مطلقا، سواء أ كان بالشمس أم غيرها. و ذهبت الإمامية إلى التفصيل بين الجفاف بالشمس أو غيرها، فيطهر في الأوّل دون الثاني. فالأقوال ثلاثة: الطهارة بالجفاف مطلقا- كما عن الحنفية- و عدمها مطلقا- كما عن أكثر العامة- و التفصيل بين الشمس و غيرها، كما هو مذهب الإمامية.

لاحظ المصدرين.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 43‌

..........

______________________________
السؤال عن تزاحم المستحبين- إزالة القذارة العرفية عن المسجد، مع المبادرة إلى الصلاة في سعة الوقت- و قد فصل الإمام عليه السّلام في الجواب فحكم بتقديم الأولى لو لم تجف و بتقديم الثانية عند الجفاف، فهي أجنبية عما هو محل الكلام. و لا أقل من إجمالها.

و منها: موثقة الحلبي: «قال: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان.

فقال إنّ بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا- أو قلنا له إنّ بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا- فقال: لا بأس، إنّ الأرض تطهر بعضها بعضا.» «1».

و مثلها ما عنه بطريق آخر و هو ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر، نقلا عن نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن المفضل بن عمر، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت له: إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته.

فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس، إن الأرض تطهّر بعضها بعضا. قلت: فأطأ على الروث الرطب؟ قال: لا بأس، أنا و اللّه ربما وطئت عليه ثم أصلّي و لا أغسله» «2».

بدعوى: دلالتهما على إنّ المحذور في نجاسة الرجل بالقذارة أو بالبول إنّما هو تنجيس المسجد، فأجاب الإمام عليه السّلام بارتفاعه بالمشي على الأرض اليابسة لأنّها مطهرة للرجل، فإنّ الأرض تطهر بعضها بعضا.

و تندفع: بأنّ ذيل الثانية- أعني: قوله عليه السّلام: «ثم أصلّي و لا أغسله»-

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1047 في الباب 32 من أبواب النجاسات، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1048 في الباب: 32 من أبواب النجاسات، الحديث: 9.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 44‌

..........

______________________________
يكون قرينة واضحة على إنّ المحذور إنّما هي نجاسة البدن في الصلاة لا تنجيس المسجد و لا أقل من الاحتمال.

و منها: الأخبار «1» المستفيضة الدالة على جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد تنظيفه أو طمّه بالتراب، معلّلا في بعضها: بأنّ ذلك يطهره. و لا بأس بالاستدلال بهذه الروايات، لدلالتها على أنّ المرتكز في ذهن السائل تنافي النجاسة مع المسجديّة فسئل الإمام عليه السّلام عن ارتفاع التنافي بذلك- أي بطم الكنيف بالتراب- فقرّره الإمام عليه السّلام على هذا الارتكاز و أمضى فعله هذا، معللا بحصول الطهارة المطلوبة في المسجد بذلك. و المفهوم منها عدم الفرق بين الحدوث و البقاء في حصول التنافي، فكما تجب إزالة النجاسة عن المسجد يحرم تنجيسه، لحصول التنافي بطبيعي النجاسة، سواء في ذلك ما كان منها في الآن الأوّل أو الثاني. و الاستدلال بهذه الروايات على الحكمين المذكورين صحيح في محله.

نعم لا دلالة فيها على أكثر من اعتبار طهارة ظاهر المسجد دون باطنه،

______________________________
(1) و هي عدة روايات صحيحة و غير صحيحة.

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان- في حديث-: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المكان يكون حشّا زمانا فينظف و يتخذ مسجدا. فقال: ألق عليه من التراب حتى يتوارى، فإنّ ذلك يطهره إن شاء اللّه».

و منها: رواية عبيد اللّه بن علىّ الحلبي- في حديث-: أنّه «قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام فيصلح المكان الذي كان حشّا زمانا أن ينظف و يتخذ مسجدا؟ فقال: نعم، إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه، فإنّ ذلك ينظفه و يطهره».

وسائل الشيعة ج 3 ص 490 في الباب 11 من أبواب أحكام المساجد. الحديث: 4، 1. و نحوهما غيرهما من نفس الباب، و يبلغ المجموع سبعة أحاديث. و الحش هو الكنيف، و مواضع قضاء الحاجة. و في أقرب الموارد: «الحش بالتثليث: البستان، و قيل: النخل المجتمع، و يكني به عن بيت الخلاء لمّا كان من عادتهم التغوط في البساتين، ج حشوش.».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 45‌

..........

______________________________
فلا تجب إزالة النجاسة عن باطنه، كما لا يحرم تنجيسه، و إلّا لم يكن طم الكنيف و طرح التراب الموجب لقطع الريح كافيا في تجويز اتخاذه مسجدا، لعدم حصول الطهارة الشرعية بذلك، و إنّما الطاهر هو ظاهر الأرض و سطح الكنيف المملوّ بالتراب دون باطنه.

إلّا أنّ صاحب الجواهر «قده» «1» قد جعل الحكم مختصا بمورد هذه الروايات- أعني الكنيف المتخذ مسجدا و ما يشبهه مما يتعذر إزالة النجاسة عنه- فأجاز جعله مسجدا بعد طمّه، بخلاف ما تيسر تطهيره، فلا يجوز عنده تنجيس باطن المسجد بل تجب إزالة النجاسة عن سطحه الظاهر و الباطن إن أمكن.

و فيه: أنّه لا دليل على اعتبار طهارة باطن المسجد حتى يلتزم بالتخصيص فيه بهذه الروايات و يقتصر على موردها، لأنّ الدليل إن كان هو الإجماع و الارتكاز فالقدر المتيقن منهما أنّما هو ظاهر المسجد دون باطنه، و إن كان صحيح علي بن جعفر عليه السّلام المتقدم- على تقدير تمامية دلالته على أصل المطلوب- فهو لا يدل على أكثر من وجوب الإزالة عن السطح الظاهر من أرض المسجد أو حائطه لأنّه المصاب ببول الدابّة، و إن كان الدليل هذه الروايات فليس فيها ما يدل على اعتبار طهارة الباطن أصلا. بل يمكن دعوى دلالتها على عدم اعتبارها فيه، لأنّ باطن الكنيف لا يطهر بجعل التراب عليه- كما ذكرنا- و ذلك لعدم استحالة النجاسات الموجودة فيه ترابا بمجرد طمّه بالتراب، فيبقى باطن الأرض على نجاسته.

و هذا لا ينافي اشتمال بعض الأسئلة في تلك الروايات على التنظيف و‌

______________________________
(1) في ج 14 ص 99- 100، في أحكام المساجد من كتاب الصلاة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 46‌

..........

______________________________
الإصلاح، أو أجوبتها على الطهارة، لأنّ المراد بها المعنى اللغوي- جزما- فالأجزاء الترابية باقية على النجاسة بعد لعدم سببيّة مزج النجاسات بها للاستحالة، و لا دلالة في الروايات المزبورة على أنّ المجعول مسجدا أنّما هو خصوص ظاهر الأرض و فوق الكنيف المملو بالتراب دون باطنها، بل هي ظاهرة في أنّ المسجد هو المجموع، و إنّ هذه المواراة و انقطاع الرائحة بالطم تكفي لجعل الأرض المزبورة- أعني الكنيف- بتمامها مسجدا، الظاهر و الباطن معا كسائر المساجد. كما أنّها ظاهرة في أنّ هذا حكم على القاعدة لا لخصوصيّة في المورد، كما زعم صاحب الجواهر «قده».

فتحصل من جميع ما ذكرناه: إنه لا دليل على اعتبار طهارة باطن المسجد، و مقتضى الأصل عدمه. و عليه لو تنجس الباطن- كما إذا وضع حجر أو آجر متنجس في جوف الحائط حين البناء- لا يجب إخراجه و لا تطهيره و إن أمكن. كما أنّه لا مانع من حفر بالوعة ابتداء في صحن المسجد لتجتمع النجاسة فيها من الكنيف و غيره.

و أمّا الأمر الثالث و هو إدخال عين النجاسة في المسجد و لو من غير تلويث، فالمنسوب إلى المشهور «1» القول بالحرمة.

أقول: لا كلام في الحرمة فيما لو استلزم الهتك، لأنّ المساجد من شعائر اللّه تعالى يجب تعظيمها، فلا يجوز جمع العذرة- و لو اليابسة غير المتعدّية- في المسجد لحملها منه إلى مكان آخر مثلا، إلّا أنّ عنوان الهتك لا يختصّ بإدخال النجس، إذ قد يحصل بغيره، كجعل المسجد مزبلة و لو كانت الزبالة طاهرة. و محل الكلام إنّما هو حرمة إدخال النجس في المسجد بما هو نجس من‌

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 95.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 47‌

..........

______________________________
دون استلزامه الهتك، كما إذا كان في جيبه قارورة فيها دم أو غيره من النجاسات من دون سراية إلى أرض المسجد و ترتّب عنوان آخر عليه.

و قد يستدل لحرمته بوجهين، الأوّل: قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «1».

بدعوى: أنّ تعليق المنع على نجاسة المشركين يدل على عموم المنع لكل نجس، فتنحل الآية الكريمة إلى صغرى، و هي: المشركون نجس، و كبرى هي: كل نجس لا يدخل المسجد الحرام، و بضميمة عدم القول بالفصل بينه و بين سائر المساجد يحكم بحرمة إدخال مطلق النجس في جميع المساجد.

و فيه أولا: إنّه مبنى على إرادة النجاسة المصطلحة التي لها أحكام خاصّة كحرمة الأكل و الشرب، و المانعيّة في الصلاة، و السراية إلى الملاقي و غير ذلك من أحكام النجاسات، و لم يثبت المبنى لعدم العلم بنزول الآية الكريمة في زمان اختصاص كلمة النجس بالمعنى المصطلح عليه في عصر الأئمة الأطهار إلى زماننا هذا. و عليه لا موجب لصرفها عن معناها اللغوي، و هو مطلق القذر الشامل بإطلاقه للقذارة المعنوية كالشرك. بل إنّ تعليق الحكم على صفة الشرك يقتضي إرادتها في خصوص الآية الكريمة لخبث باطنهم بالكفر، فيختص المنع بهم دون غيرهم، لأنّهم في أعلى درجة القذارة المعنوية بالشرك.

و يؤكد ذلك: تنافي الشرك باللّه و إنكاره تعالى و تقدس مع الدخول في محل معدّ لعبادته تعالى. و بالجملة: تعليق المنع على وصف الشرك و مناسبة الحكم و الموضوع يقتضيان اختصاص الحكم بالمشركين بلحاظ قذارتهم‌

______________________________
(1) التوبة 9: 28.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 48‌

..........

______________________________
المعنوية و عقيدتهم الفاسدة دون نجاستهم المصطلحة. فتكون الآية أجنبية عما نحن بصدده من حرمة إدخال النجس بما هو نجس في المسجد.

و ثانيا: لو سلّمنا إرادة النجاسة المصطلحة من «النجس» في الآية الكريمة لم يسعنا إثبات عموم المنع لمطلق النجاسة، بل لا بدّ من الاقتصار على موردها، و هي نجاسة الشرك التي هي أشدّ النجاسات، لاجتماع القذارة الظاهرية و الباطنية فيهم، لخبث أرواحهم من جهة فساد العقيدة، فلا عموم في العلّة كي يتعدى إلى سائر النجاسات.

بيان ذلك: أنّ «النجس» بالفتح له إطلاقان، أحدهما: المعنى الاشتقاقي بمعنى الصفة المشبهة «1» و بهذا المعنى يطلق على الأعيان النجسة فيقال: البول نجس، أي حامل للنجاسة، اي إنّه قذر بمعنى الصفة المشبهة. و النجس في الآية الكريمة إذا كانت بهذا المعنى أمكن التعدي عن موردها- أعنى المشركين- إلى سائر النجاسات بل المتنجسات، لإطلاقه عليها أيضا في اللغة «2» و الأخبار «3» كما عن جماعة أيضا. و ذلك لعموم الملاك في الجميع، و هو صدق النجس. ثانيهما: المعنى المصدري الحدثي «4»، و بهذا‌

______________________________
(1) قال في أقرب الموارد: «النجس و النجس و النجس و النجس و النجس: ضد الطاهر- أي بالفتح و الكسر في النون و سكون الجيم و بالفتح في النون و تثليث الحركات في الجيم- ج أنجاس. و قيل: النجس- بالتحريك- يكون للواحد و الاثنين و الجمع و المؤنث بلفظ واحد، يقال: رجل نجس، و رجلان نجس، و قوم نجس.».

(2) كما يظهر من أقرب الموارد. لاحظ ما نقلناه عنه في التعليقة آنفا، فإنّه قد وصف الرجل بأنّه نجس.

(3) كمكاتبة سليمان بن رشيد المتقدمة في ج 3 الصفحة 382 من كتابنا، لإطلاق النجس فيها على الثوب المتنجس في قوله: إذا كان ثوبه نجسا. و نحوها غيرها.

(4) قال في أقرب الموارد: «نجس الشي‌ء- ل- نجسا و نجس- ر- نجاسة: كان قذرا غير نظيف و خلاف طهر.».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 49‌

..........

______________________________
المعنى لا يصحّ إطلاقه على الأعيان النجسة إلّا بضرب من العناية و المبالغة، كما في قولنا: زيد عدل، فإذا صح إطلاق النجس على كلا المعنيين كانت الآية مجملة لا يمكن الاستدلال بها على العموم، لعدم العناية الخاصّة في مطلق النجاسات، و إنّما تخص المشركين لأنّهم أنجاس ظاهرا و باطنا، و هذا يؤيد إرادة المعنى الثاني في الآية الكريمة على أنّه يكفي في سقوط الاستدلال مجرد الإجمال و عدم تعين أحد المعنيين.

الوجه الثّاني: النبوي: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» «1».

بدعوى: أنّ إدخال النجاسة في المساجد ينافي التجنب المأمور به.

و فيه أوّلا: أنّه نبوي مرسل لا يمكن الاعتماد عليه، و لم يذكر في كتب الحديث، حتى أنّ صاحب الوسائل نقله عن الكتب الاستدلالية، عنه صلّى اللّه عليه و آله. و انجباره بعمل الأصحاب غير معلوم و إن نسب إلى المشهور «2» القول بعدم جواز إدخال النجاسة و لو غير المتعدّية في المسجد، لعدم ثبوت الاستناد إليه، و مجرد الموافقة في الفتوى لا يثبت الاستناد. بل يمكن دعوى معلوميّة عدم استنادهم إليه، لحمل كثير منهم هذه الرواية على تجنب مسجد الجبهة عن النجاسة.

و ثانيا: أنّ دلالته على المطلوب مبني على إرادة الأعيان النجسة من لفظ «النجاسة» في الحديث المزبور و لم يثبت، لقوة احتمال إرادة المعنى المصدري الذي هو ظاهر اللفظ، فإنّ إرادة المعنى الوصفي من المصدر تبتنى على المبالغة كما في زيد عدل، و لا يصار إليه إلّا مع القرينة، و لا قرينة في‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 504 الباب 24 من أبواب أحكام المساجد، الحديث: 2.

(2) راجع الجواهر ج 6 ص 95.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 50‌

..........

______________________________
الحديث على ذلك، فعليه تدل الرواية على حرمة تنجيس المسجد. و قد مرّ الكلام فيها و عرفت أنّه لا إشكال في الحرمة.

فتحصل مما ذكرناه: أنّه لا يتم شي‌ء من الوجهين لإثبات حرمة إدخال النجاسة غير المتعدّية ما لم يستلزم هتك المسجد. فالأقوى ما ذهب إليه جمع من الأصحاب «1» بل ذهب إليه كثير من المتأخرين، بل لعلّه المشهور بينهم من اختصاص المنع بما يوجب التلويث و بدون التلويث لا حرمة فيه. و مما يؤيد ما ذكرناه: التزام الأصحاب بجواز إدخال النجاسة في المساجد في موارد:

منها: جواز مرور الحائض و الجنب مجتازين في المساجد، مع أنّ الغالب مصاحبة بدنهما، لا سيما الحائض للنجاسة، كما دل على ذلك الأخبار «2». فلا مجال لتوهم إنّ ورودها في مقام بيان الجواز من حيث حدثي الجنابة و الحيض مانع عن الاستدلال بها للجواز من حيث النجاسة، لغلبة استصحابهما النجاسة كما أشرنا.

و منها: جواز دخول المستحاضة في المسجد الحرام للطواف إذا عملت بوظيفتها و إن سأل منها الدم، كما في المستحاضة الكبيرة. و قد دلت على ذلك الأخبار «3» أيضا و لا اختصاص لها أو لبعضها بالطواف الواجب كي يتوهم الاختصاص بحال الضرورة، بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين‌

______________________________
(1) راجع الجواهر ج 6 ص 95، و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 584.

(2) وسائل الشيعة: ج 1 ص 484 الباب 15 من أبواب الجنابة و ص 490 في الباب: 17 منها و ج 2 ص 538 في الباب 35 من أبواب الحيض.

(3) وسائل الشيعة: ج 9 ص 506 في الباب: 91 من أبواب الطواف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 51‌

بل و الطرف الخارج على الأحوط (1) «1»

______________________________
الطواف الواجب و المستحب
«2».

و منها: جواز دخول ذوي القروح و الجروح في المساجد للجمعة أو الجماعة أو لأغراض أخر، كما استقرت عليه السيرة خلفا عن سلف، من دون ردع من المتشرعة. بل استقرت على عدم منع الصبيان من دخول المساجد مع العلم بنجاستهم غالبا، حيث أنّهم لا يستنجون و لا يتطهرون من سائر النجاسات. و الالتزام بالتخصيص في هذه الموارد- للأدلة الخاصة من الأخبار أو السيرة كما عن بعض- «3» بعيد. على أنّه قد عرفت عدم ثبوت عام يدل على المنع.

(1) وجه عدم وجوب إزالة النجاسة عن الطرف الخارج من حائط المسجد هو عدم وجود إطلاق أو عموم يشمل الطرف الخارج، إذ غاية ما يستفاد من الروايات- التي أمكن الاستدلال بها على وجوب الإزالة و حرمة التنجيس- هو اعتبار الطهارة في الطرف الداخل من المسجد.

نعم إذا استلزم التلويث من الخارج هتك المسجد- كما إذا اتخذ مبالا، أو لطخ بالقاذورات أو الدم الكثير و نحو ذلك- فلا إشكال في الحرمة و وجوب الإزالة.

هذا و لكن مقتضى إطلاق كلمات الأصحاب عدم الفرق بين الداخل و الخارج، و إن تردد فيه بعضهم «4» بدعوى انصراف الأدلّة.

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»- «و الطرف الخارج على الأحوط»-:

«لا بأس بتركه في غير ما كانت النجاسة موجبة للهتك».

(2) كموثقة عبد الرّحمن في الباب المتقدم.

(3) لاحظ الجواهر ج 6 ص 96.

(4) كالمحقق الهمداني «قده» في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 586.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 52‌

..........

______________________________
أقول: الصحيح اختلاف الحكم باختلاف الأدلة المعتمدة في المقام، فإن كان الدليل على الحكمين هو الإجماع المدّعى في المقام فلا إشكال في أنّ القدر المتيقن منه هو حرمة تنجيس القسم الداخل من المسجد و وجوب الإزالة عنه، و إن كان الروايات
«1» الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد طمّه فكذلك لعدم ثبوت إطلاق فيها، فإنّها و إن دلت على لزوم الطهارة في المسجد، إلّا أنّها في مقام البيان من جهة حصولها بالطمّ بالتراب فقط، و مثله لا يعم الطرف الخارج من حيطان المسجد، بل غايته اعتبار الطهارة في السطح الظاهر من المسجد. نعم إذا كان الدليل صحيح على بن جعفر المتقدمة «2» فلا بأس بالتمسك به على ثبوت الحكم مطلقا في الطرف الخارج و الداخل، و ذلك لترك الاستفصال في جوابه عليه السّلام بين الطرف الخارج أو الداخل من حائط المسجد المفروض إصابة البول له في السؤال. قال: «و سألته عن الدّابة تبول فتصيب بولها المسجد أو حائطه، أ يصلّي فيه قبل أن يغسل؟. فأجابه الإمام عليه السّلام بقوله: «إذا جف فلا بأس»، من دون تفصيل بين خارج الحائط و داخله. بل الغالب إصابة بول الدابة خارج الحائط، لعدم تعاهد دخول الدواب المسجد، بل التقابل في السؤال بين المسجد و حائطه يقتضي تعيّن إرادة الخارج من الحائط هذا. و لكن قد عرفت «3» خروج هذه الصحيحة عن محل الكلام و عدم دلالتها على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد رأسا، بل المحتمل- أو المتعين- كونها في مقام بيان حكم استحبابي.

فراجع ما تقدم. نعم لا يبعد دعوى الإطلاق في النبوي: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» «4». إلّا أنّه قد عرفت ضعفه سندا و دلالة أيضا.

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 44.

(2) في الصفحة: 39.

(3) في الصفحة: 40 و 41.

(4) في الصفحة: 49.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 53‌

إلّا أن لا يجعلها الواقف جزء من المسجد. بل لو لم يجعل مكانا مخصوصا منها جزء لا يلحقه الحكم (1). و وجوب الإزالة فوريّ (2) فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي.

______________________________
فالأقوى عدم وجوب التطهير من الطرف الخارج، و إن كان الأحوط ذلك. و كذا في حرمة التنجيس.

(1) لعدم الدليل على وجوب الإزالة، فمقتضى الأصل عدم الوجوب.

(2) فورية وجوب الإزالة لا خلاف فيه ظاهرا، بل عن المدارك و الذخيرة نسبته إلى الأصحاب. و الوجه في ذلك: هو ما يستظهر من الأدلة من مبغوضية نجاسة المسجد حدوثا و بقاء، لا مجرد لزوم إزالتها عن المسجد في زمان من الأزمنة الاستقباليّة فوجود النجاسة فيه مبغوض في كل آن، لأنّ وجوب الإزالة إنّما هو بملاك التعظيم و الاحترام للمسجد المعدّ لعبادة اللّه تعالى فيه، و هذا مما ينافيه النجاسة آنا فآنا.

و يدل على ما ذكرنا: صحيحة علي بن جعفر المتقدمة «1»، لمّا فيها من عدم جواز الصلاة قبل جفاف البول، فتدل على فوريّة الإزالة قبل الصلاة. و لكن قد عرفت منع دلالتها على وجوب إزالة النجاسة رأسا، و إنّما دلت على حكم استحبابي و هو تقديم إزالة القذارة العرفية على الصلاة في أوّل وقتها. نعم لا بأس بالاستدلال للفورية بالروايات الدالة على جعل الكنيف مسجدا بعد الطّمّ بالتراب، لمّا فيها من تعليق الجواز على الطّمّ بالتراب أوّلا ثم جعلها مسجدا، فلو انعكس ذلك لكان مخلّا بالفورية دون أصل التطهير، كما هو واضح.

ففي رواية مسعدة بن صدقة- بعد أن سئل عليه السّلام: عن مكان حشّ أن‌

______________________________
(1) في الصفحة: 39.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 54‌

و يحرم تنجيسها أيضا (1)، بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها و إن لم تكن منجسة، إذا كانت موجبة لهتك حرمتها (2) بل مطلقا على

______________________________
يتخذ مسجدا؟ قال عليه السّلام: «إذا القى عليه من التراب ما يوارى ذلك و يقطع ريحه فلا بأس»
«1».

و قال عليه السّلام في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام- بعد السؤال المزبور-: «إذا نظف و أصلح فلا بأس» «2».

لدلالتهما على نفي البأس بعد إلقاء التراب و التنظيف به. و كيف كان فلا إشكال في ثبوت الحكم. نعم الفوريّة المطلوبة إنّما هي العرفيّة لا العقلية، لعدم دليل على الثانية، و يكفي في التعظيم الفوريّة العرفيّة.

(1) حرمة تنجيس المسجد كما سبق في أوّل المسألة عند البحث عن الأمر الأوّل و الثاني، و حاصله: تحقق الإجماع و الارتكاز على حرمة التنجيس كتحققه على وجوب الإزالة، لأنّهما بملاك واحد، و هو تعظيم المساجد و تنافي النجاسة مع المكان المعدّ للعبادة، و هذا يعم الرفع و الدفع. بل المستفاد من الأدلة اللفظية- من الآيات و الروايات المتقدمة «3» الدالة على وجوب التطهير- هو حرمة التنجيس، للملازمة العرفيّة بينهما.

(2) لحرمة هتكها إجماعا، سواء أ كانت بإدخال النجاسات و لو غير المتعدية فيها- كجمع العذرة اليابسة فيها لحملها إلى مكان آخر مثلا- أو بغيرها، كجعلها محلا للقمامة.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 490 في الباب: 11. من أبواب أحكام المساجد، الحديث: 5.

(2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 490 في الباب: 11. من أبواب أحكام المساجد، الحديث: 7.

(3) في الصفحة: 38- 40.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 55‌

الأحوط (1) و أما إدخال المتنجس فلا بأس به (2) ما لم يستلزم الهتك.

[ (مسألة 3): وجوب إزالة النجاسات عن المساجد كفائي]

(مسألة 3): وجوب إزالة النجاسات عن المساجد كفائي (3). و لا اختصاص له بمن نجسها أو صار سببا، فيجب على كل أحد.

______________________________
(1) قد تقدم
«1» الكلام في ذلك في الأمر الثالث، و قد عرفت عدم تماميّة ما استدل به على الحرمة مطلقا، أي و لو لم يستلزم الهتك. نعم هو أحوط، لدعوى الشهرة على الحرمة، كما سبق.

(2) إدخال المتنجس في المسجد لعدم الدليل على الحرمة، فمقتضى الأصل الجواز. و قد عرفت أنّ الاستدلال بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. ممنوع، لأنّ النجس و إن أطلق على المتنجس لغة و عرفا، بل قد عرفت إطلاقه عليه في الروايات أيضا، إلّا أنه مبنيّ على إرادة المعنى الوصفي و لم تثبت في الآية الكريمة. بل قد أشرنا إلى ظهورها في المعنى المصدري، فلا يصح تعميمه لسائر النجاسات غير المشركين، لابتنائه على المبالغة كما في زيد عدل، فكيف بالمتنجسات؟

فراجع ما تقدم «2».

(3) إزالة النجاسة واجب كفائي بلا خلاف، بل لعلّه إجماعي كما عن بعض «3». و الوجه في ذلك:

عموم الخطاب بمثل الآية الكريمة و غيرها للجميع، و مع الامتثال لا مجال للتكرار لزوال الموضوع، فيكون الوجوب كفائيّا لا محالة.

______________________________
(1) في الصفحة: 46.

(2) في الصفحة: 46- 47.

(3) كذا في الجواهر ج 6 ص 97.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 56‌

..........

______________________________
و لم ينقل الخلاف في ذلك إلّا عن الشهيد في الذكرى، فإنّه ذهب إلى القول بوجوب الإزالة على خصوص من نجّس المسجد تعيينا، و عن المدارك احتماله
«1».

أقول: إن أراد بذلك سقوط التكليف عن الغير حتى فيما لو أخلّ المنجس بالإزالة تقصيرا أو قصورا فهو خلاف الإجماع و الارتكاز و غيرهما من الأدلة، إذ لا ينبغي التأمل في وجوب الإزالة حينئذ على سائر الناس، كما إذا استند التنجيس إلى غير الفاعل المختار، كما إذا بال الصبي في المسجد أو تنجس بفعل حيوان أو مجنون أو نحو ذلك، فكما تجب الإزالة في هذه الصورة على عامة المكلفين كذلك فيما نحن فيه لو أخلّ الفاعل المختار بالإزالة.

و إن أراد بذلك وجوبه عينا على من نجّسه و كفاية على غيره لو عصى نظير وجوب إنفاق الوالد على ولده الفقير، فإنّه يجب على والده عينا و على غيره كفاية حفظا للنفس المحترمة. و كما في وجوب تجهيز الميت على وليّه عينا و على غيره كفاية فلا يسقط الوجوب عن سائر الناس بامتناع من يجب عليه- فهو و إن كان معقولا في نفسه، و لا محذور في الالتزام به، لحصول الإزالة المطلوبة على أيّ تقدير إلّا أنّه لا دليل على هذا التفصيل، لأنّ الدليل على الحكم- من الإجماع و الارتكاز و الآية الكريمة- واحد بالنسبة إلى الجميع، و يتساوى فيه الكل من دون تعيين لبعض دون بعض و لو كان هو المنجس للمسجد. فالصحيح هو ما ذهب إليه المشهور المدّعى عليه الإجماع من وجوب الإزالة كفاية بالنسبة إلى عامة المكلفين مطلقا سواء حصلت النجاسة بفعل فاعل مختار أو غيره.

______________________________
(1) كما في الجواهر ج 6 ص 98.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 57‌

[ (مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة]

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها (1)، مقدما على الصلاة مع سعة وقتها، و مع الضيق قدمها. و لو ترك الإزالة مع السعة و اشتغل بالصلاة عصى لترك الإزالة، لكن في بطلان صلاته إشكال، و الأقوى الصحة (2).

______________________________
(1) إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها في سعة الوقت، لفوريّة وجوبها- كما تقدم- فلا يزاحمها وجوب الصلاة في سعة الوقت. و مع الضيق يقدم الصلاة، لأنّها أهم، فإنّها عمود الدين- كما في الخبر
«1»- فينعكس الأمر.

(2) صحة الصلاة مع ترك الإزالة لو عصى و ترك الإزالة و اشتغل بالصلاة في سعة الوقت فهل تصح صلاته أو لا؟ فيه كلام بين الأعلام. ذهب المحققون إلى الصحة، و اختلفوا في وجهها.

فصحّحها صاحب الكفاية «قده» بوجود الملاك و كفايته في قصد القربة، و إن لم تكن مأمورا بها للمزاحمة، لأنّ الأمر بالشي‌ء و إن لم يقتض النهي عن ضده إلّا أنّه يقتضي عدم الأمر به لا محالة، لقبح التكليف بالضدين لعدم إمكان الامتثالين فليست الصلاة مأمورا بها إلّا أن فيها المصلحة، لعدم الفرق بين هذا الفرد المزاحم بالأهمّ و غيره من الأفراد التي لا مزاحم لها في الملاك، و لم يلتزم بالترتب، بل قال: إنّه غير معقول.

و لكن يرد عليه: إنّه لا طريق لنا إلى كشف ملاكات الأحكام إلّا الأمر بمتعلقاتها لعدم الإحاطة بالأمور الخفيّة و المصالح النفس الأمرية التي هي ملاكات الأحكام الشرعية، إذ من المحتمل اختصاصها بالصلاة غير المبتلاة‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 3 في الباب: 6، 8 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 58‌

..........

______________________________
بالمزاحم، فمن أين يمكننا القطع بوجود الملاك في المبتلاة بها لو لا الأمر بها؟

و صحّحها شيخنا المحقق النائيني «قده» بوجود الأمر المتعلق بالصلاة على نحو الترتب، و قد أوضحه بما لا مزيد عليه في الأصول في بحث الضد. و نحن و ان وافقناه في إمكانه، بل قلنا إنّ تصوّره مساوق للتصديق به مع ملاحظة شرائطه المذكورة في محله إلّا إنّه لا حاجة لنا في الالتزام به في الواجبين الموسّعين أو فيما إذا كان أحدهما موسّعا و الآخر مضيّقا، بل يختص لزوم الالتزام به في المضيّقين، كما في مزاحمة إنقاذ الغريق مع الصلاة في آخر وقتها، كما أوضحناه في الأصول.

و مجمل الكلام في ذلك هو: إنّه لا تزاحم بين الأمر بالواجب المضيّق و الأمر بالواجب الموسّع، كالأمر بالإزالة فورا مع الأمر بالصلاة في سعة الوقت، و ذلك لتعلق الأمر بطبيعي الصلاة القابل للانطباق على الفرد المزاحم للإزالة- و هو الفرد المأتي به مقارنا لتركها- و غيره مما يمكن إتيانه بعد امتثال الأمر بها، فلا تنافي بين متعلقيهما، و لا مانع من تعلق الأمر بهما في عرض واحد من دون حاجة إلى الترتب، لأنّ المأمور به في الموسّع هي الطبيعة المطلقة على نحو رفض القيود- بمعنى عدم دخل شي‌ء من الخصوصيّات فيها- و لا تضاد بينها و بين الواجب المضيّق بوجه، لا مكان امتثالهما من دون محذور. نعم إنّما تكون المزاحمة بين المضيق و الفرد المزاحم له أي الفرد الواقع قبل الإزالة، إلّا أنّ هذا الفرد غير مأمور به بخصوصه بل هو مصداق له، فلو عصى المكلف و ترك الإزالة و أتى بالصلاة بسوء اختياره فهو و إن استحق العقاب على مخالفة الفوريّة، إلّا أنّه تصح صلاته لو أتى بها بداعي الأمر المتعلق بالطبيعي الجامع بين هذا الفرد و بين غيره من أفراد الصلاة، و هذا المقدار كافّ في صحة العبادة من دون حاجة إلى الأمر الترتبي الذي‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 59‌

هذا إذا أمكنه الإزالة، و أما مع عدم قدرته مطلقا أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته (1). و لا فرق في الاشكال في الصورة الأولى بين أن يصلّي في ذلك المسجد أو في مسجد آخر (2).

______________________________
أحاله بعضهم كصاحب الكفاية «قده» فالأقوى هو صحة الصلاة كما في المتن.

و أما القول بالبطلان فمبنيّ على القول باقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضده الخاص، فالفرد المزاحم للإزالة مما يكون منهيّا عنه و خارجا عن إطلاق دليل الواجب المأمور به هذا. و لكنا حققنا في الأصول فساد المبنى و أنّه لا اقتضاء له كذلك و على تقديره فلا يوجب الفساد، لعدم صلاحيّة النهي الغيري لذلك. على أنّه يكفي في الفساد عدم الأمر بالضد، لعدم كشف الملاك إلّا به، كما أشرنا. هذا إذا لم نقل بالترتب و إلّا فيصح تعلق الأمر الترتبي به و تكون صحيحة بداعي الأمر. إلّا أنّه لا حاجة إليه إلّا في الواجبين المضيّقين و أما إذا كان أحدهما موسّعا فيصح بالأمر المتعلق بالطبيعي الجامع بين الفرد المزاحم و غيره، من دون حاجة إلى الأمر الترتبي، كما ذكرنا آنفا.

(1) لعدم الأمر بالإزالة حينئذ، للعجز المانع عن تعلق الأمر بها، فلا مزاحم للأمر بالصلاة، لأنّ النجاسة بوجودها الواقعي لا تزاحمه، و إنّما المزاحمة بين الأمر بهما معا. و هكذا الحال فيما لو تمكن من الإزالة حال الصلاة ما لم تستلزم الفعل الكثير، لإمكان الامتثالين في عرض واحد، لأنّ المزاحمة بين الخطابين إنّما هي بلحاظ الامتثال، و المفروض التمكن من امتثالهما معا.

(2) و هكذا لو صلّى في مكان آخر- كالبيت و نحوه- للأمر بالإزالة المزاحم للأمر بالصلاة في جميع ذلك، إذ لا خصوصيّة للمكان في تعلق الخطاب بالإزالة، فإنّه يجب تطهير المسجد على عامّة المكلفين و لو كانوا في بيوتهم إذا علموا بالنجاسة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 60‌

و إذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة (1).

[ (مسألة 5): إذا صلّى ثم تبين له كون المسجد نجسا]

(مسألة 5): إذا صلّى ثم تبين له كون المسجد نجسا كانت صلاته صحيحة و كذا إذا كان عالما بالنجاسة ثم غفل، و صلّى (2).

______________________________
(1) لكفاية اشتغال الغير بها في عدم المنافاة للفوريّة المطلوبة في الإزالة و إن لم تتحقق بعد، فلا تزاحمها الصلاة، كما لا تزاحمها سائر الأفعال من النوم و الجلوس في المسجد و غيرهما، فكما يجوز في هذه الحال تلك الأفعال كذا تجوز الصلاة أيضا. نعم لو كان الاشتغال بالصلاة منافيا للفورية بحيث كانت الإزالة محتاجة إلى المعاونة تحققت المزاحمة أيضا، كتحققها حال عدم اشتغال الغير بها، لوحدة الملاك و هو تضاد فوريّة الإزالة مع الصلاة. إلّا أنّه قد عرفت اندفاع الإشكال في صحة الصلاة من أصله.

(2) صحة الصلاة حال الجهل بنجاسة المسجد لو صلّى ثم علم بنجاسة المسجد، أو كان عالما بها فنسيها أو غفل عنها صحّت صلاته، أما بناء على ما هو المختار عندنا من صحة الخطاب بالصلاة في سعة الوقت من دون حاجة إلى الترتب- عدم المزاحمة حينئذ- فالأمر ظاهر، لصحة الصلاة حينئذ حال العلم بالنجاسة، فضلا عن صورتي الجهل و الغفلة، و إن كان معاقبا على ترك الإزالة في صورة العلم بالنجاسة.

و أما بناء على وجود المزاحمة حتى في سعة الوقت، فإنّ قلنا بإمكان الأمر الترتبي- كما هو المختار- فالأمر كذلك أيضا، لصحتها في حال العلم فضلا عن حال الجهل أو الغفلة لتعلق الأمر بالصلاة مترتبا على عصيان الأمر بالإزالة أو تركها. و أما إذا لم نقل بإمكانه و أحلناه- كما عليه صاحب الكفاية «قده»- فلا ينبغي التأمل في البطلان في صورة العلم، لا لأن الأمر بالشي‌ء‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 61‌

..........

______________________________
يقتضي النهي عن ضده بل لعدم الأمر بالصلاة عند المزاحمة، و لا كاشف للملاك فلا يصح التقرب بها، كما تقدم. كما أنّه لا ينبغي الإشكال في القول بالصحة في صورة الغفلة بعد العلم بالنجاسة لعدم تعلق الخطاب بالغافل كالناسي، لاشتراط التكاليف بالقدرة، و الغافل لعدم التفاته لا يقدر على الامتثال كالناسي، فلا يجب عليه الإزالة واقعا، فيتعلق الأمر بالصلاة من دون مزاحم و هكذا الحال في الجاهل بالنجاسة- بمعنى القاطع بعدمها- فيما لو صلّى ثم تبيّن له كون المسجد نجسا، فإنّ صلاته أيضا صحيحة لما ذكر.

و أما الجاهل بالنجاسة، بمعنى الشاك و المتردد فيها، الذي يجري في حقه أصالة الطهارة، بحيث صلّى بانيا على الطهارة الظاهريّة ثم انكشف له نجاسة المسجد حال الصلاة- كما إذ رأى رطوبة في المسجد و شك في أنّها ماء أو بول فبنى على الطهارة الظاهرية فصلّى ثم انكشف له أنّها كانت بولا- فهل يحكم بصحة صلاته أو لا؟

يبتني ذلك على أنّ بطلانها في صورة العلم هل هو من باب التزاحم أو التعارض، فيصح في صورة الجهل على الأوّل دون الثاني. بيان ذلك: هو أنّه إن قلنا بأنّ الأمر بالإزالة لا يقتضي النهي عن الصلاة المضادة لها، إلّا أنّه يقتضي عدم الأمر بها للتزاحم بين امتثالهما و أهمية الإزالة، فلا بدّ من القول بالصحة في صورة الجهل، لعدم المزاحمة في هذه الحال، لعدم تنجز التكليف بالإزالة حينئذ، و الأمر بها بوجودها الواقعي لا تزاحم الأمر بالصلاة، لأنّ المزاحمة إنّما تتحقق في مقام الامتثال، و لا امتثال للأمر المشكوك المرخص في مخالفته بمقتضى الأصول الظاهرية، كأصالة الطهارة و نحوها فالصلاة مقدورة عقلا و شرعا، لعدم الأمر الفعلي بالأهم السالب لقدرة المكلف شرعا، فلا مانع من تعلق الأمر بها، فتصح للإطلاقات الشاملة لها كغيرها من أفراد الصلاة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 62‌

..........

______________________________
و أما إذا قلنا بأنّ الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة كانت الصلاة باطلة في حال الجهل أيضا، و ذلك لاجتماع الأمر و النهي فيها مع لزوم تقديم جانب النهي لأهميّة الإزالة، فيستلزم تقييدا في دليل الواجب فيخرج هذا الفرد عن إطلاق دليله. و ذلك لمّا أشرنا إليه آنفا: من دخول هذا الفرع على المبنى المذكور في كبرى التعارض دون التزاحم. لاجتماع الأمر و النهي في محلّ واحد.

و من هنا قد ذكرنا في ذاك البحث أنّ الصحيح هو الحكم ببطلان الصلاة حتّى في حال الجهل بغصبيّة المكان و عدم اختصاصه بصورة العلم بها، خلافا للمصنف «قده» و غيره حيث زعموا كفاية عدم تنجز النهي في الصحة، لأنّ النهي في حال الجهل و إن لم يكن منجزا إلّا أن عدم تنجزه لا ينافي المبغوضيّة الواقعيّة، و كفايتها في مانعيّة تعلق الأمر بالصلاة لعدم تعلق البعث نحو المبغوض الواقعي و لو مع الجهل، بناء على الامتناع و تقديم جانب النهي. فالتفصيل بين صورتي العلم و الجهل في ذاك البحث- كما اشتهر- مما لا أساس له. نعم تصحّ الصلاة في صورة الغفلة و النسيان لما أشرنا إليه آنفا من عدم تعلّق النهي بالمغفول عنه أو المنسي واقعا، إذ لا يتمكن المكلف حينئذ من الامتثال و لو على وجه الاحتياط، بخلاف الجاهل فإنّه يصحّ تعلق النهي بفعله لتمكنه من الامتثال و لو بالاحتياط و ترك ما يحتمل حرمته، لبقاء الالتفات إلى التكليف في صورة الشك.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّه إن لم نقل بتعلق النهي الغيري بالصلاة في حال نجاسة المسجد كانت المسألة من باب التزاحم بين وجوب الإزالة و وجوب الصلاة، و لا مزاحمة في صورة الجهل بالنجاسة كصورة الغفلة و النسيان، لأنّ المزاحمة إنّما تكون في مقام الامتثال، و لا امتثال للتكليف غير‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 63‌

و أما إذا علمها أو التفت إليها في أثناء الصلاة، فهل يجب إتمامها ثم الإزالة، أو إبطاله و المبادرة إلى الإزالة؟! وجهان، أو وجوه (1)، و الأقوى وجوب الإتمام.

______________________________
المنجز بعد وجود الأصول المرخّصة. و أمّا إذا قلنا بتعلق النهي بها كانت المسألة من باب التعارض، فلا بدّ من التفصيل بين صورتي الجهل و الغفلة، فتبطل الصلاة في الأولى دون الثانية. و لا يخفى أنّ ذلك كله مبنيّ على مباني فاسدة لا نقول بها، إذ يكفي في الصحة الالتزام بالترتب. بل لا نحتاج إليه أيضا في سعة الوقت، فتصحّ الصلاة في جميع الأحوال حتّى في حال العلم بالنجاسة، فضلا عن صورتي الجهل أو الغفلة. فلاحظ.

(1) إذا علم بنجاسة المسجد أثناء الصلاة ثلاثة، بل أربعة:

إحداها: وجوب الإتمام ثم الإزالة، و هو الذي قوّاه في المتن. و الظاهر أنّ وجه الأقوائيّة عنده «قده» هو عدم منافاة إتمام الصلاة مع الفورية العرفيّة المعتبرة في الإزالة، إذ غاية ما ثبت هو عدم جواز التراخي العرفي في تطهير المسجد لا العقلي غير المنافي للتعظيم، فلا ينافيها إتمام الصلاة، كما لا ينافيها غيرها مما كان المكلف مشتغلا به كالأكل و غيره مما يحتاج إليه، فوجوب الإزالة لا يزاحم حرمة قطع الصلاة.

ثانيها: وجوب إبطال الصلاة و المبادرة إلى الإزالة، بدعوى: قصور دليل حرمة قطع الصلاة- الذي هو الإجماع- عن مثل المقام مما يكون القطع فيه لأجل فعل واجب.

ثالثها: لحاظ ما هو أسبق زمانا منهما في التنجز فيستصحب. و عليه لا بدّ من التفصيل بين ما إذا كان قد علم بنجاسة المسجد قبل الصلاة فنسيها‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 64‌

..........

______________________________
فدخل في الصلاة ثم تذكر في الأثناء و بين ما إذا لم يعلم بها قبل الصلاة و علم في الأثناء، أو حدثت النجاسة في الأثناء- كما إذا بال الصبي في المسجد حال اشتغاله بالصلاة- فيجب الإبطال و المبادرة إلى الإزالة في الصورة الأولى، لسبق التكليف بها على الصلاة و يجب الإتمام ثم الإزالة في الصورة الثانية، لسبق حرمة قطع الصلاة فيها و حدوث الأمر بالإزالة في أثنائها، بمقتضى الاستصحاب في كلتا الصورتين.

رابعها: التخيير بين الإبطال و الإتمام، إما لقصور دليل كلا الحكمين عن شمول الفرض، أو لتزاحمهما و الالتزام بالترتب من الجانبين، أو الالتزام بالوجوب التخييري بناء على استحالته. و هذا الوجه هو المختار عندنا كما أشرنا في التعليقة «1» لما سنبيّن من الخلل في بقية الوجوه.

و توضيح الحال في المقام بان يقال: إنّ الصور الممكنة بملاحظة كيفية الأدلة في المقام أربعة، يختلف الحكم باختلافها:

الأولى: أن يكون دليل كل من فوريّة وجوب الإزالة و حرمة قطع الصلاة دليلا لفظيا، بحيث يشمل إطلاق كل منهما مفروض المقام و هو العلم بالنجاسة أثناء الصلاة، فلا محالة يقع التزاحم بين الحكمين في مقام الامتثال، لأنّ المفروض عدم إمكان الجمع بين الامتثالين و التطهير حال الصلاة، إمّا لاستلزامه الاستدبار، أو لكونه فعلا كثيرا منافيا للصلاة. و قد ادّعى ذلك في دليل الفوريّة، بدعوى: أنّ دليل الفوريّة هو نفس دليل وجوب الإزالة، لأنّ مرجع وجوبها إلى النهي عن وجود النجاسة في المسجد بنحو الطبيعة السارية التي لا فرق فيها بين زمان و آخر، فإذا كان دليل الإزالة شاملا‌

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «و الأقوى وجوب الإتمام.»- (بل الأقوى هو التخيير بين الأمرين).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 65‌

..........

______________________________
للمقام كان دليلا على الفورية أيضا.

و هذا الوجه و إن ذكره بعض في المقام، إلّا أنّك ستعرف ضعفه. و كيف كان فلو كان دليل حرمة قطع الصلاة أيضا لفظيا و كان له إطلاق- كما قيل- لقوله عليه السّلام في الصلاة: «تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» «1»، بدعوى:

إرادة الحرمة و الحلية التكليفيّتين، فبالتكبير يحرم فعل قواطع الصلاة- كالاستدبار، و التكلّم، و القهقهة و البكاء، و نحو ذلك كإزالة النجاسة عن المسجد- و بالتسليم يحلّ جميع ذلك، فتقع المزاحمة بين إطلاق دليل حرمة قطع الصلاة و دليل فورية وجوب الإزالة، فلا بدّ من إعمال قواعدها، من تقديم الأهم أو ما يحتمل أهميّته لو كان، و إلّا فمع احتمال التساوي أو أهميّة كل منهما- كما في المقام- يتخيّر المصلي بين القطع و الإزالة أو الإتمام ثم الإزالة، إما بالالتزام بالترتب في كل من الحكمين- بناء على إمكانه- فيقيد كل منهما بعدم امتثال الآخر، بحيث يكون كل من وجوب الإزالة و حرمة قطع الصلاة مشروطا بترك الآخر، و إما بالالتزام بالوجوب التخييري الشرعي بين القطع و الإتمام، بناء على استحالة الترتب.

و الثمرة بين الوجهين تظهر في تعدد العقاب و عدمه، فعلى القول بإمكان الترتب لا بدّ من الالتزام بتعدد العقاب لو عصى كلا الحكمين- بأنّ قطع الصلاة و لم يطهّر المسجد- لفعليّة كل منها بفعليّة شرطه و هو عدم امتثال الآخر، فيكون تاركا لواجب- و هو تطهير المسجد- و مرتكبا لحرام- و هو قطع الصلاة- مع فعليّة كل منهما، و إن شئت فقل: إنّ هناك واجبين مشروطين، إتمام الصلاة، و تطهير المسجد و قد تحقق شرط كل منهما بعصيان‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 715 في الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، الحديث: 10 و ص 1003 في الباب 1 من أبواب التسليم. الحديث: 1، 8 و غيرهما من نفس الباب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 66‌

..........

______________________________
الآخر، فيعاقب على عصيان كل منهما. و هذا بخلاف ما إذا لم نقل بالترتب و التزمنا بالوجوب التخييري بينهما، فإنّه لا عقاب إلا على ترك أحدهما.

الثانية: أن يكون دليل كل من الحكمين لبيّا- أعني به الإجماع- كما هو الأظهر، لما ستعرف من المناقشة في الأدلة اللفظيّة و عليه يتخيّر المصلّي بين القطع و الإتمام، لأنّ القدر المتيقن من الإجماع هو صورة عدم المزاحمة لعدم تعين أحدهما لا شرعا و لا عقلا. و هذا هو الأقوى عندنا كما سنبيّن.

الثالثة: أن يفرض دليل فوريّة الإزالة لفظيا و دليل حرمة قطع الصلاة لبيّا، و فيها لا بدّ من تقديم الإزالة للإطلاق من دون مزاحم، لأنّ القدر المتيقن من الإجماع على حرمة القطع هو غير صورة الابتلاء بالإزالة.

الرابعة: عكس الثالثة، فينعكس الحكم لا محالة و يحرم قطع الصلاة، فلا بدّ من الإتمام ثم الإزالة.

و قضيّة التحقيق: هي الصورة الثانية، و لازمها التخيير بين القطع و الإتمام، لأنّ القدر المتيقن من الإجماع على كل من الحكمين إنّما هو فيما إذا لم يكن تزاحم في البين، و ذلك لعدم وجود دليل لفظي يمكن الاعتماد على إطلاقه في شي‌ء منهما.

أما دليل فوريّة الإزالة فقد عرفت أنّ عمدة الدليل فيها إنّما هي الروايات الدالة على جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد طمّه، و هي لا تدل على أكثر من الفوريّة العرفيّة التي لا تنافي إتمام الصلاة و نحوها، مما يشتغل به المكلف من تتميم أكل لقمة أو شرب جرعة ماء أو نحوهما، مما لا ينافي الاشتغال به للفوريّة في نظر العرف. و نحوها صحيحة علي بن جعفر المتقدمة لو تمت دلالتها.

و مما ذكر يعلم الحال في بقيّة الأدلة اللفظية من الآيات و الروايات‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 67‌

..........

______________________________
المتقدمة
«1» فإنّ الأمر بتطهير البيت في قوله تعالى وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ. و كذا النهي عن قرب المشركين للمسجد الحرام في قوله تعالى فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ أو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» لا يدل شي‌ء منها على الفورية العقليّة المنافية لإتمام الصلاة، و إن رجعت إلى النهي عن وجود النجاسة في المسجد على نحو الطبيعة السارية التي لا فرق فيها بين زمان و آخر، فإنّ إطلاقها منزل على الفهم العرفي كما في سائر الواجبات الفوريّة. هذا مضافا إلى ما سبق من منع دلالتها على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد.

و أما دليل حرمة قطع الصلاة فليس إلّا الإجماع، و القدر المتيقن منه غير صورة ابتلاء الصلاة بالإزالة. و أما ما ورد من أنّ: «تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» «2» فالمراد به الحرمة و الحلية الوضعيّتين لا التكليفيّتين- بمعنى مانعيّة مثل الكلام و القهقهة للصلاة بعد التكبير و عدمها بعد التسليم- بشهادة شمول إطلاق تلك الروايات للصلاة المندوبة، مع أنّه لا إشكال في جواز قطع النافلة و من هنا ورد في بعض تلك الروايات «3» من «أنّ مفتاح الصلاة التكبير» أو أنّها «يفتتح بالتكبير و يختم بالتسليم» الظاهرة في الحكم الوضعي. و نتيجة ما ذكر هو التخيير بين القطع و الإتمام كما أشرنا في التعليقة، لعدم إطلاق في البين في شي‌ء من الحكمين.

ثم إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين سبق وجوب الإزالة على الصلاة و عدمه، إذ لا أثر لاستصحابه- لو فرض مزاحمته بوجوب إتمام الصلاة مع‌

______________________________
(1) في الصفحة: 38- 43.

(2) تقدمت الإشارة إلى مصادرها في ص 65.

(3) في الباب المتقدم من تكبيرة الإحرام، الحديث 7، و في الباب المتقدم من التسليم، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 68‌

[ (مسألة 6): إذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا]

(مسألة 6): إذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا (1) بما يوجب تلويثه، بل و كذا مع عدم التلويث إذا كانت الثانية أشد و أغلظ من الأولى، و إلّا ففي تحريمه تأمل بل منع إذا لم يستلزم تنجيس ما يجاوره من الموضع الطاهر، لكنّه أحوط.

______________________________
فرض التساوي في الأهميّة أو أهميّة أحدهما دون الآخر- للزوم إجراء قواعد التزاحم بقاء، فلا بدّ من ملاحظة الأهم و إلّا فيتخير. و كذا الحال في العكس، كما لو حدثت النجاسة في الأثناء. فيما ذكرنا يظهر بطلان الوجه الثالث، كما ظهر بطلان الوجه الأوّل و الثاني.

هذا كله بلحاظ الحكم التكليفي، و أما بلحاظ الحكم الوضعي فتصح صلاته على كل تقدير، أما بناء على عدم فوريّة الإزالة فالأمر واضح. و أما بناء على فوريتها و لزوم تقديمها على الصلاة فلا يترتب على تأخيرها سوي الإثم، لصحة الصلاة بالأمر المتعلق بالطبيعة في سعة الوقت. و بالأمر الترتبي في الضيق، كما تقدم في المسألة السابقة.

(1) ذكر المصنف «قده» في هذه المسألة صورا لتنجيس المسجد المتنجس:

الأولى: أن يكون التنجيس الثاني موجبا لتلويث المسجد و إن لم يستلزم اتساعا في النجاسة و لا شدة فيها، كما إذا كان متنجسا بالبول فلوثه بالعذرة الرطبة و هي محرمة لاستلزامها الهتك.

الثانية: أن يكون التنجيس الثاني مستلزما لشدة النجاسة- كما إذا كان الموضع متنجسا بالدم فنجّسه بالبول- للزوم تعدد الغسل في الثاني دون الأوّل- بناء على اعتبار التعدد في مطلق المتنجس بالبول- و هذه أيضا محرمة، لمبغوضيّة نجاسة المسجد بجميع مراتبها، فإنّا و إن أحلنا تنجيس المتنجس ثانيا، لأنّ النجاسة من الأحكام الاعتبارية، و هي لا تقبل التعدد‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 69‌

[ (مسألة 7): لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز]

(مسألة 7): لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز، بل وجب (1)، و كذا لو توقف على تخريب شي‌ء منه. و لا يجب طمّ الحفر و تعمير الخراب. نعم لو كان مثل الأجر مما يمكن ردّه بعد التطهير وجب.

______________________________
في محل واحد، لدوران أمرها بين الوجود و العدم، إلّا أنّه لا محذور في الالتزام بشدّة المعتبر، بأنّ يعتبر المولى نجاسة شديدة و كثافة مغلّظة، كما يدل على ذلك ما في بعض الروايات، من قوله عليه السّلام: «إن اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و إنّ النّاصب لنا أهل البيت لأنجس منه»
«1»، فإنّه يدل على شدّة في المعتبر لا في نفس الاعتبار، فيعتبر نجاسة مغلّظة.

الثالثة: ما لو استلزم ذلك تنجيس ما يجاوره من الموضع الطاهر و هذه أيضا محرمة، لصدق تنجيس المسجد في المقدار الزائد.

الرابعة: ما إذا لم يستلزم التنجيس الثاني شيئا مما ذكر من التلويث أو الشدّة أو الاتساع في النجاسة. و هذه الصورة غير محرمة، لعدم صدق التنجيس، لأنّ المتنجس لا يتنجس ثانيا، كما سبق. و إن كان الاحتياط حسنا على كل حال.

(1) تعرض المصنف «قده» في هذه المسألة لفروع ثلاثة:

الأوّل: لو توقف تطهير المسجد على تخريبه أو حفر أرضه فهل يجب ذلك أو لا؟ ذكر «قده» في المتن: إنّه يجوز الحفر أو التخريب بل يجب.

أقول: إذا كان الحفر أو التخريب غير مانعين عن الانتفاع بالمسجد و الصلاة و العبادة فيه- كتقشير حائطه و إزالة الجص الظاهر، أو حفر مقدار يسير من أرضه و نحو ذلك- فلا ينبغي الإشكال في جوازه بل وجوبه، لإطلاق ما دل على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد الشامل لمثل ذلك. و‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 1 ص 159 في الباب: 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 70‌

..........

______________________________
أما إذا كان التخريب أو الحفر مانعين عن الانتفاع بالمسجد- لتخريب حيطانه أو سقفه، أو حفر أرضه بمقدار لا يمكن الصلاة فيه- فيشكل الوجوب بل الجواز. أما إذا كان مستند وجوب الإزالة هو الإجماع فلأنّ القدر المتيقن منه غير هذه الصورة، أعني الصورة المتوقفة على التخريب المنافي للعبادة. و أما إذا كان مستنده الأدلة اللفظية- من الآيات و الروايات المتقدمة
«1» على تقدير تمامية دلالتها- فيكون المقام من صغريات باب التزاحم لوقوع المزاحمة بين وجوب الإزالة و حرمة الإضرار بالمسجد، و لا بدّ من تقديم الأهم أو ما يحتمل أهميّته. و الإضرار بالمساجد على الوجه المذكور إن لم يقطع بأهميّته فلا أقل من احتمالها، فلا يجوز التخريب أو الحفر على النحو المنافي للانتفاع بالمسجد و إن بقي على النجاسة.

الفرع الثاني: هل يجب طمّ الحفر و تعمير الخراب في صورة الجواز أو لا؟ قال في المتن: لا يجب. و هو الصحيح، لا لما قيل من عدم شمول قاعدة الضمان بالإتلاف إذا كان لمصلحة ذي المال، و في المقام إنّما يكون الإتلاف لمصلحة المسجد فلا ضمان على المتلف إذ يدفعه إنّه لم تثبت كبرى عدم الضمان لو كان الإتلاف لمصلحة ذي المال، لأنّ إتلاف المال قد يوجب الضمان و إن كان الإتلاف لمصلحة صاحبه، و ذلك كما إذا توقف إنجاء نفس محترمة من الحرق- مثلا- على تخريب داره، فإنّه لو لم يكن بإذنه، أو إذن الحاكم أو عدول المؤمنين حسبة- حيث أنّها من الأمور الحسبيّة التي يعلم برضاء الشارع بأمثالها- لكان موجبا للضمان، و القول بعدمه بدون الإذن مطلقا في غاية الإشكال.

______________________________
(1) في الصفحة: 38- 43.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 71‌

..........

______________________________
بل الوجه في عدم الضمان هو عدم كون المسجد من الأموال، بل ليس هو من قبيل باقي الموقوفات- كالوقف على الذريّة و الطلّاب و نحوهما- لأنّ وقف المسجد عبارة عن فكه عن الملك كفك الرقبة عن الملكية بالتحرير، و لا ضمان في غير الأموال فلا يشمله ما دل على أنّ إتلاف مال الغير يوجب الضمان. نعم لا ينبغي الإشكال في ضمان ما كان وقفا للمسجد من الآلات و الفرش و الحصر و الدكاكين و نحو ذلك، لأنّها إما ملك للمسلمين- بلحاظ إنّ الوقف يكون لانتفاعهم بها في المساجد، فتكون ملكا لهم لا يجوز لهم بيعها و لا غيره من التصرفات المنافية للوقف عليهم- أو ملك للمسجد من باب الوقف على الجهة، و إن كان الأوّل أقرب إلى الأذهان في خصوص المقام، لتعلق حاجتهم بها دون نفس المسجد.

و كيف كان فإتلافها يوجب الضمان، لأنّها إما ملك للمسلمين أو للمسجد، فلو هدم الدكان الموقوف على المسجد- مثلا- وجب تعميره بخلاف تخريب نفس المسجد، لشمول قاعدة الضمان بالإتلاف للأوّل دون الثاني.

الفرع الثالث: لو أخرج مثل الآجر خارج المسجد لغرض التطهير وجب ردّه- كما في المتن- لأنّه إمّا جزء للمسجد، أو وقف له، أو للمسلمين كما في مثل الفرش و نحوه، و على أيّ تقدير لا يجوز التصرف فيه في غير جهة المسجد، فيجب ردّه إليه عملا بالوقف. و من هنا يحرم التصرف في مثل الآجر و الحديد و غيرهما من أجزاء المسجد بعد خرابه، لبقائها على الوقفيّة بعد الخراب و عدم صيرورتها من المباحات الأصلية، فيجب إما صرفها في ذاك المسجد مع الحاجة، و إلّا فيصرف في مسجد آخر، تحفظا على ما هو الأقرب بغرض الواقف.

و مما ذكرنا ظهر عدم الحاجة إلى الاستدلال لوجوب الردّ برواية‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 72‌

[ (مسألة 8): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره]

(مسألة 8): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره (1) أو قطع موضع النجس منه، إذا كان ذلك أصلح من إخراجه و تطهيره، كما هو الغالب.

______________________________
معاوية
«1» الآمرة برد الحصاة أو التراب المأخوذ من البيت الشريف كي يورد عليها: بأنّ موردها الأخذ المحرّم بخلاف المقام، فإنّه للتطهير الواجب، لأنّ وجوب الرد إنّما هو على القاعدة من دون حاجة إلى التمسك فيه برواية خاصة.

(1) تطهير حصير المسجد و فرشه يقع الكلام فيه من جهتين، الأولى: في وجوب تطهير حصير المسجد أو فرشه أو غيرهما من آلاته و توابعه- كالمنبر و نحوه- لو تنجس.

المحكي عن كثير من الأصحاب القول بالوجوب، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليه و كذا في المحكي عن المدارك «2».

و الصحيح عدم وجوب التطهير لو لم يستلزم الهتك. و ذلك لعدم وجود دليل- بالخصوص- في توابع المسجد، و عدم شمول ما دل على وجوب تطهير نفس المسجد لتوابعه. أما الآية الكريمة و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «3» فإن تمت دلالتها فلا تدل على أكثر من المنع عن قرب المسجد نفسه. هذا مضافا إلى اختصاص منعها‌

______________________________
(1) عن معاوية بن عمار: «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي أخذت سكّا من سكّ المقام، و ترابا من تراب البيت، و سبع حصيات. فقال: بئس ما صنعت، أما التراب و الحصي فردّه». وسائل الشيعة ج 3 ص 506 في الباب: 26 من أبواب أحكام المساجد، الحديث: 2.

(2) كما في الجواهر ج 6 ص 97.

(3) التوبة 9: 28.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 73‌

..........

______________________________
بالمشركين دون سائر النجاسات، فضلا عن المتنجسات لمّا ذكرنا من إرادة المعنى الحدثي من النجس فيها، و لا بدّ في إطلاقه على الذات من عناية خاصة كشدّة النجاسة، و لا عناية إلّا في المشركين دون سائر النجاسات فضلا عن المتنجسات.

و من ذلك يظهر الجواب عن النبوي: «جنبوا مساجدكم النجاسة» «1» فإنّ المأمور به فيه تجنب نفس المساجد. و لو سلّم العموم للتوابع لكفى في عدم الاعتماد عليه ضعف سنده. كما أنّه لو سلّم عموم المنع في الآية الكريمة لها لاختص ذلك بالمشركين.

و مما ذكرنا يعلم الحال في بقيّة الروايات، كصحيحة عليّ بن جعفر، و روايات اتخاذ الكنيف مسجدا بعد طمّه بالتراب المتقدمة «2» لاختصاص جميعها بالمسجد نفسه.

و لو كان المدرك في الحكم هو الإجماع فالقدر المتيقن منه أيضا ذلك، و لم يثبت إجماع في التوابع، و لا اعتماد على المنقول منه لو ثبت النقل «3».

هذا كله في وجوب التطهير، و قد تحصل: إنّه لا دليل عليه، فعليه لا مانع من ترك التطهير لو لم يكن بقاء النجس هتكا للمسجد. نعم يحرم تنجيس حصير المسجد و فرشه لمنافاته لجهة الوقف، و هي الانتفاع بها للصلاة و سائر العبادات. فإنّ التنجيس ينافيها و يعدّ تصرفا مخالفا لها و‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 504 في الباب 24 من أبواب أحكام المساجد. الحديث: 2.

(2) في الصفحة: 44.

(3) إشارة إلى ما في الجواهر ج 6 ص 97: من دعوى أشعار عبارة مجمع البرهان و المدارك بالإجماع على وجوب تطهير توابع المسجد من الحصر و الفرش و نحوهما، لا النقل الصريح. فراجع.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 74‌

[ (مسألة 9): إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع]

(مسألة 9): إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع كما إذا كان الجص الذي عمر به نجسا، أو كان المباشر للبناء كافرا- فإن وجد متبرع بالتعمير بعد الخراب جاز، و إلّا فمشكل (1).

______________________________
يلحق بها ظاهر المنبر دون باطنه. و أما سائر آلات المسجد- كالقناديل، و الأسلاك الكهربائية، و غيرها مما لم توقف لأجل العبادة- فلا مانع من تنجيسها، لعدم منافاة ذلك مع الوقف.

الجهة الثانية: في أنّه بعد البناء على وجوب التطهير، فهل يجب إخراج الفرش من المسجد و التطهير خارجه ثمّ ردّه إليه أو يقطع موضع النجس منه؟ و الصحيح أن يقال: إنّه يدور الحكم في ذلك مدار الأصلح، و لا ضابطة كلية له في المقام، فإن كان القطع أصلح تعيّن، كما إذا كان الحصير- مثلا- كبيرا بمقدار المسجد، و استلزم إخراجه- لأجل تطهير قصبة منه مثلا- تمزيقه بل تلفه، كما هو الغالب، لزم قطع القطعة المتنجسة تحفظا على الباقي من التلف.

و إن كان التطهير خارج المسجد أصلح بحال الوقف لزم ذلك، كما إذا كان المتنجس فرشا ثمينا- كالسّجاد القاشاني و نحوه- فإنّه لا بدّ من إخراجه لعدم محذور فيه، بل قطع المتنجس من مثله يؤدّي إلى إتلافه و سقوطه عن القيمة، و لا يجوز القطع حينئذ، بل يتعين التطهير خارج المسجد ثمّ الرد إليه أو في المسجد إذا أمكن ذلك من دون استلزامه تنجيس المسجد.

(1) إذا توقف تطهير المسجد على خرابه و إعدام موضوعه- كما إذا كان الجص الذي عمّر به نجسا- فهل يجوز ذلك أو لا؟ فصّل المصنف «قده» بين وجدان المتبرع للبناء ثانيا فيجوز و عدمه فلا يجوز، لتوقف التطهير على إعدام الموضوع، و لم يثبت عموم أدلته له.

أقول: الصحيح عدم الجواز في كلتا الصورتين. و ذلك لعدم شمول أدلة التطهير لمثل ذلك كما لعله هو منشأ إشكال المصنف «قده» في صورة عدم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 75‌

[ (مسألة 10): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا]

(مسألة 10): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا (1) و إن لم يصلّ فيه أحد، و يجب تطهيره إذا تنجس.

______________________________
وجود المتبرع لتجديد البناء، كيف و هو إعدام للموضوع؟ و ملاك التطهير هو التعظيم و الاحترام و لا تعظيم في الخراب المطلق. بل قد عرفت
«1» عدم جواز التخريب لو كان منافيا للانتفاع بالمسجد و إضرارا به.

و الحاصل: إنّ تخريب المسجد ينافي جهة الوقف و هي الانتفاع به في العبادات، و أدلة وجوب التطهير لا يعمّ مثله. و لهذا أمر متين، إلّا أنّه لا يختص بعدم وجدان المتبرع بل يأتي حتّى فيما إذا وجد متبرع لتجديد البناء أيضا، فإنّ وجود المتبرع للبناء لا يجوّز التخريب المنافي للوقف، و إلّا لجاز تخريب المسجد و إن لم يكن محتاجا إلى التطهير. فالتخريب حرام على كل حال، و تجديد البناء لا يرفع الحرمة السابقة. و من هنا أشرنا في التعليقة «2» إلى أنّه لا فرق في الإشكال بين وجود المتبرع و عدمه.

(1) خراب المسجد يكون على نحوين، أحدهما: ما يوجب تغير عنوان المسجد عرفا، كما إذا غصبه غاصب و جعله دارا أو حماما أو نحو ذلك، أو صار جزءا من الشارع العام- مثلا- بحيث لا يصدق عليه عنوان المسجد بالفعل و إن صدق عليه ذلك فيما سبق، و أما الآن فهو دار أو حمام أو شارع. و سيأتي البحث عن حكم هذه الصورة في ذيل: (المسألة 13) تبعا للمصنف «قده».

ثانيهما: ما لا يوجب تغير عنوان المسجد لبقاء الصدق، غايته أنّه مسجد خراب لوقوع حيطانه- مثلا- و نحو ذلك، كدار خربة، أو حمام خراب. و هذه الصورة هي الّتي أشار إليها في هذه المسألة. و لا ينبغي‌

______________________________
(1) في ذيل (مسألة 7).

(2) في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»: «و إلّا فمشكل» (لا فرق في الإشكال بين وجود المتبرع و عدمه).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 76‌

[ (مسألة 11) إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة]

(مسألة 11) إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك (1)، كما إذا أراد تطهيره بصب الماء و استلزم ما ذكر.

[ (مسألة 12): إذا توقف التطهير على بذل مال وجب، و هل يضمن من صار سببا للتنجس؟]

(مسألة 12): إذا توقف التطهير على بذل مال وجب، و هل يضمن من صار سببا للتنجس؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوة (2).

______________________________
الإشكال في ترتب جميع آثار المسجدية عليه- و منها حرمة التنجيس، و وجوب التطهير- لعموم الأدلة السابقة، فإنّها لا تختص بالمسجد العامر.

(1) إذا توقف تطهير المسجد على تنجيس بعض المواضع الطاهرة، كما إذا توقف تطهيره على إصابة الغسالة- بناء على نجاسة الأولى منها- للموضع الطاهر المجاور للنجس، أو توقف على صب الماء لإزالة العين، لا مانع منه ان أمكن إزالته بعد ذلك، بل يجب. أمّا أولا فلقصور أدلّة حرمة التنجيس عن شمولها للمقام، لانصرافها عما إذا كان التنجيس بلحاظ التعظيم مقدمة لتطهير الموضع النجس، مع فرض إمكان تطهير الجميع.

و أما ثانيا فلوقوع التزاحم بين حرمة تنجيس الزائد- بناء على شمولها للمقام- و بين وجوب تطهير الموضع النجس و إن استلزم تنجيس الزائد آنا، و لا بدّ من ترجيح الثاني لأنه أقل محذورا من الأوّل، و ذلك لدوران الأمر بين بقاء المسجد على النجاسة إلى الأبد و بين تنجيس الزائد مدة قليلة ثمّ تطهير الجميع، و لا شبهة في أنّ الثاني أولى بالتعظيم الّذي هو ملاك الحكم في المقام.

(2) يقع الكلام في هذه المسألة في جهتين أشار إليهما في المتن، الأولى في وجوب صرف المال إذا توقف تطهير المسجد عليه، كما لو توقف على شراء ماء أو أجرة أجير للغسل و نحو ذلك، فهل يجب بذله مقدمة للواجب و إن كان التنجيس بفعل من لا ضمان عليه كالحيوان أو لا؟ الثانية في ضمان من‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 77‌

..........

______________________________
صار سببا للتنجس إن كان ممن يصح ضمانه كالفاعل المختار.

أما الأولى: فتوضيح الحال فيها بأنّ يقال: لو كان للمسجد أموال موقوفة يصح صرفها في تطهيره- كالأموال الموقوفة لمطلق مصالحه- لزم صرفها فيه و إن كان المال كثيرا، مقدمة للواجب. و أما إذا لم تكن له موقوفة يجوز صرفها في التطهير وجب ذلك على المكلفين مقدمة للواجب عليهم. نعم إذا كان الصرف ضرريا أو حرجيا عليهم سقط الوجوب عنهم، لحكومة أدلتهما على مطلق الأحكام الإلزامية و لا سيّما إذا كان مستند الحكم في المقام الإجماع، فإنّ القدر المتيقن منه غير صورة استلزامه الضرر أو الحرج.

نعم لا بدّ من ملاحظة الضرر أو الحرج الشخصين- كما قرّرنا في محلّه- فيختلف الحال باختلاف الأشخاص، إذ قد يكون بذل دينار- مثلا- بالنسبة إلى شخص ضررا أو حرجا دون آخر فيسقط الوجوب عن الأوّل دون الثاني، لأنّه من الواجب الكفائي الذي لا يسقط بعجز بعض المكلفين. و في فرض الضرر أو الحرج على الجميع أو البعض لا يجب تحملهما، لأنّ الواجب إنّما هو التطهير دون بذل المال لأجله.

فيكون المقام نظير ما ذكره جمع من الأصحاب، من أنّه إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن، و لم يكن من يجب عليه نفقته متمكنا من بذله لم يجب بذل الكفن على المسلمين، فيدفن عاريا، و إذا كان هناك من الزكاة من سهم سبيل اللّه صرف فيه معلّلين ذلك: بأنّ الواجب الكفائي هو التكفين لا إعطاء الكفن. و هذا الحكم و إن كان قد يشكل عليه: بأنّه إذا وجب التكفين وجب بذل الكفن أيضا مقدمة للواجب. إلّا أنّه لا يدفعه سوى حكومة قاعدة نفي الضرر على وجوب التكفين أو سائر تجهيزات الميّت من الغسل و الدفن،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 78‌

..........

______________________________
لو استلزم صرف المال و لم يكن متبرع و سيأتي الكلام في ذلك في محلّه
«1» و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في سقوط وجوب تطهير المسجد إذا توقف على بذل مال ضرري أو حرجي، إذ ليس ذلك بأولى من وجوب تجهيز الميّت و كفنه لاهتمام الشارع بشأن الميت المؤمن أزيد من غيره.

و أمّا الجهة الثانية- و هي في ضمان من صار سببا لنجاسة المسجد- فلا بدّ من التكلم فيها أوّلا: في ضمان مؤنة تطهير ملك الغير لو صار سببا لنجاسته كي يتضح الحال في ضمان مؤنة تطهير المسجد. فنقول: الظاهر عدم الضمان على المسبب، و ذلك لاختصاص أدلته بالإتلاف، و إن عم إتلاف الوصف- سواء أ كان وصف صحة أم وصف كمال- فإنّه مضمون على المتلف، إلّا أنّه يضمن التفاوت بين الصحيح و المعيب أو بين الكامل و الناقص، دون إعادة وصف الصحة أو الكمال. فلو غصب دابّة الغير- مثلا- و هزل عنده ضمن التفاوت بين قيمة السّمين و الهازل، و أمّا مؤنة إعادتها سمينة فلا دليل على ضمانها. و عليه فلو نجّس مال الغير ضمن النقص الحاصل فيه بالنجاسة.

بل قد يعدّ النجس تالفا، كما في الحليب المتنجس، فإنّ المطلوب منه ليس إلّا الشرب، و لا يجوز شرب الحليب النجس، فيضمن حينئذ قيمة أصل الحليب.

و الحاصل: أنّ المضمون إنّما هو التالف- عينا كان أو وصفا- دون مؤنة إعادة الوصف الزائل. و لا يخفى وضوح الفرق بين ضمان الوصف التالف و ضمان مؤنة إعادته، إذ قد يتساويان و قد يزيد أحدهما على الآخر، فلو نجّس فروة الغير- مثلا- ضمن التفاوت بين قيمة الفروة الطاهرة و النجسة دون أجرة تطهيرها و إعادتها إلى ما كانت هي عليه فإنّ التفاوت‌

______________________________
(1) سيأتي التعرض لهذه المسألة في فصل تكفين الميت (مسألة 22).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 79‌

[ (مسألة 13): إذا تغيّر عنوان المسجد بأن غصب و جعل دارا، أو صار خرابا]

(مسألة 13): إذا تغيّر عنوان المسجد- بأن غصب و جعل دارا، أو صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه- و قلنا بجواز جعله مكانا للزرع ففي جواز تنجيسه و عدم وجوب تطهيره- كما قيل- إشكال، و الأظهر عدم جواز الأوّل، بل وجوب الثاني أيضا (1).

______________________________
بين القيمتين تكون أقل من مؤنة التطهير و الدباغة و سائر العمليات المحتاج إليها في مثل الفروة حتى تعود إلى حالتها السّابقة، إذ تزيد تلك بكثير على التفاوت بين القيمتين.

هذا كله في الأموال الشخصيّة و أمّا في غيرها مما لا يكون ملكا لأحد- كالمسجد- فعدم ضمان مؤنة التطهير فيه أظهر، إذ لا ضمان في تخريبه أو حفر أرضه- كما عرفت- فضلا عن ضمان مؤنة تطهيره. و ذلك لعدم كونه ملكا لأحد، لأنّ وقفه إنّما هو تحريره عن الملكية- كما ذكرنا- خلافا لبقيّة الأوقاف التي هي بمعنى ملك غير طلق الموجب للضمان فيها أيضا- دون المسجد- عينا أو وصفا. فتحصل: إنّ من صار سببا لنجاسة المسجد لا يضمن مؤنة تطهيره و إن فعل حراما، و وجب عليه و على غيره كفاية تطهيره.

(1) حكم تغيّر عنوان المسجد لو غصب أحد مسجدا و غيّر عنوانه، كما إذا هدّمه و جعله دارا أو مقهي أو نحو ذلك، أو صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه، كما إذا مرّ عليه الشارع العامّ فصار جزء منه بحيث زال عنه عنوان المسجديّة فلا يقال له بالفعل أنّه مسجد، بل كان مسجدا في زمان و الآن هو دار أو مقهى أو شارع و نحو ذلك، فهل يبقى له أحكام المسجد- كحرمة التنجيس، و وجوب التطهير، و حرمة مكث الجنب و الحائض و نحو ذلك- أو لا؟ استظهر المصنف «قده» بقائها، كما و التزم في المقام بحرمة التنجيس، بل‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 80‌

..........

______________________________
وجوب التطهير أيضا.

أقول: التحقيق عدم بقاء تلك الأحكام، فلا يحرم تنجيسه، كما لا يجب تطهيره. لا لبطلان الوقف، بل لعدم شمول الأدلة اللفظية للمسجد المتغيّر عنوانه و عدم جريان استصحاب الأحكام السابقة.

توضيح ذلك: أما عدم بطلان الوقف فلعدم الموجب له مع بقاء الموضوع، فإنّ وقف المسجد إنّما هو تحرير أرضه و ما يتبعها من الأبنية و الآلات عن الملكية- كما ذكرنا- فلو صار خرابا أو تغيّر عنوانه و بنى دارا- مثلا- كانت أرضه باقية فتبقى على ما كانت عليه من الوقفيّة بالمعنى المذكور لبقاء موضوعها، و مجرد خراب أبنية المسجد لا يقتضي بطلان الوقفيّة و عود الملكية السابقة، و إلى من تعود؟ و من يملكه بعد تحرره؟ و من هنا لم يجز تملك آلاته- كالحديد، و الآجر، و نحوهما- بالخراب، لبقائها على الوقفيّة السابقة.

كما لا يحتاج إلى تجديد صيغة الوقف لو رفع الغاصب يده عنه و أعاده على ما كان عليه، و ذلك لأجل أن الغصبيّة إنّما أوجبت تغيّر عنوان المسجد دون الوقفية.

و أما عدم شمول الأدلة اللفظية- كالآية الكريمة، و الروايات- فلأنّ موضوعها المسجد، و قد زال هذا العنوان فرضا و صار دارا أو طريقا أو نحو ذلك، فلا يشمله ما دل على ثبوت أحكام المسجد. و زوال عنوان المسجدية لا ينافي بقاء الوقفيّة، لأنّها أخص منها، و موضوع الأحكام المذكورة إنّما هي الأولى دون الثانية.

و مع التنزل و الشك في شمولها لما كان مسجدا سابقا و إن لم يكن مسجدا بالفعل لم يمكن التمسك بها أيضا، لأنّه من التمسك بالعام المردد مفهومه بين الأقل و الأكثر، و في مثله لا إطلاق يمكن الاستناد إليه، فتصل النوبة إلى‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 81‌

..........

______________________________
الأصول العملية، فإنّ قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية- كما هو المشهور- من دون فرق بين التنجيزي و التعليقي كما عليه المصنف «قده» و غيره ثبت الحكمان أما حرمة التنجيس فلكونه من استصحاب الحكم المنجز لفعليتها بفعلية موضوعها، و هو المكان المخصوص.

و أما وجوب التطهير فلأنّه من استصحاب الحكم التعليقي، إذ لو تنجس سابقا وجب تطهيره و الآن كما كان. و عليه يبتني حكم المصنف «قده» بحرمة التنجيس و وجوب التطهير معا.

و إن منعنا عن جريان الاستصحاب التعليقي- كما عليه شيخنا الأستاذ «قده»- فلا بدّ من التفصيل بين الحكمين، فيلتزم بحرمة التنجيس دون وجوب التطهير. و على ذلك يبتني تفصيله بينهما في تعليقته المباركة، لأنّ استصحاب وجوب التطهير تعليقي بخلاف حرمة التنجيس.

و إن منعنا عن جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة مطلقا التعليقي منها و التنجيزي فلا يجري استصحاب شي‌ء من الحكمين، فلا يحرم التنجيس فضلا عن وجوب التطهير. و من هنا أشرنا في التعليقة إلى ذلك و قلنا: إنّ الأحوط عدم جواز التنجيس، و الأظهر عدم وجوب التطهير، خروجا عن خلاف المشهور القائلين بحرمة التنجيس، و إلّا فلا دليل على الحرمة.

بقي أمران. أحدهما: أنّ ظاهر المصنف «قده» تعليق جواز التنجيس و عدم وجوب التطهير على القول بجواز جعل المسجد الخراب مكانا للزرع، فكأنّه يرى الملازمة بين الأمرين.

قلت: لا ملازمة بينهما، إذ من الجائز التفكيك بين الموردين و الالتزام بأحدهما دون الآخر، و ذلك لابتناء بقاء الحكمين في المقام على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية التعليقي و التنجيزي- كما عرفت- فيدور‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 82‌

[ (مسألة 14): إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد]

(مسألة 14): إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد، فإن أمكنه إزالتها بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها، و إلّا فالظاهر وجوب التأخير إلى ما بعد الغسل، لكن يجب المبادرة إليه حفظا للفورية بقدر الإمكان. و إن لم يكن التطهير إلّا بالمكث جنبا فلا يبعد جوازه، بل وجوبه، و كذا إذا استلزم التأخير إلى أن يغتسل هتك حرمته (1).

______________________________
بقائهما مداره، سواء أ قلنا بجواز الانتفاع بالمسجد الخراب في الزرع أم لا. كما أنّ جواز هذا الانتفاع يدور مدار جواز التصرف في المسجد بما لا ينافي جهة الوقف فيه من العبادات كالصلاة و نحوها، و من الجائز الالتزام به و المنع عن جريان الاستصحابين المذكورين، فلا علاقة بين المسألتين، و لا يبتني إحداهما على الأخرى، كما هو ظاهر.

الأمر الثاني: في أصل جواز جعل المسجد الخراب الساقط عن الانتفاع مزرعة. و الظاهر جوازه، لجواز الانتفاعات غير المنافية للعبادة في الجملة. و ذلك للسيرة القطعية على فعل ما لا يزاحم العبادة فيه- كالأكل، و النوم، و الجلوس فيه للتكلم في أمور شخصية و كنزول المسافرين فيه إذا لم يكن ليزاحم العبادة و نحو ذلك مما قامت السيرة المستمرة على فعله في المساجد- و السّر فيه: هو عدم منافاتها لجهة الوقف. و من ذلك جعل المسجد الخراب الواقع في محل لا تردد فيه مزرعة، لعين الملاك، و هو عدم المزاحمة في هذا الفرض و إن زاحمها في المسجد المعمور الواقع في البلاد المعمورة. نعم لا يجوز جعل المسجد مقهي أو ملعب و نحو ذلك مما لا يناسب عنوان المسجد، أمّا في المساجد المعمورة فللمزاحمة لجهة الوقف، و أمّا في الخربة فللتنافي بين العنوانين بين المسجد و الملعب حسب ارتكاز المتشرعة، و إن كان المسجد من الأوقاف المحررة التي لا يملكها أحد، كما ذكرنا.

(1) إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد فإن أمكنه الإزالة في حال‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 83‌

..........

______________________________
المرور وجبت المبادرة إليها، لتمكنه من امتثال كلا الحكمين، حرمة المكث، و وجوب الإزالة. فإن لم يتمكن من ذلك إلّا مع المكث، أو كان المسجد أحد الحرمين- حيث أنّه يحرم المرور فيها جنبا- فتقع المزاحمة حينئذ بين التكليفين. و لها صور ثلاث أشار إليها في المتن:

الأولى: المزاحمة بين حرمة المكث و وجوب فورية الإزالة دون أصل وجوبها و ذلك فيما إذا كان المكلف متمكنا من الغسل فعلا ثم الإزالة متطهرا، إلّا أنّه تتأخر الإزالة بمقدار زمان الغسل، فالمزاحمة بين وجوب الفورية و حرمة المكث لا بينها و بين وجوب أصل الإزالة، و فيها يجب التأخير إلى ما بعد الغسل، لأنّ دليل الفورية قاصر الشمول لمثلها، فإنّ غايته الفوريّة العرفية- سواء أ كان دليله الإجماع أو الروايات- فيكون الغسل كبقيّة مقدمات الإزالة من إحضار الماء و نحوه، فالاشتغال بالغسل لا ينافي الفوريّة المعتبرة في الإزالة. نعم لا يجوز التأخير بعد الغسل تحفظا على الفورية المعتبرة.

و لا يجوز له التيمم بدلا عن الغسل و الدخول في المسجد متيمما، لعدم مشروعيّته في هذا الحال مع التمكن من الغسل، لعدم وجوب الفوريّة بهذا المقدار حتّى يكون عذرا في ترك الغسل و فاقدا للماء شرعا، فتكون حرمة المكث على الجنب بلا مزاحم، و لا يرفعها التيمم مع التمكن من الغسل.

الصورة الثانية: المزاحمة بين حرمة المكث و وجوب أصل الإزالة، بحيث يدور الأمر بين المكث المحرم أو ترك الإزالة رأسا، و ذلك فيما إذا لم يتمكن المكلف من الغسل في الحال، لفقدان الماء، أو لعذر آخر لا يتمكن من الاغتسال كما إذا فرضنا أنّه رأى نجاسة في مسجد في طريق السفر، و لا يمكث الرفقة بمقدار يتمكن هذا الشخص من الغسل ثم تطهير المسجد، فإذا أراد الإزالة فلا بدّ من المكث في المسجد جنبا- فهل يجب التطهير، أو يجوز ذلك في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 84‌

..........

______________________________
هذه الصورة بمعنى أنّه يتخير بين الأمرين، أو لا؟

لم يستبعد المصنف «قده» القول بالجواز، بل الوجوب، و يبتني ذلك على دعوى أهميّة تطهير المسجد- و لو احتمالا- بالنسبة إلى حرمة المكث فيه جنبا، فيجب، و مع احتمال التساوي يجوز. لأنّ المقام من صغريات توقف الواجب على مقدمة محرمة و يتبع التقديم فيه أهميّة كل من المقدمة و ذيها. و في نظره أنّ ذا المقدمة- و هو تطهير المسجد- أهمّ و لو احتمالا، و لا أقل من تساوى الاحتمال في الطرفين.

أقول: الحكم بجواز التطهير في هذه الصورة- فضلا عن وجوبه- لمن يحرم عليه المكث في المسجد في نفسه ممنوع جدا، كما أشرنا في التعليقة «1».

و ذلك لأنّ الحال بعكس ما ذكرناه في توجيه كلام المصنف «قده» لأهميّة حرمة المكث- و لو احتمالا- بالإضافة إلى وجوب تطهير المسجد، ما لم يستلزم بقاء النجاسة فيه هتكا لحرمته- كما يأتي في الصورة الثالثة- حيث استفدنا أهميّة حرمة المكث جنبا في المسجد من أدلتها، من الروايات «2»، و من قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «3» المفسر في بعضها «4» بالعبور من المساجد، فإنّ المستفاد من جميع ذلك الاهتمام بحرمة‌

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «فلا يبعد جوازه بل وجوبه»-:

«الحكم بجوازه فضلا عن وجوبه لمن يحرم عليه المكث في المسجد في نفسه ممنوع جدا. نعم إذا استلزمت نجاسة المسجد هتكه جاز المكث فيه مقدمة للإزالة، و لزم التيمم حينئذ لها إن أمكن».

(2) لاحظ الروايات المروية في الوسائل: ج 1 ص 484 في الباب: 15 من أبواب الجنابة:

فإنّ المستفاد منها تأكد حرمة المكث جنبا في المسجد.

(3) النساء 4: 43. قال اللّه تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا.

(4) عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قالا: قلنا له: الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا.». الوسائل: ج 1 ص 486 في الباب: 15 من أبواب الجنابة، الحديث: 10.

و في مجمع البيان عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ: أنّ معناه:

لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد و أنتم جنب إلّا مجتازين». الوسائل، الباب المتقدم، الحديث: 20.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 85‌

..........

______________________________
المكث جنبا فهي أهم من وجوب الإزالة و لو احتمالا فيجب تقديمها عليه.

فيكون المقام من توقف الواجب على الحرام الذي هو أهم من ذي المقدمة، أو محتمل الأهميّة، فلا يجوز له الدخول في المسجد.

و مما ذكرنا يظهر عدم جواز التيمم للمكث في المسجد، لعدم ثبوت مشروعيّته في هذا الحال، كما في الصورة الأولى.

الصورة الثالثة: المزاحمة بين حرمة هتك المسجد بوجود النجاسة فيه و حرمة المكث فيه جنبا، و ذلك فيما إذا كانت النجاسة كثيرة بحيث يكون بقائها في المسجد هتكا للحرمة. و في هذه الصورة يجوز المكث بل يجب، لأهميّة حرمة الهتك، لأنّ المسجد من حرمات اللّه تعالى التي أمرنا بتعظيمها و يجب رفع الهتك عنه فورا. فتكون عكس الصورة الثانية، لأنّها من باب توقف الواجب الأهم على مقدمة محرمة، نظير توقف إنقاذ النفس المحترمة على توسط الأرض المغصوبة، أو على المكث في المسجد جنبا، لأنّ وجوب الإزالة بعنوانها الثانوي- أعني كونها رافعة لحرمة الهتك- أهم من حرمة المكث في المسجد جنبا.

و مع التمكن يجب عليه التيمم في هذا الحال، لعدم القدرة على الغسل لمنافاته لفوريّة وجوب الإزالة، فينتقل فرضه إلى التيمم لحرمة المكث في المسجد من غير طهارة مائية و لا ترابية، و يصح تيمّم لغاية الإزالة الواجبة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 86‌

[ (مسألة 15): في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى إشكال]

(مسألة 15): في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى إشكال «1»

______________________________
(1). و أما مساجد المسلمين فلا فرق بين فرقهم.

[ (مسألة 16): إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءا من المسجد]

(مسألة 16): إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءا من المسجد لا يلحقه الحكم، من وجوب التطهير، و حرمة التنجيس (2).

المتوقفة على المكث في المسجد متطهرا و لو بالطهارة الترابيّة مع عدم التمكن من المائيّة و لو لم يتمكن حتى من التيمم جاز له المكث جنبا لأهميّة حرمة هتك المسجد.

(1) حكم تنجيس مساجد اليهود و النصارى لا ينبغي الإشكال في جواز تنجيس مساجد غير المسلمين كاليهود و النصارى، و لا في عدم وجوب إزالة النجاسة عنها. و ذلك لعدم شمول أدلتهما لها، فإنّ الإجماع على الحكمين لا يعم بيع اليهود و كنائس النصارى، كما هو واضح. و مثله في الوضوح عدم شمول الروايات المتقدمة لها، كيف! و مما يقطع به تنجيسهم لمعابدهم بشرب الخمور فيها، أو بصب المياه المتنجسة الملاقية لأبدانهم و غير ذلك فيها، و لا نظنّ بأحد القول بوجوب تطهيرها على المسلمين و لو كانت في بلادهم، كبغداد و بيروت و نحوهما.

نعم لو صارت مساجد للمسلمين بعد أن كانت معابد لهم وجبت إزالة النجاسة عنها و لم يجز تنجيسها بعد ذلك، لأجل طرد عنوان المسجد عليها، لا لكونها معابد للكفار. و هذا ظاهر.

(2) لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، و الوقوف حسبما يقفها أهلها،

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف- «قده»: «إشكال»-: أنّه (لا وجه للإشكال بعد عدم كونها مسجدا).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 87‌

بل و كذا لو شك «1» في ذلك (1)، و إن كان الأحوط اللحوق.

[ (مسألة 17): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين]

(مسألة 17): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين، أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما (2).

[ (مسألة 18): لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا]

(مسألة 18): لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا (3)، و أمّا

______________________________
فلا مانع من وقف بعض المكان مسجدا دون بعض، و الاتصال لا يوجب سراية حكم أحد الموضوعين إلى الآخر، كما هو واضح.

(1) لأصالة البراءة عن وجوب التطهير و حرمة التنجيس، لأنّه من الشبهات الموضوعيّة التي تجري فيها البراءة من دون خلاف بين الأخباريّين و الأصوليّين، فالاحتياط المذكور في المتن استحبابي لحسنه عقلا و شرعا.

هذا إذا لم تكن أمارة على المسجدية كالبيّنة أو إخبار الثقة، أو يد المسلمين على أنّه مسجد، أو شاهد الحال بمعاملتهم معه معاملة المسجد كما هو الغالب، إذ لا يعلم بكون محلّ مسجدا- غالبا- إلّا بنحو ذلك من الأمارات، لا سيما في المساجد القديمة.

(2) للعلم الإجمالي بوجوب تطهير أحدهما، لأنّ العلم بالموضوع يستدعي العلم بالحكم، و مقتضى العلم الإجمالي هو الاحتياط عقلا، كما قرر في محله.

(3) المسجد العام و الخاص لا يخفى: أنّه لا معنى لوقف المسجد لطائفة خاصّة دون غيرها- كوقف الحسينيّات و الوقف على الذرّيّة و غير ذلك من الأوقاف الخاصّة-

______________________________
(1) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «و كذا لو شك»:- (هذا إذا لم يستكشف من ظاهر الحال أو من أمارة أخرى جزئيتها له).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 88‌

المكان الذي أعده للصلاة في داره فلا يلحقه الحكم (1).

______________________________
لأنّ وقف المسجد- كما عرفت
«1»- إنّما هو تحرير عن الملكيّة للّه تعالى كتحرير الرقبة، و من هنا قد ذكرنا أنّه لا ضمان على من قام بتخريبه، إذ ليس ملكا لأحد، و لا لطائفة خاصّة، و لا للمسلمين عامّة، بل هو ملك للّه تعالى و الناس فيه شرع سواء. فإذا لا معنى للمسجد الخاص- كما في المتن- بل جميع المساجد عامّة لعموم المسلمين، و إن كانت قد تضاف إلى طائفة خاصّة بأدنى مناسبة، كمسجد الشيعة أو السنة، أو المدرسة و نحو ذلك. و ليس ذلك إلّا كإضافتها إلى بناتها أو عمّارها أو المصلّين فيها في عدم كونها بلحاظ الموقوف عليهم، بل لمناسبة أخرى، فالمساجد ليست ملكا لأحد بخلاف سائر الأوقاف فإنّها تمليك إما لأشخاص كالوقف على الذريّة، أو لجهة خاصّة كالوقف على المسجد، أو الطلاب، أو نحو ذلك، فيمكن فيه ملاحظة جهة خاصة أو أشخاص مخصوصين. و الحاصل: أنّه لا معنى لتقسيم المساجد إلى العام و الخاص، كما في المتن و لو صح لم يكن فرق بينهما في جميع الأحكام كما أفاد «قده»، لإطلاق الأدلة. إلّا أنّه من قبيل تقسيم الشي‌ء إلى نفسه و إلى غيره، فثبوت الحكم في جميع المساجد مما لا كلام فيه، و إنّما الكلام في أنّها على قسمين أو قسم واحد «2».

(1) لعدم موضوعه، لاختصاص الأدلة بالمسجد بالمعنى المعهود- و هو الخارج عن الملكيّة تحريرا للّه تعالى- فلا تعم المكان المتخذ مصلى في البيت مع بقائه على ملك مالكه، و إن أطلق عليه المسجد لغة. بل في بعض‌

______________________________
(1) في الصفحة: 79.

(2) و من هنا جاء في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «عاما أو خاصّا»-:

(صحة اعتبار الخصوصيّة في المسجد لا تخلو من إشكال).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 89‌

[ (مسألة 19): هل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟]

(مسألة 19): هل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟ الظاهر العدم (1) إذا كان مما لا يوجب الهتك، و إلّا فهو الأحوط.

______________________________
الروايات
«1» جواز اتخاذه كنيفا، و هذا لا يتم مع إرادة المسجد بالمعنى المصطلح.

(1) هل يجب إعلام الغير بنجاسة المسجد إذا لم يتمكن من علم بنجاسة المسجد من تطهيره، فهل يجب عليه إعلام الغير بها أو لا؟ فصّل المصنف «قده» بين صورتي هتك المسجد ببقاء النجاسة فيه و عدمه، فاحتاط في الأوّل بوجوب الإعلام، و استظهر عدم الوجوب في الثانية. و الصحيح وجوب الإعلام في الأولى بلا إشكال، و هو الأحوط لزوما في الثانية «2». و الحاصل: أنّه لا يجوز ترك الإعلام في الصورتين.

و توضيح الحال في المقام بأن يقال: إنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب إعلام الغير في الصورة الأولى و هي ما إذا استلزم بقاء النجاسة هتك المسجد، كما إذا تلوث أرضه أو حيطانه بنجاسات كثيرة و كان هو عاجزا عن الإزالة، للقطع بمبغوضيّة هتك المسجد و لزوم رفعه بأي نحو كان، سواء أ كان بالمباشرة أم التسبيب. و هذا نظير إنقاذ النفس المحترمة من الغرق، فإنّه إذا‌

______________________________
(1) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره، هل يصلح أن يجعل كنيفا؟ قال: لا بأس».

و عن ابن إدريس (في آخر السرائر) نقلا عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر صاحب الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره، هل يصلح له أن يجعله كنيفا؟

قال: لا بأس». وسائل الشيعة: ج 3 ص 489 في الباب: 10 من أبواب أحكام المساجد، الحديث: 6، 4.

(2) و في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف «قده»:- «الظاهر العدم»-: (فيه إشكال، و أما في فرض الهتك فلا إشكال في وجوبه).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 90‌

..........

______________________________
عجز عنه وجب عليه إعلام الغير به لعدم اعتبار المباشرة جزما. و هذا واضح لا إشكال فيه. فلا وجه لما يظهر من المصنف «قده» من التردد في المسألة في هذه الصورة، حتى أنّه احتاط بوجوب الإعلام، إذ لا وجه لاحتمال الخلاف.

و أما الصورة الثانية- و هي ما إذا لم يستلزم بقاء النجس في المسجد هتكا له كما إذا مسح بيده المتنجسة بالماء المتنجس على أرض المسجد أو حائطه و لم يتمكن هو من التطهير- فهل يجب عليه حينئذ إعلام الغير بها أم لا بحيث يكون كسائر الموارد التي لا يجب فيها إعلام الغير بالموضوعات، كما ورد في بعض الروايات «1»: أنّ أبا جعفر عليه السّلام كان يغتسل من الجنابة، فقيل له: «قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكتّ؟!». إلى غير ذلك من موضوعات الأحكام. استظهر المصنف «قده» عدم الوجوب. و لكن الصحيح- كما أشرنا- هو الوجوب أيضا.

و لا بدّ من التكلم في ذلك أوّلا: بحسب الكبرى الكلية و الضابط العام في أمثال المقام، و ثانيا: بحسب صغرى المسألة- أعني وجوب إعلام الغير بنجاسة المسجد.

أما الكبرى الكلية فالمحتمل فيها ثبوتا أحد أمرين، و إثباتا أحد أمور ثلاثة. أما بحسب مقام الثبوت فالمحتمل فيه إمّا هو اعتبار المباشرة في تحصيل غرض المولى بحيث لا يحصل غرضه إلّا بإتيانه الفعل بنفسه، و فيه لا فائدة في إعلام الغير فلا يجب إذا لم يتمكن من المباشرة و إمّا عدم اعتبارها بحيث يحصل الغرض و لو بإتيان الغير و فيه يحبب ابتداء المباشرة لتوجه الخطاب إليه، و مع عدم التمكن من الامتثال لا بدّ له من إعلام الغير تحصيلا‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 1 ص 524 في الباب: 41 من أبواب الجنابة، الحديث: 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 91‌

..........

______________________________
لغرض المولى، لأنّ المفروض حصوله بالجامع بين المباشرة و التسبيب.

و أما بلحاظ مقام الإثبات فلا يخلو الحال عن أحد وجوه ثلاثة، لأنّه إما أن يعلم باعتبار المباشرة، أو يعلم بعدم اعتبارها، أو يشك في ذلك. و الحكم في الأوّلين ظاهر، و أما في الثالث فالمرجع فيه أصالة البراءة عن لزوم تحصيل الغرض المترتب على فعل نفسه بالمباشرة، فإنّ تحصيل الغرض- أيضا- يكون واجبا بحكم العقل كتحصيل المأمور به، و مع الشك في سعته و ضيقه يرجع إلى أصالة البراءة. فعليه لا يجب تحصيل المقدمة لفعل الغير كالإعلام، لأنّ المرجع فيه أيضا البراءة. هذا كله بلحاظ الكبرى.

و أما بلحاظ صغرى المسألة- و هي إزالة النجاسة عن المسجد إذا لم يستلزم بقاؤها الهتك، كما هو مفروض البحث- فالمعلوم فيها عدم اعتبار المباشرة حتى في حال التمكن فضلا عن صورة العجز، لجواز الاستنابة في حال القدرة باستخدام الغير- كخادم المسجد أو غيره- بأجرة أو مجانا. و عليه فإذا عجز عن المباشرة وجب عليه إعلام الغير مقدمة للواجب الذي هو أعم من المباشرة. أو تحصيلا لغرض المولى الحاصل بالتسبيب.

ثم إنّ المحتملات بلحاظ تأثير إعلام الغير- أيضا- ثلاثة، لأنّه إما أن يعلم بتأثير الإعلام و ترتب الإزالة عليه، و إمّا أن يعلم بعدمه- إما لعدم اعتناء من يعلمه بالشرع، أو لعدم وثاقته بالمخبر، أو لعدم حجيّة خبر الثقة عنده في الموضوعات أو نحو ذلك- و إما أن يشك في ذلك.

أما في الصورة الأولى فيجب الإعلام تحصيلا لغرض المولى. كما أنّه لا يجب في الثانية لأنّه لغو محض لعدم ترتب الغرض عليه، فرضا.

و أما في الصورة الثالثة فهل يجب الإعلام- لقاعدة الاشتغال- أو لا يجب للبراءة عن وجوبه؟ الصحيح هو الأوّل، لأنّ العقل كما يستقل بوجوب‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 92‌

..........

______________________________
إطاعة أمر المولى كذلك يستقل بلزوم تحصيل غرضه و قبح تفويته، و من هنا لو علم العبد بأنّ المولى سيعطش بعد ساعة يجب عليه حفظ الماء فعلا و إن لم يأمره المولى بذلك فلو أنّه صبّ الماء كي لا يأمره المولى بسقيه حين يعطش فقد ارتكب القبيح و استحق العقاب. بل أنّه كما يجب الاحتياط عقلا لو شك في الامتثال من جهة الشك في القدرة كذلك يجب الاحتياط لو شك في تحصيل الغرض الملزم من جهة الشك فيها تحفظا على غرض المولى- كما حققنا ذلك في بحث البراءة- فإنّه بعد توجه الخطاب أو العلم بلزوم تحصيل الغرض الملزم يجب التصدي للامتثال و لو مع احتمال عدم القدرة، لاستقلال العقل بذلك.

و عليه فيجب على العالم بنجاسة المسجد إعلام الغير بها حتى و لو احتمل عدم إزالة الغير لها، لئلا يستند التفويت إليه، لأنّه مع عدم إخباره الغير يستند بقاء النجاسة إليه فيكون هو المفوّت لغرض المولى، و هذا بخلاف ما لو أخبره لاستناد التفويت حينئذ إلى الغير لو عجز المخبر عن الإزالة، فإنّه بإخباره يتصدى لتحصيل غرض المولى و لو بهذا المقدار. و الحاصل أنّه يستقل العقل بسد باب فوت غرض المولى من كل ناحية ممكنة، و منها إعلام الغير به في صورة عدم التمكن من استيفاءه بالمباشرة، فمع الشك في امتثال الغير أيضا يجب إعلامه سد باب العدم من ناحية نفسه و هذا جار في جميع موارد الشك في القدرة على الامتثال أو تحصيل الغرض الملزم.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net