ومن جملة ما استدل به للمقام: مكاتبة علي بن محمّد القاساني قال: «كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان، هل يصام أم لا؟ فكتب (عليه السلام) اليقين لا يدخله الشك، صم للرؤية وأفطر للرؤية»(2). وتقريب الاستدلال بها أنّ الإمام (عليه السلام) حكم بأنّ اليقين بشيء لا ينقض بالشك ولا يزاحم به، ثمّ فرّع على هذه الكبرى قوله (عليه السلام): «صم للرؤية وأفطر للرؤية».
وذكر الشيخ (3) (قدس سره) أنّ هذه الرواية أظهر ما في الباب من أخبار الاستصحاب.
واستشكل عليه في الكفاية(4) بأنّ المراد من اليقين في هذه الرواية ليس هو
ــــــــــــــ (2) الوسائل 10: 255 و 256 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 13.
(3) فرائد الاُصول 2: 570.
(4) كفاية الاُصول: 397.
ــ[80]ــ
اليقين السابق، بل المراد هو اليقين بدخول شهر رمضان وأ نّه لا يجب الصوم إلاّ مع اليقين، ولا يدخل المشكوك فيه في المتيقن، كما ورد في عدّة من الروايات أ نّه لا يصام يوم الشك بعنوان أ نّه من رمضان، وأنّ الصوم فريضة لا بدّ فيها من اليقين، ولا يدخلها الشك.
وذكر المحقق النائيني(1) (قدس سره) تأييداً لصاحب الكفاية أنّ قوله (عليه السلام): «اليقين لا يدخله الشك» ظاهر في عدم دخول اليوم المشكوك كونه من رمضان فيه، وحمله على الاستصحاب، بدعوى أنّ المراد منه أنّ اليقين لا ينقض بالشك، بعيد لغرابة هذا الاستعمال.
والتحقيق هو ما ذكره الشيخ (قدس سره) من ظهور الرواية في الاستصحاب، لأ نّه لو كان المراد عدم إدخال اليوم المشكوك فيه في رمضان، لما كان التفريع بالنسبة إلى قوله (عليه السلام): «وأفطر للرؤية» صحيحاً، فانّ صوم يوم الشك في آخر شهر رمضان واجب، لقوله (عليه السلام): «وأفطر للرؤية» مع أ نّه يوم مشكوك في كونه من رمضان، فكيف يصح تفريع قوله (عليه السلام): «وأفطر للرؤية» الدال على وجوب صوم يوم الشك في آخر شهر رمضان على قوله (عليه السلام): «اليقين لا يدخله الشك» بناءً على أنّ المراد منه عدم دخول اليوم المشكوك فيه في رمضان.
فالصحيح أنّ المراد من قوله (عليه السلام): «اليقين لا يدخله الشك» أنّ اليقين لا ينقض بالشك فلا يجب الصوم في يوم الشك في آخر شعبان، ويجب الصوم في يوم الشك في آخر شهر رمضان، لليقين بعدم وجوب الصوم في الأوّل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 4: 57، فوائد الاُصول 4: 366.
ــ[81]ــ
واليقين بوجوبه في الثاني، واليقين لا ينقض بالشك، فيصح التفريع بالنسبة إلى قوله (عليه السلام): «صم للرؤية» وبالنسبة إلى قوله (عليه السلام): «وأفطر للرؤية».
وأمّا ما استشهد به صاحب الكفاية من الروايات الدالة على عدم صحة الصوم في يوم الشك بعنوان أ نّه من رمضان، فمدفوع بأنّ هذه الروايات وإن كانت صحيحة معمولاً بها في موردها (1)، إلاّ أ نّها لا تكون قرينةً على كون هذه الرواية أيضاً واردة لبيان هذا المعنى مع ظهورها في الاستصحاب.
وأمّا ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) من غرابة هذا الاستعمال، فيدفعه وقوع هذا الاستعمال بعينه في الصحيحة الثالثة المتقدمة(2) في قوله (عليه السلام): «ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر» ووقع هذا الاستعمال في كلمات العلماء أيضاً في قولهم: دليله مدخول أي منقوض، واللغة أيضاً تساعده، فان دخول شيء في شيء يوجب التفكيك بين أجزائه المتصلة، فيكون موجباً لنقضه وقطع هيئته الاتصالية. ـــــــــــــــ
(1) ولمزيد الاطلاع راجع شرح العروة 21 كتاب الصوم: 65 / المسألة 16.
(2) في ص 69.
|