فروع تُمسك فيها بالأصل المثبت 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4729


 وكيف كان ينبغي لنا التكلم في جملة من هذه الفروع التي نسب إليهم التمسك فيها بالأصل المثبت.

 الفرع الأوّل: ما إذا لاقى شيء نجساً أو متنجساً، وكان الملاقي أو الملاقى رطباً قبل الملاقاة، فشككنا في أنّ الرطوبة كانت باقية حين الملاقاة أم لا، فتمسكوا باستصحاب الرطوبة وحكموا بنجاسة الملاقي، فان قلنا بكون موضوع التنجس بالملاقاة مركباً من الملاقاة والرطوبة في أحد الطرفين، فلا إشكال في جريان استصحاب الرطوبة ولا يكون من الأصل المثبت، لأنّ أحد جزأي الموضوع محرز بالوجدان وهو الملاقاة، والجزء الآخر محرز بالأصل وهو الرطوبة، فيترتب الأثر حينئذ وهو الحكم بنجاسة الملاقي، وإن قلنا بأن موضوعه هي السراية وأ نّه لا يحكم بنجاسة الملاقي ولو مع العلم بالرطوبة إذا كانت ضعيفة غير موجبة للسراية، فلا مجال لاستصحاب الرطوبة، لكونه من الأصل المثبت، فانّ الأثر الشرعي على هذا المبنى مترتب على السراية، وهو شيء بسيط ولم يكن متيقناً حتى يكون مورداً للتعبد الاستصحابي، بل هو من

ــ[194]ــ

اللوازم العادية لبقاء الرطوبة، فالحكم بالنجاسة لاستصحاب الرطوبة متوقف على القول بالأصل المثبت.

 والصحيح من الوجهين هو الثاني، لأ نّه لم يرد بيان من الشارع يستفاد منه موضوع التنجس، فلا محالة يكون بيانه موكولاً إلى العرف، ومن الظاهر أنّ العرف لا يحكم بالقذارة العرفية إلاّ في مورد السراية، هذا كلّه في غير الحيوان.

 وأمّا في الحيوان كما إذا وقع ذباب على النجاسة الرطبة فطار ووقع في الثوب أو في إناء ماء مثلاً، وشككنا في بقاء رطوبتها حين الملاقاة ففيه تفصيل، فانّه إن قلنا بأنّ الحيوان لا ينجس أصلاً كما هو أحد القولين، فان كانت الرطوبة باقيةً حين الملاقاة، صار الثوب أو إناء الماء نجساً لملاقاته هذه الرطوبة لا لأجل ملاقاته للذباب، فاذا شك في وجودها فلا مجال للتمسك باستصحابها، لكونه من أوضح مصاديق الأصل المثبت، حتى على القول بكون الموضوع مركباً من الملاقاة والرطوبة، لعدم إحراز ملاقاة النجاسة حينئذ، لاحتمال جفاف الرطوبة، فلا تكون هناك نجاسة حتى تتحقق ملاقاتها. واستصحاب الرطوبة لا يثبت ملاقاة النجاسة إلاّ على القول بالأصل المثبت.

 وبعبارة اُخرى: بناءً على القول بعدم تنجس الحيوان، لايمكن الحكم بنجاسة الملاقي في مفروض المثال حتى على القول بكون موضوع التنجس هي الملاقاة ورطوبة أحد المتلاقيين، فانّ ملاقاة النجس غير محرزة بالوجدان لينضم إليها إحراز الرطوبة بالأصل، فلا بدّ من إثبات الملاقاة بجريان الاستصحاب في الرطوبة، ولا ينبغي الشك في أ نّه من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

 وأمّا إذا قلنا بأنّ الحيوان ينجس بملاقاة النجاسة ولكنّه يطهر بزوال العين وجفاف الرطوبة بلا احتياج إلى الغسل، للسيرة القطعية بعدم غسل الحيوانات

ــ[195]ــ

مع العلم بنجاستها بملاقاة دم النفاس حين الولادة، ولجملة من الروايات(1) الدالة على طهارة الطير بعد زوال عين النجاسة عن منقاره، فان كان الملاقي له في مفروض المثال يابساً كالثوب والبدن، فالكلام فيه هو الكلام في غيره من أنّ جريان الاستصحاب وعدمه منوط بالقول بكون الموضوع مركباً أم بسيطاً، فلا حاجة إلى الاعادة. وإن كان الملاقي له رطباً، كما إذا وقع الذباب المذكور في ظرف الماء أو على الثوب الرطب مثلاً، فلاينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب حتى على القول بكون موضوع التنجس هو السراية، لأنّ الملاقاة مع رطوبة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقل في الوسائل عن الكليني (قدس سره) عن أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى جميعاً عن محمّد بن أحمد عن أحمد بن الحسن بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سئل عمّا تشرب منه الحمامة؟ فقال (عليه السلام): كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب، وعن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب؟ فقال (عليه السلام): كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فان رأيت في منقاره دماً، فلا توضأ منه ولا تشرب».

 ونقله عن الشيخ (قدس سره) باسناده عن محمّد بن يعقوب وزاد «وسئل عن ماء شربت منه الدجاجة؟ قال (عليه السلام): إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب، وإن لم يعلم أنّ في منقارها قذراً، توضأ منه واشرب».

 وعن محمّد بن الحسن باسناده عن محمّد بن أحمد بالاسناد، وذكر الزيادة وزاد: «وكل ما يؤكل لحمه فليتوضأ منه وليشربه». «وسئل عمّا يشرب منه باز أو صقر أو عقاب؟ فقال (عليه السلام): كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فلا تتوضأ منه ولا تشرب» [ الوسائل 1: 230 ـ 231 / أبواب الأسئار ب 4 ح 2 و 3 و 4 ].

ــ[196]ــ

الملاقي محرزة بالوجدان، والسراية أيضاً كذلك على الفرض، وتحرز نجاسة الملاقى بالأصل، فانّ المفروض أنّ الحيوان كان نجساً وشك في بقاء نجاسته، لاحتمال طهارته بالجفاف، فيحكم ببقاء نجاسته للاستصحاب، ويترتب عليه الحكم بنجاسة الملاقي.

 وظهر بما ذكرناه أنّ ما ذكره المحقق النائيني(1) (قدس سره) ـ من عدم الفرق بين القول بعدم نجاسة الحيوان والقول بطهارته بزوال العين في جريان الاستصحاب وعدمه ـ ليس على ما ينبغي، بل التحقيق ما ذكرناه من عدم جريانه على القول الأوّل، وجريانه على القول الثاني إذا كان الملاقي رطباً. وأمّا إذا كان يابساً فجريانه مبني على القول بكون الموضوع مركباً على ما تقدّم تفصيله في غير الحيوان.

 الفرع الثاني: ما إذا شك في يوم أ نّه آخر شهر رمضان، أو أ نّه أوّل شهر شوال، فلا ريب في أ نّه يجب صومه بمقتضى استصحاب عدم خروج شهر رمضان، أو عدم دخول شهر شوال، وهل يمكن إثبات كون اليوم الذي بعده أوّل شهر شوال، ليترتب عليه أثره كحرمة الصوم مثلاً بهذا الاستصحاب أم لا؟ فيه تفصيل.

 فانّا إذا بنينا على أنّ عنوان الأوّلية مركب من جزأين: أحدهما وجودي، وهو كون هذا اليوم من شوال. وثانيهما عدمي، وهو عدم مضي يوم آخر منه قبله، ثبت بالاستصحاب المذكور كون اليوم المشكوك فيه أوّل شوال، لأنّ الجزء الأوّل محرز بالوجدان، والجزء الثاني يحرز بالأصل، فبضميمة الوجدان إلى الأصل يتم المطلوب.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 138.

ــ[197]ــ

 وأمّا إذا بنينا على أنّ عنوان الأوّلية أمر بسيط منتزع من وجود يوم من الشهر غير مسبوق بيوم آخر منه، كعنوان الحدوث المنتزع من الوجود المسبوق بالعدم، وغير مركب من الوجود والعدم السابق، لم يمكن إثبات هذا العنوان البسيط بالاستصحاب المذكور، إلاّ على القول بالأصل المثبت، فانّ الأوّلية بهذا المعنى لازم عقلي للمستصحب، وغير مسبوق باليقين، وحيث إنّ التحقيق بساطة معنى الأوّلية بشهادة العرف، لا يمكن إثباتها بالاستصحاب المزبور.

 وقد ذكر المحقق النائيني(1) (قدس سره) أنّ إثبات كون المشكوك فيه أوّل شوال، وإن لم يمكن الاستصحاب لكونه مثبتاً، إلاّ أ نّه يثبت لأجل النص(2) الدال على ثبوت العيد برؤية الهلال، أو بمضي ثلاثين يوماً من شهر رمضان، فكلما مضى ثلاثون يوماً من شهر رمضان، فيحكم بكون اليوم الذي بعده يوم العيد.

 وهذا الجواب وإن كان صحيحاً، إلاّ أ نّه مختص بيوم عيد الفطر، لاختصاص النص به، فلا يثبت به أوّل شهر ذي الحجة مثلاً، بل لا يثبت غير اليوم الأوّل من سائر أيام شوال، فاذا كان أثر شرعي لليوم الخامس من شهر شوال مثلاً، لم يمكن ترتيبه عليه، لعدم النص فيه، إلاّ أن يتمسك فيه بعدم القول بالفصل.

 ولكنّا في غنى عن هذا الجواب، لامكان إثبات عنوان الأوّلية بالاستصحاب بنحو لا يكون من الأصل المثبت، بتقريب أ نّه بعد مضي دقيقة من اليوم الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 139، فوائد الاُصول 4: 499 و 500.

(2) كما في الوسائل 10: 264 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11.

ــ[198]ــ

نشك في أوّليته، نقطع بدخول أوّل الشهر، لكنّا لا ندري أ نّه هو هذا اليوم ليكون باقياً، أو اليوم الذي قبله ليكون ماضياً، فنحكم ببقائه بالاستصحاب، وتترتب عليه الآثار الشرعية كحرمة الصوم مثلاً.

 ولا اختصاص لهذا الاستصحاب باليوم الأوّل، بل يجري في الليلة الاُولى وفي سائر الأيام من شهر شوال ومن سائر الشهور لو كان لما في البين أثر شرعي، فاذا شككنا في يوم أ نّه الثامن من شهر ذي الحجة أو التاسع منه، حكمنا بكونه اليوم الثامن، بالتقريب المزبور. وكذلك نحكم بكون اليوم الذي بعده هو التاسع منه، لأ نّه بمجرد مضي قليل من هذا اليوم نعلم بدخول اليوم التاسع ونشك في بقائه، فنستصحب بقاءه، وتترتب عليه آثاره.

 وتوهّم أنّ الاستصحاب المزبور لا يترتب عليه الحكم بكون اليوم المشكوك فيه يوم عرفة أو يوم العيد في المثال الأوّل، فانّه لازم عقلي للمستصحب وهو كون يوم عرفة أو يوم العيد باقياً، وليس هو مما تعلق به اليقين والشك كما هو ظاهر مدفوع بما بيّناه في جريان الاستصحاب في نفس الزمان، وحاصله: أ نّا لا نحتاج في ترتب الأثر الشرعي إلى إثبات كون هذا اليوم هو يوم عرفة أو يوم العيد، بل يكفي فيه إحراز بقائه بنحو مفاد كان التامة، فراجع(1).

 الفرع الثالث: ما إذا شك في وجود الحاجب حين صبّ الماء لتحصيل الطهارة من الحدث أو الخبث، كما إذا احتمل وجود المانع عن وصول الماء إلى البشرة حين الاغتسال، أو احتمل خروج المذي بعد البول ومنعه عن وصول الماء إلى المخرج، فربما يقال فيه بعدم الاعتناء بهذا الشك، نظراً إلى جريان أصالة عدم الحاجب، ولكنّه غير سديد، إذ من الواضح أنّ الأثر الشرعي وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 148 ـ 150.

ــ[199]ــ

رفع الحدث أو الخبث مترتب على وصول الماء إلى البشرة وتحقق الغسل خارجاً، وهو لا يثبت بالأصل المزبور إلاّ على القول بحجية الأصل المثبت.

 وقد ذكر بعضهم: أنّ عدم وجوب الفحص عن الحاجب غير مستند إلى الاستصحاب ليرد عليه ما ذكر، بل هو مستند إلى السيرة القطعية الجارية من المتدينين على عدم الفحص.

 ويرد عليه أوّلاً: أ نّه لم تتحقق هذه السيرة، فان عدم الفحص من المتدينين لعلّه لعدم التفاتهم إلى وجود الحاجب، أو للاطمئنان بعدمه، فلم يعلم تحقق السيرة على عدم الفحص مع احتمال وجود الحاجب.

 وثانياً: أ نّه مع فرض تسليم تحقق السيرة لم يعلم اتصالها بزمان المعصوم (عليه السلام) لتكون كاشفة عن رضاه، فلعلها حدثت في الأدوار المتأخرة لأجل فتوى جمع من الأعلام به تمسكاً بأصالة عدم الحاجب كما صرح به في بعض الرسائل العملية.

 فالتحقيق وجوب الفحص في موارد الشك في وجود الحاجب حتى يحصل العلم أو الاطمئنان بعدمه.

 الفرع الرابع: ما إذا وقع الاختلاف بين الجاني وولي الميت، فادعى الولي موته بالسراية، وادعى الجاني موته بسبب آخر كشرب السم مثلاً، وكذا الحال في الملفوف باللحاف الذي قدّ نصفين، فادعى الولي أ نّه كان حياً قبل القد، وادعى الجاني موته، فنسب إلى الشيخ(1) (قدس سره) التردد، نظراً إلى معارضة أصالة عدم سبب آخر في المثال الأوّل، وأصالة بقاء الحياة في المثال الثاني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 663.

ــ[200]ــ

بأصالة عدم الضمان في كليهما. وعن العلامة (قدس سره)(1) القول بالضمان. وعن المحقق(2) اختيار عدم الضمان.

 والتحقيق أن يقال: إنّه إن قلنا بأنّ موضوع الضمان هو تحقق القتل ـ كما هو الظاهر ـ لترتب القصاص والدية في الآيات والروايات(3) عليه، فلا بدّ من الالتزام بعدم الضمان في المقام، لأصالة عدمه، ولا يمكن إثباته بأصالة عدم سبب آخر ولا باستصحاب الحياة، إلاّ على القول بالأصل المثبت، فانّ القتل لازم عادي لعدم تحقق سبب آخر ولبقاء حياته.

 وإن قلنا بأنّ الموضوع له أمر مركب من الجناية وعدم سبب آخر في المثال الأوّل، ومن الجناية والحياة في المثال الثاني، فلا إشكال في جريان الاستصحاب وإثبات الضمان، فانّ أحد جزأي الموضوع محرز بالوجدان والآخر بالأصل، لكن هذا خلاف الواقع، لعدم كون الموضوع مركباً من الجناية وعدم سبب آخر ولا من الجناية والحياة، بل الموضوع شيء بسيط وهو القتل. فما ذكره المحقق (قدس سره) من عدم الضمان هو الصحيح، وأمّا العلامة (قدس سره) فلعله قائل بحجية الأصل المثبت.

 وأمّا التردد المنسوب إلى الشيخ (قدس سره) فلا وجه له أصلاً، فانّه على تقدير القول بالأصل المثبت لا إشكال في الحكم بالضمان كما عليه العلامة (قدس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تحرير الأحكام 2: 261.

(2) شرائع الاسلام 4: 101.

(3) البقرة 2: 178 والإسراء 17: 33 والوسائل 29: 52 / أبواب القصاص ب 19 وغيره.

 
 

ــ[201]ــ

سره)، وعلى تقدير القول بعدم حجيته لا إشكال في الحكم بعدمه كما عليه المحقق (قدس سره) فالتردد في غير محلّه على كل تقدير، إلاّ أن يكون تردده لأجل تردده في حجية الأصل المثبت، لكنّه خلاف التعليل المذكور في كلامه (قدس سره) فانّه علل التردد بتساوي الاحتمالين ـ أي احتمال كون القتل بالسراية، واحتمال كونه بسبب آخر ـ فلا يكون منشأ تردده في الحكم بالضمان هو التردد في حجية الأصل المثبت.

 الفرع الخامس: ما إذا تلف مال أحد تحت يد شخص آخر، فادعى المالك الضمان وادعى من تلف المال عنده عدم الضمان.

 ثمّ إنّ الضمان المختلف فيه تارةً يكون ضمان اليد، واُخرى ضمان المعاوضة، وبعبارة اُخرى: تارةً يدعي المالك الضمان بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة، واُخرى يدعي الضمان بالبدل الجعلي المجعول في ضمن معاوضة.

 والأوّل كما إذا قال المالك: إنّ مالي كان في يدك بلا إذن مني، فتلفه يوجب الضمان ببدله الواقعي، وادعى الآخر كونه أمانة في يده فلا ضمان عليه.

 والثاني كما إذا قال المالك: بعتك مالي بكذا، وادعى الآخر أ نّه وهبه إياه، ولا ضمان له باتلافه أو تلفه عنده، فالمعروف بين الفقهاء هو الحكم بالضمان في المقام، ولكنّه اختلف في وجهه.

 فقيل: إنّه مبني على القول بحجية الأصل المثبت، فانّ أصالة عدم إذن المالك لا يثبت كون اليد عادية كي يترتب عليه الضمان، إلاّ على القول بالأصل المثبت.

 وقيل: إنّه مبني على قاعدة المقتضي والمانع، حيث إنّ اليد مقتضية للضمان، وإذن المالك مانع عنه، والأصل عدمه فيحكم بالضمان.

 وقيل: إنّه مبني على التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فانّ عموم قوله

ــ[202]ــ

(صلّى الله عليه وآله وسلّم): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»(1) يقتضي ضمان كل يد، والخارج منه بالأدلة هو المأخوذ باذن المالك، وحيث إنّ إذن المالك في المقام مشكوك فيه، كان الحكم بالضمان استناداً إلى عموم قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية.

 قال المحقق النائيني (قدس سره)(2): ليس الحكم بالضمان مستنداً إلى شيء من هذه الوجوه، بل هو لأجل أنّ موضوع الضمان يحرز بضم الوجدان إلى الأصل، بيان ذلك: أنّ موضوع الضمان مركب من تحقق اليد والاستيلاء على مال الغير، ومن عدم الرضا من المالك. وأحد الجزأين محرز بالوجدان وهو اليد، والآخر محرز بالأصل وهو عدم الرضا به من المالك، فيحكم بالضمان لاحراز موضوعه تعبداً.

 وهذا الذي ذكره (قدس سره) متين في المثال الأوّل، فان موضوع الضمان ليس هو اليد العادية، بل اليد مع عدم الرضا من المالك، واليد محرزة بالوجدان، وعدم الرضا محرزٌ بالأصل، فيحكم بالضمان.

 لكنّه لا يتم في المثال الثاني، فانّ الرضا فيه محقق إجمالاً: إمّا في ضمن البيع أو الهبة، فلا يمكن الرجـوع إلى أصالة عدمه، بل لا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر، ولا يمكن التمسك بأصالة عدم الهبة لاثبات الضمان، ضرورة ا نّه غير مترتب على عدم الهبة، بل مترتب على وجود البيع وهي لا تثبته ولو قلنا بحجية الأصل المثبت، لمعارضتها بأصالة عدم البيع، فانّ كلاً من الهبة والبيع مسبوق بالعدم.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 14: 7 ـ 8 / كتاب الوديعة ب 1 ح 12.

(2) أجود التقريرات 4: 142، فوائد الاُصول 4: 502 و 503.

ــ[203]ــ

 وأمّا قاعدة المقتضي والمانع فهي مما لا أساس له، كما أنّ التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مما لا وجه له على ما حقق في محلّه(1). وعليه فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مورد بلحاظ نفسه، وهو في المقام أصالة عدم الضمان.

 هذا فيما إذا لم يكن نص بالخصوص، وإلاّ فالمتعين الأخذ به كما في مسألة اختلاف المتبايعين في مقدار الثمن، كما إذا قال البائع: بعتك بعشرة دنانير، وقال المشتري: اشتريت بخمسة دنانير، ففي المقدار المتنازع فيه يرجع إلى النص(2) الصحيح الدال على تقديم قول البائع إن كانت العين موجودةً، وتقديم قول المشتري إن كانت العين تالفة.
ــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4: 334 وما بعدها.

(2) وهو ما نقله في الوسائل عن الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري هو بكذا وكذا بأقل مما قال البائع؟ فقال (عليه السلام): القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه» [ الوسائل 18: 59 / أبواب أحكام العقود ب 11 ح 1 ].




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net