عدم الفرق في المستصحب بين كونه وجودياً أو عدمياً 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4498


 والتحقيق في الجواب: أ نّه لا ملزم لاعتبار ذلك، فانّه لم يدل عليه دليل من آية أو رواية، وإنّما المعتبر في جريان الاستصحاب كون المستصحب قابلاً للتعبد، ومن الظاهر أنّ الحكم بوجود الشرط قابل للتعبد، ومعنى التعبد به هو الاكتفاء بوجوده التعبدي وحصول الامتثال، فانّ لزوم إحراز الامتثال وإن كان من الأحكام العقلية إلاّ أ نّه معلّق على عدم تصرف الشارع بالحكم بحصوله، كما في قاعدتي الفراغ والتجاوز، فانّه لولا حكم الشارع بجواز الاكتفاء بما أتى به المكلف فيما إذا كان الشك بعد الفراغ، أو بعد التجاوز، لحكم العقل بوجوب الاعادة، لاحراز الامتثال من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، لكنّه بعد تصرف الشارع وحكمه بجواز الاكتفاء بما أتى به ارتفع موضوع حكم العقل، لكونه مبنياً على دفع الضرر المحتمل، ولا يكون هناك احتمال ضرر.

 فكذا الحال في المقام، فان معنى جريان الاستصحاب في الشرط هو الاكتفاء بوجوده الاحتمالي في مقام الامتثال بالتعبد الشرعي، فلا محذور فيه أصلاً، وتكون حال الاستصحاب حال قاعدة الفراغ والتجاوز في كون كل منهما تصرّفاً من الشارع، غاية الأمر أنّ الاستصحاب لا يختص بمقام الامتثال، فيجري في ثبوت التكليف تارةً وفي نفيه اُخرى وفي مقام الامتثال ثالثةً، بخلاف قاعدة الفراغ والتجاوز فانّها مختصة بمقام الامتثال.

 ثمّ ذكر صاحب الكـفاية (قدس سره) (1): أ نّه لا فرق في المستصحب أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 417.

ــ[209]ــ

الأثر المترتب عليه بين أن يكون ثبوت التكليف ووجوده أو نفيه وعدمه، فجريان الاسـتصحاب ليس منوطاً بكون المستصحب أو أثره وجودياً، بل منوط بكون المستصحب أو أثره قابلاً للتعبد وأن يكون ثبوته ونفيه بيد الشارع، ومن المعلوم أنّ نفي التكليف قابل للتعبد كثبوته، إذ نفي التكليف وثبوته بيد الشارع، لاستواء القدرة بالنسبة إلى طرفي الوجود والعدم. ثمّ فرّع على ذلك الاشكال على شيخنا الأنصاري (قدس سره) فيما ذكره في أواخر البراءة(1) من منع الاستدلال على البراءة باستصحابها وباستصحاب عدم المنع.

 أقول: أمّا ما ذكره من عدم الفرق بين كون الأثر وجودياً أو عدمياً فصحيح، وقد ذكرنا أنّ ما هو المعروف من اعتبار كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا أثر شرعي مما لا أساس له، بل المعتبر في الاستصحاب كون المستصحب قابلاً للتعبد الشرعي، بلا فرق بين كونه وجودياً أو عدمياً، فانّ نفي التكليف بيد الشارع وقابل للتعبد به كثبوته.

 وأمّا ما ذكره من الاشكال على الشيخ (قدس سره) فغير وارد، لأن منع الشيخ (قدس سره) عن الاستدلال بالاستصحاب للبراءة ليس مبنياً على عدم جريان الاستصحاب في العدمي، كيف وقد ذكر في أوائل الاستصحاب في جملة الأقوال القول بالتفصيل بين الوجودي والعدمي، وردّه بعدم الفرق بينهما من حيث شمول أدلة الاستصحاب لهما (2).

 بل منعه (قدس سره) عن استصحاب البراءة مبني على ما ذكره هناك من أ نّه بعد جريان الاستصحاب إمّا أن يحتمل العقاب، وإمّا أن لا يحتمل لكون الاستصحاب موجباً للقطع بعدم استحقاقه، وعلى الأوّل فلابدّ في الحكم بالبراءة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 378.

(2) فرائد الاُصول 2: 560 و 588.

ــ[210]ــ

من الرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فلتكن هي المرجع من أوّل الأمر بلا حاجة إلى جريان الاستصحاب، فانّ الرجوع إليه حينئذ لغو محض. والثاني غير صحيح، لأنّ عدم استحقاق العقاب ليس من الأحكام المجعولة الشرعية حتى يصح ترتبه على الاستصحاب، بل هو من الأحكام العقلية، فلا يترتب على الاستصحاب المزبور. ثمّ أورد على نفسه بأن استصحاب عدم المنع تترتب عليه الرخصة والاذن، فأجاب بأنّ المنع عن الفعل والاذن فيه متضادان، فلا يمكن إثبات أحدهما بنفي الآخر إلاّ على القول بالأصل المثبت، انتهى ملخصاً.

 وحق الجواب عنه هو ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) في التنبيه التاسع(1) من أن عدم ترتب الأثر غير الشرعي بالاستصحاب إنّما هو بالنسبة إلى الآثار الواقعية للمستصحب، وأمّا إذا كانت الآثار آثاراً للأعم من الوجود الواقعي والظاهري، فلا مانع من ترتبها على الاستصحاب. واستحقاق العقاب وعدمه من هذا القبيل، فانّه وإن كان من الأحكام العقلية، إلاّ أ نّه أثر لمطلق عدم المنع أعم من الواقعي والظاهري، فانّ العقل كما يحكم بعدم استحقاق العقاب بفعل ما ليس بحرام واقعاً، كذلك يحكم بعدم استحقاق العقاب بفعل ما ليس بحرام ظاهراً، فلا مانع من ترتب عدم استحقاق العقاب على استصحاب البراءة وعدم المنع، فانّه بعد ثبوت البراءة من التكليف وعدم المنع من قبل الشارع عن الفعل، يحرز موضوع حكم العقل بعدم استحقاق العقاب بالوجدان.

 وملخص الكلام في المقام: أنّ ما ذكره الشيخ (قدس سره) ـ من أ نّه بعد جريان الاستصحاب إمّا أن يحتمل العقاب وإمّا أن يجزم بعدمه ـ مندفع باختيار الشق الثاني، فانّه بعد إحراز عدم التكليف ظاهراً بالاستصحاب،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 417 و 418.

ــ[211]ــ

يكون عدم استحقاق العقاب محرزاً بالوجدان لتحقق موضوعه، فلا إشكال في التمسك بالاستصحاب لاثبات البراءة.
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net