6 ـ جريان قاعدة الفراغ والتجاوز في الشك في الشرط 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5000


 الأمر السادس: أ نّه لا فرق في جريان قاعدة الفراغ ـ فيما إذا شك في صحة العمل وفساده بعد الفراغ منه ـ بين الشك في الجزء والشك في الشرط، لعموم قوله (عليه السلام): «كل ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو»(1).

 أمّا الشك في الجزء فقد مضى الكلام فيه في الجزء الأخير وغيره من الأجزاء وملخصه: أنّ الشك المتعلق بالجزء إن كان في صحته بعد العلم بتحققه، تجري قاعدة الفراغ، وإن كان في وجوده، فإن كان الشك بعد تجاوز المحل لا يعتنى به لقاعدة التجاوز، وإن كان الشك في المحل، لا بدّ من الاعتناء به والاتيان بالمشكوك فيه، وقد اتضح كل ذلك مما تقدّم.

 وأمّا الشك في الشرط، فملخص الكلام فيه أنّ الشرط على أقسام ثلاثة: لأ نّه إمّا أن يكون مما قد اعتبر تحققه قبل العمل، فيكون محله حسب الجعل الشرعي مقدّماً على المشروط، كالاقامة بناءً على كونها شرطاً للصلاة على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 237 ـ 238 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3.

ــ[373]ــ

ما التزم به بعض. وإمّا أن يكون مما اعتبر تقارنه مع العمل، فيكون من قبيل الشرط المقارن. والثاني إمّا أن يكون شرطاً للأجزاء، بمعنى أ نّه اعتبر تحققه حال وجود الأجزاء فقط ولم يعتبر وجوده في الأكوان المتخللة. وإمّا أن يكون شرطاً للمجموع، بمعنى أ نّه اعتبر تحققه من أوّل العمل إلى آخره حتى في الأكوان المتخللة.

 مثال الأوّل: الاستقرار في الصلاة، إذ المعتبر هو الاتيان بالأجزاء مع الاستقرار، ولم يدل دليل على اعتباره في الأكوان المتخللة. وكذا النية سواء كان المراد منها قصد التقرب أو قصد عنوان العمل من الصلاة والصوم مثلاً، فانّها وإن كانت معتبرة في العبادات بكلا المعنيين، إلاّ أنّ المعتبر اقتران الأجزاء بها، فلا يضر فقدانها في الأكوان المتخللة، لعدم الدليل على اعتبارها إلاّ في حال وجود الأجزاء، فمن اشتغل بالوضوء ثمّ بدا له في أثنائه وعزم على عدم إتمامه، ثمّ رجع إلى العزم على إتمامه قبل فوات الموالاة، صح وضوءه بلا إشكال. وكذا الكلام في الصلاة على الظاهر. نعم، لا يتصور هذا المعنى في الصوم، إذ ليس له كون متخلل، فمن أمسك مقداراً من النهار بنية الصوم ثمّ عزم على الافطار، ثمّ رجع إلى نية الصوم قبل الاتيان بالمفطر، لا يصح صومه، لما ذكرناه من أ نّه ليس للصوم كون متخلل، فقد وقع جزء منه بدون نية، وهو الامساك الذي وقع في زمان العزم على الافطار.

 مثال الثاني: الاستقبال في الصلاة، فانّه معتبر في مجموع الصلاة حتى في الأكوان المتخللة، لأنّ الاستدبار ـ ولو في الأكوان المتخللة ـ مانع عن اتصال الأجزاء اللاحقة بالأجزاء السابقة، فتكون الصلاة معه باطلة.

 وكذا الطهارة من الحدث، فان طروء الحدث ـ ولو في الأكوان المتخللة ـ موجب لبطلان الصلاة، بلا فرق بين القول بكون الطهارة عبارة عن الحالة

ــ[374]ــ

النفسانية المسببة عن الغسل والمسح على ما هو المعروف، أو القول بكونها عبارة عن نفس الغسل والمسح على ما هو المختار، فانّ الطهارة على هذا المعنى وإن كانت متصرمة الوجود، إلاّ أ نّه لها بقاء في نظر الشارع، كما تدل عليه جملة من الأخبار، منها: الأخبار الدالة على أنّ الشيء الفلاني ناقض للوضوء(1) فانّ النقض لايصدق على شيء ينعدم بنفسه، بل لابدّ في صدقه من أن يكون له بقاء في نفسه. ومنها: ما يدل على استحباب النوم مع الوضوء(2)، فانّ النوم مع الوضوء لا يتصور إلاّ أن يكون للوضوء بقاء في نظر الشارع. هذه هي أقسام الشرط.

 ثمّ إنّ الشك في الشرط إن كان بعد الفراغ من العمل، لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ وعدم الاعتناء بالشك، بلا فرق بين الأقسام الثلاثة للشرط. وأمّا إن كان الشك في الشرط في أثناء العمل، فإن كان الشرط المشكوك فيه من القسم الأوّل ـ أي مما اعتبر تحققه قبل العمل وكان محله بحسب الجعل الشرعي مقدّماً على العمل ـ لا إشكال في جريان قاعدة التجاوز، إذ مع كون الشك بعد تجاوز المحل يكون مشمولاً لقوله (عليه السلام): «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء»(3) فلا فرق بين الشرط والجزء في هذه الجهة، بل الجزء أيضاً شرط، بمعنى أن كل جزء شرط لصحة الأجزاء الاُخر كما هو معنى الواجب الارتباطي. وأمّا إن كان الشرط مما اعتبر تقارنه للعمل، فالشك فيه يتصور على وجهين:

 الأوّل: أن يكون شاكاً في وجود الشرط حين الاشتغال بالأجزاء السابقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1: 248 / أبواب نواقض الوضوء ب 2 وغيره.

(2) الوسائل 1: 378 / أبواب الوضوء ب 9.

(3) الوسائل 8: 237 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

ــ[375]ــ

مع إحرازه فعلاً، ويحكم فيه بصحة الصلاة، إذ شكه في تحقق الشرط بالنسبة إلى الأجزاء السابقة مورد لقاعدة الفراغ بلا إشكال، ووجود الشرط حين الاشتغال بالأجزاء اللاحقة محرز بالوجدان على الفرض. ولا فرق في هذه الصورة بين كون الشرط المشكوك فيه من قبيل شرائط الأجزاء، أو من قبيل شرائط المجموع، فاذا شك في وقوع الركعة الاُولى مع الاستقبال مع إحرازه حين الاشتغال بالركعة الثانية مثلاً، تجري قاعدة الفراغ بالنسـبة إلى الركعة الاُولى، والاستقبال في الركعة الثانية محرز بالوجدان، فيحكم بصحة الصلاة، هذا في الشك في شرط المجموع. وكذا الحكم في الشك في شرط الأجزاء، كما إذا شك في تحقق النية في الركعة الاُولى مع إحرازها حين الاشتغال بالركعة الثانية، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الركعة الاُولى، وأمّا الركعة الثانية فاقترانها بالنية محرز بالوجدان، فيحكم بصحة الصلاة.

 الثاني: أن يكون شاكاً في تحقق الشرط فعلاً أيضاً. ولا مجال لجريان قاعدة الفراغ فيه، إذ هو شاكٌ في صحة الجزء الذي هو مشغول به ولم يفرغ منه، فلا بدّ من الاعتناء بالشك واستئناف العمل، لقاعدة الاشتغال. ولا فرق أيضاً بين كون الشرط المشكوك فيه من شرائط الأجزاء فقط أو من شرائط المجموع.

 نعم، لو كان شاكاً في تحقق الشرط حين الأجزاء السابقة ولم يدخل بعدُ في الجزء اللاحق، بل كان في الأكوان المتخللة، تجري قاعدة الفراغ وإن لم يكن محرزاً للشرط فعلاً فيما إذا كان الشرط شرطاً للأجزاء فقط كالنية، فيحكم بصحة الصلاة، فان شكه في تحقق النية مثلاً ـ بالنسبة إلى الأجزاء السابقة ـ مورد لقاعدة الفراغ، وفي الأجزاء اللاحقة تجدّد النية، وفي الأكوان المتخللة وإن كانت النية غير محرزة إلاّ أ نّها غير معتبرة فيها، بخلاف ما إذا كان الشرط المشكوك فيه شرطاً للمجموع كالاستقبال، فلا تجري فيه قاعدة الفراغ، إذ هو

ــ[376]ــ

شاك في تحقق الاستقبال فعلاً مع اعتباره حتى في الأكوان المتخللة. وهذا هو مورد الفرق بين شرط الأجزاء وشرط المجموع من حيث الحكم.

 والذي تحصل مما ذكرناه: أنّ الشرط إن كان من شرائط المجموع، تجري قاعدة الفراغ مع إحرازه فعلاً، ولا تجري مع عدم إحرازه كذلك، بلا فرق بين كونه حين الشك في الأكوان المتخللة أو مشغولاً بالجزء اللاحق، وإن كان الشرط من شرائط الأجزاء فقط، فإن كان حين الشك مشغولاً بالجزء اللاحق فالأمر كما تقدم ـ أي تجري قاعدة الفراغ مع إحراز الشرط فعلاً، ولا تجري مع عدمه كذلك ـ وإن كان حين الشك في الأكوان المتخللة، فتجري قاعدة الفراغ حتى مع عدم إحراز الشرط فعلاً، وقد ظهر وجه كل ذلك مما ذكرناه.

 وتبين بما ذكرناه حكم الشك في الطهارة من الحدث في أثناء الصلاة، فانّه لا يتصور الشك في تحققها حين الاتيان بالأجزاء السابقة مع إحرازها فعلاً، فهو شاك في تحقق الطهارة فعلاً أيضاً، فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ، لكونه شاكاً في صحة الجزء الذي هو فيه، ولم يفرغ منه، فلا بدّ من الاعتناء بالشك واستئناف العمل.

 وتوهّم جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الأجزاء السابقة، ووجوب الوضوء للأجزاء اللاحقة مع التمكن منه وعدم فوات الموالاة.

 مدفوع بما ذكرناه من كون الطهارة من الشرائط المعتبرة في الأكوان المتخللة أيضاً، فهو شاك في تحقق الطهارة في الآن الذي هو مشغول بتحصيل الطهارة الجديدة، ولا تجري فيه قاعدة الفراغ، لعدم تحقق الفراغ بالنسبة إليه، فلا بدّ من استنئاف العمل لقاعدة الاشتغال.

 وقد يتوهّم أنّ الشك في اقتران الأجزاء بالطهارة مسبب عن الشك في تحقق

ــ[377]ــ

الغسل والمسح قبل الصلاة، وحيث إنّ محل الغسل والمسح مقدّم على الصلاة بحسب الجعل الشرعي، يكون الشك في تحقق الغسل والمسح قبل الصلاة مورداً لقاعدة التجاوز، لكون الشك فيهما شكاً بعد تجاوز المحل، وبعد الحكم بوجود الغسل والمسح لقاعدة التجاوز، يرفع الشك في اقتران الأجزاء بالطهارة، فانّ اقترانها بالطهارة من الآثار الشرعية لتحقق الغسل والمسح، فيحكم بصحة الصلاة.

 وهو مدفوع بعدم جريان قاعدة التجاوز في الغسل والمسح، إذ ليس محلهما بحسب الجعل الشرعي قبل الصلاة، فانّ المعتبر شرعاً هو تقارنها مع الطهارة. وأمّا وجوب تحصيلها قبل الشروع في الصلاة، فهو عقلي بمعنى عدم تحقق اقتران جميع أجزاء الصلاة بالطهارة، إلاّ مع تحصيلها قبل الشروع في الصلاة.

 إن قلت: ما المانع عن جريان قاعدة التجاوز فيما إذا كان محل المشكوك فيه مقدّماً عقلاً، فان عموم التعليل بالأذكرية والأقربية إلى الحق شامل له أيضاً.

 قلت: ليس الميزان في جريان قاعدة التجاوز مطلق كونه أذكر ولو كان الشيء المشكوك فيه خارجاً عن المأمور به، بل الميزان فيه كون المشكوك فيه جزءاً أو شرطاً قد تجاوز محله، والمفروض في المقام أنّ الشرط هو اقتران الصلاة بالطهارة ولم يتجاوز محله. وأمّا الغسل والمسح، فهما خارجان عن المأمور به ولم يعتبرا فيه جزءاً ولا شرطاً، فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز عند الشك فيهما، ولذا التزم الفقهاء (قدس سرهم) بعدم جريان قاعدة التجاوز فيما إذا كان الشك بعد التجاوز عن المحل العادي مع كونه مشمولاً لعموم التعليل، فمن كانت عادته أن يستنجي في بيت الخلاء مثلاً، وشك فيه بعد تجاوز محله العادي لا تجري قاعدة التجاوز في حقه، وكذا من كان من عادته الاتيان بالصلاة في أوّل الوقت وشك فيه بعد تجاوزه لم يكن مجال لجريان قاعدة

ــ[378]ــ

التجاوز في حقه.

 وبالجملة: جريان قاعدة التجاوز مشروط بأمرين:

 1 ـ كون المشكوك فيه جزءاً أو شرطاً للمأمور به.

 2 ـ كون المكلف في مقام الامتثال. والأمر الأوّل مفقود في المقام، فلا مجال لجريانها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net