تقدّم العام على المطلق - تقدّم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5455


 منها: ما ذكره الشيخ(2) (قدس سره) من أ نّه إذا كان أحد الدليلين عاماً والآخر مطلقاً، يقدّم العام على المطلق، لكون ظهور العام تنجيزياً، لأن شموله لمورد الاجتماع بالوضع وظهور المطلق تعليقياً، فانّ ظهوره في الاطلاق معلّق على مقدمات الحكمة ومنها عدم البيان، والعام صالح لأن يكون بياناً، فيسقط المطلق عن الحجية بالنسبة إلى مورد يكون مشمولاً للعام.

ـــــــــــــ
(2) فرائد الاُصول 2: 792.

ــ[454]ــ

 وأورد عليه صاحب الكفاية(1) (قدس سره) بأن ظهور المطلق معلّق على عدم البيان في مقام التخاطب لا على عدم البيان إلى الأبد، فمع انقطاع الكلام وعدم تحقق البيان متصلاً به ينعقد الظهور للمطلق، فيقع التعارض بينه وبين ظهور العام، فلا وجه لتقديم العام على المطلق بقول مطلق، هذا.

 والصحيح ما ذكره الشيخ (قدس سره) إذ بعد كون العام صالحاً للقرينية على التقييد، كما اعترف به صاحب الكفاية في بحث الواجب المشروط(2) لا فرق بين كونه متصلاً بالكلام أو منفصلاً عنه، غاية الأمر أ نّه مع ورود العام منفصلاً يكون الاطلاق حجة ما لم يرد العام لتحقق المعلّق عليه، وهو عدم البيان إلى زمان ورود العام، وبعده ينقلب الحكم من حين ورود العام لا من أوّل الأمر، لا نقول: إنّ حين وصول العام يحكم بأنّ الاطلاق غير مراد من هذا الحين، بل يحكم بأنّ الظهور لم يكن مراداً من الأوّل، لكنّه كان حجة إلى حين وصول العام، نظير الاُصول العملية بالنسبة إلى الأمارات، فانّ الأصل متّبع ما لم تقم أمارة على خلافه، وبعد قيامها يرفع اليد عن الأصل من حين قيام الأمارة ـ وإن كان مفادها ثبوت الحكم من الأوّل ـ والمقام كذلك، غاية الأمر أنّ العام المتصل مانع عن انعقاد الظهور في المطلق، والعام المنفصل كاشف عن عدم تعلق الارادة الجدية بالاطلاق من لفظ المطلق، وهذا المقدار لا يوجب الفرق في الحكم من وجوب تقديم العام على المطلق.

 ومنها: كون أحد الاطلاقين شمولياً والآخر بدلياً، فذكروا أ نّه يقدّم الاطلاق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 450.

(2) كفاية الاُصول: 106.

ــ[455]ــ

الشمولي ويقيد به الاطلاق البدلي، واختاره المحقق النائيني(1) (رحمه الله) وذكر له وجوهاً:

 الأوّل: أنّ الحكم في الاطلاق الشمولي يتعدد بتعدد الأفراد، لثبوت الحكم لجميع الأفراد على الفرض المعبّر عنه بتعلق الحكم بالطبيعة السارية، فينحل الحكم إلى الأحكام المتعددة على حسب تعدد الأفراد، بخلاف الاطلاق البدلي، فانّ الحكم فيه واحد متعلق بالطبيعة المعبّر عنه بتعلق الحكم بصرف الوجود، غاية الأمر أ نّه يصح للمكلف في مقام الامتثال تطبيق الطبيعة في ضمن أيّ فرد شاء وهو معنى الاطلاق البدلي، فتقديم الاطلاق البدلي يوجب رفع اليد عن الحكم في الاطلاق الشمولي بالنسبة إلى بعض الأفراد، بخلاف تقديم الاطلاق الشمولي، فانّه لا يوجب رفع اليد عن الحكم في الاطلاق البدلي، إذ لا تعدد فيه، بل يوجب تضييق دائرته.

 مثلاً إذا قال المولى: أكرم عالماً ولا تكرم الفاسق، يكون الحكم في الاطلاق البدلي واحداً، وهو وجوب إكرام فرد من العالم، وفي الاطلاق الشمولي متعدداً وهو حرمة إكرام كل فرد من أفراد الفاسق على فرض تمامية مقدمات الحكمة، فلو قدّمنا الاطلاق البدلي في مادة الاجتماع ـ وهو العالم الفاسق ـ لرفعنا اليد عن الحكم في الاطلاق الشمولي بالنسبة إلى هذا الفرد وهو العالم الفاسق، بخلاف ما إذا قدّمنا الاطلاق الشمولي، فانّه لا يوجب رفع اليد عن الحكم المذكور في الاطلاق البدلي بالنسبة إلى بعض الأفراد، لأ نّه ليس فيه إلاّ حكم واحد، غاية الأمر أ نّه يوجب تضييق دائرته، فيجب على المكلف في مقام الامتثال تطبيق الطبيعة بالعالم غير الفاسق، هذا.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1: 236.

ــ[456]ــ

 وفيه أوّلاً: أ نّه مجرد استحسان، وقد ذكرنا أنّ الميزان في التقديم كون أحد الدليلين قرينةً على التصرف في الآخر بحسب فهم العرف، كالدليل الحاكم بالنسبة إلى الدليل المحكوم، والمقام ليس كذلك، إذ الاطلاقان في مرتبة واحدة من الظهور، لتوقف كليهما على جريان مقدمات الحكمة، فمجرد كون تقديم أحدهما موجباً لرفع اليد عن الحكم دون الآخر لا يوجب كون الآخر قرينةً على التصرف فيه.

 وثانياً: أنّ الاطلاق البدلي لا ينفك عن الاطلاق الشمولي أبداً، فان قوله: أكرم عالماً، حكم بوجوب إكرام فرد من العالم على البدل، وهو يستلزم ترخيص العبد بتطبيق هذه الطبيـعة في ضمن أيّ فرد شاء، ولا خـفاء في أنّ الحكم الترخيصي أيضاً من وظائف المولى، فانّ له أن يمنع عن التطبيق في ضمن فرد خاص تحريماً أو تنزيهاً، أو يجعل التطبيق في ضمن فرد مستحباً، أو يرخّص المكلف في التطبيق في ضمن أيّ فرد شاء، كما هو ظاهر الاطلاق، فالحكم بوجوب إكرام فرد من العالم على البدل يدل على الترخيص بتطبيق طبيعة العالم في ضمن أيّ فرد شاء، وهذا الحكم الترخيصي متعلق بالمطلق على نحو الشمول كما هو ظاهر، فكما أنّ تقديم الاطلاق البدلي يوجب رفع اليد عن الحكم في الاطلاق الشمولي بالنسبة إلى بعض الأفراد، كذلك تقديم الاطلاق الشمولي أيضاً يوجب رفع اليد عن الحكم بالنسبة إلى بعض الأفراد، غاية الأمر أ نّه يوجب رفع اليد عن الحكم الترخيصي لا الحكم الالزامي.

 الثاني: أنّ الاطلاق البدلي يحتاج إلى مقدمة زائدة عما تجري في الاطلاق الشمولي من مقدمات الحكمة، وهي إحراز كون الأفراد متساوية الأقدام في تحصيل غرض المولى، والوجه في ذلك: أنّ الأفراد في الاطلاق الشمولي لا يلزم أن تكون متساوية الأقدام في الغرض، بل قد تكون مختلفة كما إذا قال: لا تقتل

ــ[457]ــ

أحداً، فانّ ترك قتل النبي (صلّى الله عليه وآله) ليس مساوياً لترك قتل غيره في غرض المولى. وكذا إذا قال: لا تزن، فانّ الزنا مع المحارم ليس مساوياً للزنا بغيرها، والزنا مع ذات البعل ليس مساوياً للزنا بغير ذات البعل، وهكذا في سائر الاطلاقات الشمولية، بخلاف الاطلاق البدلي فانّ الأفراد فيه لا بدّ من أن تكون متساوية الأقدام في غرض المولى، وإلاّ يقبح توجيه الحكم نحو الطبيعة على البدل، بل لا بدّ من الحكم بالفرد الأقوى في الوفاء بالغرض، فالاطلاق البدلي يحتاج إلى إحراز التسوية بين الأفراد، وهي مقدمة زائدة على مقدمات الحكمة الجارية في الاطلاق الشمولي. والاطلاق الشمولي يوجب انتفاء هذه المقدمة، فانّه يثبت عدم التسوية بين العالم الفاسق والعالم غير الفاسق، فيسقط الاطلاق البدلي عن الحجية في مورد التعارض مع الاطلاق الشمولي.

 وفيه: أنّ الاطلاق البدلي لا يحتاج في إحراز المساواة إلى مقدمة خارجية، إذ نفس الاطلاق كاف لاثبات المساواة وأنّ جميع الأفراد واف بغرض المولى، لأ نّه لو كان بعض الأفراد وافياً بغرضه دون بعض آخر كان عليه البيان، فانّ الاطلاق نقض لغرضه، فكما أن نفس الاطلاق في المطلق الشمولي يدل على شمول الحكم لجميع الأفراد مع تمامية مقدمات الحكمة، فكذا نفس الاطلاق في المطلق البدلي مع تمامية المقدمات المذكورة يدل على كون كل واحد من الأفراد وافياً بغرض المولى.

 الوجه الثالث: ما يرجع إلى الوجه الثاني باختلاف بينهما في مجرد العبارة، وهو أن تمامية الاطلاق في المطلق البدلي متوقفة على عدم المانع، إذ مع ثبوت المانع عن تطبيق الطبيعة في ضمن فرد من الأفراد، لا يصح التمسك بالاطلاق في الاكتفاء بتطبيق الطبيعة في ضمن هذا الفرد، والاطلاق الشمولي صالح للمانعية عن الاطلاق البدلي، والتمسك في دفع مانعيته بالاطلاق البدلي مستلزم للدور،

ــ[458]ــ

فان تمامية الاطلاق متوقفة على عدم المانع، فلو توقف عدم مانعية الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي، لزم الدور.

 ويظهر الجواب عنه مما ذكرنا في الجواب عن سابقه، فان تمامية الاطلاق وانعقاد الظهور للمطلق البدلي مع تمامية مقدمات الحكمة غير متوقفة على عدم المانع، غاية الأمر أنّ الاطلاق الشمولي مانع عن العمل بالاطلاق البدلي، كما أنّ الاطلاق البدلي مانع عن العمل بالاطلاق الشمولي، لعدم إمكان العمل بكليهما، فيكون بينهما التمانع، وهذا شأن كل دليلين متعارضين.

 وبالجملة: توقف جواز العمل بالاطلاق البدلي على عدم المانع صحيح، إلاّ أ نّه غير مختص به، فانّ العمل بالاطلاق الشمولي أيضاً متوقف على عدم المانع، إذ العمل بكل دليل موقوف على عدم المانع، وكما أنّ الاطلاق الشمولي مانع عن العمل بالاطلاق البدلي، كذلك الاطلاق البدلي مانع عن العمل بالاطلاق الشمولي، وهو معنى التعارض.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net