تقليد من عرف الأحكام من الرمل والجفر وغيرهما- تقليد من يرى حجية الظن من جهة الانسداد 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4123


 ثمّ إنّه ظهر مما ذكرناه عدم جواز تقليد من عرف الأحكام من غير الأدلة المقررة كالرمل والجفر ونحوهما، وأ نّه لا اعتبار بقضائه، ولو فرض كونه معذوراً في تحصيلها منها لقصوره، والوجه في ذلك: أنّ الأئمة (عليهم السلام) أمروا بالرجوع إلى رواة أحاديثهم، ونهوا عن الاعتماد على غيرهم، وقيّدوه بكون الراوي ناظراً في الحلال والحرام، الظاهر في اعتبار كونه من أهل النظر والاستنباط في صحة الرجوع إليه، كما في مقبولة عمر بن حنظلة، مضافاً إلى أنّ راوي الأحاديث باعتبار نقله ألفاظها لا يسمى من أهل الذكر، بل صدق هذا العنوان كعنوان الفقيه يتوقف على استنباط الأحكام منها.

 ومن هنا يظهر عدم جواز تقليد من يرى حجية الظن من جهة انسداد باب العلم والعلمي، أمّا على الحكومة فظاهر، لأ نّه لايكون عالماً بالأحكام الشرعية، غاية الأمر كونه معذوراً في عمل نفسه مع عدم التقصير في المقدمات. مضافاً


ــ[526]ــ

إلى أنّ حجية الظن مختصة بمن تمت في حقه مقدمات الانسداد ومنها عدم جواز التقليد، وهذه المقدمة لا تتم في حق العامي المتمكن من الرجوع إلى المجتهد الانفتاحي. وأمّا على الكشف فلأ نّه وإن كان عالماً بجملة من الأحكام الشرعية الظاهرية، إلاّ أنّ حجية الظن مختصة بمن تمت في حقه مقدمات الانسداد، وقد عرفت عدم تماميتها في حق العامي المتمكن من الرجوع إلى المجتهد الانفتاحي.

 إن قلت: إنّ المجتهد الانفتاحي يتمسك عند فقدان الطرق والاُصول الشرعية بالاُصول العقلية، ومن الظاهر أ نّه في موارد التمسك بها لا علم له بالحكم الواقعي ولا بالحكم الظاهري، فيلزم مما ذكر أن يكون الرجوع إليه فيها من قبيل رجوع الجاهل إلى مثله. مضافاً إلى أنّ موضوع تلك الاُصول لا تتم في حق العامي المتمكن من الرجوع فيها إلى من يرى قيام الطرق أو الاُصول الشرعية فيها، بل لا يجوز رجوعه إليه في الموارد التي يتمسك فيها بالاُصول الشرعية مع وجود من يرى قيام الطرق فيها، فانّ موضوع البراءة الشرعية مثلاً في الشبهات الحكمية إنّما هو عدم التمكن من العلم بالحكم الواقعي، ومن الظاهر أنّ فتوى من يدعي قيام الطرق في الموارد المذكورة علم به في حق العامي بعد الأخذ به، فهو متمكن من العلم، فلا يتم موضوع البراءة في حقه.

 قلت: الرجوع إلى المجتهد في موارد الاُصول العقلية ليس من جهة التقليد في الحكم الشرعي، بل من جهة الرجوع إليه في تشخيص موضوع حكم العقل، حيث إنّه من أهل خبرة ذلك، فيرجع العامي إليه في تشخيص أنّ المورد الفلاني لم تقم فيه حجة على التكليف المحتمل، ولم يثبت فيه حكم شرعي واقعي أو ظاهري، فيستقل عقله بما استقل به عقل المجتهد بعينه. ولو فرض أ نّه لم يكن أهلاً لادراك الأحكام العقلية المستقلة، لم يكن مانع من الرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة أيضاً.

ــ[527]ــ

 وأمّا الاشكال على جواز الرجوع إليه في هذه الموارد، بل في موارد الاُصول الشرعية أيضاً من جهة تمكن العامي من الرجوع إلى من يرى قيام الدليل على الحكم الشرعي في هذه الموارد، فهو غير صحيح على إطلاقه، وإن كان صحيحاً في الجملة.

 وتفصيل الكلام فيه: أنّ من يفتي بعدم وجوب شيء لعدم تمامية الحجة على الوجوب عنده، إمّا أن يكون أعلم من غيره المفتي بالوجوب بزعم قيام الدليل عليه، وإمّا أن لا يكون أعلم منه.

 وعلى الأوّل لا يكون قول غيره حجة في حق العامي ليكون مانعاً من الرجوع إلى الحكم المستفاد من الأصل العملي، والوجه في ذلك: ما سنبينه(1) إن شاء الله تعالى من أنّ دليل حجية الفتوى ـ أيّاً ما فرض غير السيرة العقلائية ـ لا يشمل المتعارضين، فاذا ادعى أحد المجتهدين قيام الطريق على الوجوب، وادعى الآخر عدم الدليل عليه فأفتى بعدم الوجوب، كانت الأدلة الدالة على حجية الفتوى غير شاملة لشيء من الفتويين على ما تقدم سابقاً من أنّ مقتضى القاعدة هو سقوط المتعارضين(2)، وأمّا السيرة فهي قائمة على لزوم الرجوع إلى الأعلم على ما نبينه قريباً إن شاء الله تعالى.

 وكيف كان، فلا تكون فتوى غير الأعلم مانعة من الرجوع إلى ما ثبت من الاُصول العملية ما لم تثبت حجيتها كما هو المفروض.

 وعلى الثاني فامّا أن يكون العامي عالماً بفتوى القائل بالوجوب مثلاً أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 543.

(2) راجع ص 440 ـ 441.

ــ[528]ــ

يكون جاهلاً بها. وعلى الثاني فالأمر كما ذكرناه، ضرورة أنّ الفتوى بالوجوب حينئذ لا تكون حجة في حقه مع عدم وجوب الفحص عنها في حقه على ما سنبينه(1) إن شاء الله تعالى، فلا مانع من الأخذ بفتوى من يقول بعدم الوجوب اعتماداً على الأصل العملي، فانّ موضوع الأصل وهو عدم قيام الحجة على الحكم موجود في حق العامي أيضاً وجداناً، ولا يقاس ذلك بموارد تمكن المجتهد من الوصول إلى الحجة في الشبهات الحكمية، حيث لا يجوز له الرجوع إلى الأصل العملي فيها، فانّ موضوع الأصل عدم قيام الحجة على التكليف، وهو غير محرز قبل الفحص، فانّ الحجة حجة بوجودها الواقعي لا بوصولها إلى المكلف، وأين هذا من محل الكلام الذي فرض فيه عدم حجية فتوى القائل بالوجوب مثلاً قبل وصولها إلى العامي. وأمّا على الأوّل وهو ما إذا وصل إلى العامي فتوى القائل بالوجوب مثلاً، فالصحيح في مورده عدم جواز الرجوع إلى من يرى عدم الوجوب، لمعارضتها بفتوى من يقول بالوجوب، فلا بدّ من الاحتياط، لكون الشبهة حكمية. ولا مجرى للأصل في موردها قبل الفحص، والمفروض أنّ العامي عاجز عنه.

 نعم، لو تم ما ذكره شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) من الاجماع على عدم وجوب الاحتياط على العامي، صح الرجوع إلى فتوى من يقول بعدم الوجوب، ويكون الاجماع حينئذ هو الدليل في المسألة وإن كان على خلاف القاعدة، وانتظر تمام الكلام في محلّه(3) إن شاء الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 546.

(2) الاجتهاد والتقليد: 50.

(3) في ص 546 ـ 547.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net